الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة. وقيل: تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين (1)]. وقيل: هو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك (2) وحاصل هذه التعريفات وما يرادفها أن الإخلاص الذي يريده الله تعالى ويتوقف عليه قَبول الأعمال هو: إفراد الله تعالى بالطاعات، وقصده بها دون غيره، وتجريدها وتصفيتها من قصد الحمد أو الثناء، أو أي معنى آخر سوى التقرب بها إلى الله تعالى وحده لا شريك له
(1) مدارج السالكين 2/ 91. ') ">
(2)
معارج القبول 1/ 276. ') ">
المبحث الثاني: أهمية الإخلاص
الإخلاص من أهم أعمال القلوب باتفاق أئمة الإسلام، فهو حقيقة الدين، وهو الفارق بين التوحيد والشرك، فلا تقبل الأعمال إلا به، وهو أول مفتاح دعوة المرسلين عليهم الصلاة والسلام (1) قال الربيع بن أنس: علامة الدين الإخلاص لله، وعلامة العلم خشية الله (2)(3) وقد أمر الله تعالى به في آيات كثيرة، كقوله تعالى:
(1) انظر التحفة العراقية (23)، ونور الهدى وظلمات الضلال (113)، وطريقك إلى الإخلاص والفقه في الدين (37)، وتطبيق الإخلاص (16).
(2)
انظر الإخلاص والنية: لابن أبي الدنيا (33).
(3)
انظر الإخلاص والنية: لابن أبي الدنيا (33). ') ">
{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} . وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ، ولما كانت أعمال العباد تتوقف في قبولها على الإخلاص فقد أمر الله عز وجل به عباده، فقال جل شأنه:{وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: وما أمر الله هؤلاء اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين، مفردين له الطاعة، لا يخلطون طاعتهم ربهم بشرك (1) ولا يخفى أن العبرة هنا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقال تعالى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} فالمقصود من الأمر بالعبادة التوطئة إلى تقييد العبادة بحالة الإخلاص من قوله: {مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} ، فالمأمور به عبادة خاصة، ولذلك لم يكن الأمر بالعبادة مستعملاً في معنى الأمر بالدوام
(1) انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن 30/ 263. ') ">
عليها. ولذلك أيضًا لم يُؤت في هذا التركيب بصيغة قصر، خلاف قوله:{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} ، لأن المقصود هنا زيارة التصريح بالإخلاص، والرسول صلى الله عليه وسلم منزه عن أن يعبد غير الله تعالى، ومما يدل على أهمية الإخلاص في هذه الآية أنها أَمْرٌ لكل مؤمن بوجوب إخلاص العبادة لله تعالى، فيعبد الله تعالى لأجله، أي طلبًا لرضاه، وامتثالاً لأمره، فهي دعوة إلى العمل الذي يقرب من الله تعالى، لنيل ثوابه، ودفع عقابه، ولهذا قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ، فالعمل هنا هو الموافق لشرع الله تعالى، ولهدي النبي صلى الله عليه وسلم من واجب ومستحب، {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} أي: لا يرائي بعمله بل يعمله خالصا لوجه الله تعالى، فهذا الذي جمع بين الإخلاص والمتابعة، هو الذي ينال ما يرجو ويطلب، وأما مَن عدا ذلك، فإنه خاسر في دنياه وأخراه، وقد فاته القرب من مولاه، ونيل رضاه. فالإخلاص راجع إلى أحوال النية في العبادة المشار إليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا
يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (1)(2) فإذا كان الإخلاص بهذه المنزلة فإن أهميته لا تخفى على كل مؤمن، ولا سيما في أصل الدين والإيمان، فهو أعظم اشتراطًا منه في الفروع لأن الله عز وجل قال في الحديث القدسي:«أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» (3)
ومعنى ذلك أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا، وأما غير ذلك فهو تعالى غني عنه. فإذا لم يقبل الله تعالى من عبده طاعة من الطاعات لكن لديه أصل التوحيد والإيمان فإنه يخسر تلك الطاعة ويبقى معه أصل التوحيد والإيمان، وأما إذا كان الإخلاص مفقودًا في فعل طاعة ما، والشرك موجود في أصل التوحيد والإيمان فإن هذا العبد يخسر الدنيا والآخرة بحبوط عمله. قال ابن رجب: [لا ينجو غدًا إلا من لقي الله بقلب سليم ليس فيه سواه، قال الله تعالى:
(1) انظر صحيح البخاري 1/ 2، كتاب بدء الوحي، باب:(1) كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحيح مسلم 3/ 1515، 1516، كتاب الإمارة، باب:(45) قوله: (إنما الأعمال بالنية)، حديث (1407).
(2)
انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: (489)، والتحرير والتنوير 23/ 316، 318. ') ">
(3)
صحيح مسلم 4/ 2289، كتاب الزهد والرقائق، باب:(5) من أشرك في عمله غير الله، الحديث (2985).