الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرب وأخلاقياتها في الإسلام
لفضيلة الدكتور: خالد بن محمد الشنيبر (1)
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله أمانا وسلاما للعالمين، وبعد:
إن استكشاف نظريات الإسلام والعلاقات الدولية لا بد من أن يقوم على معرفة السياسة الحربية التي تسير عليها أية أمة، وإن من التخدير للعقول؛ أن نتكلم عن ديانة أو حضارة وُجدت وسادت ولم يكن في تاريخها استعمال الحرب في غالب الأحيان، لكن يبقى أن التميز في كيفية هذه الحروب، وفي مدى توافق البُعد الأخلاقي النظري مع التطبيق الحربي الواقعي.
لقد أثار جماعات من الحانقين - قديما وحديثا- أن الإسلام دينٌ لا يعرف السلام، وأن نبيه نبي السيف، وأنه لم ينتشر بفضل
(1) أستاذ مساعد في قسم الثقافة الإسلامية - كلية التربية - جامعة الملك سعود في الرياض.
تعاليمه بقدر ما قام به من إكراه للدخول فيه! وهذه الأقوال على سطحيتها العلمية وكونها تدل تماما على جهل قائلها بتعاليم الإسلام؛ إلا أننا نجد لها رواجا كبيرا حتى عند طائفة من المثقفين.
ونضيف أيضا، أن الإسلام استأثر كثيرا بالحملة المثارة حول السلام والحرب فيه، بالرغم أن غيره من الأديان لم يكن أقل شأنا منه في هذه الناحية. واستجابة لذلك؛ فمن المهم أن تنحو الدراسات المعاصرة إلى ابتكار طرائق جديدة في سبيل بيان مفهوم الإسلام للسلام والحرب، وألا نكتفي بالموقف الدفاعي المعهود في كتاباتنا، ومن يتابع المشهد الفكري حول الإسلام في القرون الوسطى الأوروبية يلحظ وصفه بأبشع الصفات. ويصف " جير نوتر " هذه الحالة الغربية بقوله: (الشعار الذي يبدو أنه لا يمكن استئصاله، القائل بأن مقصد الإسلام الوحيد هو التوسع "بالنار والحديد"
…
مع ملاحظة أن أوضاع المسيحيين في حالة الفتح الإسلامي كانت في العادة أفضل بكثير من العكس، هو في الواقع حقيقة معروفة لا جدال فيها، ولكنها لم تتمكن فيما يبدو من فرض نفسها على الوعي الأوروبي. وتُمثّل أسطورة "النار والحديد" أحد أوجه أهم فكرة نمطية ثابتة في إطار الشعائر العدائية تجاه الإسلام. أي أن الإسلام والمسلمين جميعا يَتّسِمون أصلا بالعنف والعدوانية، وبذلك فهم يمثلون تهديدا للحضارة الغربية. ولم يتغير شيء من هذه الصورة منذ القرون
الوسطى، برغم كافة الخبرات التاريخية (1)
والكلام هنا واضح تماما ولا يحتاج إلى مزيد تعليق، إلا أني أخالف في جزئية معينة، وهي ما آل إليه الحال في العصور الحاضرة مقارنة بالعصور الوسطى، حيث أصبح الحديث حول الإسلام هو الحديث عن دين أرقى بكثير من ذلك " الإسلام " الذي تكلم حوله الأوروبيون منذ مئات السنين، وبدأت لغة الخطاب في التحول إلى مفهوم آخر أكثر إيجابية حول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم (بغض النظر عن الكثير من الحوادث)، واعتبار الإسلام دينا محترما، وكما يعبر "موتجمري وات" بأن على البقية التي لم تتعرف على الإسلام أن يدركوا (أن الوحي الإسلامي " الرسالة الإسلامية" مسألة لا بد من تناولها بجدية، فالإسلام منافس قوي للمسيحية في قيادة عالم اليوم (2)
وإن كانت النظرة بارتياب من الإسلام ما زالت موجودة حتى الآن، إلا أنها بفضل تلك الدراسات والبحوث قد تحسنت، وإن كانت دون المستوى المطلوب، أو الذي يحكي الواقع الحقيقي
(1) الإسلام والغرب الجوار المفقود: دراسات ألمانية، للمستشرق: جير نوتر، (بحث مترجم ضمن كتاب: صورة الإسلام في التراث الغربي ص 46، ترجمة: عيد ثابت).
(2)
الإسلام والمسيحية، مونتجمري وات، ص 34. ') ">
وكما أشرنا، فلا يمكن تصور أي مبدأ سلمي في أي ديانة أو حضارة من دون أن نتصور مع ذلك منهج الحرب والأخلاق الحربية، إذ لا يمكن بحال تصور مبدأ من غير استكشاف نقيضه. فلا معرفة للسلام من دون معرفةٍ للحرب، ولا العدل بغير معرفة للظلم.
ولذا؛ سيكون هذا البحث باكورة سلسلة من البحوث تتحدث عن الحرب في تعاليم الأديان، وخاصة: اليهودية، النصرانية، الإسلام، والعمل على إظهار المزايا المتعددة التي تتميز بها الحروب الإسلامية.
خطة البحث:
يحتوي البحث على مقدمة، وأربعة مباحث، وخاتمة:
المبحث الأول: الحرب في الإسلام ودوافعها، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: هل شرع الإسلام الحرب؟
المطلب الثاني: حروب المسلمين كانت هجومية أم دفاعية؟
المطلب الثالث: المبادئ الحربية: آراء متعارضة وشهادات منصفة.
المبحث الثاني: خيارات الحرب في الإسلام، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الدخول في الإسلام، كأحد الخيارات السلمية
المطلب الثاني: فرض الجزية، كأحد الخيارات السلمية
المطلب الثالث: إعلان الحرب
المبحث الثالث: جرائم الحرب، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التعاليم الإسلامية في منع الإبادة والإفساد
المطلب الثاني: معارضات حول موقف الإسلام من جرائم الحرب والإبادات الجماعية
المبحث الرابع: أسرى الحرب
وختاما: فإني أحمد الله على تيسير هذا البحث، وأخص بالشكر عمادة البحث العلمي في جامعة الملك سعود لدعمها هذا البحث وغيره من المشاريع البحثية.