الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهنا نلاحظ أن هنا خيارين سلميين: (الإسلام، الجزية)، وخيار حربي واحد:(القتال). هذا الأمر دفع المؤرخ الإنجليزي "آرنولد توينبي " إلى القول بإعجاب: (لم يكن الاختيار بين الإسلام أو القتل، ولكن بين الإسلام أو الجزية، وتلك سياسة مستنيرة، أجمعت الآراء على امتداحها)
وسنتناول هنا هذه الخيارات، التي تُؤكد عمق الرحمة التي كان المسلمون يُطالَبون بها أثناء تطبيقهم تلك الخيارات.
المطلب الأول: الدخول في الإسلام، كأحد الخيارات السلمية
سبق الحديث عن أحد مبادئ الحرب في الإسلام وهو: " أن يكون القتال في سبيل الله ولإبلاغ دينه "(1) وكان نتيجة لذلك المبدأ أن كانت الفتوحات الإسلامية لا تُبادر بمبادأة الأمم بالقتل، لأن الهدف كان هداية الناس للخير والدعوة للدخول في الإسلام.
إن مبدأ الدعوة للإسلام ليس أمرا ترفيًّا يُعرض على الشعوب من باب إبراء الذمة، بل ركنا أصليا وأُمنية صادقة في حروب المسلمين مع غيرهم.
(1) سبق في: المبحث الأول / المطلب الثالث: المبادئ الحربية: آراء متعارضة وشهادات منصفة / تحت عنوان: المبدأ الأول: أن يكون القتال في سبيل الله.
إن الأصل في الحروب الإسلامية أنها وسيلة للدعوة وليست غاية في ذاتها، ولا يُلجأ إليها إلا حين تفشل الدعوة أو يحول بينها وبين الناس حائل. لذا فالحرب تفقد شرعيتها إذا لم تسبقها تلك الدعوة، ولأن المقصود إزالة الشرك وتثبيت الإسلام، فإن تحقق دون قتال فهو المطلوب الذي أمر به القرآن (1) (2) {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} الإسراء: 15
وقد سبق معنا قريبا تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على قوّاد الجيوش بابتداء الشعوب بالدعوة للإسلام، وعدم جعل الاجتياح والسلب هدفا لذاته: «
…
ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم .... » (3).
يقول الصحابي ابن عباس رضي الله عنهما: «ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم» (4) وهو أمر متأكد، خاصة عند من لم تبلغه دعوة الإسلام.
(1) العلاقات الدولية في الإسلام وقت الحرب، عبد العزيز صقر، ص 13.
(2)
العلاقات الدولية في الإسلام وقت الحرب، عبد العزيز صقر، ص 13. ') ">
(3)
صحيح مسلم الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ (1731)، سنن الترمذي السِّيَرِ (1617)، سنن أبي داود الْجِهَادِ (2612)، سنن ابن ماجه الْجِهَادِ (2858)، مسند أحمد (5/ 352)، سنن الدارمي السِّيَرِ (2442).
(4)
مسند أحمد 1/ 231، وصححه الأرنؤوط في تخريج المسند.
ويذكر مؤرخو المسلمين القدماء تطبيقا لقضية الدعوة قبل القتال، إذ ذكر المؤرخ " البلاذري " أنه لما استُخلف الخليفة الأموي العادل: عمر بن عبد العزيز، وفد عليه قوم من أهل سمرقند من بلاد المشرق، فرفعوا إليه أن " قتيبة " دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر، [أي من غير دعوة]، فكتب عمر إلى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين أُخرجوا، فنصب لهم قاضيا مسلما، فحكم بإخراج المسلمين على أن ينابذوهم على سواء [أي إشعارهم بأن لا عهد بينهم]، فكره أهل مدينة سمرقند الحرب، وأقروا المسلمين فأقاموا بين أظهرهم) (1)
ولقد سجلت دواوين السنة النبوية حادثة تدفع المسلم لأخذ الحيطة والحذر الشديد في الحرب، وهي القصة التي يحكيها أسامة بن زيد رضي الله عنه عن نفسه فيقول: «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية
…
فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله:" أقال لا إله إلا الله وقتلته"؟ قال قلت يا رسول الله: إنما قالها خوفًا من السلاح. قال: " أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا "، فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ» (2).
قال سعد [بن أبي وقاص]: وأنا والله لا أقتل مسلمًا حتى يقتله
(1) فتوح البلدان، البلاذري، ص411. ') ">
(2)
صحيح مسلم الْإِيمَانِ (96)، سنن أبي داود الْجِهَادِ (2643).
ذو البطين -يعني أسامة - فقال رجل: ألم يقل الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} البقرة: 193؟ فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة) (1)
ويأتي المقداد بن الأسود - وهو الذي سمع عن تشديد نبيه صلى الله عليه وسلم في مسائل قتل الأنفس - فيسأله: «أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال صلى الله عليه وسلم " لا تقتله"، فقلت يا رسول الله: إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال صلى الله عليه وسلم:"لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» (2)
لقد كان المغزى المهم في حروب محمد صلى الله عليه وسلم هو أن يقول الناس: لا إله إلا الله، وهذا يظهر واضحا في أنه لم يُرد ملكا سياسيا، يفاخر به الملوك. فقد كان متواضعا جدا على عظمة ملكه، ويتحدث في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن حالة معيشة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
…
وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة .. فرأيت أثر الحصير في جنبه، فبكيت، فقال صلى الله عليه وسلم:"ما يبكيك"؟ فقلت يا رسول الله:
(1) صحيح البخاري (6478)، صحيح مسلم (96). وذو البطين: هو أسامة لكبر بطنه. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 104.
(2)
صحيح مسلم (59).
إن كسرى وقيصر [ملكي الفرس والروم] فيما هما فيه، وأنت رسول الله! فقال: " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة» (1)
وقد جرى فقهاء المسلمين القدماء على تأصيل هذه المبادئ وتطبيقها منذ وقت مبكر في تاريخ الإسلام. يقول الإمام محمد بن الحسن الشيباني: (ولو أن قومًا من أهل الحرب، بلغهم الإسلام ولم يدروا كيف هو، فغزاهم المسلمون فدَعَوا إلى أن يُسلموا، فأبى الأمير الذي على المسلمين أن يجيبهم إلى ذلك حتى قاتلهم وظهر عليهم، فإنه ينبغي أن يعرض عليهم الإسلام، فإذا أسلموا خلى سبيلهم، وسلم لهم أموالهم وذراريهم وأراضيهم؛ لأن القتال شرع لأجل الإسلام، على ما قال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» (2)، وهؤلاء لما سألوا الإسلام فقد رغبوا فيه، فكان يجب على الإمام أن يصف لهم الإسلام قبل المقاتلة حتى يسلموا، فإذا قاتلهم ولم يصف لهم الإسلام، فقد أخطأ فيه، فعليه أن يرجع عن خطئه فيعرض عليهم الإسلام بعد الظهور عليهم، فإن أسلموا صاروا كأنهم أسلموا قبل الظهور عليهم فبقوا أحرارًا كما كانوا، وإن أبوا أن يسلموا جُعلوا ذمة) (3)
وينقل الشوكاني أقول العلماء في حكم الدعوة قبل القتال
(1) صحيح البخاري (4629).
(2)
صحيح البخاري الزكاة (1400)، صحيح مسلم الإيمان (20)، سنن الترمذي الإيمان (2607)، سنن النسائي الجهاد (3092)، سنن أبو داود الزكاة (1556)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 19).
(3)
شرح السير الكبير، السرخسي 5/ 2227. ') ">
وأنها على ثلاثة مذاهب:
الأول: أنه يجب تقديم الدعاء للكفار إلى الإسلام، من دون فرق بين من بلغته الدعوة منهم ومن لم تبلغه.
والمذهب الثاني: أنه لا يجب مطلقا.
المذهب الثالث: أنه يجب لمن لم تبلغهم الدعوة، ولا يجب إن بلغتهم، لكن يستحب.
ونقل الشوكاني عن ابن المنذر أن القول الثالث هو قول جمهور أهل العلم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف من الأحاديث (1)
أقول: وهذا التفريع والخلاف بين العلماء في المسائل المتعلقة بالمخالفين في الديانة لا يكاد يُعرف عند غير المسلمين، إذ لا نجد في تشريع ديني أو دنيوي أن تتوقف الجيوش الغازية من أجل مصلحة لا تحقق شيئا ماديًا لتلك الدول.
- تسهيل وسائل الدخول في الإسلام:
عندما نلاحظ سيرة نبي الإسلام في علاقاته مع غير المسلمين؛ نرى سعيه الدائم لهداية النّاس. وقد سلك النبي صلى الله عليه وسلم في تحقيق ذلك
(1) انظر: نيل الأوطار، الشوكاني 8/ 53، وراجع توسعا واستفاضة في أدلة العلماء ومناقشتها في كتاب الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، محمد خير هيكل، ص 771.
عدة طرائق. ومن الطرق التي كان يسلكها النبي صلى الله عليه وسلم لهداية الشعوب؛ كثرة دفع الأموال لاستمالة قلوبهم للإسلام، مع أنه عاش فقيرا، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي لأجل ديْن كان عليه. وقد مر بنا قبل قليل كيف كان ينام على حصير يؤثر في جنبه، مما يدل على حياة الفقر التي كان يعيشها لنفسه.
وإن من تسهيل وسائل الدخول في الإسلام أن يكتفي المسلم في حربه مع غير المسلمين بأن يُعلنوا شهادة التوحيد، فيُمنع المسلمون بعد ذلك من أي اعتداء عليهم، بل يكونون بذلك مثل المسلمين تماما. إذ كانت هي الغاية التي يُريدها الإسلام بالضبط. وقد مر معنا قبل صفحتين حديث أسامة وحديث المقداد في ذلك.
لقد جعل الإسلام الاشتباه في إسلام أي شخص يُعد كفيلا لعصمة دمه وماله حتى يتبين نقيض ذلك، وحول هذا المعنى جاء في القرآن الكريم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
(1) صحيح مسلم (2312).
النساء: 94
جاء في سبب نزول الآية أنه «مرّ رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غنم له، فسلم عليهم، قالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوّذ منكم، فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية» (1)
قال ابن سعدي: (يأمر تعالى عباده المؤمنين، إذا خرجوا جهادا في سبيله، وابتغاء مرضاته أن يتبينوا، ويتثبتوا في جميع أمورهم المشتبهة
…
فإن التثبيت في هذه الأمور، يحصل فيه من الفوائد الكثيرة، والكف عن شرور عظيمة
…
كما جرى لهؤلاء الذين عاتبهم الله في الآية، لما لم يتثبتوا، وقتلوا من سلّم عليهم، وكان معه غنيمة له أو مال غيره، ظنا أنه يستكفي بذلك قتلهم، وكان هذا خطأ في نفس الأمر فلهذا عاتبهم بقوله:{وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} أي: فلا يحملنكم العرض الفاني القليل، على ارتكاب ما لا ينبغي، فيفوتكم ما عند الله من الثواب الجزيل الباقي، فما عند الله خير وأبقى .. ثم قال تعالى مذكرا لهم بحالهم الأولى، قبل هدايتهم إلى الإسلام:{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} أي:
(1) سنن الترمذي (3030)، وقال الترمذي: حسن.
فكما هداكم بعد ضلالكم، فكذلك يهدي غيركم ..
فإذا كان من خرج للجهد في سبيل الله، ومجاهدة أعداء الله، واستعد بأنواع الاستعداد للإيقاع بهم، مأمورا بالتبين لمن ألقى إليه السلام، وكانت القرينة قوية، في أنه إنما سلم تعوذا من القتل، وخوفا على نفسه؛ فإن ذلك يدل على الأمر بالتبين والتثبت، في كل الأحوال التي يقع فيها نوع اشتباه، فيتثبت فيها العبد، حتى يتضح له الأمر، ويتبين الرشد والصواب) (1)
بقي هنا أن نشير إلى أن هذه النصوص هي التشريع الذي يُمثل
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن سعدي، ص 194 - 195. ') ">
(2)
سنن أبي داود (5080)، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ولكن معناه مما يشهد له نصوص الإسلام بشكل واضح، والآية التي قبله أيضا.
حقيقة الإسلام، وقد يحدث أحيانا من بعض أفراد الجيش ممن يريد الدنيا أو ممن يجهل بعض الأحكام، أو ممن يجتهد بما يُخالف أحكام الإسلام؛ كل هؤلاء ربما وقعت منهم أخطاء تخالف مُراد الإسلام، ولذا نحن نورد أحداثهم لنعلم أنه مهما قيل ونُقل من تلك الأعمال المخالفة؛ فذلك ليس هو التمثيل الحقيقي والتشريعي في الإسلام.
- حرص الإسلام على دعوة جميع الأجناس:
ونختم الحديث في هذا الخيار (الدخول في الإسلام) بمسألة جديرة بالعناية في معرض المقارنة بين منهج الإسلام وغيره، وهي أن الإسلام لا يُميّز - أبدا- على أساس عرقي أو غيره بين الشعوب الراغبة في الدخول فيه، فالجميع مدعوون -مهما بلغت عداوتهم للإسلام - إلى الدخول فيه، من غير وجود أي عقبات في ذلك. بل لقد تناسى النبي صلى الله عليه وسلم كل كيد الأعداء والماكرين به أشد المكر، وقبلهم إخوة له في الإسلام! ونضع هنا مثالين فقط من أمثلةٍ كثيرةٍ ومتعددةٍ يزخر بها دين الإسلام.
المثال الأول: كان فتح مكة هو إيذانٌ بأعظم انتصار للإسلام ضد أكبر أعداء المسلمين، وهم مشركو مكة، الذين طاردوا النبي صلى الله عليه وسلم وضربوه وأهانوه، وحاولوا قدر المستطاع قتله، حتى هرب منهم فارًّا بدينه ونفسه. عندما انتصر عليهم ظن أهلها أنه سيبيدهم؛ لِمَا بدر منهم من الاضطهاد والتنكيل له ولأصحابه، لكنه تعامل مع الموقف بتعامل
يُريد به رحمة بهم، فأول مبادرة للسلام هي قوله:«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن» (1)
يعلق المستشرق الأمريكي " واشنجتون ايرفنج " على حالة الفتح: (كانت تصرفات الرسول [صلى الله عليه وسلم] في مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه، رغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو)
وكان هذا الموقف يتوافق وتوجيهات القرآن بعدم الزيادة في
(1) صحيح مسلم (1780).
(2)
السيرة النبوية، ابن هشام 5/ 73 - 74، وراجع الروايات والكلام على أسانيدها في: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، مهدي رزق الله، ص 569.
العدوان، والصفح عن المعتدين. يقول الصحابي أبي بن كعب (1) لما كان يوم أُحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة، فيهم حمزة، فمثّلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربينّ عليهم [نزيد في العقوبة]، قال: فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} النحل: 126
المثال الثاني: وفي فتح مكة استثنى النبي صلى الله عليه وسلم أربعة رجال من العفو الشامل، إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال:«اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح» (2)
نلاحظ أن هؤلاء بلغوا من العتو والطعن في دين الإسلام درجة كبرى، ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يُهدر دماءهم، وقد عصم دماء غيرهم من المشركين. الأهم من ذلك أن اثنين منهم لم يُطبق عليهم هذا الحكم، وهما: عكرمة بن أبي جهل، حيث جاءت الروايات حول هؤلاء: «
…
وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا،
(1) الحديث في: سنن الترمذي (3129)، وقال: حسن غريب، وقال الحاكم في المستدرك (3368): حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(2)
مستدرك الحاكم (2329)، وصححه ووافقه الذهبي.