المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: المبادئ الحربية: آراء متعارضة وشهادات منصفة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌البحوث

- ‌الفتاوى

- ‌ أجرة نقل الزكاة على رب المال)

- ‌ جواز نقل الزكاة إلى غير بلد المال إذا كان فيه مصلحة)

- ‌ نقل الزكاة إلى الأقارب وإلى الحرمين)

- ‌ العبرة بالزارع إذا توسطت المزارع):

- ‌ والنظر في النقل وعدمه إلى الإمام أو نائبه)

- ‌ نقل الفطرة):

- ‌ تأديته الفطرة في بلده وهو في أمريكا)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌المشروع للمسلم الإكثار من الصدقة ولو بالقليل

- ‌الصيام ليس من خصائص هذه الأمة وحدها

- ‌لا أعلم شيئا معينا لاستقبال رمضان

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ الحكمة من حل أربطة الكفن داخل القبر

- ‌ حكم وضع وسادة تحت رأس الميت

- ‌ ستر جثة الميت والعناية بغسله

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ القراءة في الصلاة

- ‌البحوث

- ‌منهج البحث:

- ‌المبحث الثالث: أداؤها بعد الإقامة:

- ‌المبحث التاسع: صفة القراءة فيهما:

- ‌من أخلاق القرآن الكريم

- ‌المقدمة:

- ‌التمهيد

- ‌أولاً: تعريف الأخلاق

- ‌ثانيا: أقسام الأخلاق

- ‌الفصل الأول: الإخلاص

- ‌المبحث الأول: تعريف الإخلاص

- ‌المبحث الثاني: أهمية الإخلاص

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الإخلاص

- ‌المبحث الرابع: اقتران الإخلاص بالصدق وافتراقهما

- ‌المبحث الخامس: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الخالص

- ‌المبحث السادس: اختلاف الجزاء على العمل باختلاف النية

- ‌المبحث السابع: من ثمرات الإخلاص

- ‌الفصل الثاني: الصدق

- ‌المبحث الأول: تعريف الصدق

- ‌المبحث الثاني: أهمية الصدق

- ‌المبحث الثالث: حقيقة الصدق

- ‌المبحث الرابع: أنواع الصدق

- ‌المطلب الأول: الصدق في الإيمان

- ‌المطلب الثاني: الصدق في الإخلاص

- ‌المطلب الثالث: الصدق في المحبة

- ‌المطلب الرابع: الصدق في التوكل

- ‌المطلب الخامس: الصدق في القول

- ‌المطلب السادس: الصدق في العمل

- ‌المبحث الخامس: من ثمرات الصدق

- ‌الخاتمة:

- ‌أدب الاختلاف في العقائد عند أهل السنة والجماعة

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأول: معنى الأدب والاختلاف

- ‌المبحث الأول: تعريف الأدب وفضله

- ‌المبحث الثاني: تعريف الاختلاف والفرقبينه وبين الخلاف والجدل والشقاق

- ‌الفصل الثاني: أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الأول: من هم أهل السنة والجماعة

- ‌المبحث الثاني: أهل السنة والجماعة هم أهل العدل والإنصاف

- ‌المبحث الثالث: قواعد في منهاج أهل السنة والجماعة مع الآخرين ويتضمن:

- ‌المبحث الرابع: ضوابط وآداب أهل السنة والجماعة في الحكم على المخالفين

- ‌الخاتمة

- ‌الحرب وأخلاقياتها في الإسلام

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: الحرب في الإسلام ودوافعها

- ‌المطلب الأول: هل شرع الإسلام الحرب

- ‌المطلب الثاني: حروب المسلمين كانت هجومية أم دفاعية

- ‌المطلب الثالث: المبادئ الحربية: آراء متعارضة وشهادات منصفة

- ‌المبحث الثاني: خيارات الحرب في الإسلام

- ‌المطلب الأول: الدخول في الإسلام، كأحد الخيارات السلمية

- ‌المطلب الثاني: فرض الجزية، كأحد الخيارات السلمية

- ‌المطلب الثالث: إعلان الحرب

- ‌المبحث الثالث: جرائم الحرب والإبادات الجماعية والحماية للمدنيين

- ‌المطلب الأول: التعاليم الإسلامية في منع الإبادة والإفساد

- ‌المطلب الثاني: معارضات حول موقف الإسلام من جرائم الحرب والإبادات الجماعية:

- ‌المبحث الرابع: أسرى الحرب

- ‌خاتمة البحث:

- ‌بيان من هيئة كبار العلماء

- ‌حديث شريف

- ‌البحوث

الفصل: ‌المطلب الثالث: المبادئ الحربية: آراء متعارضة وشهادات منصفة

والاحترام المتبادل، من غير فرض جزية، وصالحهم والي مصر عبد الله بن أبي سرح (على هدية، عدة رؤوس منهم، يؤدونهم إلى المسلمين في كل سنة، ويهدي إليهم المسلمون في كل سنة طعاما مسمى، وكسوة من نحو ذلك)(1)

وفي ختام هذه المسألة يقال: إن الحقيقة التاريخية تأمر الدولة الإسلامية بنشر الإسلام، إما بالدعوة أو بالحرب (حال رفضهم السماح بنشر الإسلام)، ويبقى الخلاف في المقصود بالدعوة هل هو فرض الهيمنة السياسية، أم مجرد عدم معاداة الدولة الإسلامية مع السماح للدعاة.

أيضا: إن ما سبق يؤكد لنا أن الدولة الإسلامية لها طلب الجزية، وأحيانا كانت تقوم بحالات السلم من غير مشارطة على الجزية، كما حصل مع بلاد النوبة مثلا

(1) تاريخ الطبري 2/ 516. ') ">

ص: 291

‌المطلب الثالث: المبادئ الحربية: آراء متعارضة وشهادات منصفة

!

هنا نصل إلى القضية الأساسية حول النظرية الحربية في الإسلام، حيث نجد الكثير من الكتابات التي تتحدث عن الإسلام بأنه دين السيف، وما زالت هذه الكتابات هي الرائجة في الدراسات

ص: 291

الغربية أو غير الإسلامية عموما حول الإسلام.

وبالرغم من مبالغة المسلمين في الدفاع عن هذه القضية، الأمر الذي أدى إلى إنكار بعضهم لحقائق تاريخية ثابتة في الإسلام! فنحن لا يمكننا أن ننكر أن تلك الفتوحات الإسلامية كانت بالسيف، والتي كانت - ولا شك - أحد أسباب انتشار الإسلام؛ إلا أننا لا بد أن نشير إلى أن هذه الحروب لم تكن أمرًا تفرد به الإسلام عن غيره من الديانات والحضارات، بل هو فاتح، لكنه من نوع أخلاقي، رسم منهجية حربية جديدة على التاريخ أجمع، وهو الأمر الذي يتميز به سيف المسلمين عن غيرهم. وفي الوقت نفسه لم يكن السيف هو الذي أدى إلى انتشار الإسلام بشكل سريع جدا، إذ كانت تعاليمه السمحة مثار إعجاب الأمم المغلوبة، كما سيأتي تفصيله.

ومع هذه السماحة فإن ذلك لم يَرُقْ لكثيرٍ من الدارسين لعلوم الإسلام، إما جهلا بحقيقته، وإما استعمالا لمناهج غير علمية مع الإسلام. ولذا ما زالوا يتحدثون على أن الإسلام هو دين الدم والسيف، ولم يكن هدفه إلا بناء إمبراطورية عظمى!

أولا: الهجمة على الحرب الإسلامية

تقول المستشرقة الإسرائيلية " حافا لزروس " مكررة تلك الآراء غير الدقيقة حول الإسلام: (وكلنا يعرف أن الإسلام حاول نشر دينه بالقوة على وجه الخصوص، وإلى درجة كبيرة، ومن خلال رغبته في تخليص العالم من الضلال الذي يعيش فيه، ولم يستنكف عن

ص: 292

استخدام أية وسيلة لنشر دينه، سواء بالقوة أم بالتبشير).

وتضيف قائلة: (لقد احتل الإسلام عالما كبيرا، ولكنه لم ينجح في أسلمة كل السكان بالسرعة نفسها التي استولى بها على الأرض)(1)

وهذا النص ربما قد يستفز بعضا من المسلمين الذين لا يريدون أن يسمعوا عن الإسلام كل ما يخالف التوجهات المعاصرة في السلام، ونحن نقول إن هذا الرأي هو في الحقيقة مُجمل مُبهم، إلا أنه يُساق في سياق ذم، وإلا فهناك عدد من المفكرين والعلماء الغربيين وغيرهم أثنى على الفتوحات الإسلامية من خلال رحمتها وقدرتها على استيعاب تعددية الشعوب، وسيأتي توضيح أكثر لذلك قريبًا.

لكننا نجد آراء أكثر حدة من سابقها، وأكثر بُعدًا عن الحقيقة، حيث يقول " شالوم زاوي ":(يفرق المسلمون بين دار الإسلام ودار الحرب. ويجب أن تُسلم كل الشعوب بالسيف ولجهاد إذا لم يقبلوا دين محمد رسول الله طواعية)(2)

وتتحدث " أفيفا شوسمان " عن الحروب الإسلامية مع اليهود،

(1) أحاديث أخرى عن الإسلام (بالعبرية)، حافا لزروس، ص 52 - 53 (نقلا عن: الاستشراق الإسرائيلي في المصادر العبرية، محمد جلاء إدريس، ص 125 - 126).

(2)

مصادر يهودية في القرآن، ص 21، (نقلا عن: الاستشراق الإسرائيلي في المصادر العبرية، محمد جلاء إدريس ص 126).

ص: 293

بما يشير إلى حجم جهل هؤلاء بالواقع الحقيقي لموقف المسلمين من اليهود، فتقول: (

وأُعلنت الحرب الدموية كوسيلة لأسلمة كل السكان) (1)(2)

أقول: وهذه الآراء حول أهداف الحروب الإسلامية، وأن المراد بها إجبار الشعوب على الإسلام؛ هي فكرة مرفوضة أصلا من نصوص القرآن، والتي لا تجد لها مثيلا لا في نصوص التوراة ولا في الإنجيل أو غيرهما. وهذا واضح في عدد من النصوص القرآنية، ومن ذلك:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} يونس: 99، وقوله:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} البقرة: 256، وسورة كاملة تبين ذلك: قل {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} الكافرون: 1 - 6.

وأما مسألة نشر الإسلام بالسيف فليس مما انفرد به الإسلام، بل المسيحية نُشرت بقوة السيف (3) وفي التوراة اليهودية الأوامر بإبادة

(1) بشارة الإسلام (نقلا عن: الاستشراق الإسرائيلي في المصادر العبرية، محمد جلاء إدريس، ص 126).

(2)

بشارة الإسلام (نقلا عن: الاستشراق الإسرائيلي في المصادر العبرية، محمد جلاء إدريس، ص 126). ') ">

(3)

Stephen Neill: AHISTORY OF CHRISTIAN MISSIONS، P. 79- 80 ، Penguin BOOKS ، Londonm، 1964 نقلا عن: حقيقة التبشير، أحمد عبد الوهاب، ص 91 - 93.

ص: 294

الشعوب، ولا تكاد تجد أمرا واحدا بدعوتها للدين وحفظ دمائها بذلك (1)

ثانيا: شهادات منصفة

نجد شهادات متعددة لعدد من المستشرقين تعترف بوجود مفاهيم مغلوطة عن دوافع الحرب في الإسلام، وتثني على السياسة الأخلاقية للحروب الإسلامية وأنها كانت عادلة، وفي هذا يقول " مونتجمري وات "(أضحى الغرض من الجهاد لا تحويل أهلها [أي البلاد المفتوحة] عن ديانتهم إلى الإسلام، وإنما إخضاعهم للحكم الإسلامي باعتبارهم من أهل الذمة (2) ويقول أيضا: (إن الجهاد قد أدى - عسكريا - إلى توسيع رقعة الدولة الإسلامية، غير أنه لم يؤد بصورة مباشرة إلى تحويل شعوب الأقطار المفتوحة عن دينها. وقد بقيت الإدارات المحلية لجماعات الذميين قائمة لم تُمس في معظم الحالات)(3)

(1) راجع في نصوص التوراة: تثنية 7: 2،وَ7: 16 وَ20: 14 - 18، خروج 34: 12 - 13، وغيرها كثير. ') ">

(2)

فضل الإسلام على الحضارة الغربية (أو: تأثير الإسلام على أوروبا في القرون الوسطى)، مونتجمري وات، ص15.

(3)

فضل الإسلام على الحضارة الغربية (أو: تأثير الإسلام على أوروبا في القرون الوسطى)، مونتجمري وات، ص15.

ص: 295

ويقول " إميل درمنغم ": (وما أكثر ما في القرآن والحديث من الأمر بالتسامح، وما أكثر عمل فاتحي الإسلام بذلك، ولم يروِ التاريخ أن المسلمين قتلوا شعبًا، وما دخول الناس أفواجًا في الإسلام إلا عن رغبة فيه)(1)

ويقول " غوستاف لوبون " وهو الذي لا يجهل حضارة المسلمين، إذ هو متخصص فيها:(لم تقلَّ براعة الخلفاء الراشدين السياسية عن براعتهم الحربية التي اكتسبوها على عجل، فقد اتصلوا منذ الوقائع الأولى بسكان البلاد المجاورة الأصليين الذين كان يبغِي عليهم قاهروهم منذ قرون كثيرة. . . فكانت الطريق التي يجب على الخلفاء أن يسلكوها واضحة، فعرفوا كيف يحجمون عن حمل أحد بالقوة على ترك دينه، وعرفوا كيف يبتعدون - خلافا لمزاعم الكثيرين - عن إعمال السيف فيمن لم يُسلم، وأعلنوا في كل مكان أنهم يحترمون عقائد الشعوب وعرفها وعاداتها)(2)

ويقول مؤكدا خطأ نظرية السيف الدموية التي يُتهم به الإسلام: (كان يمكن أن تُعمي فتوح العرب الأولى أبصارهم. . . ويسيئوا معاملة المغلوبين، ويكرهوهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون في نشره في العالم. . . ولكن العرب اجتنبوا ذلك، فقد أدرك الخلفاء السابقون

(1) حياة محمد، إميل درمنغم، ص330. ') ">

(2)

حضارة العرب، جوستاف لوبون، ص134. ') ">

ص: 296

الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما قلّ وجوده في دعاة الديانات الجديدة؛ أن النظم والأديان ليست مما يُفرض قسرا، فعاملوا - كما رأينا - أهل سوريا ومصر وإسبانيا، وكل قُطر استولوا عليه بلطف عظيم، تاركين لهم قوانينهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم غير جزية زهيدة في الغالب إذا ما قيست بما كانوا يدفعونه سابقا، في مقابل حفظ الأمن بينهم.

فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا دينا مثل دينهم، وما جهل المؤرخون من حكم العرب الفاتحين كان من الأسباب السريعة في اتساع فتوحهم، وفي سهولة اعتناق كثير من الأمم لدينهم ونظمهم ولغتهم، التي رسخت وقاومت جميع الغارات وبقيت قائمة حتى بعد أن توارى سلطان العرب عن العالم (1)

ويؤكد " توماس آرنولد " هذا المبدأ بكلام صريح وحوادث واضحة: (ومن هذه الأمثلة التي قدمناها آنفا عن ذلك التسامح الذي بسطه المسلمون الظافرون إلى العرب المسيحيين في القرن الأول من الهجرة، واستمر في الأجيال المتعاقبة؛ نستطيع أن تستخلص بحق أن هذه القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرة، وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا

(1) حضارة العرب، جوستاف لوبون، ص605. ') ">

ص: 297

هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح (1)

وتشير الكاتبة البريطانية (الراهبة المسيحية سابقا)" كارين آرمسترونج " إلى العقدة الغربية حول السيف الإسلامي، وتقول في ذلك: (إننا في الغرب بحاجة إلى أن نخلِّص أنفسنا من بعض أحقادنا القديمة، ولعل شخصًا مثل محمد [صلى الله عليه وسلم] يكون مناسبًا للبدء! فقد كان رجلاً متدفق المشاعر

وقد أسس دينًا وموروثًا حضاريًا لم يكن السيف دعامته، برغم الأسطورة الغربية، ودينًا اسمه الإسلام؛ ذلك اللفظ ذو الدلالة على السلام والوفاق. (2)

إن من يعيش في هذا العصر قد يخيَّل له أن منهج الإسلام في العلاقات الدولية وما يقتضيه من مبادئ حاكمة سواء في الحروب التي قامت، أو في عمليات السلم، وما بين ذلك؛ منهج مثالي لا يقبل التطبيق في عالم الواقع، على الرغم من أن هذا المنهج كان يُطبق من جانب واحد، إذ طبقه المسلمون - كما يشهد تاريخهم - على مساحة واسعة في الزمان والمكان.

(1) الدعوة إلى الإسلام، توماس آرنولد، ص 69 - 70 (ط. 1971م)، وفي بعض الطبعات: ص 51، وبعضها: ص 98 - 99.

(2)

سيرة النبي محمد، كارين آرمسترونج، ص393، نقلا عن: الأخلاق النبوية في الصراعات السياسية والعسكرية، محمد مسعد ياقوت، ص 165، الناشر دار الخراز - جدة (منشور في موقع: نبي الرحمة): WWW.nabiallrahma.com

ص: 298

وبالرغم من الظروف القاهرة التي كان يعيشها العرب في الجزيرة العربية، وظروف النشأة الصعبة للدولة الإسلامية، واضطرارها - مع عدم تكافؤ القوى - إلى أن تقاتل في وقت واحد في جبهتين أكبر قوتين في العالم في ذلك الوقت؛ لم تتمكن من الانتصار العسكري والسياسي فحسب، بل أمكنها تغيير حياة الشعوب بصورة جذرية وشاملة، حيث تحولت تلك الشعوب - خلال مدة قصيرة - إلى الإسلام، وقامت حضارة إنسانية من أروع ما شهده التاريخ من حضارات.

وحتى الآن لا يزال المؤرخون في حيرة لتفسير سر هذه الظاهرة المدهشة، التي تستعصي على التفسير الذي تعوّده الناس لأحداث التاريخ، فكيف إذ أضيف إلى هذه؛ القيمة الممتهنَة للعرب عند فارس والروم (1)

وقد عبرت المستشرقة الإيطالية " لورافيشيا فاغليري " عن ذلك بقولها: (لا يزال العقل البشري يقف ذاهلاً دون اكتشاف القوى السّريّة التي مكنت جماعة من المحاربين الجفاة من الانتصار على شعوب متفوقة عليها تفوقًا كبيرًا في الحضارة، والثروة، والخبرة، والقدرة على شن الحرب. ومن أدعى الأمور إلى الدهشة أن نلاحظ كيف استطاع

(1) التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب، صالح الحصين، ص 176. ') ">

ص: 299

أولئك الناس أن يحتلوا تلك المناطق كلها) (1)

وتقول أيضا متعجبة من الجاذبية التي كانت للإسلام التي تؤكد بطلان مقولة السيف: (كيف نفسر مواصلة الإسلام - على الرغم من الحرية الدينية الممنوحة في البلدان الإسلامية للمواطنين غير المسلمين، ومن فقدان أيما منظمة تبشيرية حقيقة - تقدُّمه الحثيث في آسية وأفريقية في وجه الانحطاط العام الذي أصاب الفكرة الدينية في السنوات الأخيرة؟ إن أحدا لا يستطيع اليوم أن يزعم أن سيف الفاتح هو الذي يُمهد السبيل أمام الإسلام، على العكس، ففي الأصقاع التي كانت في يوم من الأيام دولا إسلامية، تولت مقاليد السلطة حكومات جديدة تنتسب إلى أديان أخرى، وعملت في أوساط المسلمين طوال فترات عديدة منظمات تبشيرية قوية، ومع ذلك فإن الحكومات وتلك المنظمات لم توفق إلى زحزحة الإسلام وإقصائه عن حياة الشعوب الإسلامية. أي قوة عجيبة تكمن في هذا الدين؟)(2)

ثالثا: المبادئ الحربية في الإسلام

عندما نتكلم عن حالة الحرب في الإسلام، فإننا نتكلم عن دين له قواعد قانونية ثابتة تحكمه، كان مصدرها القرآن والسنة النبوية، وقد كانت مُطبقة قولا وعملا. فلم تكن نظريةً لا تقبل التطبيق، وهي في

(1) دفاع عن الإسلام، لورافيشيا فاغليري، ص 22. ') ">

(2)

دفاع عن الإسلام، لورافيشيا فاغليري، ص 40. ') ">

ص: 300

الوقت نفسه مبادئ أخلاقية لم يعرف التاريخ مثيلا لها. ومن تلك المبادئ:

أولا: أن يكون مقصد القتال خالصا لله، لنشر الدين. والمبدأ الثاني: أن يكون هذا القتال صالحًا أخلاقيا وليس للجبروت والبطر.

المبدأ الأول: أن يكون القتال في سبيل الله، ولإبلاغ دينه (1)

والمراد بهذا أن يخلص المجاهد إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن ينتشر دين الله بين الشعوب. فالمصلحة الشخصية أو القومية لا تبرز الحرب، بل تجعل الحرب غير شرعية في حكم الإسلام.

وأهمية هذا المبدأ تظهر أن لفظ القتال أو الجهاد نادرًا ما يرد في القرآن دون تقييده بأن يكون في سبيل الله، وأحيانًا يكون مقرونًا بالأمر بالتقوى.

إن أول ما أصّله الإسلام في أمر القتال؛ هو أن يكون لسبب مشروع ولمقصود حسن، وبهذا ألغى الإسلام جميع الحروب التي لا يُقصد من ورائها إلا إظهار الشجاعة، أو كسب السمعة، أو الحصول على الأموال، أو تملك الأراضي، أو الحفاظ على العصبية الوطنية. فلا يُشرع القتال في الإسلام إلا لإعلاء كلمة الله والدفاع عن حوزة

(1) راجع هذا في: سماحة الأحكام الشرعية في علاقة المسلمين مع غيرهم، محمد تقي العثماني، ص 309. ') ">

ص: 301

الإسلام والمسلمين، والدفاع عن النفس والأرض والعرض ضد الظلمة والمعتدين. والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة، ومنها:

يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذِكْر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه. فمن في سبيل الله؟ قال: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (1)

وفي حديث آخر: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذِكر ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا شيء له "، فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا شيء له "، ثم قال: " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، وابتُغِي به وجهه» (2)

فالحروب المنبثقة من معاداة على الدنيا، أو عصبية قومية أو قبلية، وهدفها العلو والمفاخرة والاستعباد التوسعي؛ تلك حروب لا علاقة لها بالجهاد في الإسلام:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} القصص: 83

والمقصود من الجهاد أمران:

الأول: الدفاع عن الإسلام أو الدولة الإسلامية إن هجم عليها

(1) صحيح البخاري (2655).

(2)

سنن النسائي (3140)، وجوّد إسناده ابن حجر في فتح الباري 6/ 28.

ص: 302

عدو المسلمين يريد استباحتها، وإلى ذلك أشار القرآن بقوله:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} الحج: 39.

وقوله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} البقرة: 190

الثاني: دفع الظلم والفتنة، وكسر شوكة الكفر التي تحول دون الدعوة الإسلامية وقبولها، وإليه أشار القرآن الكريم بقوله:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الأنفال: 39

وأيضا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} البقرة: 217.

وهنا إشكال أثير حول مقصد الإسلام من القتال مع كونه يبيح المغانم لجنوده، بل هي مما يريده عدد من المقاتلين، الأمر الذي حدث فعلا، فكيف يكون ذلك في سبيل الله؟

نجد أن علماء الإسلام تحدثوا عن مثل هذه النقاط قبل أن تثار في كتابات المستشرقين وغيرهم، ومن ذلك ما قال ابن حجر شارحا قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي سبق قبل قليل:«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (1)، قال: (المراد بكلمة الله؛ دعوة الله إلى الإسلام، ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يكون في سبيل الله إلا من

(1) صحيح البخاري التَّوْحِيدِ (7458)، صحيح مسلم الْإِمَارَةِ (1904)، سنن الترمذي فَضَائِلِ الْجِهَادِ (1646)، سنن النسائي الْجِهَادِ (3136)، سنن ابن ماجه الْجِهَادِ (2783)، مسند أحمد (4/ 417).

ص: 303

كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط، بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سببا من الأسباب المذكورة أخلّ بذلك. ويحتمل ألا يخل إذا حصل ضٍمْنًا لا أصلا أو مقصودا، وبذلك صرح الطبري، فقال:" إذا كان أصل الاعث هو الأول لا يضره ما عرض له بعد ذلك "، وبذلك قال الجمهور.

لكن روى أبو داود والنسائي (1) من حديث أبي أمامة بإسناد جيد قال: «جاء رجل فقال يا رسول الله: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذِّكر، ما له؟ قال: " لا شيء له " فأعادها ثلاثا كل ذلك يقول: " لا شيء له "، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه» (2).

ويمكن أن يحمل هذا على من قصد الأمرين معا على حد واحد، فلا يخالف المرجح

والمطلوب: أن يقصد الإعلاء صرفا، وقد يحصل غير الإعلاء وقد لا يحصل، ففيه مرتبتان أيضا. قال ابن أبي جمرة: " ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره

(1) الحديث جاء عند النسائي كما سبق تخريجه قريبا، ولم أجده في سنن أبي داود، ولم أجد من عزاه لأبي داود في الكتب الجامعة لمرويات السنة، كجامع الأصول لابن الأثير، والجامع الكبير للسيوطي.

(2)

سنن النسائي الْجِهَادِ (3140).

ص: 304

ما انضاف إليه ") (1)

لذا نجد أن القرآن ذم المنافقين لكونهم لا يخرجون للجهاد إلا إن كان هناك مكاسب مادية يأخذونها من هذا القتال: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} التوبة: 41 - 42

فقضية الحرب من أجل الغنائم في الإسلام قضية مرفوضة، وقد كان المنافقون يريدون الغنائم فحسب، والله يريد الجهاد في سبيله لنشر دينه، ولا مانع أن تؤخذ الغنيمة تبعا لذلك.

إن غزوات المسلمين في عهد النبوة والخلافة الراشدة لم يكن هدفها حمل المكاسب المادية إلى الدولة الإسلامية، يشهد لذلك تلك المحاورة بين الصحابي " عبادة بن الصامت " وبين الحاكم المصري " المقوقس "، حيث يقول عبادة: (همتنا الجهاد في الله واتباع رضوانه، وليس غزونا عدوا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا ولا حاجة للاستكثار منها، إلا أن الله عز وجل قد أحل ذلك لنا وجعل ما غنمنا من ذلك حلالا، وما يبالي أحدنا أكان له قناطير من ذهب أم كان لا يملك إلا درهما، لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يأكلها، يسد بها

(1) فتح الباري، ابن حجر 6/ 28 - 29. ') ">

ص: 305

جوعته ليلته ونهاره، وشملة يلتحفها، وإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله تعالى واقتصر على هذه بيده، ويبلغه ما كان في الدنيا، لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاءها ليس برخاء، إنما النعيم والرخاء في الآخرة، بذلك أمرنا الله وأمرنا به نبينا وعهد إلينا ألا تكون همة أحدنا في الدنيا إلا ما يمسك جوعته ويستر عورته، وتكون همته وشغله في رضاء ربه وجهاد عدوه.

فلما سمع المقوقس ذلك منه قال لمن حوله: هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط! لد هبت منظره، وإن قوله لأهيب عندي من منظره، إن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض، وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها) (1)

المبدأ الثاني: إصلاح طرق القتال، وعدم تجاوز ضرورات الحرب (2)

وهذا هو المبدأ الأخلاقي الواضح التميز في تشريعات الإسلام الحربية. فمع كثرة ما يثير القرآنُ المسلمين للجهاد في سبيل الله، إلا

(1) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لابن تغري بردي الأتابكي 1/ 11. وراجع للتوسع في مناقشة أخذ الغنائم وإخلاص نية المجاهد: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، محمد هيكل، ص 562، وما بعدها.

(2)

راجع هذا في: العلاقات الدولية بين منهج الإسلام ومنهج الحضارة المعاصر، صالح الحصين، ص 41 - 51. ') ">

ص: 306

أننا نجد أنه يؤكد أيضا على مبادئ شريفة في هذه الحرب التي سيخوضها المسلمون مع أعدائهم. ولئن كانت تلك الأمم لا تعترف بمثل المبادئ الإسلامية، فالمسلمون لا بد أن يتمسكوا بها. ولذا نجد في هذه المسألة نصوصا متعددة تتحدث عن ابتكارٍ إسلامي فريد لمبادئ القانون الإنساني الدولي، ذلك أن المسلمين وضعوا قواعد وضوابط تدل على عناية الفاتح المسلم بمبادئ الحرب.

من الأركان المهمة في الفتوحات الإسلامية " عدم تجاوز ضرورات الحرب"، وعندما يُقعّد الإسلام لمبدأ المعاملة بالمثل كما في الآية الكريمة:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} النحل: 126، فإن هذا المبدأ " عدم تجاوز ضرورات الحرب" يُعد قيدا مهما على قاعدة " المعاملة بالمثل "، إذ لا خيار للمسلم في عدم الالتزام بالمعايير الأخلاقية الإسلامية في معاملة العدو، وإن كان العدو لم يلتزم بها. ولا خيار للمسلم في عدم الوقوف عند حدود الله، وإن كان عدوه المحارب تجاوز هذه الحدود، فإذا مثَّل محاربو المسلمين بالقتلى؛ فلا يجوز للمسلمين معاملتهم بالمثل، وإذا قتل الأعداء نساء المسلمين وصبيانهم أو غير المقاتلين منهم؛ فلا يجوز للمسلمين أن يقتلوا نساء الأعداء أو صبيانهم أو غير المقاتلين منهم.

وقد أفاض المفسرون عند تفسيرهم للآية السابقة في ذكر ما

ص: 307

ورد من النصوص عن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه تطبيقًا لهذه الآية (1)

عن يحيى الغساني قال: كتبت إلى الخليفة الأموي العادل: عمر بن عبد العزيز، أسأله عن قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} البقرة: 190، قال:(إنّ ذلك في النساء والذريّة ومن لم يَنصِبْ لك الحرب منهم)(2)

وروى عن ابن عباس في تفسير الآية نفسها: (لا تقتلوا النساء ولا الصِّبيان ولا الشيخ الكبير وَلا منْ ألقى إليكم السَّلَمَ وكفَّ يَده، فإن فَعلتم هذا فقد اعتديتم)(3)

وفي تفسير الآية الكريمة: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} المائدة: 2، قال ابن كثير: (معناها ظاهر، أي: لا يحملكم بغض قوم قد كانوا صدُّوكم عن المسجد الحرام، عن أن تعتدوا حكم الله فيهم، فتقتصوا منهم ظلما وعدوانًا، بل احكموا بما أمركم الله من العدل في حق كل أحد. . وهذه الآية كما سيأتي في قوله:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} المائدة: 8، أي: لا يحملكم بغض

(1) سيأتي تفصيل الحديث في ذلك في المبحث الثالث / المطلب الأول: التعاليم الإسلامية في منع الإبادة والإفساد.

(2)

تفسير الطبري (جامع البيان) 3/ 562. ') ">

(3)

تفسير الطبري (جامع البيان) 1/ 563. ') ">

ص: 308