الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في نواياهم ومقاصدهم، فيقدحون بالنيات بالرياء والمُباهاة، وقد نقل الشيخ عبد الله بن قعود عن بعضهم قوله:" فلان سلفي الظاهر مبتدع الباطن " فانظر كيف وصل الحال بهؤلاء حينما لم يتقيدوا بهذه القاعدة، ولا شك أن هذا مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة الذين يأخذون الناس بظواهرهم ويكلون النوايا والبواطن إلى الله.
الخاتمة
نحن في زمن أحوج ما نكون فيه إلى نبذ الاختلاف واستئصال جذور التفرقة، إن أعداء الإسلام من وسائلهم أن يسلكوا سبيل التشكيك في المسائل وسخروا الجهلاء والبسطاء فأثاروا المسائل الاختلافية.
لقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يكون كثير من نصوص القرآن والسنة محتملة لأكثر من معنى، إذ أنزل القرآن بلسان عربي مبين واحتمال الألفاظ في اللغة أمر مسلم به. واقتضت حكمته تعالى أن يجعلهم متفاوتين في عقولهم ومداركهم ليكمل الكون.
وهذان الأصلان يؤديان إلى الاختلاف في الآراء والأحكام.
قد يقول القائل: وعلى هذا فلا يمكن تجميع الأمة؟! والجواب أبدًا يُمكن حينما تقبل الرأي الآخر والتمس العذر لمن اتخذه دليلا
وأحسن الظن فيه إذ الاتفاق على أمر واحد لكل الأمم متعذر ولم يحصل في عهد الصحابة رضوان الله عليهم.
والهوى الغالب الذي يتطور ويتضخم وتتعمق أغاديره في القلوب فيسيطر على الشخص ويتملك عليه حواسه وعقله حتى ينسى معها المعاني الجامعة والكليات العامة والصعيد المشترك والغايات والمقاصد والقواعد الأصلية للإسلام فيعدم صاحبه البصيرة والإبصار وينسى أبجديات الخُلق الإسلامي فتضطرب الموازين وتختل الرؤية وتختلط الآراء وتختلف الأولويات ويسهل القول بغير علم والفتوى بغير نور والعمل بغير دليل وينتشر التفسيق والتكفير والاتهام ويسقط ذك المريض في هاوية التعصب الأعمى وينسى الانتماء وتظلم الدنيا فلا يكاد يرى إلا سوادًا وظلمة كالحة وما هي إلا انعكاس لنفسيته المُظلمة التي انطفأ فيها نور العلم وخبت فيها جذوة التعقل {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} .
وتنقلب الآراء الاجتهادية والمدارس الفقهية إلى تحزب فكري وتعصب تؤول الآيات والأحاديث لما يوافقه (1)(2)
إن أزمتنا أزمة فكر ومشكلتنا جدية الانتماء والأمة المسلمة عندما سلم لها عالم أفكارها وكانت المشروعية العليا للكتاب والسنة
(1) أدب الاختلاف في الإسلام د. العلواني: 13 - 14.
(2)
أدب الاختلاف في الإسلام د. العلواني: 13 - 14. ') ">
استطاعت أن تحمل رسالة وتقيم حضارة.
أما اليوم فلا يشكو المسلمون من قلة مادة أو ضنك عيش أو قصور في الموارد وحقيقة الداء تكمن في افتقادهم للمعاني الجامعة والقواسم المشتركة والغايات الموحدة
لذا فإن سبيل النجاة في الأمور الآتية:
1) إن على المسلمين المخلصين الذين يعملون في حقل الدعوة ويعيشون واقع مأساة الأمة وحقيقتها أن يختاروا مجموعة من أذكى أبناء الأمة ويُهيئوا لها أفضل السبل لدراسة الشريعة على أيدي القلة من علماء الشريعة الذين يجمعون بين العلم والقدوة والتقوى والفكر السليم والإدراك القويم لغايات الإسلام ومقاصده.
2) تعديل مسار الفكر لدى المسلمين حتى لا تنهار مؤسسات الأمة بسببها ويتدنى مستوى الوعي والمعرفة والتربية. ولتحقيق هذين الهدفين لا بد أن يعي الشباب:
أ- أن الله يسر القرآن للذكر وهيأ سبل الاطلاع الواسع على السنة فلا بد من الاستعداد السابق والتزود بأدواته.
ب- لا بد من إدراك أن هذه الشريعة جاءت لتسعد الناس وتحقق مصالحهم وتنسجم مع قدراتهم العقلية، قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} .
وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} .
ج- أهم نقطة إدراك الجميع أن أخوة الإسلام ووحدة صفوف المسلمين ونبذ كل ما يُسيء إليها من أهم الفرائض وأفضل القربات وتحتل المراتب الأولى للواجبات لأنها شقيقة التوحيد وقرينته كما أن هناك مراتب للمنهيات يقع النيل من الأخوة في مقدمتها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " المسلمون متفقون على جواز صلاة بعضهم خلف بعض، كما أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة الأربعة، مثل ما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يُصلون خلف أئمة المدينة من المالكية وإن كانوا لا يقرؤون بالبسملة لا سرًا ولا جهرًا، وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم، وكان أحمد يرى الوضوء من الحجامة والرعاف فقيل له: فإن كان إمامي قد خرج منه الدم ولم يتوضأ أصلي خلفه؟ فقال: كيف لا تصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك؟ ولا يجولن بفكر أحد أن حرصنا على الأخوة الإسلامية ووحدة صف المسلمين يعني التساهل في قضايا العقيدة الإسلامية التي لا تحتمل التأويل ضمن حدود القواعد الثابتة في العقيدة، أو أن نضع أيدينا بأيدي
الذين ليس لهم نصيب من الإسلام إلا الأسماء بحجة الحرص على الأخوة، فالقضايا التي لا يجوز أن تفرقنا هي تلك التي اعترف بها كرام العلماء من أئمة السلف، وتعاملوا معها من خلال آداب فاضلة، وكان لديهم من الأدلة ما يُجيز أكثر من وجه.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.