الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ، والقلب السليم هو الطاهر من أدناس المخالفات، فأما المتلطخ بشيء من المكروهات فلا يصلح لمجاورة حضر القدوس إلا بعد أن يطهر في كير العذاب، فإذا زال عنه الخبث صلح حينئذ للمجاورة:«إَنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَاّ طَيِّبًا» (1) فأما القلوب الطيبة فتصلح للمجاورة من أول الأمر: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} ، {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ، {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
(1) صحيح مسلم 2/ 703، كتاب الزكاة، باب:(19) قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، الحديث (1015).
المبحث الثالث: حقيقة الإخلاص
الإخلاص في العبادة أن يكون الداعي إلى الإتيان بالمأمور، وترك المحظور إرضاء الله تعالى، وهو معنى قولهم: لوجه الله، أي: لقصد الامتثال بحيث لا يكون الحظ الدنيوي هو الباعث على
العبادة، مثل أن يعبد الله ليمدحه الناسُ بحيث لو تعطل المدح لترك العبادة. ولذا قيل: الرياء الشرك الأصغر، أي إذا كان هو الباعث على العمل، ومثل ذلك أن يقاتل لأجل الغنيمة فلو أَيِس منها ترك القتال؛ فأما إن كان للنفس حظ عاجل وكان حاصلاً تبعًا للعبادة وليس هو المقصود فهو مغتفر، وخاصة إذا كان ذلك لا تخلو عنه النفوس، أو كان مما يُعين على الاستزادة من العبادة (1) (2) فالإخلاص الذي يريده الله تعالى ويتوقف عليه قَبول العمل هو: إفراد الله تعالى بالطاعة، وقصده بها دون غيره، وتجريدها له سبحانه وتعالى، وتصفيتها من قصد الحمد والثناء، أو أي معنى آخر سوى التقرب بها إلى الله تعالى وحده لا شريك له (3) ويوضح هذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: [فإن الشهادة لله بأنه لا إله إلا هو، تتضمن إخلاص الإلهية له، فلا يجوز أن يتأله القلب غيره، لا بحب ولا خوف ولا رجاء، ولا إجلال ولا إكرام، ولا رغبة ولا رهبة؛ بل لا بد أن يكون الدين كله لله، كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}
(1) انظر التحرير والتنوير 23/ 318.
(2)
انظر التحرير والتنوير 23/ 318. ') ">
(3)
انظر أعمال القلوب 1/ 290. ') ">
فإذا كان بعض الدين لله، وبعضه لغير الله كان في ذلك من الشرك بحسب ذلك] (1) وتتضح حقيقة الإخلاص من قول الفضيل:[ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما](2) قال النووي: [ومعنى كلامه: أن من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مراءٍ، لأنه ترك العمل لأجل الناس، أما لو تركها ليصليها في الخلوة فهذا مستحب، إلا أن تكون فريضة، أو زكاة واجبة، أو يكون عالمًا يقتدى به، فالجهر بالعبادة أفضل](3) ولتوضيح قول الفضيل أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه: [أما قوله: إن العمل من أجل الناس شرك فهو صحيح، لأن الأدلة من الكتاب والسنة تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وتحريم الرياء، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم: الشرك الأصغر، وذكر أنه أخوف ما يخاف على أمته عليه الصلاة والسلام. وأما قوله: إن ترك العمل من أجل الناس رياء فليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل، والمعول في ذلك
(1) اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 834. ') ">
(2)
مدارج السالكين 2/ 91. ') ">
(3)
الإعلام بتوضيح نواقض الإسلام (15)، وانظر الإخلاص والشرك الأصغر (18). ') ">
على النية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إَنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (1) مع العناية بتحري موافقة الشريعة في جميع الأعمال، لقوله عليه الصلاة والسلام:«مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (2) فإذا وقع للإنسان حالة ترك فيها العمل الذي لا يجب عليه، لئلا يظن به ما يضره فليس هذا الرياء، بل هو من السياسة الشرعية، وهكذا لو ترك بعض النوافل عند بعض الناس خشية أن يمدحوه بما يضره أو يخشى الفتنة به. أما الواجب فليس له أن يتركه إلا لعذر شرعي]. (3) ومما تتضح به حقيقة الإخلاص قول السعدي: [اعلم أن الإخلاص لله أساس الدين، وروح التوحيد والعبادة، وهو أن يقصد العبد بعمله كله وجه الله وثوابه وفضله، فيقوم بأصول الإيمان الستة وشرائع الإسلام الخمس، وحقائق الإيمان التي هي الإحسان، وبحقوق الله، وحقوق عباده، مكملا لها قاصدًا بها وجه الله والدار الآخرة، لا يريد بذلك رياءً ولا سمعة.
(1) صحيح البخاري 1/ 2، كتاب بدء الوحي، باب:(1)، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
صحيح البخاري 8/ 156، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب:(20)، إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ
…
(3)
فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 532. ') ">
ولا رياسة ولا دنيا، وبذلك يتم إيمانه وتوحيده. ومن أعظم ما ينافي هذا مراءاة الناس والعمل لأجل مدحهم وتعظيمهم، أو العمل لأجل الدنيا، فهذا يقدح في الإخلاص والتوحيد] (1) فالإخلاص شرط في قبول الأعمال كما قال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} ، قال ابن كثير:[هذا يوم القيامة، حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر، فأخبر أنه لا يتحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء، وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية، فهو باطل. فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معا، فتكون أبعد من القبول حينئذ](2) ولتوضيح قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} ، قال ابن رجب: [وقال الفضيلُ في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} قال: أخلصُه وأصوبُه. وقال: إنَّ العملَ إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا، لم يقبل،
(1) انظر المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ / عبد الرحمن السعدي 3/ 38. ') ">
(2)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/ 314. ') ">