الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح» (1)
وقال ابن عمر: «رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد» (2). قال الترمذي هذا حديث حسن
فهذه النصوص وما شابهها كلها تنص على أن هاتين الركعتين تصليان قبل صلاة الفجر، ولا يعلم خلاف بين أهل العلم في هذا، بل إنه صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس بدأ براتبة الفجر ثم ثنى بالفريضة كما سيأتي في قصة التعريس (3)(4)
ووقتها لا يدخل إلا بطلوع الفجر، قال ابن الملقن: ولا أعلم فيه خلافا (5) وحدود وقت كل راتبة قبلية هو من دخول وقت الصلاة إلى فعلها كما أن وقت كل سنة بعدية يكون من فعل الصلاة إلى خروج وقتها
(1) رواه مسلم 724.
(2)
رواه الترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في تخفيف ركعتي الفجر والقراءة فيها.
(3)
رواها مسلم في صحيحه من كتاب المساجد - باب قضاء الصلاة الفائتة ح 680، 681.
(4)
رواها مسلم في صحيحه من كتاب المساجد - باب قضاء الصلاة الفائتة ح 680، 681. ') ">
(5)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 2/ 409. ') ">
المبحث الثالث: أداؤها بعد الإقامة:
هل يشرع أداؤها قبل الصلاة
بعد الإقامة؟
الخلاف بين العلماء رحمهم الله وقع فيما لو أدرك المأموم الإمام يصلي وهو لم يصلهما بعد، أو دخل المسجد ليصليهما فأقيمت الصلاة، فهل يصليهما، أم يدخل مع الإمام؟
ذكر ابن المنذر وغيره الخلاف في هذه المسألة (1)(2) وعد الشوكاني - رحمه الله تعالى - فيها تسعة أقوال يمكن إجمالها فيما يلي:
القول الأول: أنها لا تصلى بعد إقامة الصلاة والإمام يصلي:
وقال بهذا من الصحابة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابنه عبد الله - على خلاف عنه في ذلك - وأبو هريرة رضي الله عنه، ومن التابعين عروة، وابن سيرين، والنخعي، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، ومن الأئمة سفيان الثوري - كما نقل عنه الترمذي - وابن المبارك، والشافعي (3) وأحمد (4) وإسحاق، وأبو ثور، وابن جرير (5) وهو قول أهل الظاهر (6)
(1) وهذا الخلاف يؤكد أهمية أدائها قبل الصلاة كما سيأتي التأكيد عليه، وأن اعتياد تأخيرها خلاف للسنة.
(2)
وهذا الخلاف يؤكد أهمية أدائها قبل الصلاة كما سيأتي التأكيد عليه، وأن اعتياد تأخيرها خلاف للسنة. ') ">
(3)
المجموع (3/ 550)، البيان في مذهب الشافعي (2/ 376). ') ">
(4)
المغني (2/ 119)، شرح منتهى الإرادات (1/ 540). ') ">
(5)
الأوسط (5/ 231)، نيل الأوطار (3/ 89). ') ">
(6)
إلا أن النهي عندهم على التحريم، فمن صلى النافلة والإمام يصلي فقد عصى الله تعالى وبطلت صلاته عندهم، وقد بالغوا في هذا فأبطلوا صلاة من كان دخل في النافلة وأقيمت الصلاة حتى ولو لم يبق منها إلا السلام، وحكى ابن حزم القول بالتحريم عن الشافعي وأبي سليمان. المحلى (3/ 69).
القول الثاني:
أنه تجوز صلاتها خارج المسجد والإمام في الفريضة وهو مذهب الحنفية (1) والمالكية (2)
القول الثالث:
أنه يجوز صلاتها مطلقا في المسجد أو في خارج المسجد حال صلاة الإمام.
قال بعض من قال بهذا: ما لم يخش فوات الركعة الأولى، ذكره ابن عبد البر عن الثوري (3) - خلاف ما تقدم فيما ذكر الترمذي عنه -.
وقال بعضهم ما لم يخش فوات الركعة الأخيرة مع الإمام، وممن
(1) الهداية 2/ 154، تحفة الفقهاء (1/ 198)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (1/ 451). ') ">
(2)
إلا أن الحنفية قالوا: إن ذلك له ما لم يخش فوات الركعة الأخيرة مع الإمام، والمالكية قالوا: ما لم يخش فوات الركعة الأولى مع الإمام، وسبب اختلافهم في ذلك اختلافهم في التفضيل بين ما يدرك مع الإمام وبين ركعتي الفجر. انظر مراجع الحنفية السابقة. وانظر للمالكية: حاشية الدسوقي (1/ 509)، الذخيرة (2/ 400)، المدونة (1/ 124).
(3)
فتح البر (5/ 184) والنووي في المنهاج شرح مسلم (5/ 337). ') ">
قال به الحسن بن حي (1) والأوزاعي، وهذا المذهب حكاه النووي عن أبي حنيفة (2) وقد ذكره بعض فقهاء المذهب (3) وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه، ومسروق، والحسن البصري، ومجاهد، ومكحول، وحماد بن أبي سليمان (4)
وقد عد ابن رشد هذا القول شاذا فقال: (وحكى ابن المنذر أن قوما جوَّزوا ركوعهما في المسجد والإمام يصلي وهو شاذ)(5)
القول الرابع:
أنه يجوز ركوعهما، وإن فاتته صلاة الإمام إذا كان وقت الفريضة واسعا، ذكره العيني في عمدة القاري، والشوكاني في نيل الأوطار عن ابن الجلاب (6) من المالكية (7)
(1) نيل الأوطار (3/ 89)، فتح البر (5/ 184). ') ">
(2)
المجموع (3/ 550). ') ">
(3)
مراقي الفلاح مع حاشية الطحطاوي (1/ 451)، البحر الرائق (2/ 85). ') ">
(4)
الأوسط (5/ 232). ') ">
(5)
بداية المجتهد (1/ 394). ') ">
(6)
عبيد الله بن الحسن أبو القاسم بن الجلاب، تفقه بالأبهري وغيره، وله كتاب في مسائل الخلاف وكتاب التفريع في المذهب وتفقه به القاضي عبد الوهاب وغيره، توفي سنة 378 هـ-. الديباج ص 237.
(7)
التفريع لابن الجلاب 1/ 268، نيل الأوطار (3/ 80)، عمدة القارئ (5/ 184). ') ">
أدلة القول الأول: استدل المانعون بما يلي:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» (1)
وجه الدلالة: أن قوله صلى الله عليه وسلم: صلاة: نكرة في سياق نهي، وهذا من صيغ العموم، فدل على النهي عن أي صلاة إذا أقيمت الفريضة، ويؤيد ذلك ما جاء عن بعض رواة هذا الحديث:«قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر؟ قال: " ولا ركعتي الفجر» (2)
2 -
وعن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل وقد أقيمت صلاة الصبح فكلمه بشيء لا ندري ما هو فلما انصرفنا أحطنا به نقول: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: " يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا» (3). هذا لفظ مسلم، وعند البخاري:«آلصبح أربعا، آلصبح أربعا» (4)
(1) رواه مسلم، ك الصلاة، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن، مع المنهاج (5/ 337).
(2)
أخرجه ابن عدي في ترجمة يحي بن نصر بن الحاجب. الكامل (7/ 2702)، وقال ابن حجر: حسن كما في الفتح (2/ 194).
(3)
صحيح البخاري الْأَذَانِ (663)، صحيح مسلم صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا (711)، سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (1153)، مسند أحمد (5/ 345)، سنن الدارمي الصَّلَاةِ (1449).
(4)
متفق عليه، رواه البخاري، ك الأذان، باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة / ح 663، مع الفتح (2/ 193)، ومسلم ك الصلاة المسافرين، ح 1646، باب كراهة الشروع في النافلة بعد شروع المؤذن، مع المنهاج (5/ 229).
3 -
وعن عبد الله بن سرجس (1) رضي الله عنه قال: «دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة، فصلى ركعتين في جانب المسجد، ثم دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا فلان: بأي الصلاتين اعتددت؟ أبصلاتك وحدك، أم بصلاتك معنا» (2)
وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على الرجل حين صلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، فدل ذلك على منع التنفل حال صلاة الإمام بالجماعة.
المناقشة:
نوقش الدليل الأول من أوجه:
الأول: أن النهي في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا المكتوبة» لئلا يتطاول الزمان فيظن وجوبها، ويؤيده حديث ابن بحينة السابق:«يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا» ، فإذا حصل الأمن لا يكره ذلك (3)
الثاني: أن قوله صلى الله عليه وسلم " «إذا أقيمت» .. " محمول على غير صلاة
(1) له صحبة، ونزل البصرة، وله أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم وغيره، وروى عن أبي هريرة، وروى عنه قتادة وغيره. الإصابة (4/ 92).
(2)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن حيث 1648 مع المنهاج للنووي (5/ 230).
(3)
عمدة القارئ (5/ 185). ') ">
الفجر للأخبار الدالة على فضل رغيبة الفجر (1)
وأجيب عن ذلك: بأن النهي عام، وقد جاء في بعض طرق الحديث كما تقدم النص على عدم استثناء صلاة الفجر من غيرها.
ونوقش حديثا ابن بحينة وابن سرجس من وجوه:
الأول: قال من فرَّق بين من كان خارج المسجد وداخله: إن النهي المذكور في حديث عبد الله بن بحينة، وعبد الله بن سرجس خاص بمن كان داخل المسجد؛ لأنه بأدائها داخل المسجد تلتبس الفريضة بالنافلة فينهى عن ذلك، كما نهى عن صلاة الجمعة أن يصلي بعدها تطوعا في مقام واحد حتى يتقدم أو يتكلم، فلا يلتبس الفرض بالنفل (2)
الثاني: أن الإنكار فيهما إنما هو على من صلاهما مختلطا بالناس.
وأجيب عن الأول: بأنه غير صحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على الرجل مع أنه صلاها في جانب المسجد ثم دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه قد فصل بين الفرض والنفل بالسلام، فعلم أن النهي ليس لعلة اختلاط النفل بالفرض.
ومما يؤيد أن هذه العلة غير معتبرة حديث قيس بن عمرو (3) «أن
(1) مراقي الفلاح مع حاشية الطحطاوي (1/ 452)، وتحفة الفقهاء (1/ 198). ') ">
(2)
فتح البر (5/ 187)، عمدة القارئ (5/ 185). ') ">
(3)
ابن سهل الأنصاري جد يحيى بن سعيد، صحابي من أهل المدينة التقريب (2/ 136). ') ">
النبي صلى الله عليه وسلم أقر من صلى ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الصبح» (1)
مع أن الاتصال بين الفرض والنفل حاصل هنا فدل على أن الإنكار إنما كان للتنفل حال صلاة الفرض (2)
والجواب عن الثاني: أن هذا مردود بقوله صلى الله عليه وسلم: «أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا» (3) فقد ذكر صلى الله عليه وسلم أنه صلاها وحده ومع ذلك فقد أنكر عليه.
أدلة من قال بالجواز خارج المسجد:
1 -
استدل هؤلاء بعموم أحاديث عائشة المتقدمة والآثار التي جاءت في تأكيد ركعتي الفجر وأنها سنة مؤكدة، فإذا أمكن الإتيان بهما وإدراك ركعة من الصبح فلا معنى لتركهما، لأنه لا تفوت الصلاة من أدرك ركعة منها.
2 -
واستدلوا بفعل ابن عمر رضي الله عنهما فيما روي عنه أنه جاء والإمام يصلي صلاة الصبح ولم يكن صلى الركعتين قبل صلاة الصبح فصلاهما في حجرة حفصة، ثم إنه صلى مع الإمام (4)
(1) رواه أبو داود، ك الصلاة، باب من فاتته، متى يقضيها؟، وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود (1/ 347).
(2)
الفتح (2/ 196). ') ">
(3)
المحلى (3/ 72).
(4)
رواه ابن عبد البر بسنده، فتح البر (5/ 186)، ورواه بسنده ابن المنذر في الأوسط (5/ 232). ') ">
وأجيب عن هذا: بأنه لم يثبت عنه من طريق صحيح.
ولو ثبت فقد ورد عنه خلاف ذلك فقد ورد أنه كان يكره أن يصلي ركعتي الفجر والمؤذن يقيم (1) بل وصح عنه أنه كان يحصب من يتنفل في المسجد بعد الشروع في الإقامة (2)
أدلة من قال بالجوا ولو داخل المسجد:
1 -
ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فصلى إلى أسطوانة في المسجد ركعتي الفجر ثم دخل في الصلاة (3)
2 -
قالوا: وإذا جاز أن يشتغل بالنافلة عن المكتوبة خارج المسجد جاز له ذلك في المسجد إذ لا فرق (4)
3 -
ولأن إدراك ركعة من الصلاة مع الإمام في معنى إدراك الكل ففي الحديث: «من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة» (5)
(1) ابن المنذر (5/ 230). ') ">
(2)
الفتح (2/ 196). ') ">
(3)
رواه ابن أبي شيبة _ 2/ 251)، وعبد الرزاق في مصنفه 2/ 444 رقم 4021، وابن المنذر في الأوسط (5/ 231).
(4)
فتح البر (5/ 187). ') ">
(5)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، رواه البخاري، ك مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الصلاة ركعة، ح 580، مع الفتح (2/ 76)، ورواه مسلم، ك الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، مع المنهاج (5/ 106).
4 -
ولأن في ذلك جمعا بين الفضيلتين فضيلة السنة وفضيلة الجماعة، وخُضت نافلة الفجر بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل» (1)
فهذا كناية عن المبالغة وحث عظيم على المواظبة عليها، وفي هذا جمع بين الأمرين.
المناقشة:
أما ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه فلعل النهي الوارد في حديث أبي هريرة لم يبلغه، وقد خالفه غيره من الصحابة كعمر وابنه عبد الله وأبي هريرة رضي الله عنه.
أما القياس على جوازها خارج المسجد فلا يسلم، لأن الصحيح أنها لا تصلى ولو خارج المسجد.
وأما حديث: " لا تدعوهما ..... " - المتقدم - فغاية ما يفيد الحث على المحافظة عليها، ولا يدل على تقديمها على الفريضة.
(1) رواه أحمد (2/ 405)، وأبو داود، ك الصلاة، باب في تخفيفهما (أي ركعتي الفجر)، وضعفه الألباني كما في ضعيف أبي داود ص 123، ومال الزيلعي في نصب الراية إلى تضعيفه، وفي إسناده ابن سيلان. قال الذهبي: لا يعرف. انظر: نصب الراية (2/ 160) وإرواء الغليل ح 428 (2/ 184).
الترجيح:
أما القول بالجواز ولو داخل المسجد فمرجوح، وهو أقرب إلى الشذوذ كما وصفه ابن رشد - رحمه الله تعالى - وذلك لأمور:
1 -
أن السنة ثابتة في النهي عن ذلك، والحجة فيها لا في غيرها.
2 -
ولأن في ذلك تفرقة للجماعة وتشتيتا للمصلين.
3 -
ولأن إدراك صلاة الإمام أفضل من فضيلة ركعتي الفجر قبل الصلاة. ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله» (1)
أما صلاتها خارج المسجد فمرجح كذلك، وذلك لأنه خلاف السنة.
قال ابن عبد البر: " قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة التي أقيمت» .. . والحجة عند التنازع: السنة، فمن أدلى بها فقد أفلح ومن استعملها فقد نجا "
ثم إن في ثبوت ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما نظرا، فقد
(1) رواه ابن عبد البر بسنده مرفوعا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ** إن أحدكم ليصلي الصلاة وما فاته من وقتها أشد عليه من أهله وماله**، قال ابن عبد البر: بسند قوي. فتح البر (4/ 167)، وسكت عنه الزيلعي في نصب الراية (1/ 244)، ورواه الدارقطني في سننه (1/ 258) من طريق آخر فيه متروك كما في التقريب ص 55.
جاء عنه النهي مطلقا عن فعل النافلة إذا أقيمت المكتوبة.
أما دعوى أن العلة في النهي في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» لكي لا تلتبس الفريضة بالنافلة فدعوى لا تستقيم، إذ لو كان الأمر كذلك لمنع التطوع في المسجد بكل حال ولما اختص بركعتي الفجر؛ أنه حتما لا بد أن تقام الصلاة في المسجد ومن المصلين من هو في التطوع ولا يفصل بينهما إلا بسلام.
ثم إن الداعي لمثل هذه الأقوال هو التأكيد على سنية ركعتي الفجر وأفضليتها، وأفضليتها لا تعني بمجردها أن تصلى ولو حال قيام الفريضة، بل غاية ما تدل عليه الأحاديث التي جاءت في فضلها هو التأكيد على أدائها، وقضائها إذا فاتت لعارض كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.
المبحث الرابع: أداؤها (وليس قضاؤها) بعد الصلاة:
إن مما يسر كل مؤمن ما يراه من عناية المسلمين بهاتين الركعتين، والحرص عليهما، غير أن مما يلفت النظر ما اعتاده بعض المصلين من تعمد تأخيرها إلى ما بعد الفريضة، ولا شك أن هذا خلاف السنة، إذ إن هديه صلى الله عليه وسلم تأديتها قبل الفريضة، ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلاها بعدها لا أداءً ولا قضاءً، وعليه فإن تعمد صلاتها بعد الفريضة بنية الأداء أو نية القضاء لا يجوز، واستدامة ذلك مخالف للسنة بل هو أقرب للبدعة، وأما الرخصة بقضائها بعد الفريضة كما سيأتي من قول بعض أهل العلم عند فواتها لنوم أو نسيان أحيانا
فلون آخر غير ما نحن فيه الآن، وهذا له حكم آخر.
وسبب المنع هنا والتشديد فيه أن اعتياد الكثير على ذلك يحدث شعارا في الدين وهو أمر ممنوع في الشريعة، وقد قرر هذا الأصل الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في شرح العمدة (1) (2) ونقله عنه ابن الملقن وقال: وهو من النفائس (3)
قال ابن دقيق العيد: قد مُنعنا من إحداث ما هو شعار في الدين .... وقريب من ذلك أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة على وجه مخصوص فيريد بعض الناس أن يحدث فيها أمرا آخر لم يرد به الشرع، زاعما أنه يدرجه تحت عموم، فهذا لا يستقيم؛ لأن الغالب على العبادات التعبد، ومأخذها التوقيف.
ثم قال: وهذه الصورة حيث لا يدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه، فأما إذا دل فهو أقوى في المنع وأظهر من الأول. انتهى
ولا أظنه يخفى ما ورد من المنع من الصلاة بعد الصبح، مما يؤكد على التضييق في الرخصة بقضاء ركعتي الفجر بعدها.
وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ضرب زيد بن خالد حينما رآه يصلي بعد العصر فقال زيد: «اضرب يا أمير المؤمنين، فوالله
(1) 1/ 200.
(2)
1/ 200. ') ">
(3)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 2/ 400. ') ">
لا أدعهما بعد إذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما قال: فجلس إليه عمر وقال: يا زيد بن خالد: لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما» (1)
وكلام الفاروق رضي الله عنه دليل على اعتبار ما ذكرنا من التشديد في اعتياد أمر لم ترد به السنة على سبيل الدوام، وإنما رخص فيه لسبب فيبقى على أصله من المنع.
ومما يؤكد على أهمية أداء ركعتي الفجر قبل الصلاة أمور منها:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤثر عنه تأخيرها إلى ما بعد الصلاة، لا عمدا ولا عن نوم أو نسيان.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر إلى طلوع الشمس كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره كما في قصة التعريس التي رواها مسلم في صحيحه بدأ بالراتبة ثم أعقبها بالفريضة مع أن التعجيل بأداء الفريضة عند نسيانها أو النوم عنها مقصود ومطلوب شرعا.
الثالث: وهو مستند إلى ما قبله: أن اختلاف الفقهاء في أدائها في وقتها ولو بعد إقامة الصلاة والدخول مع الإمام في الفريضة - وإن
(1) رواه عبد الرزاق 2/ 432. ') ">
فرق بعضهم بين أدائها في المسجد أو خارجه أو فصَّل باعتبار ما سيدركه مع الإمام كما مر في المبحث السابق - يؤكد على أهمية أدائها قبل الصلاة.
الرابع: أن الأصل قيام النهي عن الصلاة بعد الصبح كما هو ثابت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» وجاء أيضا من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وغيره.
وأما الرخصة بقضاء ركعتي الفجر بعد الفريضة فقد جاء في حديث السنن وسيأتي ذكره، وهو مختلف في صحته، ولا شك أن اعتبار ما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل به أولى من الترخص بحديث مشكوك في ثبوته، ولو قيل بثبوته فإنما هو على سبيل الرخصة الخارجة عن الأصل فتقدر بقدرها، ويعمل بها في حدود ما يبقيها رخصة عارضة، لا سنة دائمة.
الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على من صلى بعد فريضة الفجر ثم سكت عنه كما في حديث قيس بن عمرو وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجده يصلي بعد الغداة ركعتين فقال: «مهلا يا قيس أصلاتان معا؟ فقال: يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فصليتهما الآن.
قال: فلا إذن» (1) وهذا الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على اعتبار المنع من الصلاة بعد الفجر وبقائه، وهذا الذي دعا بعض أهل الحديث إلى اختيار قضائها بعد طلوع الشمس كما سيأتي، فإنكار النبي صلى الله عليه وسلم دل على الأصل الذي ذكرنا ثم سكوته دل على الرخصة.
السادس: أن مشروعية قضاء السنن الرواتب على وجه العموم مختلف فيه، والقول بعدم مشروعيته هو مذهب الحنفية والمالكية لفوات وقتها كما سيأتي في المبحث التالي.
السابع: أن الرواتب ومنها رغيبة الفجر من الصلوات المؤقتة، وليست من النوافل المطلقة، فمنها - أي الرواتب- القبلي ومنها البعدي، والأصل أن المؤقت من الصلوات وغيرها يلتزم به في وقته.
(1) سيأتي ص 74.
المبحث الخامس: مشروعية قضائها:
فواتها لا يخلو إما أن يكون عن تعمد وقصد واعتقاد أن بوسع الإنسان أن يؤديها بعد الصلاة مباشرة، واعتياد ذلك على وجه الدوام أو الغالب، وإما أن يكون عن نوم أن نسيان أحيانا؟ ولذلك فقد اختلف العلماء في قضائها وسائر الرواتب على أقوال:
الأول: لا يشرع قضاؤها سواء تركها لعذر أو لغير عذر، وهو قول أبي حنيفة واختيار أبي يوسف، وأحد قولي المالكية والشافعية
ورواية عن أحمد (1)
ووجهه أن السنن شرعت توابع للفرائض فلو قضيت في وقت لا أداء فيه للفرائض لصارت السنن أصلا وبطلت التبعية فلم تبق سنة مؤكدة؛ لأنها كانت سنة بوصف التبعية.
على أن الحنفية يقولون إن فاتت وحدها فلا تقضى، وإنا فاتت مع الفرض تقضى بعد طلوع الشمس معه (2)(3)
وإنما قالوا تقضى إذا فاتت مع الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها معها لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس (4)
القول الثاني: إن تركها لغير عذر لا تقضى وإن تركها لنوم أو نسيان فتقضى، وهذا قول ابن حزم حيث يقول: " فلو تعمد تركها إلى أن تقام الصلاة فلا سبيل له إلى قضائها؛ لأن وقتها قد خرج (5)
ويدل على هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها» وانتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من
(1) الهداية شرح البداية 2/ 156، بدائع الصنائع 1/ 287، مواهب الجليل 2/ 80، البيان 2/ 280، المجموع 3/ 522، المغني 2/ 531، شرح مسلم للنووي 2/ 308، نيل الأوطار 3/ 28.
(2)
الهداية 2/ 156، حاشية الطحطاوي ص 453، حاشية ابن عابدين 2/ 15، شرح سنن أبي داود للعيني 2/ 326.
(3)
الهداية 2/ 156، حاشية الطحطاوي ص 453، حاشية ابن عابدين 2/ 15، شرح سنن أبي داود للعيني 2/ 326. ') ">
(4)
المراجع السابقة. ') ">
(5)
المحلى 3/ 72. ') ">
لم ينس لا يصلي (1)
والقول الثالث: أنها تقضى ولو مع تعمد تأخيرها، وهو قول عند المالكية وأحد قولي الشافعي ورواية عن أحمد (2)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام في ذلك الوادي ثم استيقظ بحر الشمس ارتحل منه ثم نزل وأمر بلالا فأذن فصلى ركعتي الفجر ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر (3)
ووجه الدلالة من هذا الحديث أنه قضاها مع الصلاة فإذا فاتت وحدها تقضى أيضا، ويستوي العمد والنسيان في هذا.
كما استدلوا بالعموم في قوله عليه السلام: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» (4) وبحديث قيس بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على صلاة ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الصبح وسيأتي في المبحث التالي.
(1) فتح الباري 2/ 94. ') ">
(2)
حاشية الدسوقي 1/ 508، الفواكه الدواني 1/ 194، مواهب الجليل 2/ 80، البيان 2/ 280، المحرر للرافعي 49، المجموع 3/ 532، النجم الوهاج 2/ 305، المغني 2/ 531.
(3)
رواه مسلم في صحيحه من كتاب المساجد - باب قضاء الصلاة الفائتة ح 680، 681. ') ">
(4)
متفق عليه من حديث أنس: رواه البخاري في مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، ومسلم في المساجد ح 684، جاء في حديث أبي هريرة السابق عند مسلم أيضا في باب قضاء الصلاة الفائتة ح 680.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس» (1)
وأجابوا عن مفهوم المخالفة في قوله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها» بأنه لا يدل على عدم مشروعية قضاء المتعمد بل إن الحديث نبه بالأدنى على الأعلى، فإذا شرع قضاء الراتبة للناسي ووجب قضاء الفرض عليه مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه فالعامد أولى (2) وإنما ذكر النائم والناسي لئلا يتوهم متوهم أنهما لما رفع عنهما الإثم سقط القضاء عنهما
والراجح والله أعلم هو القول الثاني لدلالة السنة الصحيحة عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضاها عن نوم، ويحمل حديث قيس بن عمرو وغيره على الفوات لعذر، وكذا حديث الترمذي:«من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس» (3) ولا فرق بين فواتها مع الفرض وفواتها وحدها كما ادعته الحنفية، والله أعلم.
(1) رواه الترمذي، ك الصلاة، باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس، وفي إسناده مقال.
(2)
شرح مسلم للنووي 2/ 308، 309، فتح الباري 2/ 94، نيل الأوطار 3/ 29. ') ">
(3)
تقدم في المبحث السابق.
المبحث السادس: وقت قضائها:
إذا قيل بمشروعية القضاء لمن فاتته أحيانا، فقد اختلف من قال بمشروعيته في وقته على قولين:
الأول: قالت طائفة يقضيها بعد صلاة الصبح، وبه قال عطاء وابن جريج، وهو الصحيح من مذهب الشافعية (1)(2) لحديث قيس بن عمرو المتقدم، وفيه قوله:«خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصلاة فصليت معه الصبح، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني أصلي، فقال: " مهلا يا قيس، أصلاتان معا"؟ قلت: يا رسول الله إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر. قال: " فلا إذن» هذا لفظ الترمذي (3)
القول الثاني: يقضيها بعد طلوع الشمس، حكاه الترمذي عن الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك (4) وهو مذهب الحنفية (5) والمالكية (6)؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم (7) ولأن النهي عن الصلاة
(1) المجموع 3/ 532، المغني 2/ 531.
(2)
المجموع 3/ 532، المغني 2/ 531. ') ">
(3)
رواه الترمذي، ك الصلاة، باب ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد الصبح، ورواه أبو داود، ك الصلاة، باب من فاتته، متى يقضيها؟، وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود (1/ 347).
(4)
سنن الترمذي، ك الصلاة، باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس. ') ">
(5)
إذا فاتت مع الفرض. حاشية ابن عابدين 2/ 15. ') ">
(6)
حاشية الدسوقي 1/ 508، الفواكه الدواني 1/ 194، بداية المجتهد 1/ 396، المغني 2/ 531. ') ">
(7)
كما في قصة التعريس وقد مر ذكرها. ') ">
بعد الصبح عام كما في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيرهما من الأحاديث التي تدل على النهي عن الصلاة بعد الصبح. قال الإمام أحمد: أختار أن يقضيهما من الضحى (1)
ثم اختلفوا، فمنهم من وسع في وقتها فقال: يقضيها أبدا في أي وقت وهو الأصح من مذهب الشافعية ومنهم من قال يقضيها من لدن طلوع الشمس إلى وقت الزوال وهو مذهب مالك والحنفية (2) ومنهم من قال: يقضيها بعد طلوع الشمس إلى وقت الضحى (3)
(1) المغني 2/ 531. ') ">
(2)
في حاشية ابن عابدين: لا تقضى قبل الطلوع ولا بعد الزوال. حاشية ابن عابدين 2/ 15، وانظر للمالكية: حاشية الدسوقي 1/ 508، الفواكه الدواني 1/ 194.
(3)
بداية المجتهد 1/ 396، المغني 2/ 544، وقد يستأنس للأول بحديث عمر رضي الله عنه مرفوعا:" من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" رواه الترمذي، باب 403، ح 578، فأخذ من تحديد الغاية فيه أن القضاء بعد فوات الوقت ما لم يدخل وقت الفريضة التالية.
المبحث السابع: القراءة فيهما:
اختلف العلماء في المستحب من القراءة فيهما على أربعة أقوال:
الأول: يستحب أن يقرأ فيهما مع فاتحة الكتاب سورتي الكافرون
والإخلاص، أو قوله تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} .. البقرة 136، وقوله تعالى:{قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}
…
من آل عمران 64. وهذا مذهب الشافعية والحنابلة (1) (2)
استدل هؤلاء بأدلة منها:
ما روى أبو هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد» (3)
«وقال ابن عمر: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد» (4). قال الترمذي هذا حديث حسن (5)
وعن ابن عباس قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} .. البقرة 136، وفي الآخرة منهما:{قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}
…
من آل عمران 64» (6)
الثاني: يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب فقط في كل ركعة، وهذا مذهب
(1) الأم 1/ 144، المجموع 3/ 349، المغني 2/ 541، الإنصاف 2/ 176، نيل الأوطار 3/ 23.
(2)
الأم 1/ 144، المجموع 3/ 349، المغني 2/ 541، الإنصاف 2/ 176، نيل الأوطار 3/ 23. ') ">
(3)
رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب ركعتي الفجر 502.
(4)
سنن الترمذي الصَّلَاةِ (417)، سنن النسائي الِافْتِتَاحِ (992)، سنن ابن ماجه إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا (1149)، مسند أحمد (2/ 94).
(5)
رواه الترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في تخفيف ركعتي الفجر والقراءة فيها. ') ">
(6)
رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب ركعتي الفجر 502.
الإمام مالك (1)
واستدل لهذا القول بحديث عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم الكتاب» (2) فظاهر هذا أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن فقط (3)
الثالث: لا توقيف فيهما في القراءة يستحب، ويجوز أن يقرأ فيهما المرء حزبه من الليل، وهذا مذهب أبي حنيفة، ويقرأ الوارد أحيانا تبركا بالسنة (4)
وهذا القول مبناه على الأصل عند الحنفية في أنه لا تتعين القراءة في الصلاة لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} المزمل 20، فعليه يقرأ فيهما بما شاء (5)
الرابع: لا يقرأ فيهما أصلا، وهو مروي عن الأصم وابن علية، وهذا واحد من شذوذهما، وقول ترده الأحاديث الثابتة الصحيحة،
(1) حاشية الدسوقي 1/ 318، الفواكه الدواني 1/ 195، رسالة القيرواني 1/ 32، بداية المجتهد 1/ 391، القوانين الفقهية 1/ 62، نيل الأوطار 3/ 23.
(2)
متفق عليه: رواه البخاري، ك التهجد، باب ما يقرأ في ركعتي الفجر ح 1118، ورواه مسلم ح 724.
(3)
بداية المجتهد 1/ 391، نيل الأوطار 3/ 23. ') ">
(4)
البحر الرائق 1/ 363، ابن عابدين 1/ 544، فتح القدير 1/ 337، بداية المجتهد 1/ 391. ') ">
(5)
بداية المجتهد 1/ 391. ') ">
وقد تمسكا بحديث عائشة، وليس فيه إلا أن عائشة شكت هل كان يقرأ بالفاتحة أم لا لشدة تخفيفهما، وهذا لا يصلح التمسك به لرد الأحاديث الصحيحة الصريحة
والراجح: هو القول الأول؛ لدلالة السنة الصحيحة الصريحة عليه، وما ذهب إليه مالك من الاقتصار على الفاتحة محتجا بحديث عائشة فلا دلالة فيه، إذا لا ملازمة بين مطلق التخفيف والاقتصار على الفاتحة؛ لأنه من الأمور النسبية، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا:«نعم السورتان هما يقرأ بهما في ركعتي الفجر: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد» (1) مما يدل على أن مقصودها في الحديث الأول الإشارة إلى التخفيف لا إنكار مطلق قراءة النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) رواه ابن ماجه باب ما جاء فيما يقرأ في الركعتين قبل الفجر. قال ابن حجر: بسند قوي. الفتح 3/ 47.
المبحث الثامن: صفتهما:
هذا المبحث مبنى الخلاف فيه على المبحث السابق، فيستحب تخفيفهما عند الجمهور عملا بحديث عائشة السابق (1) ومن قرأ فيهما بالوارد فقد خفف، وذهب بعضهم إلى القول بإطالة القراءة
(1) المغني 2/ 541 الإنصاف 2/ 176، الفروع 1/ 486، المجموع 3/ 349، 523، الفواكه الدواني 1/ 195، بداية المجتهد 1/ 391، نيل الأوطار 3/ 23.
فيهما وهو منقول عن النخعي وأكثر الحنفية، وفيه حديث مرسل عند البيهقي وسنده واه (1)(2) وخصه بعضهم بمن فاته شيء من قراءته في صلاة الليل فيستدركها في ركعتي الفجر، ونقل ذلك عن أبي حنيفة ورواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن البصري (3)
واستدلوا بالعموم في مثل نحو قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة طول القنوت» (4)
والقنوت هو القيام باتفاق العلماء (5)
والراجح: التخفيف كما هو مذهب الجمهور عملا بالسنة الصحيحة، ولا تعارض بين عام وخاص، فطول القنوت أفضل ما لم تخصه السنة في أحوال كركعتي الفجر والطواف ونحوهما.
(1) شرح الزرقاني 1/ 373، فتح الباري 3/ 61.
(2)
شرح الزرقاني 1/ 373، فتح الباري 3/ 61. ') ">
(3)
مصنف ابن أبي شيبة 2/ 52، شرح الزرقاني 1/ 373، فتح الباري 3/ 61، ولم أجده منصوصا عند الحنفية إلا عموم ما جاء من تفضيل طول القيام في صلاة التطوع على كثرة السجود. الأصل 1/ 159، ثم إني وجدت الإمام الطحاوي رحمه الله في شرح معاني الآثار ينص على ذلك وعلى مذهب النخعي حيث قال: لا بأس أن يطال فيهما القراءة وهي عندنا أفضل من التقصير لأن ذلك من طول القنوت الذي فضله رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع على غيره، وقد روي في ذلك أيضا عن إبراهيم. ثم ذكر الأثر بسنده. شرح معاني الآثار 1/ 300.
(4)
رواه مسلم ح 756.
(5)
شرح مسلم للنووي 2/ 375. ') ">