الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تارك لما يجب عليه]
المطلب الرابع: الصدق في التوكل
أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتوكل عليه، فقال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وأخبر سبحانه أنه محب لمن اتصف بهذه الصفة العظيمة فقال جل وعلا:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} فيجب على المسلم أن يحرص على القيام بهذا الأمر الإلهي، والالتزام بهذه الخصلة العظيمة، بصدق مع الله عز وجل في تحقيق هذا الفعل، ومجاهدة النفس في الثبات عليه. فإذا توكل المسلم على الله حق توكله كفاه همه، وأراحه مما أهمه، وأنزل عليه سكينته، فاطمأن إلى حكمه الديني الشرعي، واطمأن إلى حكمه الكوني القدري (1) (2) وفي بيان هذا قال السعدي: [{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي: في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ويثق به في تسهيل ذلك {فَهُوَ حَسْبُهُ} أي: كافيه الأمر
(1) انظر التوكل على الله تعالى (108).
(2)
انظر التوكل على الله تعالى (108). ') ">
الذي توكل عليه به] (1) وفي صدق التوكل على الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لرزقتم كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» (2) قال ابن رجب: [وهذا الحديث أصل في التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلب بها الرزقُ، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية على أبي ذر رضي الله عنه وقال له: «لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُمْ» (3) يعني لو أنهم حققوا التقوى والتوكل لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم ودنياهم](4) ثم قال: [واعلم أن تحقيق
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (870). ') ">
(2)
سنن الترمذي 4/ 573، كتاب الزهد، باب (33) في التوكل على الله، الحديث (2344)، قال الترمذي:[هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه]، وأخرجه أحمد في مسنده 1/ 30، 52، بلفظ قريب منه.
(3)
أخرجه ابن ماجه في سننه 2/ 1411، كتاب الزهد، باب:(24) الورع والتقوى، الحديث (4220)، وأخرجه أحمد في مسنده 5/ 178، الحديث (21591). والحديث إسناده ضعيف لانقطاعه كما ذكره البوصيري في مصباح الزجاجة 2/ 342، وكذلك الألباني في ضعيف الجامع الصغير (920) الحديث (6372)، وكذلك شعيب الأرنؤوط في مسند أحمد 5/ 178.
(4)
جامع العلوم والحكم: 2/ 554. ') ">
التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدَّر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سنته في خَلقه بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعةٌ له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} ، وقال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} ، وقال:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ] (1) وتأثير الصدق في التوكل من جانب آخر، يظهر في عدم الاعتماد على الأسباب، من الأعمال والآلات والأشخاص، فالمؤمن المتوكل الصادق لا يعتمد عليها اعتمادًا كليًا في تحقيق النتائج، بل يأخذ بها ويتصل بالآخرين، ويخطط ويبرمج وينظم ويجتهد، ولكن قلبه متصل بالله تعالى، فهو قد اعتمد على الله تعالى وحده، وركن إليه سبحانه في تحقيق النتائج، ثم يقبل ما يُقَدّرُه الله تعالى برضا واطمئنان، فذلك هو التوكل الصادق (2) لأن سنة الله تعالى في الحياة جَرَت بترتيب النتائج على
(1) جامع العلوم والحكم: 2/ 555، 556. ') ">
(2)
الصدق في القرآن الكريم (176). ') ">