الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقول المنافقين: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} صدق في حد ذاته، ولكن الله تعالى كذّبهم، ليس من حيث نطق اللسان، بل من حيث ما استقر في نفوسهم، فإنهم في قرارة نفوسهم مكذِّبون، وفي إخبارهم عمّا في اعتقادهم كاذبون.
المطلب السادس: الصدق في العمل
عند التأمل في حقيقة الصدق في العمل نجد أنه لا بد أن يتوفر في هذا العمل ما يأتي:
1 -
العمل بمقتضى العلم الشرعي، كما أخبر سبحانه وتعالى عن شعيب عليه السلام أنه قال لقومه:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} . وقد أنكر سبحانه وتعالى على مَن خالف ما عنده من العلم الشرعي فقال جلّ وعلا: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} فهؤلاء يأمرون غيرهم بفعل أعمال الخير والطاعات، ولا يفعلونها مِن قِبَل أنفسهم (1)(2) وكذلك أنكر سبحانه وتعالى على مَن يَعِد عدَةً، أو يقول
(1) انظر لباب التأويل في معاني التنزيل 1/ 54، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (51).
(2)
انظر لباب التأويل في معاني التنزيل 1/ 54، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (51). ') ">
قولاً لا يفي به فقال جلّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} ، فلا يليق بالمؤمن الذي صَدّق اللهَ ورسولَه أن يقول القول الذي لا يُصَدّقه بالعمل، كما أنه ليس مِن الإيمان مخالفة الأعمال للأقوال (1) قال السعدي:[لِمَ تقولون الخير وتحثون عليه، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه، وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به. فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة](2)؟.
2 -
استواء السريرة والعلانية في الحق، بأن يكون الباطن مثل الظاهر، أو خيرًا منه، فتكون الأعمال الصالحة الظاهرة التي يقوم بها المسلم ترجمة صادقة لما هو مستقر في باطنه، وأن يكون حرصه على هذه الأعمال السرية التي لا يعرفها الله تعالى أكثر من حرصه على الأعمال الظاهرة أو مثله، فبهذا تكون إرادة العبد من عمله وجه الله تعالى، ويكون إخلاصه فيه امتثالاً وانقيادًا لقوله
(1) انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن 28/ 83، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 357. ') ">
(2)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (858). ') ">
تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} . (1)
3 -
الإتقان في كل عمل صالح يقوم به المسلم، وهذا من العدل والإحسان الذي أمر الله تعالى به حيث قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} فالعدل الذي أمر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده، بأداء الأعمال والحقوق كاملة مُوَفّرة، فلا بخس ولا غش ولا خداع ولا ظلم. (2) فبهذا يؤدي المسلم عمله على خير وجه، ويحسن إلى نفسه فلا يلحقه تبعة في عمله، ويحسن إلى الآخرين بتوفيهم حقوقهم. وهذا الإحسان مفهومه واسع، وميدانه فسيح، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةِ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ،، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» (3) فالأمر بالإحسان يكون في كل شيء بحسبه، فالإحسان في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة:
(1) انظر إحياء علوم الدين 4/ 390، ومختصر منهاج القاصدين (403)، والصدق في القرآن الكريم (226). ') ">
(2)
انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (447). ') ">
(3)
صحيح مسلم 3/ 1548، كتاب الصيد والذبائح، باب:(11) الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة، الحديث (57).
الإتيان بها على وجه كمال واجباتها، والإحسان في ترك المحرمات: الانتهاء عنها وترك ظاهرها وباطنها، والإحسان في الصبر على المقدورات: البر عليها من غير تسخط ولا جزع، والإحسان في معاملة الخلق ومعاشرتهم: القيام بما أوجب الله من حقوقهم، والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الدواب: إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها وأرجاها، من غير زيادة في التعذيب، فإنه إيلام لا حاجة إليه (1) فإذا حقق العامل هذه المعاني العظيمة فهذا دليل على صدق عمله، ومجاهدته المستمرة على إرادته بعمله وجه الله تعالى. أما المرائي بعمله فهو الذي يجتهد في أعماله الظاهرة ولكنها على خلاف ما في باطنه (2)
فخُلُق الصدق في الأعمال لا يتحقق إلا بثمن، ولا يصير خُلُقًا إلا بتضحية ومجاهدة طويلة وشاقة، إنه خُلُق لا يتحمله إلا المخلص المتجرد لله تعالى، الذي يُضَحّي في سبيل ذلك بكل حظوظ النفس ومُتَع الحياة، وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى بقوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}
(1) انظر التحفة الربانية شرح الأربعين النووية (30). ') ">
(2)
انظر إحياء علوم الدين 4/ 390، والصدق في القرآن الكريم (227). ') ">