الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة التحقيق
الحمد لله، والصلاة والسلام على أفضل الخلق سيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فضمن مشروع «آثار الإمام ابن قيِّم الجوزية وما لحقها من أعمال» الذي شارف على التمام بحمد الله تعالى، يأتي إخراجنا لهذا الكتاب المهم في موضوعه، حيث يبحث في طريق السلوك إلى الله، ومنازل العبد التي يسير فيها في الطريق إليه
…
مستجلاةً من الكتاب العزيز، من فاتحة الكتاب الكريم التي هي لبّ القرآن وخلاصته، ومن قوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} التي هي خلاصة الفاتحة ولبها. ومستجلاةً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، ومن طريق سلف الأمة؛ علمائها وصالحيها وزهّادِها.
ورغم أن هذا الكتاب لقي عناية من جهات متعددة تولت إخراجه، في رسائل جامعية أو في مراكز بحثية أو أعمال فردية، وبعضها اعتمد على أصول خطية، إلا أنه لم يلق العناية التي تستكمل شرائط الإخراج العلمي والاطّراد المنهجي، فأكثر الأصول الخطية التي اعتمدها محققو الطبعات السابقة كانت نُسَخًا متأخرة، كثير منها بعد 1300 هـ، وفاتتهم نسخ مهمة للكتاب، منها النسخة التي كتبت في حياة المؤلف وقرئت عليه، وفاتت نسخٌ عديدة قريبة العهد بالمؤلف. ومعلوم أن الاعتماد على النسخ الخطية النفيسة من ركائز العمل العلمي الصحيح لإخراج نص تراثيّ، ما دام بالإمكان تحصيلها والوقوف عليها. وسيأتي الحديث عن طبعات الكتاب في موضعه من هذه التقدمة.
ولا تقتصر جوانب النقص في التحقيقات السابقة على قضية النُّسخ الخطية ــ على أهميتها ــ فحسب، بل تتعدى إلى سقوط نصوص كثيرة من عامة الطبعات، ومن هذه المواضع سقوط «منازل» بتمامها أو صفحات بكاملها، فقد سقط من طبعة رشيد رضا ومن طبعة الفقي (2/ 314) مبحثٌ كامل في خمس صفحات، من قوله: «على قطع أصول
…
» إلى «بطريق الرياضات .. » ، وسقط من طبعة دار الصميعي ــ وهي رسائل جامعية ــ (3/ 2300) منزلة كاملة، وهي منزلة البسطة أو الانبساط نحو ستّ صفحات، وسقطت عدة صفحات من طبعة دار ابن خزيمة تحقيق عامر علي ياسين (2/ 362) بسبب سقوط ورقة مِن مصوّرة نسخته الخطية الوحيدة!
إلى ملاحظات أخرى، سيأتي طائفة منها عند الكلام على طبعات الكتاب.
وقد عملنا على إخراج الكتاب على عشر نسخ خطية، وهو في عامة نُسَخه مكوّن من مجلدين، فُقِد المجلد الثاني في غالبها، فصار لدينا نسخ وفيرة عالية للمجلد الأول (يمثل المجلدين الأول والثاني من المطبوع)، وشح في النسخ القديمة للمجلد الثاني (يمثل الثالث والرابع) مما دعانا للنزول إلى بعض النسخ المتأخرة للاستعانة بها والاستئناس في قراءة نص المجلدين الأخيرين كما سنشرح ذلك فيما سيأتي من هذا التقديم.
وقد قدمنا عدة مباحث للكلام على الكتاب ومتعلقاته، وهي:
- تحرير عنوان الكتاب
- توثيق نسبة الكتاب للمؤلف
- تاريخ تأليفه
- موضوع الكتاب وترتيب مباحثه
- منهج المؤلف فيه
- «منازل السائرين» وشروحه
- مقارنة الكتاب بأهم شروح «المنازل»
- تعقبات ابن القيم على الهروي
- موارد الكتاب
- أثره في الكتب اللاحقة
- مختصرات ودراسات عن الكتاب
- نسخ الكتاب الخطية
- طبعات الكتاب
- منهج التحقيق
ثم صنعنا فهارس لفظية متعددة للكتاب، وفهارس علمية كاشفة لعلومه وفوائده.
ونرجو بهذا العمل أن نكون قد خدمنا الكتاب خدمة تليق به، مع أملنا في الحصول مستقبلًا على نسخ أخرى أكثر جودة للنصف الثاني من الكتاب، آملين من القرّاء الكرام تزويدنا بملاحظاتهم ومقترحاتهم على الإيميل أدناه، ليصل العمل إلى ما يرجونه ونرجوه جميعًا إن شاء الله تعالى.
علي بن محمد العمران
Aliomraan@hotmail.com
وخفي عليها ذلك في مطالع الأنوار من السُّنّة والكتاب!
واعجبًا! كيف ميّزت بين صحيح الآراء وسقيمها، ومقبولها ومردودها، وراجحها ومرجوحها؛ وأقرّت على أنفسها بالعجز عن تلقِّي الهدى والعلم من كلامِ مَن لا يأتيه الباطل
(1)
من بين يديه ولا من خلفه، وهو الكفيل بإيضاح الحقِّ مع غاية التِّبيان؛ وكلامِ مَن أوتي جوامعَ الكلم، واستولى على الأمد الأقصى من البيان؟
كلّا! بل هي ــ واللهِ ــ فتنةٌ أعمت القلوبَ عن مواقع رشدها، وحيَّرت العقولَ عن طرائق قصدها؛ يربّى فيها الصّغير، ويهرم عليها
(2)
الكبير.
وظنّت خفافيش البصائر أنّها الغاية التي يُسابِق
(3)
المتسابقون إليها، والنِّهاية التي يتنافس
(4)
المتنافسون فيها
(5)
، وتزاحموا
(6)
عليها. وهيهات! أين السُّهى من شمس الضُّحى، وأين الثَّرى من كواكب الجوزاء! وأين الكلام الذي لم يُضمَن
(7)
لنا عصمةُ قائله بدليلٍ معلومٍ، من النّقل المصدَّق
(1)
ش، ع:"من كلامٍ لا يأتيه الباطل" بحذف "مَنْ"، وضرب بعضهم عليها في ل، فإن كتاب الله هو الذي وصف في القرآن بأنه لا يأتيه الباطل. ومن ثم زِيد في بعض الطبعات بعد "مَن":"كلامُه".
(2)
ع: "فيها".
(3)
ج، ع:"تسابق"، وهو أشبه.
(4)
حكّ بعضهم ياء المضارع في ل ليوافق الفعل الماضي الآتي، وهو أشبه.
(5)
السياق في ع: "تسابق إليها المتسابقون
…
فيها المتنافسون".
(6)
ج: "يتزاحموا" ليناسب الفعل المضارع السابق.
(7)
ل: "تضمن". وضبط "عصمةَ" بالنصب في ق المقابلة والمقروءة على المؤلف!
عن القائل المعصوم! وأين الأقوال التي أعلى درجاتها أن تكون سائغة الاتِّباع، من النُّصوصِ الواجبِ على كلِّ مسلمٍ تقديمُها وتحكيمُها والتّحاكمُ إليها في محلِّ النِّزاع! وأين الآراء التي نهى قائلُها عن تقليده فيها وحذَّر، إلى النُّصوص التي فرضٌ
(1)
على كلِّ عبد أنه
(2)
يهتدي بها ويتبصَّر! وأين المذاهب التي إذا مات أربابها فهي من جملة الأموات، إلى النُّصوص التي لا تزول إذا زالت الأرض والسّماوات!
سبحان الله! ماذا حُرم المعرضون عن نصوص الوحي واقتباس العلم من مشكاتها من كنوز الذّخائر! وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر! قنعوا بأقوالٍ استنبطها معاولُ الآراء فِكَرًا، وتقطَّعوا أمرهم بينهم لأجلها زُبُرًا
(3)
. وأوحى بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا، فاتّخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورًا.
درست معالم القرآن في قلوبهم فليسوا يعرفونها، ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها، ووقعت ألويته وأعلامه من أيديهم فليسوا يرفعونها، وأفَلَتْ كواكبُه النّيِّرة من آفاق نفوسهم فلذلك لا يحبُّونها، وكسَفت شمسُه عند اجتماع ظُلَمِ آرائهم وعُقَدِها فليسوا يبصرونها.
خلعوا نصوص الوحي من سلطان الحقيقة، وعزلوها عن ولاية اليقين. وشنُّوا عليها غارات التّأويلات الباطلة، فلا يزال يخرج عليها من جيوشهم
(1)
هكذا ضبط في ش.
(2)
كذا في جميع النسخ.
(3)
هكذا ضبط في معظم النسخ بضم الباء، ولم يضبط في الأصل (ق). ولو ضبط بفتح الباء كما في قراءة أبي عمرو في سورة المؤمنون (53) لكان أوقع في السجع.
كمينٌ بعد كمينٍ. نزلت عليهم نزول الضّيف على أقوامٍ لئامٍ، فعاملوها بغير ما يليق بها من الإجلال والإكرام. وتلقَّوها من بعيدٍ، ولكن بالدَّفع في صدورها والأعجاز. وقالوا: ما لك عندنا من عبورٍ، وإن كان لا بدّ، فعلى سبيل المجاز!
أنزلوا النُّصوص منزلة الخليفة في
(1)
هذا الزّمان، له السِّكّة
(2)
والخطبة وما له حكمٌ نافذٌ ولا سلطانٌ. المتمسِّكُ عندهم بالكتاب والسُّنّة صاحب ظواهر، مبخوسٌ حظُّه من المعقول. والمقلِّدُ للآراء المتناقضة المتعارضة والأفكار المتهافتة لديهم هو الفاضل المقبول. وأهلُ الكتاب والسُّنّة المقدِّمون لنصوصها على غيرها جهّالٌ لديهم منقوصون! {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13].
حُرموا ــ واللهِ ــ الوصولَ، بعدولهم عن منهج الوحي وتضييعهم الأصول. تمسّكوا بأعجازٍ لا صدور لها، فخانتهم أحرصَ ما كانوا عليها، وتقطّعت بهم أسبابُها أحوجَ ما كانوا إليها؛ حتّى إذا بُعثِر ما في القبور، وحُصِّل ما في الصُّدور، وتميَّز لكلِّ قومٍ حاصلُهم الذي حصَّلوه، وانكشفت لهم حقيقةُ ما اعتقدوه، وقَدِموا على ما قدَّموه، وبدا لهم من الله ما لم يكونوا ليحتسبوه
(3)
، وسُقِط في أيديهم عند الحصاد لمّا عاينوا غلَّةَ ما بذروه= فيا شدّةَ الحسرة عندما يعاين
(4)
(1)
"في" ساقط من ش.
(2)
هي الحديدة المنقوشة التي كانت تطبع عليها الدراهم والدنانير، وقد تطلق على النقود المضروبة نفسها.
(3)
ما عدا ق، ل:"يحتسبوه"، وضرب بعضهم على "يكونوا" في ش لإصلاح العبارة.
(4)
ش: "عاين".