الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* وإليك نموذجًا آخر: افتتح شيخ الإسلام الهروي باب الرجاء بقوله: «الرجاء أضعف منازل المريد، لأنَّه معارَضةٌ من وجهٍ واعتراضٌ من وجه، وهو وقوعٌ في الرُّعونة في مذهب هذه الطّائفة. ولفائدةٍ واحدةٍ نطق به التنزيل والسُّنة، وتلك الفائدة هي كونه يبرِّد حرارة الخوف حتَّى لا يُفضي بصاحبه إلى الإياس» (2/ 262).
هذا الكلام كله كما ترى كلام مدخول، فبدأ ابن القيم تعقيبه عليه بقوله: «شيخ الإسلام حبيبٌ إلينا، والحقُّ أحبُّ إلينا منه، وكلُّ من عدا المعصوم فمأخوذٌ من قوله ومتروك. ونحن نحمل كلامه على أحسن محامله، ثمَّ نبيِّن ما فيه
…
». ففسَّر ألفاظ الشيخ أولا ــ كما ذكر ــ على أحسن وجه يمكن توجيهها إليه، وختم الشرح قائلًا:«فهذا وجهُ كلامه، وحملُه على أحسن محامله» (2/ 264)، وعقّب عليه بأن هذا ونحوه من الشطحات التي يرجى أن يستغرقها حسنات صاحبها من كمال الصدق وصحة المعاملة وقوة الإخلاص وتجريد التوحيد، ولم تضمن العصمة لبشر بعد رسول الله.
ثم نبَّه على أن هذه الشطحات كانت فتنة لطائفتين: إحداهما أهدرت من أجلها محاسن أصحابها ولطف نفوسهم وصدق معاملاتهم، وأنكرته غاية الإنكار، وأساءت الظن بهم مطلقا. وهذا عدوان وإسراف. والأخرى حُجبت بمحاسنهم عن رؤية عيوب الشطحات، فتلقتها بالقبول، وانتصرت لها. وهذا أيضا عدوان وإفراط. وأهل البصيرة والإنصاف يعطون كل ذي حق حقه. ثم أشار إلى أن سادات القوم كانوا يحذرون من هذه الشطحات ونحوها، ويتبرؤون منها، ونقل شيئا من أقوالهم من الرسالة القشيرية.
بعد هذا التنبيه أقبل ابن القيم رحمه الله على نقد كلام الهروي فقرة
وأوحى. قال رؤبة
(1)
:
وحى لها القرارَ فاستقرَّتِ
(2)
وهو أقسامٌ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
فصل
المرتبة الثّالثة: إرسال الرّسول الملكيِّ إلى الرّسول البشريِّ
، فيوحي إليه عن الله ما أمره أن يوصله إليه.
فهذه المراتبُ الثّلاثةُ خاصّةٌ بالأنبياء عليهم السلام، لا تكون لغيرهم.
ثمّ هذا الرّسول الملكيُّ قد يتمثّل للرّسول البشريِّ رجلًا، يراه عيانًا ويخاطبه. وقد يراه على صورته التي خُلِق عليها، وقد يدخل فيه الملَكُ ويوحي إليه ما يوحيه، ثمّ يُفْصَمُ
(3)
عنه، أي يُقلع
(4)
. والثّلاثة حصلت لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم.
(1)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة. والصواب أنه للعجاج والبيت من أرجوزته الشهيرة التي أولها:
الحمد لله الذي استقلَّت
انظر: "ديوانه" بتحقيق عبد الحفيظ السطلي (1/ 408) والبيت من الشواهد المشهورة في كتب اللغة والتفسير. انظر مثلًا: "مجاز القرآن"(1/ 182)، و"العين"(3/ 320)، و"تفسير الطبري"(5/ 402).
(2)
يعني: أوحى الله القرارَ للأرض.
(3)
هكذا ضبط في ع على ما لم يسمَّ فاعله، ويروى بفتح الياء أيضًا. انظر:"مشارق الأنوار"(2/ 160).
(4)
كذا في ع وفي الأصل مصلَحًا. وفي ل: "يقصم" وفي هامشها: "ظ". وفي ش بياض، وفي ج:"يقطع".