الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1/ 235، 236
…
2/ 311، 312
1/ 324 - 327
…
1/ 391 - 396
1/ 327 - 335
…
2/ 510 - 524
1/ 336
…
1/ 398 - 399
2/ 446
…
1/ 519، 520
2/ 451
…
1/ 505
2/ 457
…
2/ 266، 267
2/ 464 - 466
…
1/ 508 - 513
2/ 753، 754
…
3/ 302 - 306
ونقل ابنُ أبي العزّ من كتابنا في «التنبيه على مشكلات الهداية» (4/ 209) أيضا دون إشارة إلى المؤلف أو كتابه. وكانت عند ابن أبي العز نسختان من الكتاب، وقد وصل إلينا المجلد الأول من كلتا النسختين، وفي أولهما تقريظ منظوم للكتاب بخطه.
ومن الصادرين عنه: الفيروزابادي (ت 817) في «بصائر ذوي التمييز» (5/ 389) إذ نقل كلاما طويلا يتعلق بمنزلة اليقظة.
وكذلك اعتمد المقريزي (ت 845) في النصف الثاني من كتابه «تجريد التوحيد» (ص 73 - 105 تحقيق علي العمران) على كتابنا هذا.
وممن نقل عنه ولم يُسَمّ الكتاب: عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود الصالحي الحنبلي (ت 856) في كتابه «الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» : (1/ 171، 172، 173، 174، 325، 377. 2/ 521، 524 - 528 مطوّل).
ومن الذين نقلوا عن الكتاب: المرداوي (ت 885) في «التحبير شرح التحرير» (1/ 61)[ط. مكتبة الرشد]، حيث ذكر معنى «التوفيق» .
ونقل السيوطي في «الحاوي للفتاوي» (2/ 164 - 165)[ط. دار الفكر] نصًّا طويلًا من مبحث «الفناء» والردّ على الاتحادية.
وفي «المواهب اللدنية» للقسطلاني (ت 923) نقول عديدة عن الكتاب، انظر: 2/ 487، 538، 584، 589، 612، 613، 625، 630، 644 (ط. المكتبة التوفيقية بالقاهرة). وذكر الزرقاني (ت 1122) في «شرحه» أن هذه النقول وغيرها من «مدارج السالكين»: 8/ 374، 516، 529، 9/ 59، 63، 98، 115 (ط. دار الكتب العلمية بيروت).
ونقل ابن النجار الفتوحي (ت 972) في «معونة أولي النهى» (10/ 471)[ط. بن دهيش] مسألة قتل العائن والفرق بينه وبين الساحر عن ابن القيم من هذا الكتاب.
وكان الملا علي القاري (ت 1014) قد اطلع على هذا الكتاب، ونقل منه ما يدلُّ على براءة ابن القيم وشيخه من التشبيه والتجسيم، وقال: «ومن طالع شرح منازل السائرين
…
تبيَّن له أنهما كانا من أهل السنة والجماعة، بل من أولياء هذه الأمة». ثم نقل عن الكتاب: «وهذا الكلام من شيخ الإسلام [أي الهروي] يبيِّن مرتبته من السنة ومقداره في العلم، وأنه بريء مما رماه أعداؤه الجهمية من التشبيه والتمثيل على عاداتهم في رمي أهل الحديث والسنة بذلك
…
» إلى آخر ما قال. انظر: «مرقاة المفاتيح» (7/ 2778)[ط. دار الفكر بمصر]. والنصّ المذكور في «المدارج» (2/ 340). ونقله عن القاري: نعمان بن محمود الآلوسي (ت 1317) في «جلاء العينين في محاكمة الأحمدين» (ص 647).
ونقل منصور البهوتي (ت 1051) في «كشاف القناع» (5/ 509، 510)[ط. دار الفكر سنة 1402] و «شرح منتهى الإرادات» (3/ 366)[ط. عالم الكتب سنة 1414] في موضوع قتل العائن. وتابعه عبد الرحمن البعلي الخلوتي (ت 1192) في «كشف المخدرات» (2/ 759)[ط. دار البشائر].
وفي «دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» لابن علّان الصديقي (ت 1057) 1/ 94 [ط. دار المعرفة 1425] نصٌّ مقتبس منه في موضوع «التوبة» .
ونقل العجلوني (ت 1162) في كشف الخفاء (ص 155 - ط القدسي) حكم ابن القيم على حديث «أفضل العبادات أحمزها» .
أما السفّاريني (ت 1188) فقد عدَّ هذا الكتاب من مصادره في «غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب» ونقل عنه: 1/ 11، 456، 460، 461، 2/ 261، 472، 528، 532 [ط. مؤسسة قرطبة]. كما نقل عنه كثيرًا في كتابه الآخر «لوامع الأنوار البهية»: 1/ 286، 309، 335، 336، 341، 359، 361، 365، 2/ 450 [ط. مؤسسة الخافقين بدمشق سنة 1402].
واعتمد عليه أيضًا مصطفى الرحيباني (ت 1243) وذكره من بين مصادره في «مطالب أولي النهى» : 1/ 4، 2/ 530، 6/ 225 [ط. المكتب الإسلامي سنة 1415].
أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت 1206) وغيره من علماء الدعوة فقد نقلوا عنه كثيرًا في موضوع الشرك الأكبر والأصغر وموضوعات أخرى، انظر:«مفيد المستفيد» (ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب) 1/ 293 - 294، «تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان بن عبد الله بن
محمد بن عبد الوهاب (ت 1233): ص 189 ومواضع أخرى لم يصرِّح فيها باسم الكتاب [ط. المكتب الإسلامي سنة 1423]. و «الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة» للشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ت 1242): ص 340 (طبعة 1420). و «الانتصار لحزب الله الموحدين» لعبد الله بن عبد الرحمن أبابطين (ت 1282): ص 67، 68 [ط. دار طيبة 1409]. و «فتح المجيد شرح كتاب التوحيد» للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (ت 1285): ص 81 [ط. مطبعة السنة المحمدية سنة 1377]. و «قرة عيون الموحدين» له: ص 162 [ط. مكتبة المؤيد سنة 1411]. و «توضيح المقاصد» لأحمد بن إبراهيم بن عيسى (ت 1327): 1/ 117، 132، 2/ 129، 239، 251، 267، 268، 349، 406 [ط. المكتب الإسلامي].
ومن أواخر مَن نقل عن الكتاب قبل طبعه: الشيخ جمال الدين القاسمي (ت 1332) في تفسيره «محاسن التأويل» البقرة 165، النساء 48، 116، والأستاذ عبد الرزاق البيطار (ت 1335) في «حلية البشر في تاريخ الثالث عشر»: 1/ 208 [ط. مجمع اللغة بدمشق].
* * *
مختصرات ودراسات عن الكتاب
قام عدد من المعاصرين باختصار الكتاب وتهذيبه أو إفراد بعض الفصول والأبواب منه، وفيما يلي ذكر ما وقفنا عليه:
1 -
«تحفة المقتصدين من مدارج السالكين» ، لعبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن سحمان.
2 -
«تهذيب مدارج السالكين» ، لعبد المنعم صالح العلي العزي، ط. جدة سنة 1402، كما طبع بمؤسسة الرسالة في مجلدين.
3 -
«بغية القاصدين من كتاب مدارج السالكين» ، لعبد الله السبت، ط. الدار السلفية بالكويت سنة 1407.
4 -
«المنتقى الثمين من كتاب مدارج السالكين» ، لزامل بن صالح الزامل، ط. دار قارة بجدة سنة 1412.
5 -
«مسار الراغبين إلى مدارج السالكين» ، لصالح بن محمد الخلف، طبع سنة 1418.
6 -
«تأملات في كتاب مدارج السالكين» ، لصلاح شادي. مطبوع.
7 -
«تهذيب مدارج السالكين» ، لمحمد بيومي، ط. مكتبة الإيمان
8 -
فصل في أنواع الشرك (من مدارج السالكين)، مخطوط في متحف كابل [مجاميع 92](الورقة 214 ب- 216 ب)، ومركز الملك فيصل بالرياض [2750 - 1 - ف].
9 -
فصل في النفاق (من مدارج السالكين)، مخطوط في مركز الملك فيصل [ب 10677] وطبع بعنوان «صفات المنافقين» .
10 -
«مشاهد الخلق في المعصية» ، طبع بتحقيق: نذير حسن عتمة، المكتب الإسلامي، بيروت 1405. ومنه نسخة خطية في الظاهرية، وهي مصورة في جامعة الإمام بالرياض ضمن مجموع رقم [2114] (ص 48 - 74).
11 -
«الغربة» ، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر، ط. دار الكتب الأثرية، الزرقاء ــ الأردن 1409.
12 -
«سماعات ابن القيم من شيخ الإسلام ابن تيمية» ، لسهيل بن عبد الله السردي، ط. دار النوادر سنة 1431.
13 -
«ضوابط قيم السلوك مع الله عند ابن قيم الجوزية» ، لمفرح بن سليمان بن عبد الله القوسي، طبع في: مجلة البحوث الإسلامية (86/ 261 - 331).
14 -
«المهذَّب من مدارج السالكين» ، لصالح أحمد الشامي، ط. دار القلم، دمشق.
15 -
«تقريب مدارج السالكين» ، لمجموعة من الباحثين، ط. دار ابن الجوزي، 1439.
* * *
نسخ الكتاب الخطية
اعتمدنا في تحقيق الكتاب على عشر نسخ خطية، وليس منها نسخة كاملة إلا نسخة تشستربيتي (ش). وأما النسخ الأخرى فعامَّتها إما للنصف الأول من الكتاب ــ أي قدر الجزئين الأولين من طبعتنا ــ أو للنصف الثاني منه.
وهذا وصفها مرتبة بحسب تاريخ نسخها:
1) نسخة قيون أوغلو= ق /الأصل
هي محفوظة بمكتبة «قيون أوغلو» بمدينة قونيا بتركيا، وتقع في 322 ورقة، وإن كان بحسب الترقيم فيه (321 ورقة) لأنه قد تكرر ترقيم ورقتين متتاليتين بالرقم (8). وفي كل صفحة 25 سطرًا غالبًا، وقد يزيد سطر أو ينقص في بعض الصفحات. وهذه النسخة في أصلها تتكوَّن من مجلَّدين، والموجود منهما الأول فقط، من أول الكتاب إلى آخر منزلة الصدق.
على صفحة العنوان: «الجزو الأول من كتاب مدارج السالكين في منازل السائرين. تأليف الشيخ الإمام العالم العامل العلامة .... » .
وتحته قيد وقفٍ بخط مغاير كتبه «فتح الله بن بير أحمد» حيث وقف الكتاب على أخيه الشقيق «صنع الله» ثم على أولاده من بعده. وتحته بخط آخر دعاء مسجوع للمؤلف بأن يتغمده الله بالرحمة والرضوان
…
إلخ.
وتحته كتب «علي بن العزِّ الحنفي» ــ شارح الطحاوية (ت 792) ــ أبياتًا في مدح الكتاب من نظمه بخط يده، وهي:
«صاحِ هذي مدارج السالكينا
…
قد بدت في منازل السائرينا
جِدَّ واصعَدْ تسعدْ فهذا الصراط الـ
…
ـمستقيم الذي إليه دُعينا
لا تَحِدْ عن هذا الصراط ففيه
…
تصحب الأنبياء والصالحينا
إن هُدِينا له فكلُّ ضلالٍ
…
ومخوفٍ ربي يقينًا يقينَا
لستَ في ذي الدنيا مقيمًا فسافِرْ
…
مع خير الرفاق في العالمينا
بيَّن الله والرسولُ سبيل الـ
…
ـحق فيما يُتلى ويُروى إلينا
ثم جاءت ساداتُنا فهَّمونا
…
كلَّ ما كان منه يخفى علينا
وجلاه هذا الإمام بيانًا
…
فتبدَّى للعارفين مبينا
رضي الله عنه كم من صوابٍ
…
بجوابٍ منه إليه هُدِينا
لو كتبنا كلامه بنُضارٍ
…
خالصٍ ما كنَّا له منصفينا
كتبه ناظمه علي بن العز الحنفي»
وفي آخر المجلد كتب الناسخ: «آخر المجلد الأول من كتاب مدارج الساكين في منازل السائرين، ويتلوه في الثاني فصلٌ: ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين: منزلة الإيثار» .
هذه النسخة مجوَّدة ومتقنة، وقد كتبت في حياة المؤلف وقرئت عليه كما جاء منصوصًا على طُرَر كثير من الصفحات، أول ذلك في (ق 17 ب):«بلغ مقابلة وقراءة على مصنفه» ، ثم تكرر ذلك أو نحوه في ما لا يقل عن خمسة وأربعين موضعًا آخرها (ق 228 ب) أي قبل نهاية المجلد بأربع ورقات.
أما عنوان الكتاب في أول النسخة فقد كُتب بعد وفاة المؤلف. وفي النسخة أوراق أخرى أيضا لعلها كتبت بهذا الخط، وهو قديم أيضا ولكن
ليس بخط الناسخ. ومنها قسم من ق 2/ب، وأول 3/أ، والأوراق (189 - 198)، ثم (203 - 206)، وهكذا الصفحة الأخيرة.
ومع قراءة النسخة على المؤلف بقيت فيها أشياء يسيرة من التصحيف والسقط.
2) نسخة حلب= ل
هذه النسخة كانت في حلب، ثم آلت إلى مكتبة الأسد بدمشق برقم (15412، 15413)، وهي ذات ثلاث مجلَّدات، وُجد منها جزءان، أولهما في 239 ورقة، والثاني في 257 ورقة، في كلِّ صفحة 21 سطرًا.
والجزءان يمثِّلان ثلثي الكتاب، حيث يتنهي الجزء الثاني عند انتهاء شرح المؤلف من الدرجة الأولى من منزلة المحبَّة (3/ 413). وقد وقع سقط في الجزء الأول بعد ق 11 مقداره تسع ورقات، وذلك قبل ترقيم النسخة.
كتب على صفحة العنوان من المجلد الأول: «الأول من مدارج السالكين في منازل السائرين. تأليف الشيخ الإمام العالم العامل العلامة
…
».
وتحته أبيات ابن أبي العز التي على نسخة «قيون أوغلو» ، وهنا أيضًا كتبها بخط يده حيث جاء في آخرها:«كتبها ناظمها علي بن العز الحنفي» .
وفي الطرف قيد تملُّك لمعتوق بن علي سنة 1116 هـ، وكذا على أول المجلد الثاني.
والنسخة مقابلة، كما يظهر من قيد المقابلة (بلغ مقابلةً) الوارد في مواضع من المجلدين، وجاء في آخر المجلد الأول ما نصُّه: «بلغ مقابلةً
بأصلٍ مقابَلٍ على أصل مؤلفه مقروءٍ عليه ــ رحمه الله وإيانا ــ في مجالس آخرها في حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة». وفي آخر المجلد الثاني: «قوبل على أصل مقابل بأصلِ مؤلفه مقروءٍ عليه في مجالس آخرها في عشري شهر رجب سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة» .
ولعل النسخة التي قوبلت عليها هذه النسخة هي نسخة قيون أوغلو (ق) التي قرئت على المؤلف كما سبق بيانه. ومما يدل على ذلك أنهما تتفقان في مواضع كثيرة مما اختلفتَا فيها مع النسخ الأخرى. وزيادةً على هذه المقابلة، فهناك قلمٌ آخر جرى عليه في مواضع تعديلًا وتغييرًا، لا سيما في لفظ المتن ليجعله موافقًا لما كان بين يديه من النسخ، مع أن المؤلف صادر عن «شرح التلمساني» في إثبات لفظه كما بينّاه في تعليقاتنا على الكتاب.
أما عن تاريخ نسخها، فمن القطعي أنها نُسخت قبل تاريخ المقابلة المذكور آنفًا، أي قبل ربيع الآخر 773 هـ. وأما ما ورد في آخر المجلد الثاني أنه تم نسخها في سنة (731) فلا يصحُّ، فإنه جاء في قيدٍ مزوَّر، وظاهر جدًّا آثار المسح والكشط تحته، وأنه بخط مغاير لخط الناسخ، ومما يدل على تزويره أنه جاء فيه: «آخر المجلد الثاني، وبه تمَّ الكتاب
…
في سنة 731». ومن المعلوم أن الكتاب لم يتمَّ بعدُ، بل بقي منه نحو ثلثه كما سبق شرحه، فلعلَّ بعض من تملَّك النسخة ناقصةً أراد أن يبيعها، فلما رأى قيدًا في آخرها يدل على أنه يتلوها مجلَّدٌ ثالث، مسح هذا القيد وكشطه ثم كتب مكانه قيدًا مزوَّرًا ليروِّج لنسخته الناقصة على أنها نسخة تامَّة، وأنها كتبت في حياة المؤلف.
ثمَّ إن هذا التاريخ لا يمكن أن يكون ألَّف فيه هذا الكتاب، لأن من أوائل كتبه «تهذيب السنن» ، وقد نصَّ فيه على أنه ألَّفه سنة 732، ثم مما ألَّف بعده:«مفتاح دار السعادة» حيث ذكر «تهذيب السنن» فيه، وكتابنا هذا بعد «المفتاح» حيث أحال فيه عليه، بل قد أحال في كتابنا على «الصواعق المرسلة» وفيه ذكر «المفتاح» . كلُّ هذا يدل على أن الكتاب قد أُلِّف بعد التاريخ المرقوم في القيد المزوَّر بسنين.
وفي طرر النسخة تعليقات لبعض القراء، يصدِّرها بقوله:«حاشية» ، وهي متنوعة، فبعضها تذييل على كلام المؤلف باصطلاحات القوم وإشاراتهم، وفي بعضها نقلٌ لأقوال مشايخ الطريقة في الباب، وبعضُها تعليق على كلام الماتن، وفي بعضها تعقُّب على المؤلف، لا سيما فيما يعزوه إلى مذهب أبي حنيفة، كما في (ق 180/ب) حيث قال:«هذا الحكم المنسوب إلى مذهب أبي حنيفة رحمه الله إنما هو قول أبي يوسف» . وتاريخ هذه التحشية يرجع إلى القرن العاشر، فإنه ختم بعض تعليقاته (ق 228) بقوله: «
…
فيا غربة الإسلام في عاشر قرن».
3) نسخة جامعة الإمام= م
هي محفوظة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم (8860/خ). وهي تتكوَّن من مجلَّد واحدٍ في 181 ورقة، ينقصه بعض الأوراق من آخره. وفي كل صفحة منها 25 سطرًا.
والظاهر أن النسخة كانت تامَّة في مجلدين، فُقد الثاني منهما، وقد جاء في إحدى قيود التملك على صفحة العنوان: «ملكه والجزء الذي يليه
…
».
ولا نعرف تاريخ نسخها بالتحديد، وذلك لسقوط ورقة أو أكثر من آخر المجلد، مما يكون فيها غالبًا قيد النسخ، ولكننا نجزم بأنها من القرن الثامن، أو من أوائل التاسع، وذلك نظرًا إلى خطِّها ولأن على صفحة العنوان قيدَ تملُّكٍ في سنة 805 هـ.
وهذه النسخة قرئت أيضًا على الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (ت 1285)، فقد جاء في طرة (ق 11/ب) ما نصه:«بلغ قراءة على شيخنا عبد الرحمن بن حسن سلَّمه المنان» ، والظاهر أن المراد به حفيد إمام الدعوة، فإنه قد جاء في قيدٍ على صفحة العنوان:«عارية الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب» .
وهي نسخة جيِّدة، ومقابلة على أصلها المنسوخ منها كما يظهر من قيود المقابلة على بعض الصفحات واستدراكِ السقط في الهوامش مصححًا عليه. والظاهر أنها قوبلت على نسخة أخرى أيضا تشبه ش أو نسخة منقولة منها، وقد أُثبتت الفروق في الهامش مرموزًا لها بـ (خ).
4) نسخة تشستربيتي= ش
توجد هذه النسخة في مكتبة تشستربيتي برقم 3627 في 432 ورقة في جزءين: الجزء الأول منهما ينتهي بورقة 221، ثم الجزء الثاني إلى آخر النسخة، والترقيم مسلسل، وليس عليها تاريخ النسخ، إلّا أن الخط قديم يشبه أن يكون من القرن الثامن، وعلى صفحة الغلاف منها تملكٌ بخط متأخر وليس فيه تاريخ ونصه: «حسبي ربي، تملك هذا الكتاب والملك لله الواحد القهار: العبد المذنب صالح بن عمر المهندس الشامي مولدًا، غفر
الله لهما». وبجانبه تملك آخر لم يظهر فيه الاسم والتاريخ، يذكر فيه الكاتب أنه تملكه بالابتياع الشرعي. وهو بخطه كذلك على صفحة العنوان من الجزء الثاني (222/أ) حيث كتب: (صار هذا الجزء والأول قبله وهما جميع الكتاب ملكًا لكاتبه أفقر العباد إلى مولاه الغني الشريف محمد بن محمد بن أبي الخير الحسني الأرميوني المالكي المؤقت بالجامع الأزهر بالابتياع الشرعي من الشيخ محمد الشهاوي بمال قدره
…
) ثم مطموس. كما كتب أحدهم: «من كتب أبي الخير أحمد عفا الله عنه» . وعليه ختم «بنده خدا مصطفى» أي (عبد الله مصطفى)، وختم آخر لم يظهر المكتوب فيه.
والنسخة بخط نسخي جيد، في كل صفحة منها 31 سطرًا، وعليها آثار التصحيح والمقابلة، تدل عليه أيضًا الدائرة المنقوطة وكتابة «بلغ والحمد لله» في هوامش النسخة إلى آخرها.
ونجد في هامش الورقة (122/أ) بيت شعر للناسخ بقوله: «للكاتب في هذا المعنى:
وها أنا قد خرَّبتُ مصرًا لبغيتي
…
عمارة قصرٍ وهي ما حصلتْ بعدُ»
وبيت آخر في هامش الورقة (244/أ).
وفي هامش الورقة (152/أ) ذكر ما في نسخة (خ)، وقال:«كذا في نسخة صحيحة غير الصورة التي ذكرها الشارح» . وفي هامش الورقة (206/ب) إشارة إلى ما في نسخة «صحيح البخاري» بخط الصغاني خلاف ما في الكتاب.
وهذه التعليقات تدل على أن الناسخ عالم وشاعر. وعلى النسخة
تعليقات أخرى بخط آخر فيها شرح للغريب أو نقول من المصادر أو تتمة للشعر الذي أورده المؤلف، وأحيانًا بعض الأبيات الفارسية.
هذه النسخة هي النسخة الوحيدة الكاملة من النسخ القديمة التي بين أيدينا مع كونها من أصح النسخ وأقلِّها تصحيفا وسقطًا، بخط نسخي واضح، وفيها اهتمام بالضبط والشكل للكلمات الغريبة. وهي تتفق في الغالب مع نسخة حلب. وقد قوبلت على نسخة أخرى أشير إليها في الهوامش بعلامة (ظ).
5) نسخة قره جلبي زاده= ج
هذه النسخة في مكتبة قره جلبي زاده (ضمن المكتبة السليمانية في إستانبول) برقم 214، تحتوي على النصف الأول من الكتاب في 299 ورقة، وعنوانها «إرشاد السالكين إلى شرح منازل السائرين» وفي أولها فهرس ما في هذا المجلد من «المنازل». وعلى صفحة العنوان منها ختم «وقف حسين الشهير بقره جلبي زاده». وفي آخرها ذكر الناسخ وتاريخ النسخ بقوله: (نجز كتابةً على يد العبد الفقير إلى ربه القدير
…
أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمود بن عمر بن أبي بكر بن عترة المعروف بابن الشستري البعلبكي الحنبلي الصوفي
…
وكان الفراغ منه ضحى نهار الأحد سادس شهر ربيع الآخر من شهور سنة ثمانين وسبع مئة من الهجرة النبوية
…
).
والنسخة بخط نسخي جميل، في كل صفحة منها 21 سطرًا. وقد كتبت الفصول والمنازل والوجوه والعناوين فيها بالحبر الأحمر للتمييز، وهي نسخة مصححة ومقابلة على الأصل كما يظهر من هوامشها، وكتبت «بلغ مقابلة» أو «بلغ» عند نهاية كل عشرة أوراق. وفي آخر النسخة: «بلغ مقابلةً
على أصله المنقول منه حسب الطاقة
…
في ربيع الآخر من شهور سنة ثمانين وسبع مئة».
وفي الورقة (193/ب) ذكر المؤلف خمسة أبيات تائية لشيخ الإسلام، فذكر الناسخ تمام الأبيات المذكورة في الهامش. وفي هامش الورقة (226/أ) تعليق لأحد القراء حسن بن محمد الحنبلي ينفي التجسيم عن الحنابلة.
والنسخة في مجملها جيدة يقل فيها التحريف والسقط، والخلاف بينها وبين نسخة تشستربيتي قليل.
6، 7) نسخة ولي الدين بايزيد= ن، د
هذه النسخة ملفقة من نسختين تحتوي كل واحدة منهما على نصف الكتاب، وفيما يلي وصفهما:
أما النصف الأول فهو في مكتبة بايزيد (ولي الدين) باستانبول برقم 1730، في 282 ورقة، كتب بخط نسخي جيد، وفي آخره:(نجز بحمد الله وبركة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (كذا) على يد كاتبه الفقير إلى الله تعالى الراجي عفوه ومغفرته ورحمته أحمد بن محمد بن محمود يماني الوطن مكي النسب عريب الشام من جملة المساكين
…
وذلك بتاريخ حادي عشري شهر رمضان المعظم من شهور سنة أربع وثمانين وسبع مئة، والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. وحسبنا الله ونعم الوكيل).
وعلى النسخة (وقف الشيخ المعروف بجاوش زاده أحمد أفندي على العلماء ببلدته قسطنطينة
…
في المحرم الحرام سنة ثلاث وسبعين وألف).
وعليها ختمه بذلك. وعلى صفحة عنوانها: «من فضل الله على فقيره علت (؟) أحمد، سنة 981» . وعلى الصفحة التي بعدها: «في نوبة محمد بن علي المالكي» . وعليها أيضًا: «تملك أحمد بن عبد الله الكتبي حقًّا، كتب بدمشق ثاني عشري شهر المحرم سنة
…
وثمان مئة». وعليها بعض النقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية وعن بعض التابعين، وأبيات ابن أبي العز الحنفي في مدح الكتاب التي ذكرناها في وصف نسخة قيون أوغلو.
والنسخة مصححة ومقابلة على الأصل كما يظهر من هوامشها، والظاهر أنها منقولة من نسخة جلبي زاده السابقة.
أما النصف الثاني فهو في المكتبة المذكورة برقم 1732، في 387 ورقة، يبدأ من منزلة الإيثار وينتهي بنهاية الكتاب. وفي آخره: (اتفق الفراغ من تحريره يوم الخميس وقتَ الضحى من سادس عشر شهر الله الأصم وهو رجب في سنة سبع وثمانين وسبع مئة بالرباط المعروف بالتربة النورية بمحلة التوثة بالجانب الغربي من مدينة السلام بغداد
…
على يد العبد الضعيف الفقير المحتاج إلى رحمة الملك الكبير عبد اللطيف بن علي بن يحيى بن مصطفى الرومي
…
). وكتب بعدها: «تمت المقابلة من النسخة المنقولة
…
». وفي الصفحة الأولى والأخيرة ختم «وقف شيخ الإسلام ولي الدين أفندي ابن المرحوم الحاج مصطفى آغا بن المرحوم الحاج حسين آغا سنة 1175» . وعلى الصفحة الأولى تملك، ونصه: «مما ساقه سائق التقدير إلى ملك عبده الفقير عبد الحليم بن الشيخ
…
(؟) قدم الكرمغاني، ناله العون الصمداني والفضل الرحماني، في جمادى الآخرة من شهور سنة ثلاث وستين وألف بثمن هو
…
والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده» وتحته ختمه.
ونبَّه أحد القراء باللغة التركية على أن مؤلف الكتاب من أصحاب ابن تيمية، ورأيه في ابن عربي شديد. أما مؤلف المتن فهو من الصوفية. وفي هامش الورقة (308/أ): «كان ابن تيمية من علماء علم الظاهر، وصاحب هذا الشرح من تلامذته، وهم قد اختلفوا في الوصال واللقاء في حق النبي عليه السلام في ليلة المعراج، فكيف يسلَّم من كان منهم في غيره؟ ومن [أجل] هذا ترى الشارح أنه يسعى في تطبيق كلام الشيخ قدِّس سره بظاهر الشريعة مهما أمكن. فعليك بشرح عبد الرزاق الكاشاني لهذا المتن، وشرح عفيف الدين التلمساني، وشرح تسنيم
…
محمد
…
».
والورقتان الأوليان منه بخط حديث، وإلى جانب التصحيحات توجد على النسخة تعليقات في مواضع من القراء وخطّ النسخة خط التعليق. وهي توافق غالبًا نسخة حلب.
8) نسخة دار الكتب المصرية= ع
هي محفوظة بدار الكتب المصرية برقم (1522 - تصوف طلعت)، وتقع في 253 ورقة، في كل صفحة 25 سطرًا. وهذه النسخة كانت في جزئين، والموجود منها الجزء الأول من أول الكتاب إلى آخر منزلة الصدق. كتب الناسخ في آخرها:«تم الجزء الأول من شرح منازل السائرين بحمد الله في العشر الأول من ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة على يد سيِّد محمد الجمالي البخاري في البلدة الطيبة دمشق صانها الله تعالى عن الآفات» .
ميزة هذه النسخة أنها ترجع إلى أصل مستقل غير الأم التي انحدرت عنها النسخ الستّ الأولى على اختلاف أصولها. ومن ثم بعض الأسقاط
والتصحيفات التي اتفقت عليها النسخ المذكورة ــ ومنها النسخة المقروءة على المؤلف رحمه الله ــ لم يمكن استدراكها وتصحيحها إلا بمعونة هذه النسخة، غير أنها انفردت بزيادات كثيرة قصيرة أو طويلة، وبفروق كبيرة أحيانًا في النص، تنبئ بأن الأصل الذي ترجع إليها أقدم من أصل النسخ الأخرى، فيكون المؤلف قد حذف بعض النصوص التي كتبها أولًا أو صاغها بطريقة أخرى فيما بعد. ولنضرب أولا مثلا للحذف:
فصل النفاق في المجلد الأول من الكتاب يتضمن وصفًا طويلًا رائعًا للمنافقين، وقد بنى المؤلف رحمه الله سجعه على الآيات الواردة في صفاتهم (ص 536 - 552)، وجاء في آخره في نسخة دار الكتب النص الطويل الآتي:
يبدو لنا ــ والله أعلم ــ أن هذه العبارة كتبها المصنف أولًا، ثم رأى لأمر ما حذفها والاكتفاء بما سبق من الفقرات المسجوعة، ولذلك خلت منها النسخ الأخرى.
ومن أمثلة التعديل في الصياغة: ما جاء في نسخة دار الكتب (ل 49): «وهذا الموضع يكثر من غلط فيه من أكابر الشيوخ وأصحاب الإرادة ممن غلظ حجابه، والمعصوم من عصمه الله، وبالله المستعان والتوفيق والعصمة» .
وفي النسخ الأخرى: «وهذا الموضع ممّا غلِطَ فيه من أكابر الشُّيوخ وأصحاب الإرادة مَن غلِط، والمعصوم من عصَمه الله، وبالله المستعان» .
الظاهر ــ والله أعلم ــ أن المؤلف رحمه الله هو الذي عدَّل في العبارة الأولى، ولا شك أن الصياغة الثانية أقوى وأحسن.
والجدير بالذكر أن بعض الزيادات نبّه عليها فوق السطور بكتابة «من» في أولها «وإلى» في آخرها، وقد صرِّح أحيانًا بأنها ليست في الأصل، كما في ل 52، 57، 68.
وبالجملة فهذه الزيادات على ثلاثة أنحاء:
الأول: ما هو من كلام المؤلف قطعًا، وسقط من أصل سائر النسخ لانتقال النظر، والكلام لا يستقيم إلا به. انظر:(2/ 270). أو تدل صياغته على أنه كلام المؤلف لأنه تكلَّم فيه عن نفسه بصيغة المتكلم. انظر: (2/ 460).
الثاني: ما ليس من كلام المؤلف قطعًا بل هو إدراج وإقحام، كأن تكون
الزيادة في كلام لأحد المشايخ نقله المؤلف بالنص من «القشيرية» أو غيرها، وليست فيها هذه الكلمات الزائدة، فانظر على سبيل المثال:(2/ 237، 400، 560). أو أن تكون العبارة سليمة بدون هذه الزيادة، بل الزيادة تفسد السياق وتُذهب المعنى. انظر:(2/ 22، 622).
الثالث: زيادات محتمِلة للأمرين، كأن تكون زيادة كلمة أو كلمات تستقيم العبارة بدونها، فيحتمل أن تكون من كلام المؤلف وسقطت من أصل بقية النسخ ــ وهو بعيد أن يكون بهذه الكثرة ــ، ويحتمل أن تكون أَدرجها الناسخ أو غيره. وكثير من هذه الزيادات لا يزيد المعنى شيئًا، وإنما هو حشو بعطف كلمة مرادفة، أو زيادة وصف مؤكد، أو إظهار للمضمر، ونحو ذلك. فمثلًا في (2/ 524) قال المؤلف:«فأنَّى له بالخلاص من تلك الأشراك؟» فزيد في هذه النسخة: «والشِّباك» . وفي (2/ 568) قال المؤلف: «منعه على استحياء» فزيد فيها: «وإغماض» . وفي (2/ 368) قال المؤلف: «الطغيان، وهو مجاوزة الحدود» فزيد فيها: «في كلِّ شيء» . وفي (2/ 96) ذكر المؤلف خبرًا إسرائيليًّا أن إبليس عرض ليحيى بن زكريا عليهما السلام، «فقال له
…
فقال
…
فقال
…
» بإضمار القائل لوضوحه من السياق، فأُظهر في هذه النسخة القائل في هذه المواضع: «فقال له يحيى
…
فقال يحيى
…
فقال إبليس
…
». وفي (2/ 601) قال المؤلف: «إذ منفعة الشُّكر ترجع إلى العبد» فزيد فيها: «دنيا وآخرةً» .
ومن هذا النوع الثالث أيضًا زيادة آية أو آيات أو أحاديث في بعض المواضع، كأن يكون المؤلف استشهد بآية على مطلب ما، فتُزاد فيها آيات أخر تتعلق به. انظر:(2/ 259، 305، 611).
ومن أجل هذه الزيادات التي لا يوثق بكونها من المؤلف، قد تعاملنا مع هذه النسخة بالحذر والحيطة، فأخذنا بالزيادات التي نقطع بأنها من المؤلف أو التي يغلب على الظن أنها كذلك، وأما سائرها فذكرناها في الهامش.
وأما السقط والتصحيف، فهذه النسخة لا تخلو منهما مثل النسخ الأخرى.
9) النسخة التيمورية= ت
نسخة محفوظة في دار الكتب المصرية رقم 26772 - تصوّف تيمور رقم 155، وهي تمثل الجزء الثاني من الكتاب، يقع هذا المجلد في 161 ورقة، في كل ورقة 33 سطرا في كل سطر نحو 15 كلمة، وخطها نسخيّ حسن، وعلى هوامشها العديد من التعليقات لبيان مباحث الكتاب أو شرح كلمة أو لحق ..
وهي نسخة يمنيّة؛ فناسخها يمني، ونُسخت لأحد أمراء اليمن، ومتملّكوها من اليمن كما هو مقيّد في الورقة الظّهْرية، ثم آلت إلى ملكية العلامة أحمد تيمور باشا بمصر. كتبت سنة 1186 بخط عبد الله بن محمد بن ناصر اليزيدي، كتبها لفخر الدين والإسلام عبد الله بن محيي الدين، كما ذكر في ختام نسخه. وهي منقولة عن نسخة متقدمة كتبت في خمس وعشرين من ربيع الأول سنة 765 بخط عمر بن حمزة بن يونس. والنسخة جيدة في الجملة.
كتب عنوان الكتاب في أعلى الصفحة الظهرية ضمن إطار، وتحته اسم مؤلفه، وفي أسفل الصفحة كتبت الموضوعات التي تضمنها هذا الجزء،
وكتبت على غلافه عدة تملكات بعضها بالقسمة للتركة وبعضها بالشراء الشرعي.
وفي الصفحة الثانية بعد العنوان كتبت عدة أبيات كتبها إسماعيل بن محمد بن إسحاق حين تمام نسخ الجزء الثاني من المدارج لشيخه البدر محمد بن إسماعيل الأمير مع إرجاع النسخة مضمنا أشطارًا من أبيات المتنبي المشهورة:
قفْ وارْوِ لابن القيم الشرح الذي
…
منه المنازل حسنها متكامل
واعكف عليه منشدًا من شرحها
…
«لكِ يا منازلُ في القلوب منازلُ»
واشكر فوائده وقل لسواه قد
…
كشف الغطا عن خافيات رموزها
…
إلى آخرها في سبعة وعشرين بيتًا.
وفي الصفحة نفسها أنشد ثلاثة أبيات لشيخه الملوحي رحمه الله مطلعها:
يا من تكبّر في الأنام وقد عَتَا
…
وحِجَاه عن سُبْل السلام تشتَّتا
10) نسخة مكتبة سليمان بن عبدالله سليمان= ر
نسخة متأخرة من مقتنيات مكتبة سليمان بن عبد الله سليمان الخاصة. موجود منها المجلد الأول في 176 ورقة، والثالث في 166 ورقة. كتبت يوم الخميس 13 رجب 1315 هـ بخط صالح بن محمد بن حمد بن محمد بن سليمان بن جبير كما جاء في آخرها. وقال: إنه قابلها على أصلها من نسخة ذَكَر صاحبُها أنها نُقلت من نسخة منقولة عن نسخة منقولة عن نسخة قُرئت على المصنف رحمه الله تعالى وعليها خطه، فصحت بحمد الله، إلا ما زاغ
عنه البصر أو طغى، أو سبق به القلم، والله أعلم.
وفي أولها نص وقفية للكتاب من قبل ناسخه على طلبة العلم من أهل المَجْمَعة، وجعل النظارة عليه له في حياته ولذريته بعد وفاته، وأشْهَد عليه شاهدين، وكتب الوقفية عبدالعزيز بن عثمان بن ركبان سنة 1323 هـ.
وفي آخرها ترجمة مختصرة للمؤلف في عدة أسطر، ثم خمسة أبيات في الثناء على الصالحين منسوبة لبعض أهل العلم.
وهذه النسخة جيدة في الجملة، وتمتاز ببعض الزيادات في مواضع متعددة كلمة أو كلمتين، وقد تصل سطرًا في أحيان قليلة، وكان تعاملنا مع هذه الزيادات بحسب ما يقتضيه النص، فالزيادة اللازمة أضيفت في مكانها، والتي لم نثبتها في المتن نبهنا عليها في الهامش ما دام النص لا يختل بدونها.
وهناك نسخ أخرى متأخرة للكتاب كتبت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، فلم نعتمد عليها، وبعضها ليس عليها تاريخ النسخ ولكنها بخط حديث. ولا فائدة من الإشارة إلى هذه النسخ، وإنما نذكر هنا بعض النسخ القديمة التي سعينا للحصول عليها ولم نفلح في ذلك، ولعلنا نتمكن من الاستفادة منها في المستقبل إن شاء الله:
1 -
المكتبة الوطنية بفينا [1547 Mixt](308 ورقة، كتبت سنة 779. تحتوي على النصف الأول من الكتاب).
2 -
الإسكوريال [716](الجزء الأول، 284 ورقة، ليس عليها تاريخ النسخ).
3 -
الآصفية بحيدرآباد [تصوف 225 - 225](في مجلدين).
4 -
دار الكتب المصرية [103 تصوف قوله](328 ورقة، كتبت سنة 936).
5 -
مكتبة طهران الملية [255234](360 ورقة، كتبت سنة 988).
* * * *
طبعات الكتاب
طبع الكتاب طبعات كثيرة، نتكلم هنا عن بعض الطبعات المعتنى بها دون التجارية منها. وأول ما طبع منه قطعة تحوي باب التسليم من قسم المعاملات وباب الرضا وباب الصبر من قسم الأخلاق، بعناية الشيخ يوسف حسين الخانفوري (ت 1352) في دهلي (الهند) سنة 1312/ 1894 م، في 72 صفحة. ثم طبع قسم منه بآخر «شرح حديث النزول» لشيخ الإسلام ابن تيمية بمطبعة القرآن والسنة بأمرتسر (الهند) سنة 1314/ 1896 م. وكلتاهما طبعة حجرية.
وعندما أراد السيد محمد رشيد رضا طبعه كاملًا بمطبعة المنار ــ لأنه في رأيه «أفضل كتب التصوف وأنفعها» ــ رأى أن ينشر بعض الفصول منه في مجلة المنار تعجيلًا بالفائدة لقرائها ولشدة الحاجة إليها، فنشر منه فصلًا في «بيان الشرك الأكبر والأصغر» في مجلة المنار مج 17 (محرم 1332 هـ/ديسمبر 1913 م) ص 30 - 33، ونشر «معالم المشاهدة وعين الجمع» و «منزلة المعاينة» فيها مج 18 (1333 هـ) ص 372 - 378. وكتب مقالًا بعنوان «التعريف بكتابي «منازل السائرين» و «مدارج السالكين» وترجمة مؤلفيهما، وبيان وجه الحاجة إلى تحرير التصوف ومكانة الكتابين والشيخين منه» (المنار مج 19/ 50 - 58).
1) طبعة المنار
طبع الكتاب كاملًا في ثلاثة مجلدات بمطبعة المنار في مصر سنة 1334 بعناية السيد محمد رشيد رضا، وقد اعتمد فيها أولًا على نسخة جاءته من
الكويت كتبت 1316، وبعد طباعة الجزء الأول من الكتاب وصلته ثلاث نسخ أخرى: إحداها من الخزانة الزكية (مكتبة أحمد زكي باشا التي آلت فيما بعد إلى دار الكتب المصرية)، وهي غير مؤرخة. والثانية بعث بها الشيخ محمد نصيف من الحجاز، وهي مكتوبة سنة 1301. والثالثة جاءته من مكتبة الآلوسي ببغداد، وهي مكتوبة سنة 1115. لم نطلع على هذه النسخ، ولا نعرف مصيرها. ولم نجد هذه الطبعة أثناء تحقيقنا للكتاب لنقابلها على الأصول ونحكم عليها، وإنما اطلعنا على نماذج منها فيها ذكر النسخ المعتمدة.
2) طبعة الفقي
الطبعة الثانية للكتاب هي التي صدرت بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله بمطبعة السنة المحمدية في مصر سنة 1375. ذكر فيها أنها روجعت على أربع نسخ خطية بدار الكتب المصرية، منها نسخة كتبت في سنة 823، وهي برقم 5899 مكتبة طلعت تصوف، ونسخة برقم 874 تصوف، وأخرى برقم 20523، وأخرى برقم 20531. وقد بذل الشيخ جهدًا كبيرًا في تصحيح الكتاب وضبطه ومراجعته، إلّا أنه ــ على منهجه في التحقيق ــ لم يُشِر إلى الفروق بين النسخ، بل لعله لم ينتفع عمليًّا بالمخطوط القديم الذي ذكره، وأثبت ما أثبت بذوقه واختياره، وغيَّر النصَّ وزاد فيه أو نقص بما ينسجم في نظره مع السياق دون الإشارة إلى تصرُّفه. وهذا كله منافٍ للأمانة العلمية والمحافظة على الأصول وإثباتِ النصّ كما تركه المؤلف. وقد أشرنا في الهوامش إلى شيء من هذه التصرفات ولا نريد أن نطيل الكلام بذكرها هنا.
أما تعليقات الشيخ على النص ففي مواضع كثيرة منها جناية على المؤلف والكتاب. ولبعضهم رسالة في نقد الفقي في تعليقاته، وقد كان ينبغي أن تكون التعليقات على المواضع المنقودة بأسلوب علمي بعيد عن التهجُّم والتطاول يؤدّي الغرض وينبِّه القارئ على الأخطاء.
وهذه الطبعة مع مراجعتها على النسخ المذكورة كثيرة التصحيف والتحريف والسقط، وفيها بعض الزيادات التي لا توجد في الأصول المعتمدة، ولا حاجة إلى التنبيه على هذه الأخطاء والتحريفات فهي كثيرة شائعة من أول الكتاب إلى آخره.
3) طبعة دار الكتب المصرية
طبعت منها أربعة مجلدات وبقي الخامس، أولها سنة 1980 م، وآخرها سنة 2002 م. والمجلد الأول بتحقيق محمد كمال جعفر، والثلاثة الباقية بتحقيق عبد الحميد عبد المنعم مدكور.
وقد اعتمدوا فيها على مخطوطات دار الكتب التي توفرت لديهم، وهي مخطوطات متأخرة ما عدا النسخة ذات الرقم [1522 تصوف طلعت] التي كتبت سنة 823، لا سنة 623 كما زعموا في (1/ 18)، فلم يكن المؤلف قد ولد بعدُ.
وقد أُثبتت في هذه الطبعة الفروق بين النسخ، إلّا أنها في الغالب تابعت طبعة الفقي، واعتمدت عليها اعتمادًا كبيرًا في اختيار النص وترجيحه ولو كان خطأ، وأثبتت الصواب في الهامش من نسخ أخرى. وفيها أخطاء وتحريفات كثيرة وزيادات مستفادة من طبعة الفقي بغير إشارة، وترجيحات غير موفَّقة إلى جانب الأخطاء المطبعية الفاحشة.
وهذه الطبعة وطبعة الفقي على طرفي نقيض في التعليقات على الكتاب، فإذا كان الفقي شديدًا في التعقُّب على الكتاب والمؤلف والصوفية، نجد محققي طبعة دار الكتب يقومون بالدفاع عن الصوفية وضلالاتهم وتأويلاتهم في كل موضع، ويتمحَّلون لهم الأعذار، ويترجمون لهم في عشرات الأسطر، ويسبغون عليهم الألقاب ويكيلون لهم المدائح، ويُخرِّجون أقوالهم من المراجع الكثيرة المختلفة مع أن المؤلف اعتمد في الغالب على «الرسالة القشيرية» . أما الأحاديث المرفوعة فلم يعتنوا بتخريجها، وإذا خرَّجوا شيئًا منها لم يكن على الطريقة العلمية بالرجوع إلى المصادر الأصلية، والتمييز بين الطرق، والحكم عليها في ضوء قواعد النقد.
4) طبعة دار طيبة
صدرت سنة 1423 في أربعة مجلدات بتحقيق الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجُليِّل. اعتمد المحقق فيه على طبعة المنار وطبعة الفقي ونسخة خطية واحدة متأخرة كتبت عام 1317 في ثلاثة أجزاء، والثالث منها ناقص قدر الربع. والعجيب أن المحقق ذكر أنه قد وقف على نسخة قديمة في جامعة الإمام يعود تاريخها إلى سنة 830
(1)
، ولكنه لم يعتمدها لأنه لا يوجد منها إلا مجلد واحد، فآثر النسخة المتأخرة «المتكاملة» (كذا، وفيها نقص أيضًا) عليها!
وقد بذل المحقق جهدًا في المقابلة بين المطبوعتين والنسخة الخطية
(1)
ولعلها التي اعتمدنا عليها، ولكن لم يُذكر فيها تاريخ نسخ، وإنما عليها تملك يعود إلى سنة (805) كما سبق في وصفها.
الوحيدة، إلا أنه كثيرًا ما يتابع طبعة الفقي مع مخالفتها للنسخة الخطية وطبعة المنار وكون ما فيهما صوابًا. ومع أنه نفسه قد ذكر في المقدمة (ص 16) أنه ظهر له «أن الشيخ الفقي رحمه الله قد يتصرف من نفسه في بعض الكلمات الموجودة في المخطوطة التي حققها» = نراه أحيانًا يثبت ما في طبعة الفقي في المتن، ويستظهر في الهامش أنه خطأ وأن الصواب ما في طبعة المنار والنسخة الخطية! انظر مثلًا:(2/ 39).
ولم يعتن المحقق بتخريج الآثار والأشعار وتوثيق النقول والأقوال، كما أخلى الكتاب من الضبط تمامًا.
5) طبعة دار ابن خزيمة
صدرت هذه الطبعة بتحقيق الشيخ عامر بن علي ياسين سنة 1424 في ثلاثة مجلدات، وقد اعتمد فيها المحقق على مخطوطة تشسربيتي وطبعة الفقي، فأثبت النصَّ بالاعتماد على المخطوط، ولم يعدل عنه إلّا إذا كان فيه تحريف أو نحوه، فأثبت ما في المطبوع مع الإشارة إلى ما في المخطوط. وجعل زيادات طبعة الفقي بين حاصرتين [] في المتن، ونبَّه على التحريفات والتصحيفات البيِّنة التي وقعت في طبعة الفقي.
واهتمَّ المحقق فيها بضبط النصّ، واستخدام علامات الترقيم، وتخريج الأحاديث المرفوعة. أما الموقوفات والإسرائيليات وأقوال أهل العلم وعبارات الصوفية فلم يجتهد فيها اجتهاده في المرفوع، بل اقتصر على التنبيه إلى المشكل منها وما يشتبه بالمرفوعات. كما علَّق على الكتاب تعقيبًا على قولٍ وتحريرًا لوجه الصواب في مسألة ونحو ذلك، وعقَّب على ابن القيم في مواضع أكثرها محتمل أو بينه المؤلف في مواضع أخرى من الكتاب أو في
كتبه الأخرى، ومع ذلك فقد أغلظ في عباراته، ولم يسلك مع ابن القيم مسلك التأدّب. وقد أحسنَ صنعًا أنه أفرد الكلام على تقويم «المنازل» و «المدارج» والردّ على شبهات الصوفية وآرائهم في بعض القضايا في مقدمة تحقيقه للكتاب، بحيث أغناه عن الكلام عليها في التعليقات.
ومن الملاحظات على هذه الطبعة سقوط عدة صفحات من (2/ 362) بسبب سقوطها من طبعة الفقي ونقص في مصورته من نسخة تشستربيتي.
وبالجملة فهذه الطبعة أفضل من سابقاتها، لاعتماده على نسخة تشستربيتي، وينقُصها توثيقُ النصوص والأقوال والأشعار، وربط الكتاب بكتب المؤلف الأخرى. وبمراجعة الكتاب على المخطوطات الأخرى القديمة ظهرت لنا أخطاء وتصحيفات في نسخة تشستربيتي كما بيناها في تعليقاتنا على طبعتنا هذه.
6) طبعة دار الصميعي
هذه الطبعة صدرت سنة 1432 في خمسة مجلدات والسادس فهارس، وكانت في الأصل رسائل دكتوراه لخمسة من الباحثين قدموها إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وهم: ناصر بن سليمان السعوي، وعلي بن عبد الرحمن القرعاوي، وصالح بن عبد العزيز التويجري، وخالد بن عبد العزيز الغنيم، ومحمد بن عبد الله الخضيري. وقد اعتمدوا في التحقيق على إحدى عشرة نسخة من الكتاب بعضها قديم وأكثرها متأخر وبخط حديث، وأهمها نسختا حلب وتشستربيتي، ونسختا دار الكتب المصرية [1522 تصوف طلعت، 103 تصوف قوله]. وليس من هذه المخطوطات القديمة نسخة كاملة إلا نسخة تشستربيتي.
وقد اهتم الباحثون بإثبات الفروق بين جميع النسخ القديمة والحديثة، ولو أنهم اقتصروا في ذلك على المخطوطات القديمة المذكورة لكان أولى وأجدى من حشد الفروق بين النسخ المتأخرة، وأكثرها فروع عن النسخ القديمة. ومن الغريب أنهم لم يعتمدوا على نسخة جامعة الإمام [8860/خ](التي تحتوي على المجلد الأول إلى أثناء باب الاستقامة)، مع أنها كانت في متناول أيديهم. وهي نسخة قديمة كتبت في القرن الثامن تقديرًا.
واغترَّ المحققون بتاريخ النسخ (سنة 731) المذكور في آخر نسخة حلب، فظنُّوا أنها كتبت قبل وفاة المؤلف بعشرين سنة، وجعلوها الأصل وقد ذكرنا في وصف النسخ أن التاريخ المذكور ليس بخط ناسخ النسخة. وهي وإن كانت قديمة إلا أن فيها أخطاءً صوابها في نسخة تشستربيتي وغيرها من النسخ القديمة، ولكن المحققين أثبتوا النصَّ ــ وإن كان خطأ ــ بالاعتماد على نسخة حلب التي جعلوها الأصل، وذكروا الصواب في الحاشية، وعلى العكس من ذلك خطَّأوا أحيانًا ما في أصلهم وعدلوا عنها مع أن ما فيها صواب، وفي مواضع كثيرة أثبتوا ما في المطبوع ولم يستفيدوا من المخطوطات شيئًا. وليست المجلدات كلها سواء في مستوى التحقيق، والمجلد الأول أفضلها، فالنص فيه سليم في الجملة، وإن لم يخلُ من أخطاء.
و نذكر هنا نماذج متفرقة من الأخطاء:
1/ 244: «فما غفر عن عجز وجهل بجرم الجاني، فأنت لا تغفر إلا عن قدرة تامة وعلم تام
…
». وفي الهامش (2): «العبارة في جميع النسخ: «فمن» ، والأصوب حسب السياق ما أثبته». قلنا: ما اتفقت عليه النسخ صواب
محض. «من» شرطية، وجوابها محذوف. والمعنى: من غفر عن عجز وجهل بجرم الجاني فليغفر، أما أنت فلا تغفر إلا عن قدرة ....
1/ 291: «فمنها ما يطمس البصر ويسقط الحبل» . وفي الهامش (2): «في الأصل: «يلتمس» ، والمثبت من باقي النسخ الخطية». قلنا: الوارد في الأصل صواب محض، والمؤلف يشير إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها:«اقتلوا ذا الطُّفيتين، فإنه يلتمس البصر ويصيب الحبل» أخرجه البخاري (3308) ومسلم (2232).
1/ 372: «وأنَّ العبادةَ موجَبُ إلهيّته وأثرُها ومقتضاها، وارتباطُها بها كارتباط متعلَّق الصِّفات بالصِّفات وكارتباط المعلوم بالعلم، والمقدور بالقدرة، والأصوات بالسمع، والإحسان بالرحمة، والعطاء بالجود» . قلنا: الواو قبل «كارتباط المعلوم» زادها بعضهم في أصلهم، بل في أصلنا أيضا، وزيادتها خطأ، فإن كل ما ذكر بعده هو من أمثلة ارتباط متعلَّق الصفات بالصفات. وقد خفي السياق على من زاد الواو.
1/ 430: «وقولهم: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أعجب» . قلنا: في الأصل، ش:«فعجب» ، فخالف المحقق أصله مع صحته ولم يشر إلى فروق النسخ.
1/ 560: «فجعله هاجرا بلا ذنب» . قلنا: سقط كلمة «له» بعد «هاجرا» ، وهي ثابتة في الأصل وغيره.
1/ 568: «ومن أراد رضاي أراد أردت ما يريد، ومن» . قلنا: كذا ورد النص ناقصًا، وقد سقط بعده:«تصرَّف بحولي ألنتُ له الحديد» . وهذا السقط من أخطاء الطبع.
1/ 770: «من خوف من الله، وحياء منه، والإطراق بين يديه» . كذا أثبت «والإطراق» مع أن في الأصل وش: «وإطراق» ، وهو الأنسب للسياق.
1/ 781: «والناس استقبلوا هذا الحديث» . كذا أثبت النص دون إشارة إلى خلاف بين النسخ، مع أن في الأصل:«والناس اشتغلوا بهذا الحديث» وهو موافق لما في أصلنا.
2/ 1191 «والجبروت» . وفي الهامش (3): «في الأصل والجميع: الجبرية، وهو خطأ. وما أثبته من المطبوع» . قلنا: في المعاجم الجِبرياء والجبرية والجبروت كلها بمعنًى. وليس شيء منها خطأ.
2/ 1201 «فيصير عين مراد الرب هو عين مراد العبد» . وعلق على «هو» (1): «هو ساقطة من الأصل وش، وما أثبته من باقي النسخ ولا يستقيم المعنى إلا بها» . قلنا: لا حاجة إلى الزيادة، والمعنى يستقيم بدونها كما لا يخفى.
2/ 1217 «فيعدله إحساسًا بالخلق» . والصواب كما في النسخ: «فبعدُ له إحساس بالخلق» .
2/ 1226 «وهذا أيضًا موضعٌ لا بدَّ من تجريده» . والصواب: «لا بد من تحريره» .
2/ 1238 «يا لله!» . صوابها: «تاللهِ» .
2/ 1240 «ما يبغضه الله» . سقط قبلها: «القسم الثاني من السماع» ، كما في الأصل.
2/ 1258 «بالغناء المقرون بالمعازف والشادن» . والصواب: «الشاهد» كما في الأصول، وهو الأقرب للسياق خلاف ما ادعاه في الهامش.
2/ 1256 «ويسمعونها ويتدارسونها» . في عامة النسخ: «ويَسمعونها ويُسمعونها ويتدارسونها» سقط في المطبوع الفعل الثاني.
2/ 1323 «وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم وهو حذيفة» . قلنا: «وهو حذيفة» ليس في الأصل وش وغيرهما. والزيادة من أحد القراء تحت السطر في نسخة دار الكتب (ع). وهو خطأ، فالأثر المذكور عن أبي الدرداء. والمحقق أثبت الزيادة دون أي إشارة.
2/ 1505 «من إقباله عليه» . صوابه: «مراقبًا له» كما في الأصل.
3/ 1776 «وتوكُّله أعظم توكُّلٍ. وقد قال الله: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} ، وفي ذكر أمره بالتوكُّل مع إخباره بأنَّه على الحقِّ
…
». سقط من المطبوع ما تحته خط.
3/ 1899 «والراحة والتعب والسقم» . سقط «والصحة» قبل «والسقم» .
3/ 1953 «وتضعف القوى» . صوابها كما في الأصل وغيره: «ويعصف الهوى» .
3/ 2122 «وأظن أن هذا مراد المحاسبي
…
» (الفقرة بتمامها في خمسة أسطر) ليست في الأصل ولا ش. وأثبتها المحقق من نسخة دار الكتب دون الإشارة إلى ذلك.
3/ 2153 «إني لا أُطعم ضيفي البائتَ» . وعلق عليه: «جميع النسخ (ضيفاي)، وما أثبته هو الصحيح لغة» . قلنا: الذي في النسخ: «أضيافي» ، ولا غبار عليه، ففي المعاجم أن الضيف يجمع على أضياف وضيوف وضياف وضيفان.
3/ 2153 «فلما طلع النهار» . وعلق عليه أن الأصل «مَتَع» ، فلماذا غيَّره؟ يقال: مَتَعَ النهار أي بلغ غاية ارتفاعه، وهو ما قبل الزوال.
3/ 2155 «ومن الجود به أن تبذله لمن يسألك عنه» . سقطت «لم» قبل الفعل «يسألك» ، فانقلب المعنى.
3/ 2158 كتب بيتٌ من الشعر بصورة النثر: «لقبوه بحامض، وهو حلو، مثل من لم يصل إلى العنقود» . وهما شطران، والشطر الثاني يبدأ من «مثل» .
3/ 2161 «إنه من جود البذل» . سقطت «أفضل» قبل «من» .
3/ 2200 «وهو منصب في جدول الطبيعة» . الصواب «حدور» بمعنى الدفع من أعلى المجرى إلى أسفله.
3/ 2224 «ويكف من عزمه» . والصواب كما في الأصل: «غَرْبه» . والغَرْب هنا بمعنى الحدّة والنشاط.
3/ 2228 «وقد صنَّف في ذلك ابن عبد البر كتابًا أسماه محن العلماء» . قلنا: الصواب كما في النسخ «ابن زَبْر» ، وهو عبد الله بن زَبْر الربعي، له كتاب «محن العلماء» من مرويات الحافظ ابن حجر في «المجمع المؤسس» (2/ 70)، والروداني في «صلة الخلف» (ص 421).
3/ 2238 «والبخيل والجبار» . صوابه: «والبخيل والجبان» كما في النسخ.
3/ 2274 «عمر بن عثمان المكي» . صوابه: «عمرو» .
3/ 2291 «فالزهد فيها لا يُفِتْكَها» . والصواب: «لا يُفِيْتُكَها» .
3/ 2323 «ولكني أريد به الدُّوينا» . والصواب: «الذَّوِيْنا» .
3/ 2365 «لا تأمروا حتى يأمروا» . والصواب: «
…
حتى يأمر».
3/ 2369 «كل شقي ومغتر ومدبر» . والصواب: «مُعثَّر» مكان «مغتر» .
وأكبر ما يؤخذ على هذه الطبعة أنه سقط منها شرحُ (منزلة الانبساط أو البسطة) بعد (3/ 2300)، وهي موجودة في جميع النسخ وطبعة الفقي (2/ 354 - 359)، وعلى هذا فهي طبعة ناقصة.
ومما يلاحظ عليها أيضًا أن المحققين لم يهتموا بضبط النص فيها إلا قليلا. نعم، ضبطوا متن المنازل، فبالغوا في ضبطه، ولكن شرح ابن القيم أيضا كان بحاجة شديدة إلى ضبط ما يحتاج إلى ضبطه، فإنه يعين على فهم الكلام.
ومما فاتهم أيضا أن الآيات في الأصل وغيره من النسخ القديمة وردت على قراءة أبي عمرو بن العلاء، ولكنهم أثبتوها على قراءة حفص، حتى في المواضع التي بني فيها المؤلف استدلاله على قراءة أبي عمرو. ومن ذلك أن المؤلف لما ذكر طريقة القرآن في إسناد الخيرات والنعم إلى الله تعالى وحذف الفاعل في مقابله استدل بآيات منها قوله تعالى في سورة النساء:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [23] ثم قوله: {وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [24]، فحذف الفاعل في الآية الأولى، وذكره في الثانية. فلما أثبتت الآية الثانية في طبعة الصميعي (1/ 186) على قراءة حفص بلفظ {وَأُحِلَّ} بطل استدلال المؤلف.
أما تعليقاتهم على الكتاب فهي تختلف من محقق إلى آخر، وقد أطالوا
دون جدوى في تخريج الأحاديث والآثار وأقوال الصوفية، وكان كثير منها غنيًّا عن الإطالة، وكذلك اهتموا بترجمة الأعلام
(1)
، والتعريف بالفرق والبلدان، وشرح المصطلحات الصوفية وتفسير الغريب وغير الغريب من الكلمات، وتوسَّعوا في ذلك حسب منهج التحقيق السائد في الجامعات. وفيما ذكروه أخطاء وأوهام لا نحب أن نخوض فيها. وهناك تقصير واضح في تخريج الشعر، فلم يعرفوا أبياتًا مشهورة في الدواوين والمختارات الشعرية وكتب الأدب، وأحالوا إلى مراجع متأخرة بدلًا من المصادر القديمة.
أما الفهارس فاقتصروا منها على الفهارس اللفظية، ومع ذلك ففيها تقصير كثير، ففهرس الأعلام مثلًا لم يذكروا فيه إلا مكان ترجمة المحققين للعَلَم فقط، ولم يستوعبوا أماكن وروده في الكتاب دون تنبيه على ذلك، والعجيب أنهم ذكروا في الفهرس أماكن ترجمة العلم من كل مجلد، فكأنه فهرس لأماكن الترجمة لا للأعلام، فابن تيمية ــ مثلًا ــ ورد في الكتاب نحو 80 مرة، ولم يذكروا إلا أربعة مواضع، والإمام أحمد ورد أكثر من 50 مرة ولم يذكروا إلا أربعة مواضع، هي التي ترجمَه فيها كلُّ واحد منهم. وقُل مثل ذلك في جميع فهرس الأعلام، وربما تكررت الترجمة في مجلد واحد، وربما أحالوا إلى رقم صفحة من مقدمة الكتاب! هذا نموذج لما وقع في فهرس الأعلام، وقد وقع مثله أو قريب منه في الفهارس الأخرى!
* * *
(1)
لم يحصل بين الباحثين تنسيق عند طبع الكتاب، فتكررت تراجم الأعلام في كل مجلد، فمثلًا (دلف بن جحدر الشبلي) تُرجم له في أربعة مواضع من الهوامش: 1824، 1851، 2575، 3596، وفي كل ترجمة معلومات جديدة ومتناقضة!
منهج التحقيق
مضينا في تحقيق هذا الكتاب على المنهج الذي شرحناه في إصداراتنا التي سبقته لكتب الإمام ابن القيم رحمه الله.
واعتمدنا في إخراج هذا الكتاب على عشر نسخ خطية، ليس منها نسخة كاملة إلا نسخة تشستربيتي، والنسخةُ الحلبية تمثل ثلثي الكتاب فقط، وبقية النسخ تمثل المجلد الأول أو الثاني من الأصل. وكانت عمدتنا في إخراج نصه على النسخ القديمة التي نسخت في حياته أو في عصره، ونزلنا إلى النسخ المتأخرة عند الحاجة خاصة في المجلدين الثالث والرابع من المطبوع، لفقدان كثير من أصول الكتاب الخطية في هذا القسم.
وقد وجد في بعض النسخ زيادات كما في نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها بـ (ع)، فتعاملنا مع هذه الزيادات بحذر، ولم ندرجها جميعًا في متن الكتاب، إلا إذا اقتضاه النص، لأننا نرجح أن بعض الزيادات على الأقل من تصرف الناسخ مما وجده مهمّشا على طرر النسخة فظنه منها، كما سبق شرحه عند الحديث عن النسخ الخطية.
والكتاب شرح لكتاب الهروي منازل السائرين، فصدرناه حين ينقله المؤلف في أول الكلام في قوسين كبيرين () وغمّقنا الخط، فإذا ما نقل منه في أثناء الكلام وضعناه كذلك بخط غامق ليتميّز عن كلام المؤلف، وعزوناه إلى كتاب الهروي بتحقيق المستشرق دي لوجييه دي بوركي الدومنكي المنشور في مطبعة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية سنة 1962 م. وإذا اختلف ما نقله المؤلف عما في هذه الطبعة أثبتنا ما ذكره المؤلف وأشرنا إلى الخلاف
في الهامش إذا كان مهمًّا.
رجعنا إلى مصادر المؤلف لتوثيق النقول، وإلى شروح المنازل خاصة شرح التلمساني الذي نقل منه المؤلف في مواضع وردّ عليه في مواضع كثيرة.
وثَّقنا كلمات أهل التصوف من مصادرها، ولم نكتف بعزوها إلى «الرسالة القشيرية» فقط وإن كانت مورد المؤلف في كثير من كلماتهم. وكان اعتمادنا على طبعة دار المنهاج لها، وقد صدرت حديثًا.
أثبتنا الآيات الكريمة على قراءة حفص مع تغيير الكلمات الفرشية إلى قراءة أبي عمرو بن العلاء، لورودها كذلك في النسخ الخطية ولأنها القراءة التي كانت معروفة في عصر المؤلف.
واعتنينا ببقية مطالب التحقيق العلمي التي شرحناها مرارًا.
وقدَّمنا للكتاب بمقدمة شرحنا فيها كل ما يتعلّق بالكتاب وتوثيقه وموضوعه، ثم ختمنا الكتاب بفهارس لفظية وعلمية. والحمد لله رب العالمين.
* * * *
نماذج من النسخ الخطية
صفحة العنوان من نسخة قيون أوغلو (ق/الأصل)
الصفحة الأولى من نسخة قيون أوغلو (ق/الأصل)
الصفحة الأخيرة من نسخة قيون أوغلو (ق/الأصل)
صفحة العنوان من نسخة حلب (ل)
الصفحة الأخيرة من نسخة حلب (ل)
صفحة العنوان من نسخة جامعة الإمام (م)
وهذا البيان نوعان: بيانٌ بالآيات المسموعة المتلوّة، وبيانٌ بالآيات المشهودة المرئيّة. وكلاهما أدلّةٌ وآياتٌ على توحيد الله وأسمائه وصفاته وكماله، وصدقِ ما أخبرت به رسلُه عنه. ولهذا يدعو الله
(1)
عباده بآياته المتلوّة إلى التّفكُّر في آياته المشهودة، ويحضُّهم على التَّفكُّر في هذه وهذه. وهذا البيان هو الذي بُعثت به الرُّسل، وجُعِل إليهم وإلى العلماء بعدهم. وبعد ذلك يُضِلُّ الله من يشاء، ويهدي مَن يشاء
(2)
. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4]. فالرُّسلُ تُبيِّن
(3)
، والله هو الذي يُضِلُّ مَن يشاء ويهدي من يشاء بعزّته وحكمته
(4)
.
فصل
المرتبة السابعة: البيان الخاصُّ
.
وهو البيان المستلزم للهداية الخاصّة، وهو بيانٌ مقارنُه
(5)
: العنايةُ والتّوفيقُ والاجتباءُ وقطعُ أسباب الخذلان وموادِّها عن القلب، فلا تتخلَّف عنه الهداية البتّة. قال تعالى في هذه المرتبة:{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37]، وقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ
(1)
لم يرد لفظ الجلالة في ع.
(2)
"ويهدي من يشاء" ساقط من ع.
(3)
ش: "فالرسول يبين". وأشير إلى هذه النسخة في هامش م.
(4)
وانظر: "شفاء العليل"(ص 53، 79).
(5)
كذا في الأصل (المقروء على المؤلف) وغيره. وفي ع: "تقارنه"، وكذا غيِّر في ل.
(6)
هذه قراءة أبي عمرو وغيره، وهي قراءة المؤلف، وهي المناسبة لسياق الكلام.
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]. فالبيان الأوّل شرطٌ، وهذا موجِبٌ.
فصل
المرتبة الثامنة: مرتبة الإسماع.
قال تعالى: {(22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ} [الأنفال: 23]. وقال
(1)
وهذا الإسماع أخصُّ من إسماع الحجَّة والتّبليغ، فإنَّ ذلك حاصلٌ لهم، وبه قامت الحجّة عليهم؛ لكنّ ذاك إسماع الآذان، وهذا إسماع القلوب. فإنّ الكلام له لفظٌ ومعنًى، وله نسبةٌ إلى الأذن والقلب وتعلُّقٌ بهما. فسماعُ لفظه حظُّ الأذن، وسماعُ حقيقة معناه ومقصوده حظُّ القلب. فاللهُ
(2)
سبحانه نفى عن الكفّار سماعَ المقصود والمراد الذي هو حظُّ القلب، وأثبت لهم سماعَ الألفاظ الذي هو حظُّ الأذن في قوله:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2]. وهذا السَّماع لا يفيد السّامعَ إلّا قيامَ الحجّة عليه، أو تمكُّنَه منها. وأمّا مقصودُ السّماع وثمرتُه المطلوبةُ منه
(3)
فلا
(1)
ع: "وقد قال".
(2)
ل: "فإن الله". ش: "وإنه". ع: "فإنه".
(3)
كان في الأصل ول: "وثمرته والمطلوب منه" ــ وكذا في م، ش، ع ــ ثم غيِّر فيهما "المطلوب" إلى "المطلوبة" وشطبت الواو في ل ولم تشطب في الأصل. وفي ج:"وثمرته والمطلوب به منه". ولعل "به" كان في هامش أصلها، وأراد المحشي تصحيح "المطلوب" إلى "المطلوبة"، فكتب:"بة" دون نقط التاء.
يحصل مع لهو القلب وغفلته وإعراضه، بل يخرج السّامع قائلًا للحاضر معه:{مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [محمد: 16].
والفرق بين هذه المرتبة ومرتبة الإفهام أنّ هذه المرتبة إنّما تحصل بواسطة الأذن، ومرتبة الإفهام أعمُّ، فهي أخصُّ من مرتبة الفهم من هذا الوجه. ومرتبةُ الفهم أخصُّ من وجهٍ آخر، وهي أنّها تتعلَّق بالمعنى المراد ولوازمه ومتعلّقاته وإشاراته. ومرتبةُ السّماع مدارها على إيصال المقصود بالخطاب إلى القلب، ويترتَّب
(1)
على هذا السَّماع سماعُ القبول.
فهو إذن ثلاث مراتب: سماع الأذن، وسماع القلب، وسماع القبول والإجابة.
فصل
المرتبة التاسعة: مرتبة الإلهام.
قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7 - 8]. وقال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم لحُصين بن المنذر
(2)
الخُزاعيِّ لمّا أسلم: "قل: اللهمَّ أَلْهِمْني رُشدي، وقِني شرَّ نفسي"
(3)
.
(1)
ل، ش:"ترتب"، وكذا كان في الأصل ثم أصلح.
(2)
كذا سماه المؤلف هنا وفي منزلة التوبة (344)، وفي "طريق الهجرتين"(2/ 627)، و"الوابل الصيب"(410)، و"الكافية الشافية" (1706). وهو حصين بن عبيد بن خلف الغاضري الخزاعي. انظر:"الإصابة"(2/ 562 - هجر) وغيره من كتب الصحابة.
(3)
أخرجه الترمذي (3483)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2355)، والطبراني في "الأوسط"(1985)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(894) وغيرُهم من حديث عمران بن حصين في قصة إسلام أبيه حصين الخزاعي. وفي إسناده شبيب بن شيبة، فيه ضعف، والحسن لم يسمع من عمران. ينظر:"العلل الكبير"(677).
وأخرجه أحمد (19992) والترمذي في "العلل الكبير"(678) والنسائي في "الكبرى"(10764 - 10766) وابن حبان (899) وغيرهم من طرق عن منصور بن المعتمر عن رِبْعِي بن حِراش عن عمران بنحوه، وفيه:"قل: اللهم قني شرَّ نفسي، واعزم لي على أرشد أمري". وإسناده صحيح، صححه ابن حبان والحاكم (1/ 510) والحافظ في "الإصابة"(2/ 562).
وقد جعل صاحبُ المنازل الإلهامَ هو مقام المحدَّثين.
قال
(1)
: (وهو فوق الفراسة، لأنّ الفراسة ربَّما وقعت نادرةً
(2)
، واستصعبت على صاحبها وقتًا، أو استعصت
(3)
عليه. والإلهام لا يكون إلّا في مقامٍ عتيدٍ).
قلت: التّحديثُ أخصُّ من الإلهام، فإنَّ الإلهامَ عامٌّ للمؤمنين بحسب إيمانهم، فكلُّ مؤمنٍ فقد ألهمه الله رشدَه الذي حصل له به الإيمان. وأمَّا
(4)
التّحديث فالنّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال فيه: "إن يكن في هذه الأمّة أحدٌ فعُمَر"
(5)
، يعني من
(1)
في باب الإلهام (ص 66).
(2)
في الأصل: "زيادة" وهو سهو من الناسخ بلا شك وفات تصحيحه عند القراءة على المؤلف! وكذا في م، وأصلح في ل. وستأتي الكلمة على الصواب في الشرح.
(3)
كذا في "شرح التلمساني"(2/ 361) وفي "المنازل": "أو استصعبت
…
واستعصت"، وهو أشبه بالسياق، ويؤيده كلام المؤلف في تفسيره فيما يأتي. ومثله في شرح التلمساني.
(4)
ع: "فأما".
(5)
سبق تخريجه قريبًا (ص 61).
المحدَّثين. فالتّحديث إلهامٌ خاصٌّ، وهو الوحيُ إلى غير الأنبياء عليهم السلام إمَّا من المكلَّفين كقوله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7] وقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة: 111]، وإمّا من غير المكلَّفين كقوله تعالى:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68]. فهذا كلُّه وحيُ إلهامٍ.
وأمّا جعلُه فوق مقام الفراسة فقد احتجَّ عليه بأنَّ الفراسة ربّما وقعت نادرةً كما تقدَّم، والنّادر لا حكم له؛ وربَّما استصعبت على صاحبها واستعصت
(1)
عليه فلم تطاوعه؛ والإلهامُ لا يكون إلّا في مقامٍ عتيدٍ، يعني في مقام القرب والحضور.
والتّحقيق في هذا أنّ كلّ واحدٍ من "الفراسة" و "الإلهام" ينقسم إلى عامٍّ وخاصٍّ، وخاصُّ كلِّ واحدٍ منهما فوق عامِّ الآخر، وعامُّ كلِّ واحدٍ قد يقع كثيرًا، وخاصُّه قد يقع نادرًا. ولكنّ الفرق الصّحيح: أنّ الفراسة قد تتعلَّق بنوع كسبٍ وتحصيلٍ، وأمّا الإلهام فموهبةٌ مجرَّدةٌ لا تُنال بكسبٍ البتّة.
فصل
قال
(2)
: (وهو على ثلاث درجاتٍ: الدّرجة الأولى: نبأٌ يقع وحيًا قاطعًا مقرونٌ
(3)
بسماعٍ، أو مطلقًا).
(1)
ع: "استعصت
…
واستصعبت".
(2)
في "المنازل"(ص 66).
(3)
وضع بعضهم في الأصل فوق النون تنوينًا، وكذلك زاد في ل بعد النون ألفًا، ليقرأ "مقرونًا" كما في مطبوعة "المنازل". وفي "شرح التلمساني"(2/ 362) بالرفع كما جاء في النسخ، وعنه ينقل المؤلف متن "المنازل".
النّبأ
(1)
: الخبر الذي له شأنٌ، فليس كلُّ خبرٍ نبأً، وهو خبرٌ عن غيبٍ يعظُم
(2)
.
ويريد بالوحي
(3)
: الإعلام الذي يقطع مَن وصل إليه بموجَبه إمّا بواسطة سمعٍ، أو بلا واسطةٍ.
قلت: أمّا حصوله بواسطة سمعٍ فليس ذلك إلهامًا، بل من قبيل الخطاب، وهذا يستحيل حصوله لغير الأنبياء عليهم السلام ــ وهو الذي خُصَّ به موسى عليه السلام ــ إذا كان المخاطِبُ هو الحقَّ عز وجل.
وأمّا ما يقع لكثير
(4)
من أرباب الرِّياضات من سماع الخطاب فهو من أحد وجوهٍ ثلاثةٍ لا رابع لها. أعلاها
(5)
: أن يخاطبه الملَكُ خطابًا جزئيًّا
(6)
، فإنّ هذا يقع لغير الأنبياء. فقد كانت الملائكة تخاطب عمران بن الحصينٍ بالسَّلام، فلمّا اكتوى تركت خطابه. فلمّا ترك الكيَّ عاد إليه
(7)
. وهذا
(8)
(1)
ع: "بسماع، إذ مطلقُ النبأ"، وكذا غيِّر في م.
(2)
غيِّر في ل إلى "معظم" كما في ع.
(3)
كان بعده في الأصل: "الإلهام" دون الواو، وفوقها علامة الحذف فيما يظهر، فزاد بعضهم قبلها واوًا، كما في ل، ج، ع.
(4)
ما عدا ع: "للبشر"، تصحيف.
(5)
غيَّره بعضهم في ل إلى "أحدها".
(6)
رسمه في ق، ل، م، ع:"جزويّا".
(7)
أخرجه عنه مسلم (1226).
(8)
"وهذا" ساقط من ع.
خطابٌ ملكيٌّ. وهو نوعان:
أحدهما: خطابٌ يسمعه بأذنه، وهو
(1)
نادرٌ بالنِّسبة إلى عموم المؤمنين.
والثّاني: خطابٌ يُلقى في قلبه، يخاطب به الملَكُ روحَه، كما في الحديث المشهور:"إنّ للملك لَمَّةً بقلب ابن آدم، وللشّيطان لَمَّةً. فلمَّةُ الملك: إيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالوعد. ولمّةُ الشّيطان إيعادٌ بالشّرِّ وتكذيبٌ بالوعد". ثمَّ قرأ قوله
(2)
: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة: 268]
(3)
.
وقال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12]. قيل في تفسيرها: قوُّوا قلوبهم، وبشِّروهم بالنّصر. وقيل: احضروا معهم القتال
(4)
. والقولانِ حقٌّ، فإنّهم حضروا معهم القتال، وثبَّتوا قلوبَهم.
(1)
ع: "فهو".
(2)
"قوله" ساقط من ع.
(3)
أخرجه الترمذي (2988) والبزار (5/ 394) والنسائي في "الكبرى"(10985) وأبو يعلى (4999) وابن حبان (997) والبيهقي في "شعب الإيمان"(4187) من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعًا. قد اختُلِف في رفعه ووقفه، فرجَّح أبو حاتم وأبو زرعة وقفَه كما في "العلل" لابن أبي حاتم (2224). وانظر:"العلل الكبير" للترمذي (654). والأثر الموقوف أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 503 - رواية الحسين المروزي) وأحمد في "الزهد"(859 - دار ابن رجب) وأبو داود في "الزهد"(164) والطبراني (9/ 101) من طرق عن ابن مسعود.
(4)
عبارة البغوي: "قيل: ذلك التثبيت حضورُهم معهم القتالَ ومعونتُهم. أي: ثبِّتوهم بقتالكم معهم المشركين". وقال المؤلف في "الصواعق" كما جاء في "مختصره"(3/ 843): "فهؤلاء ملائكة معيَّنون، وهم الذين أنزلهم الله تعالى يوم بدر للقتال مع المؤمنين".
ومن هذا الخطاب: واعظُ الله في قلوب عباده المؤمنين، كما في "جامع التِّرمذيِّ" و"مسند أحمد"
(1)
من حديث النَّوَّاس بن سَمْعان عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الله تعالى ضرب مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى كتفَي الصِّراط سوران لهما أبوابٌ مفتَّحةٌ. وعلى الأبواب ستورٌ مرخاةٌ، وداعٍ يدعو على رأس الصِّراط، وداعٍ يدعو فوق الصِّراط. فالصِّراط المستقيم الإسلام، والسُّوران حدود الله، والأبواب المفتَّحة محارم الله. فلا يقع أحدٌ في حدٍّ من حدود الله حتّى يكشف السِّتر. والدّاعي على رأس الصِّراط كتاب الله، والدّاعي فوق الصِّراط واعظُ الله في قلب كلِّ مؤمنٍ". هذا
(2)
أو معناه. فهذا الواعظ في قلوب المؤمنين هو الإلهام الإلهيُّ بواسطة الملائكة.
وأمّا وقوعه بغير واسطةٍ فممَّا
(3)
لم يتبيَّن بعدُ، والجزمُ فيه بنفيٍ أو إثباتٍ موقوفٌ على الدّليل. والله أعلم.
(1)
الترمذي (2859) وأحمد (17634، 17636). وأخرجه أيضًا ابن أبي عاصم في "السنة"(18 - الظلال) وابن نصر في "السنة"(9، 10 - غراس) والنسائي في "الكبرى"(11169) والطحاوي في "مشكل الآثار"(2142، 2143) والطبراني في "مسند الشاميين"(1147) والحاكم (1/ 73) من طريقين حسنَين عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان به. والحديث صححه الحاكم والألباني.
(2)
م: "فهذا" ويبدو أنه كان كذا في ق، ل، فغيِّر في ق إلى "بهذا" كما في ج، وغيِّر في ل إلى "هذا" كما في ش. ولم يرد "هذا أو معناه" في ع.
(3)
كان في الأصل: "فما"، ولا غبار عليه، ولكنه أصلح كما في النسخ الأخرى.
فصل
النّوع الثّاني من الخطاب المسموع: خطاب الهواتف من الجانِّ، فقد يكون المخاطِبُ جنِّيًّا مؤمنًا صالحًا، وقد يكون شيطانًا مُغْوِيًا. وهذا أيضًا نوعان:
أحدهما: أن يخاطبه خطابًا يسمعه بأذنه.
والثّاني: أن يلقي في قلبه عندما يُلِمُّ به. ومنه وعدُه وأمنيَّتُه حين يعِدُ الإنسيَّ ويمنِّيه، ويأمره وينهاه، كما قال تعالى:{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ}
(1)
[النساء: 120]. وقال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268].
وللقلب من هذا الخطاب نصيبٌ، وللأذن أيضًا منه نصيبٌ، والعصمة منتفيةٌ إلّا عن الرُّسل ومجموع الأمّة.
فمن أين للمخاطَبِ أنَّ هذا الخطاب رحمانيٌّ أو ملكيٌّ؟ بأيِّ برهانٍ وبأيِّ دليلٍ؟ والشّيطانُ يقذف في النّفس وحيَه، ويُلقي في السَّمع خطابَه، فيقول المغرور المخدوع: قيل لي، وخُوطِبتُ. صدقتَ، لكنَّ الشّأن في القائل لك والمخاطِبِ! وقد قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لغَيلان بن سَلَمة ــ وهو من الصّحابة ــ لمّا طلَّق نساءه، وقسَّم ماله بين بنيه: إنِّي لأظنُّ الشّيطان ــ فيما يَسترِقُ من السَّمْع ــ سمِعَ بموتك، فقذَفه في نفسك
(2)
.
(1)
في ع زيادة: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} .
(2)
أخرجه أحمد (4631) وابن حبان (4156) من حديث معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال الحافظ في "نتائج الأفكار" بعد تخريجه: "هذا موقوف صحيح"، انظر:"الفتوحات الربانية" لابن علَّان (4/ 214).
فمَن يأمنُ القُرَّاءُ بعدَك يا شَهْرُ
(1)
!
فصل
النوع الثالث: خطابٌ خياليٌّ، تكون بدايتُه من النّفس، وعودُه إليها، فيثق بأنه
(2)
من خارجٍ، وإنّما هو من نفسه، منها بدأ وإليها يعود!
وهذا كثيرًا
(3)
ما يعرض للسّالك، فيغلط فيه، ويعتقد أنّه خطابٌ من الله عز وجل، كلَّمه به منه إليه. وسببُ غلطه أنَّ اللّطيفة المدركة من الإنسان إذا صفَت من الرِّياضة، وانقطعت عُلَقُها
(4)
من الشّواغل الكثيفة، صار الحكمُ لها، بحكمِ استيلاءِ الرُّوح والقلب على البدن ومصيرِ الحكم لهما. فتنصرف عنايةُ النّفس والقلب إلى تجريد المعاني التي هي متّصلةٌ بهما، وتشتدُّ عناية الرُّوح بها، وتصير في محلِّ تلك العلائق والشّواغل، فتملأ القلبَ، فتصرف
(5)
تلك المعاني إلى النطق
(6)
والخطاب القلبيِّ الرُّوحيِّ بحكم
(1)
يعني: شهر بن حَوشَب. وصدر البيت:
لقد باع شهرٌ دينَه بخريطة
روي أن شهرًا كان على خزائن يزيد بن المهلَّب، فرُفِع عليه بأنه أخذ خريطة. فقال القطامي الكلبي ــ ويقال: سنان بن مكمل النميري ــ هذا الشعر. وضرب المثل بخريطة شهر. انظر: "تاريخ الطبري"(6/ 538 - 539)، و"المعرفة والتاريخ"(2/ 98)، و"ثمار القلوب" (ص 169). وانظر:"سير أعلام النبلاء"(4/ 375).
(2)
ع: "فيتوهَّمه". وغيِّر في ل إلى: "فيتوهم أنه".
(3)
ل، ش:"كثير". وفي ج: "كثير مما يعرض".
(4)
ضبطت العين في الأصل وع بالضم.
(5)
ش: "فتنصرف"، وأشير إلى هذه النسخة في هامش م.
(6)
ع: "المنطق".
العادة. ويتّفق تجرُّدُ الرُّوح، فتَشَكَّلُ
(1)
تلك المعاني للقوّة السّامعة بشكل الأصوات المسموعة، وللقوّة الباصرة بشكل الأشخاص المرئيّة. فيرى
(2)
صورها، ويسمع الخطاب، وكلُّه في نفسه، ليس في الخارج منه شيءٌ. ويحلف أنّه رأى وسمع؛ وصدَق، لكن رأى وسمع في الخارج، أو في نفسه؟ ويتّفق ضعفُ التّمييز، وقلّةُ العلم، واستيلاءُ تلك المعاني على الرُّوح، وتجرُّدُها عن الشّواغل.
فهذه الوجوه الثّلاثة هي وجوه الخطاب، فلا يُسمَعُ غيرها، فإنّما هو
(3)
غرورٌ وخدعٌ وتلبيسٌ. وهذا الموضع مقطع القوم
(4)
، وهو من أجلِّ المواضع لمن حقَّقه وفَهِمَه. والله الموفِّق للصّواب.
فصل
قال
(5)
: "الدرجة الثانية: إلهامٌ يقع عيانًا. وعلامة صحّته أنّه لا يخرِق سِترًا، ولا يجاوز حدًّا، ولا يخطئ أبدًا".
الفرق بين هذا وبين الإلهام في الدّرجة الأولى: أنّ ذلك علمٌ شبيهٌ بالضّروريِّ الذي لا يمكن دفعه عن القلب، وهذا معاينةٌ ومكاشفةٌ. فهو
(6)
(1)
ش: "فتُشَكِّل".
(2)
ما عدا ع: "فترى". و"يسمع" فيما يأتي بإهمال أوله في ع، وفي غيرها:"تسمع".
(3)
ع: "تسمع
…
هي".
(4)
أثبت الفقي: "مقطع القول"، وما ورد في النسخ صواب. انظر:(2/ 483).
(5)
"المنازل"(ص 66). وفي هامش الأصل بإزاء هذا السطر: "بلغ قراءة ومقابلة على مصنفه فسح الله في مدَّته"، وهذا أول موضع ورد فيه البلاغ المذكور.
(6)
ما عدا ع: "وهو".
فوقه في الدّرجة، وأتمُّ منه ظهورًا، ونسبتُه إلى القلب نسبةُ المرئيِّ إلى العين. وذكر له ثلاث علاماتٍ:
أحدها
(1)
: أنّه لا يخرق سترًا، لأنَّ صاحبه إذا كُوشِفَ بحال غيره المستور عنه لا يخرق سِترَه ويكشفه، خيرًا كان أو شرًّا؛ أو أنّه لا يخرق ما ستره الله تعالى من نفسه عن النّاس، بل يستُر نفسَه ويستُر من كوشف بحاله.
الثانية: أنّه لا يجاوز حدًّا، يحتمل وجهين: أحدهما: أنّه لا يتجاوز به إلى ارتكاب المعاصي وتجاوز حدود الله تعالى، مثل كشف الكهّان والكشف الشّيطانيِّ. الثّاني: أنّه لا يقع على خلاف الحدود الشّرعيّة، مثل أن يتجسَّس به العوراتِ التي نهى الله عن التّجسُّس عليها وتتبُّعها. فإذا تتبَّعها ووقع عليها بهذا الكشف، فهو شيطانيٌّ لا رحمانيٌّ.
الثالثة: أنّه لا يخطئ أبدًا، بخلاف الشّيطانيِّ فإنّ خطأه كثيرٌ، كما قال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم لابن صائدٍ:"ما ترى؟ ". قال: أرى صادقًا وكاذبًا. فقال: "لُبِّس
(2)
عليك"
(3)
. فالكشف الشّيطانيُّ لا بدّ أن يكذب، ولا يستمرُّ صدقُه البتّة
(4)
.
فصل
قال
(5)
: (الدرجة الثالثة: إلهامٌ يجلو عينَ التّحقيق صرفًا، وينطق عن
(1)
كذا في الأصل وغيره بدلًا من "إحداها"، ومثله شائع في كتب المصنف.
(2)
الضبط من ل، ع، ش.
(3)
أخرجه البخاري (1354) ومسلم (2930) عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه.
(4)
بعده في ع: "والله أعلم".
(5)
"المنازل"(ص 66). وفيه: "عن الإشارة"، والمؤلف صادر عن "شرح التلمساني"(2/ 364).
عين الأزل محضًا. والإلهام غايةٌ تمتنع الإشارة إليها).
عينُ التّحقيق عنده هي الفناء في شهود الحقيقة، بحيث يضمحلُّ كلُّ ما سواها في ذلك الشُّهود، وتعود الرُّسومُ أعدامًا
(1)
محضةً. فالإلهام في هذه الدّرجة يجلو هذه العين للملهَم صِرْفًا، بحيث لا يمازجها شيءٌ من إدراك العقول ولا الحواسِّ، فإن كان هناك إدراكٌ عقليٌّ أو حسِّيٌّ لم يتمحَّض جلاء عين الحقيقة. والنّاطق عن هذا الكشف عندهم لا يفهم عنه إلّا من هو معه، ومشاركٌ له. وعند أرباب هذا الكشف أنّ كَلَّ الخلق عنه في حجابٍ، وعندهم أنّ العلم والعقل والحال حُجُبٌ عليه، وأنّ خطاب الخلق إنّما يكون على لسان الحجاب، وأنّهم لا يفهمون لغة ما وراء الحجاب من المعنى المحجوب؛ فلذلك تمتنع الإشارة إليه والعبارة عنه، فإنّ الإشارة والعبارة إنّما يتعلَّقان بالمحسوس أو المعقول، وهذا أمرٌ وراء الحسِّ والعقل
(2)
.
وحاصل هذا الإلهام أنّه إلهامٌ ترتفع معه الوسائط كلهُّا وتضمحلُّ وتعدَم، لكن في الشُّهود لا في الوجود. وأمّا الاتِّحاديّة القائلون بوحدة الوجود فإنّهم يجعلون ذلك اضمحلالًا وعدمًا
(3)
في الوجود، ويجعلون صاحب
(1)
ما عدا ع: "أعلاها" وهو تحريف. وكان "تعود" مهملًا في الأصل فوضع بعضهم نقطتين ليقرأ: "نفوذ" كما في النسخ الأخرى ما عدا ع، وهذا تصحيف أيضًا.
(2)
انظر: "شرح التلمساني"(2/ 362 - 366) وقد صدر المؤلف عنه في بعض تفسيره لدرجات الإلهام الثلاث.
(3)
ق، ج:"وعلى ما"، تحريف، وقد أصلح في ل. ويظهر أنه كان في م، ش على الصواب فغيَّره بعضهم إلى الخطأ.
"المنازل" منهم، وهو بريءٌ منهم عقلًا ودينًا وحالًا ومعرفةً. والله أعلم
(1)
.
فصل
المرتبة العاشرة من مراتب الهداية: الرُّؤيا الصّادقة.
وهي من أجزاء النُّبوّة كما ثبت عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "الرُّؤيا الصّادقة جزءٌ من ستّةٍ وأربعين جزءًا من النُّبوّة"
(2)
.
وقد قيل في سبب هذا التّخصيص بالعدد
(3)
المذكور: إنّ أوّل مبدأ الوحي
(4)
كان هو الرُّؤيا الصّادقة، وذلك نصف سنةٍ. ثمّ انتقل إلى وحي اليقظة مدّة ثلاثٍ وعشرين سنةً من حين بُعِث إلى أن توفِّي صلوات الله وسلامه عليه. فنسبةُ مدّة الوحي في المنام من ذلك جزءٌ من ستّةٍ وأربعين جزءًا
(5)
.
وهذا حسنٌ، لولا ما جاء في الرِّواية الأخرى الصّحيحة
(6)
: "إنّها جزءٌ
(1)
الجملة "والله أعلم" ساقطة من ل.
(2)
أخرجه البخاري (6987) ومسلم (2264) من حديث عبادة بن الصامت، وفيه:"رؤيا المؤمن". وفي حديث أبي سعيد في البخاري (6989): "الرؤيا الصالحة"، وكذا في حديث أبي هريرة في مسلم (2263/ 8).
(3)
"بالعدد" ساقط من ع.
(4)
ع: "مبتدأ الوحي".
(5)
نقله الخطابي عن "بعض أهل العلم" في "أعلام الحديث"(4/ 2315)، و"معالم السنن" (4/ 139). وقال ابن بطال أيضًا في "شرح البخاري" (9/ 518):"ذكره أبو سعيد السفاقسي عن بعض أهل العلم".
(6)
أخرجها مسلم (2265) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد ذكرها المؤلف هنا بالمعنى.
من سبعين جزءًا". وقد قيل في الجمع بينهما
(1)
: إن ذلك بحسب حال الرّائي، فإنّ رؤيا الصِّدِّيقين من ستّةٍ وأربعين، ورؤيا عموم المؤمنين الصادقين من سبعين. والله أعلم.
والرُّؤيا مبدأ الوحي، وصدقها بحسب صدق الرّائي، وأصدق النّاس رؤيا أصدقهم حديثًا. وهي عند اقتراب الزّمان لا تكاد تخطئ، كما قال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم
(2)
. وذلك لبعد العهد بالنُّبوّة وآثارها، فيعوَّض المؤمنون بالرُّؤيا. وأمّا في زمن قوّة نور النُّبوّة، ففي ظهور نورها وقوّته ما يُغني عن الرُّؤيا. ونظير هذا: الكرامات التي ظهرت بعد عصر الصّحابة رضي الله عنهم، ولم تظهر عليهم لاستغنائهم عنها بقوّة إيمانهم، واحتياجِ مَن بعدهم إليها لضعف إيمانهم. وقد نصَّ أحمد رضي الله عنه على هذا المعنى.
قال
(3)
عبادة بن الصّامت رضي الله عنه: رؤيا المؤمن كلامٌ يكلِّم به الرَّبُّ عبدَه في المنام
(4)
.
(1)
هذا الجمع قال به أبو جعفر الطبري في "تهذيب الآثار"، ذكره ابن بطال (9/ 515 - 516).
(2)
انظر حديث أبي هريرة رضي الله عنه في "صحيح البخاري"(7017) و"صحيح مسلم"(2263).
(3)
ع: "وقال".
(4)
لم أجده موقوفًا، وقد أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"(494) وابن أبي عاصم في "السنة"(496) والدولابي في "الكنى والأسماء"(2/ 873 - نشرة الفاريابي) والطبراني ــ ومن طريقه الضياء في "المختارة"(8/ 275) ــ، من طريقين عن عثمان بن سعيد بن كثير، عن محمد بن مهاجر، عن جنيد بن ميمون، عن حمزة بن الزبير، عن عُبادة مرفوعًا. وإسناده ضعيف، جنيد بن ميمون مجهول كما قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 362) والألباني في "ظلال الجنة"(1/ 213)، وحمزة بن عبد الله بن الزبير لم يوثقه غير ابن حبان. وانظر:"الفتح"(12/ 354).
وله طريق آخر عند ابن أبي عاصم (497) عن عُبادة مرفوعًا. وفي إسناده حميد بن عبد الرحمن، لم يوثقه غير ابن حبان. وانظر:"ظلال الجنة"(1/ 214).
وقد قال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لم يبق من النُّبوّة إلّا المبشِّرات". قيل: وما المبشِّرات يا رسول الله؟ قال: "الرُّؤيا الصّالحة يراها المؤمن أو تُرى له"
(1)
.
وإذا تواطأت رؤيا المسلمين لم تكذِبْ. وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه لمّا أُرُوا ليلةَ القدر في العشر الأواخر
(2)
: "أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر، فمن كان منكم متحرِّيها فليتحرَّها في العشر الأواخر من رمضان"
(3)
.
والرُّؤيا كالكشوف، منها رحمانيٌّ، ومنها نفسانيٌّ، ومنها شيطانيٌّ. وقال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"الرُّؤيا ثلاثةٌ: رؤيا من الله، ورؤيا تحزينٌ من الشّيطان، ورؤيا ممّا يحدِّث به الرّجلُ نفسَه في اليقظة فيراه في المنام"
(4)
. والذي هو من أسباب
(1)
انظر حديث أبي هريرة في "صحيح البخاري"(6990)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في "صحيح مسلم"(479).
(2)
فوقه في ع: "قال" مع علامة صح بخط الناسخ.
(3)
أخرجه البخاري (1158) ومسلم (1165) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ولفظ مسلم: "في السبع الأواخر".
(4)
أخرجه البخاري (7017) ومسلم (2263) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد سبقت الإحالة عليه قريبًا في ذكر الرؤيا عند اقتراب الزمان.
الهداية هو الرُّؤيا التي من الله خاصّةً.
ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحيٌ، فإنّها معصومةٌ من الشّيطان، وهذا باتِّفاق الأمّة. ولهذا أقدم الخليلُ عليه السلام على ذبح إسماعيل بالرُّؤيا. وأمّا رؤيا غيرهم، فتُعْرَض على الوحي الصَّريح، فإن وافقته وإلّا لم يعمل بها.
فإن قيل: فما تقولون إذا كانت رؤيا صادقةٌ، أو تواطأت؟
قلنا: متى كانت كذلك استحال مخالفتها للوحي. بل لا تكون إلّا مطابقةً له، منبِّهةً عليه، أو منبِّهةً على اندراج قضيّةٍ خاصّةٍ في حكمه، لم يعرف الرّائي اندراجها فيه، فيُنَبَّه بالرُّؤيا على ذلك. ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحرَّ الصِّدقَ وأكلَ الحلال والمحافظةَ على الأمر والنّهي، ولينم على طهارةٍ كاملةٍ مستقبلَ القبلة، ويذكر الله حتّى تغلبه عيناه؛ فإنّ رؤياه لا تكاد تكذب البتّة.
وأصدَقُ الرُّؤيا: رؤيا الأسحار
(1)
، فإنّه وقت للنُّزولِ
(2)
الإلهيِّ وسكونِ
(1)
أخرجه أحمد (11240، 11650) والدارمي (2192) والترمذي (2274) وأبو يعلى (1357) وابن حبان (6041) والحاكم (4/ 392) وغيرهم من حديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال أحمد: أحاديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف، وقال النسائي: دراج منكر الحديث، وقال ابن عدي بعد ما أورد هذا الحديث وغيره:"وعامة هذه الأحاديث التي أمليتها مما لا يتابع دراج عليه". ينظر: "الكامل"(4/ 486 - 493؛ نشرة السرساوي) و"الضعيفة"(1732).
(2)
ش، ج، ع:"النزول"، وكذا كان في الأصل قبل الإصلاح.
الشّياطين. وعكسه رؤيا العَتَمة عند انتشار الشّياطين والأرواح الشّيطانيّة.
وقال عبادة بن الصّامت رضي الله عنه: رؤيا المؤمن كلامٌ يكلِّم به الرّبُّ عبدَه في المنام
(1)
.
وللرُّؤيا ملكٌ موكَّلٌ بها، يُريها العبد في أمثالٍ تناسبه وتشاكله، فيضربها لكلِّ أحدٍ بحسبه. وقال مالكٌ رضي الله عنه:"الرُّؤيا من الوحي"
(2)
، وزجَر عن تفسيرها بلا علمٍ، وقال: أيُتلاعب بوحي الله تعالى؟
(3)
.
ولذكر الرُّؤيا وأحكامها وتفاصيلها وطرق تأويلها مظانُّ مخصوصةٌ بها، يُخرجنا ذكرُها عن المقصود. والله أعلم.
فصل
في بيان اشتمال الفاتحة على الشفاءين: شفاء القلوب وشفاء الأبدان
فأمّا اشتمالها على شفاء القلوب، فإنّها اشتملت عليه أتمَّ اشتمالٍ، فإنّ مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم، وفساد القصد. ويترتّب عليهما داءان قاتلان، وهما الضّلال والغضب. فالضّلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد؛ وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها.
(1)
تقدم تخريجه قريبًا.
(2)
في هامش ع: "وحيٌ" مع علامة صح.
(3)
حكاه ابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 288) ولفظه: "قيل لمالك رحمه الله: أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال: أبالنبوة يُلعب؟
…
ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، فلا يتلاعب بالنبوة".
فهداية الصِّراط المستقيم تتضمّن الشِّفاء من مرض الضّلال. ولذلك
(1)
كان سؤال هذه الهداية أفرضَ دعاءٍ على كلِّ عبدٍ، وأوجبَه عليه كلَ يومٍ وليلةٍ في كلِّ صلاةٍ، لشدّة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة، ولا يقومُ غيرُ هذا السُّؤال مقامَه.
والتَّحقُّقُ
(2)
بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} علمًا ومعرفةً وعملًا وحالًا يتضمّن الشِّفاء من مرض فساد القصد
(3)
. فإنَّ فسادَ القصد يتعلَّق بالغاية
(4)
والوسائل، فمن طلب غايةً منقطعةً مضمحلّةً فانيةً، وتوسَّل إليها بأنواع الوسائل الموصلة إليها كان كلا نوعي قصده فاسدًا. وهذا شأن كلِّ من كان غاية طلبه
(5)
غيرَ الله وعبوديَّته من المشركين ومتَّبعي
(6)
الشّهوات الذين لا غاية لهم وراءها، وأصحاب الرِّياسات المتَّبعين لإقامة رياستهم بأيِّ طريقٍ كان من حقٍّ أو باطلٍ. فإذا جاء الحقُّ معارضًا في طريق رياستهم طحنوه وداسوه بأرجلهم. فإن عجزوا عن ذلك دفعوه دفعَ الصَّائل. فإن عجزوا عن ذلك حبسوه في الطّريق، وحادوا عنه إلى طريقٍ أخرى. وهم مستعدُّون لدفعه بحسب الإمكان، فإذا لم يجدوا منه بدًّا أعطوه السِّكَّة والخطبة، وعزلوه عن التّصرُّف والحكم والتّنفيذ. وإن جاء الحقُّ ناصرًا لهم وكان لهم صالوا به
(1)
ش: "ولهذا".
(2)
ل، ج، ع:"والتحقيق".
(3)
ع: "القلب والقصد".
(4)
ع: "بالغايات".
(5)
ع: "مطلوبه".
(6)
ع: "مبتغي".
وجالوا، وأتوا إليه مذعنين، لا لأنّه حقٌّ، بل لموافقةِ غرضهم وأهوائهم، وانتصارهم به. {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور: 48 - 50].
والمقصود: أنّ قصد هؤلاء فاسدٌ في غاياتهم ووسائلهم. وهؤلاء إذا بطلت الغايات التي طلبوها واضمحلَّتْ وفنيَتْ، حصلوا على أعظم الخسران والحسرات. وهم أعظم النّاس ندامةً وتحسُّرًا إذا حقَّ الحقُّ وبطَلَ الباطلُ، وتقطَّعت بهم الأسبابُ والوُصَلُ
(1)
التي كانت بينهم، وتيقَّنوا انقطاعَهم عن ركب الفلاح والسَّعادة. وهذا يظهر كثيرًا في الدُّنيا، ويظهر أقوى من ذلك عند الرَّحيل منها والقدوم على الله تعالى. وسيكثُر
(2)
ظهورُه وتحقُّقه في البرزخ، وينكشف كلَّ الانكشاف يوم اللِّقاء إذا حقَّت الحقائق، وفاز المُحِقُّون، وخَسِر المبطلون، وعلموا أنّهم كانوا كاذبين، وكانوا مخدوعين مغرورين. فياله هنالك من علمٍ لا ينفع عالمَه، ويقينٍ لا يُنجي مستيقنَه.
وكذلك من طلب الغاية العليا والمطلب الأعلى، ولكن لم يتوسَّل إليه بالوسيلة المُوصِلة له
(3)
إليه، بل توسَّل إليه بوسيلةٍ ظنَّها موصِلةً إليه، وهي
(1)
ع: "أسباب الوصل".
(2)
ترك ناسخ ل الثاء والراء من الكلمة فتحرفت في النسخ، والمثبت من الأصل، ج. وفي ع:"ويشتدُّ".
(3)
"له" ساقط من ش.
من أعظم القواطع عنه= فحاله أيضًا كحال هذا، وكلاهما
(1)
فاسد القصد.
ولا شفاء من هذا المرض إلّا بدواء {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فإنّ هذا الدّواء مركّبٌ من ستّة أجزاءٍ: عبوديّة لله لا لغيره، بأمره وشرعه، لا بالهوى، وبآراء الرِّجال
(2)
وأوضاعهم ورسومهم وأفكارهم، واستعانةٍ على عبوديّته به، لا بنفس العبد وقوّته وحوله ولا بغيره. فهذه أجزاء {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فإذا ركَّبها الطَّبيبُ
(3)
العالمُ بالمرض، واستعملها المريض، حصل بها الشِّفاء التّامُّ. وما نقَص من الشِّفاء فهو لفوَاتِ جزءٍ من أجزائها، أو اثنين أو أكثر.
ثمّ إنّ القلب يعرض له مرضان عظيمان، إن لم يتداركهما تراميا به إلى التَّلَف ولا بدَّ؛ وهما: الرِّياء، والكبر. فدواء الرِّياء بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، ودواء الكبر بـ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . وكثيرًا ما كنتُ أسمع شيخَ الإسلام ابن تيميّة
(4)
قدّس الله روحَه يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} تدفع الرِّياء، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} تدفع الكبرياء
(5)
.
فإذا عوفي من مرض الرِّياء بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، ومن مرض الكبر والعُجْب بـ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، ومن مرض الضَّلال والجهل بـ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} = عوفي من أمراضه وأسقامه، ورَفَل في أثواب العافية، وتمَّت عليه
(1)
ل، م:"فكلاهما".
(2)
ع: "ولا بآراء الرجال".
(3)
بعده في ع زيادة: "اللطيف".
(4)
"ابن تيمية" ساقطة من ش.
(5)
انظر: "مجموع الفتاوى"(10/ 277).
النِّعمة، وكان من المنعَم عليهم غيرِ المغضوب عليهم ــ وهم أهلُ فساد القصد الذين عرفوا الحقّ وعدَلوا عنه ــ والضّالِّين، وهم أهلُ فساد العلم الذين جهلوا الحقَّ ولم يعرفوه.
وحُقَّ لسورةٍ تشتمل على هذا الشفاء
(1)
أن يُستشفى بها من كلِّ مرضٍ. ولهذا لمّا اشتملت على هذا الشِّفاء الذي هو أعظم الشفاءين، كان حصول الشِّفاء الأدنى بها أولى، كما سنبيِّنه. فلا شيء أشفى للقلوب التي عقلت عن الله تعالى كلامَه، وفهمت عنه فهمًا خاصًّا، اختصَّها به من معاني هذه السُّورة.
وسنبيِّن إن شاء الله تعالى تضمُّنَها للرّدِّ على جميع أهل البدع بأوضح البيان وأحسن الطُّرق.
فصل
وأمّا تضمُّنها لشفاء الأبدان، فنذكر منه ما جاءت به السُّنّة، وما شهد به
(2)
قواعد الطِّبِّ، ودلَّت عليه التّجربة.
فأمّا ما دلّت عليه السُّنّة، ففي الصّحيح من حديث أبي المتوكِّل عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنّ ناسًا من أصحاب النّبيِّ صلى الله عليه وسلم مرُّوا بحيٍّ من العرب، فلم يَقْرُوهم، ولم يضيِّفوهم. فلُدِغَ سيِّدُ الحيِّ، فأتوهم، فقالوا: هل عندكم من رقيةٍ، أو هل فيكم من راقٍ؟ فقالوا: نعم، ولكنَّكم لم تَقْرُونا، فلا نفعل حتّى تجعلوا لنا جُعْلًا. فجعلوا على ذلك قطيعًا من الغنم. فجعل رجلٌ منَّا يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام كأن لم يكن به قَلَبةٌ. فقلنا: لا تعجلوا حتّى
(1)
ع: "هذين الشناءين".
(2)
ش: "شهدته"، وكذا كان في ق، ل فأصلح، ولم ينقط في م، ج إلا حرف الشين.
نأتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأتيناه، فذكرنا له ذلك. فقال:"وما يدريك أنّها رقيةٌ؟ كلوا، واضربوا لي معكم بسهمٍ"
(1)
.
فقد تضمّن هذا الحديثُ حصولَ شفاء هذا اللّديغ بقراءة الفاتحة عليه، فأغنته عن الدّواء، وربّما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدّواء. هذا مع كون المحلِّ غير قابلٍ، إمّا لكون هؤلاء الحيِّ غيرَ مسلمين، أو أهلَ بخلٍ ولؤمٍ؛ فكيف إذا كان المحلُّ قابلًا!
فصل
وأمّا شهادة قواعد الطِّبِّ بذلك، فاعلم أنَّ اللَّدغة تكون من ذوات الحُمَات والسُّموم، وهي ذوات الأنفس الخبيثة التي تتكيَّف بكيفيّةٍ غضبيّةٍ، تثير
(2)
فيها سمِّيّةً ناريّةً، يحصل بها اللَّدغ. وهي متفاوتةٌ بحسب تفاوت خبث تلك النُّفوس وقوّتها وكيفيّتها. فإذا تكيَّفت أنفسُها الخبيثةُ بتلك الكيفيّة الغضبيّة أحدَثَ لها ذلك طبيعةً سمِّيّةً، تجد راحةً ولذّةً في إلقائها إلى المحلِّ القابل؛ كما يجد الشِّرِّيرُ من النّاس
(3)
راحةً ولذّةً في إيصال شرِّه إلى من يُوصله به
(4)
. وكثيرٌ من النّاس لا يهنأ له
(5)
عيشٌ في يومٍ لا يؤذي فيه أحدًا من بني جنسه، ويجد في نفسه تأذِّيًا بحمل تلك السَّمِّيّة والشّرِّ الذي فيه، حتّى
(1)
أخرجه البخاري (2276) ومسلم (2201) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
ل: "تسير". م، ش:"تسري".
(3)
"من الناس" ساقط من ش.
(4)
كذا "به" في الأصل وغيره إلا ج التي لم ترد فيها. وفي نشرة الفقي: "إليه".
(5)
ق، ش، ج:"لا يناله". وكذا كان في ل، م فأصلح. ويبدو أن في هامش ش إشارة لم تظهر في المصورة إلى هذا التصحيح.
يُفرغه في غيره، فيبرد عند ذلك
(1)
أنينُه، وتسكن نفسُه. ويصيبه في ذلك نظير ما يصيب من اشتدّت
(2)
شهوته إلى الجماع فيسوء خلقُه، وتنغَلُ
(3)
نفسُه حتّى يقضي وطره. هذا في قوّة الشّهوة، وذاك في قوّة الغضب.
وقد أقام الله تعالى بحكمته السُّلطانَ وازعًا لهذه النُّفوس الغضبيّة، فلولا هو لفسدت الأرض وخرب العالم. {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251]. وأباح
(4)
بلطفه ورحمته لهذه النُّفوس من الأزواج وملك اليمين ما يكسر حدّتها.
والمقصود: أنّ هذه النُّفوس الغضبيّة إذا اتّصلت بالمحلِّ القابل أثَّرت فيه. ومنها ما يؤثِّر في المحلِّ بمجرّد مقابلته له، وإن لم يمسَّه، فمنها ما يلتمس
(5)
البصَر، ويُسْقِط الحبَل.
ومن هذا: نظرُ العائن، فإنّه إذا وقع بصره على المَعِين حدثت في نفسه كيفيّةٌ سمِّيّةٌ أثَّرت في المَعِين بحسب عدم استعداده، وكونه أعزلَ من السِّلاح، وبحسب قوّة تلك النّفس. وكثيرٌ من هذه النُّفوس تؤثِّر في المَعِين إذا وُصِف له، فتتكيَّف نفسُه، وتقابله على البعد، فيتأثَّر به. ومنكر هذا ليس معدودًا من
(1)
ش: "فيبرد ذلك عنه"، وأشير إلى هذه النسخة في هامش م.
(2)
تحرَّف في ق، ل إلى "استلت".
(3)
أي تفسد.
(4)
ع: "وأباح الله" بزيادة لفظ الجلالة.
(5)
م، ش، ع:"يطمس"، وكذا في المطبوع، والمثبت من الأصل وغيره صواب محض. والمؤلف يشير إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:"اقتلوا ذا الطُّفيتين، فإنه يلتمس البصر ويصيب الحبل" أخرجه البخاري (3308) ومسلم (2232) من حديث عائشة رضي الله عنها.
بني آدم إلّا بالصُّورة والشّكل.
فإذا قابلت النّفسُ الزَّاكيةُ العُلويّةُ الشَّريفةُ التي فيها غضبٌ وحميّةٌ للحقِّ هذه النُّفوسَ الخبيثة السَّمِّيّةَ، وتكيّفَت بحقائق الفاتحة وأسرارها ومعانيها، وما تضمَّنته من التّوحيد والتّوكُّل، والثّناءِ على الله سبحانه وتعالى، وذكرِ أصول أسمائه الحسنى، وذكرِ اسمه الذي ما ذُكِرَ على شرٍّ إلّا أزاله ومَحَقَه، ولا على خيرٍ إلّا أنماه
(1)
وزاده= دفعت هذه النّفسُ بما تكيَّفت به من ذلك أثرَ تلك النّفسِ الخبيثةِ الشَّيطانيّة، فحصَل البرءُ. فإنّ مبنى الشِّفاء والبرء على دفع الضِّدِّ بضدِّه، وحفظِ الشّيء بمثله، فالصِّحّة تُحفَظ بالمثل، والمرضُ يُدفَع بالضِّدِّ= أسبابٌ ربَطَها بمسبَّباتها الحكيمُ العليمُ خلقًا وأمرًا. ولا يتمُّ هذا إلّا بقوّةٍ من النّفس الفاعلة، وقبولٍ من الطّبيعة المنفعلة. فلو لم تنفعل نفسُ الملدوغ لقبول الرُّقية، ولم تقوَ نفسُ الرّاقي على التّأثير، لم يحصل البرء.
فهنا أمورٌ ثلاثةٌ: موافقةُ الدّواء للدّاء، وبذلُ الطّبيب له، وقبولُ طبيعة العليل؛ فمتى تخلَّف واحدٌ منها لم يحصل الشِّفاء، وإذا اجتمعت حصل الشِّفاء ــ ولا بدَّ ــ بإذن الله تعالى.
ومن عرف هذا كما ينبغي تبيّن له أسرارُ الرُّقى، وميَّز بين النّافع منها وغيره، ورقى الدّاءَ بما يناسبه من الرُّقى، وتبيَّن له أنّ الرُّقية براقيها وقبول المحلِّ، كما أنّ السَّيف بضاربه مع قبول المحلِّ للقطع. وهذه إشارةٌ مطلعةٌ على ما وراءها لمن دقَّ نظرُه، وحسُنَ تأمُّله
(2)
. والله أعلم.
(1)
ع: "نمَّاه".
(2)
وانظر: "زاد المعاد"(4/ 16 - 17، 236 - 238، 243، 254 - 256).
وأمّا شهادة التّجارب بذلك فهي أكثر من أن تذكر، وذلك في كلِّ زمانٍ. وقد جرّبتُ أنا من ذلك في نفسي وفي غيري أمورًا عجيبةً، ولا سيّما مدّةَ المقام بمكّة أعزَّها الله تعالى. فإنّه كان يعرض لي آلامٌ مزعجةٌ، بحيث تكاد تقطع الحركةَ منِّي، وذلك في أثناء الطّواف وغيره، فأبادر إلى قراءة الفاتحة، وأمسح بها محلَّ الألم، فكأنّه حصاةٌ تسقط. جرَّبتُ ذلك مرارًا عديدةً. وكنت آخذ قدحًا من ماء زمزمٍ فأقرأ عليه الفاتحة مرارًا وأشربه، فأجد به من النّفع والقوَّة ما لم أعهد مثله في الدَّواء
(1)
. والأمرُ أعظم من ذلك، ولكن بحسب قوّة الإيمان وصحّة اليقين. والله المستعان.
فصل
في اشتمال الفاتحة على الرّدِّ على جميع المُبطلين من أهل الملل والنِّحل، والرَّدِّ على أهل البدع والضّلال من هذه الأمّة
وهذا يُعلَم بطريقين: مجملٍ ومفصّلٍ.
فأمَّا المجمل، فهو أنّ الصِّراط المستقيم يتضمَّن
(2)
معرفةَ الحقِّ، وإيثارَه وتقديمَه على غيره، ومحبّتَه والانقيادَ له، والدَّعوةَ إليه، وجهادَ أعدائه بحسب الإمكان.
والحقُّ هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما جاء به علمًا وعملًا في باب صفات الرّبِّ سبحانه وتعالى وأسمائه وتوحيده، وأمره ونهيه،
(1)
وانظر: "الداء والدواء"(ص 8)، و"زاد المعاد"(4/ 254، 584)، و"مفتاح دار السعادة"(2/ 713).
(2)
ع: "متضمِّن".
ووعده ووعيده، وفي حقائق الإيمان التي هي
(1)
منازل السّائرين. وكلُّ ذلك مسلّمٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون آراء الرِّجال وأوضاعهم وأفكارهم واصطلاحاتهم. فكلُّ علمٍ أو عملٍ أو حقيقةٍ أو حالٍ أو مقامٍ خرج من مشكاة نبوّته، وعليه السِّكَّة المحمَّديّة، بحيث يكون من ضَرْبِ المدينة، فهو من الصِّراط المستقيم. وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب أو الضّلال. فما ثَمَّ خروجٌ عن هذه الطُّرق الثَّلاث: طريقِ الرَّسول وما جاء به، وطريقِ أهل الغضب وهي طريقُ مَن عرَفَ الحقَّ وعانَده، وطريقِ أهل الضَّلال وهي طريقُ من أضلَّه الله عنه.
ولهذا قال عبد الله بن عبّاسٍ وجابر بن عبد الله
(2)
: الصِّراط المستقيم: هو الإسلام.
وقال عبد الله بن مسعودٍ وعليُّ بن أبي طالبٍ: هو القرآن. وفيه حديثٌ مرفوعٌ في التِّرمذيِّ وغيره
(3)
.
وقال سهل بن عبد الله
(4)
: طريق السُّنة والجماعة.
(1)
ما عدا ع: "بين" ولعله تحريف. كتب بعضهم في م فوق السطر: "هي" مع علامة "ظ".
(2)
"وجابر بن عبد الله" من ش، ع، وزيدت في هامش م أيضًا. وروي القول الآتي عنهما في "تفسير البغوي"(1/ 54) والأقوال الآتية كلها منقولة منه.
(3)
أخرجه الترمذي (2906) والبزار (3/ 71) وابن نصر في "قيام الليل"(ص 173 - المختصر) والبيهقي في "شعب الإيمان"(1788) من رواية حارث الأعور عن علي رضي الله عنه. قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال".
(4)
التُّسْتَري. انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي (1/ 121).
وقال بكر بن عبد الله المُزَنيُّ: طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا ريب أنَّه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه علمًا وعملًا، وهو معرفةُ الحقِّ وتقديمُه وإيثارُه على غيره
(1)
.
فبهذا الطَّريق المجملة نعلم
(2)
أنَّ كلَّ ما خالفه فباطلٌ، وهو من صراط الأمّتين: الأمّة الغضبيّة، وأمّة الضّلال
(3)
.
فصل
وأمّا الطريق المفصَّلة
(4)
، فمعرفة المذاهب الباطلة، واشتمال كلمات الفاتحة على إبطالها، فنقول:
النّاس قسمان: مقرٌّ بالخالق تعالى، وجاحدٌ له. فتضمُّنُ
(5)
الفاتحة لإثبات الخالق تعالى والرَّدِّ على من جحَده: بإثبات ربوبيّته تعالى للعالمين.
وتأمَّلْ حالَ العالم كلِّه: علويِّه وسفليِّه، بجميع أجزائه، تجِدْه شاهدًا بإثبات صانعه
(6)
وفاطره ومليكه. فإنكارُ صانعه وجحدُه في العقول والفِطَر
(1)
في ع بعده زيادة: "فهو الصراط المستقيم، وكل هذه الأقوال المتقدِّمة دالَّة عليه جامعة له".
(2)
ع: "المجمل يُعلم".
(3)
ع: "وأمة أهل الضلال".
(4)
ع، ج:"المفصل"، وكذا كان في الأصل ثم أصلح.
(5)
ضبط في م، ش بضم الميم المشدَّدة، يعني أنه مبتدأ، والخبر:"بإثبات". وفي ق، ج:"فضمن"، وكذا كان في ل ثم زيدت التاء.
(6)
ج: "صفات صانعه".
بمنزلة إنكار العالم وجحده، لا فرق بينهما. بل دلالةُ الخالق على المخلوق، والفعَّالِ
(1)
على الفعل، والصَّانعِ على أحوال المصنوع، عند العقول الزَّاكية المشرقة العُلْويّة والفِطَر الصّحيحة= أظهَرُ من العكس.
والعارفون
(2)
أرباب البصائر يستدلُّون بالله على أفعاله وصُنْعه، إذا استدلَّ النّاسُ بصُنعه وأفعاله عليه. ولا ريب أنّهما طريقان صحيحان، كلٌّ منهما حقٌّ، والقرآن مشتملٌ عليهما.
فأمّا الاستدلالُ بالصّنعة فكثيرٌ. وأمّا الاستدلال بالصّانع فله شأنٌ، وهو الذي أشارت إليه الرُّسل بقولهم لأممهم:{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي} أي أيُشَكُّ في الله حتّى يُطلَب إقامةُ الدّليل على وجوده! وأيُّ دليلٍ أصحُّ وأظهر من هذا المدلول! فكيف يُسْتدَلُّ على الأظهر بالأخفى! ثمّ نبّهوا على الدّليل بقولهم: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10].
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة رضي الله عنه
(3)
يقول: كيف تَطلُب
(4)
الدّليلَ على من هو دليلٌ على كلِّ شيءٍ؟ وكان كثيرًا يتمثَّل بهذا البيت:
وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ
…
إذا احتاج النّهار إلى دليلٍ
(5)
(1)
ل، ج:"الفاعل".
(2)
ع: "فالعارفون".
(3)
ج: "رحمه الله". وفي ع: "تقي الدين بن تيمية".
(4)
م، ج، ع:"يُطلب".
(5)
البيت للمتنبي في "ديوانه"(ص 334 - ط عزَّام) وقد أنشده المؤلف في غير كتاب له، وسيأتي مرة أخرى في كتابنا هذا. والرواية:"في الأفهام".
ومن المعلوم
(1)
أنّ وجودَ الرَّبِّ تعالى أظهَرُ للعقول والفِطَر من وجود النّهار. ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتَّهمها
(2)
.
وإذا بطل قولُ هؤلاء بطل قولُ أهل الإلحاد
(3)
القائلين بوحدة الوجود وأنَّه ما ثَمَّ وجودٌ قديمٌ خالقٌ، ووجودٌ حادثٌ مخلوقٌ؛ بل وجودُ هذا العالم هو عينُ وجود الله، وهو حقيقةُ هذا العالم. فليس عند القوم ربٌّ وعبدٌ، ولا مالكٌ ومملوكٌ، ولا راحمٌ ومرحومٌ، ولا عابدٌ ومعبودٌ، ولا مستعينٌ ومستعانٌ به، ولا هادٍ ومهديٌّ، ولا منعِمٌ ومنعَمٌ عليه، ولا غضبانُ ومغضوبٌ عليه بل الرَّبُّ هو نفسُ العبد وحقيقته، والمالكُ هو عين المملوك، والرَّاحمُ عين المرحوم، والعابدُ نفس المعبود. وإنّما التّغاير أمرٌ اعتباريٌّ بحسَبِ مظاهر الذّات وتجلِّياتها، فتظهر تارةً في صورة المعبود كما ظهرت في صورة فرعون، وفي صورة عبد كما ظهرت في صورة العَبِيد، وفي صورة هادٍ كما ظهرت في صورة الأنبياء عليهم السلام والرُّسل والعلماء. والكلُّ من عينٍ واحدةٍ، بل هو العين الواحدة. فحقيقةُ العابد ووجودُه وإنِّيّتُه
(4)
: هي حقيقة المعبود
(1)
ع: "ومعلومٌ".
(2)
ل: "فليتهمهما".
(3)
ما عدا م، ع:"الاتحاد"، وأشير إليها في هامش نسخة م، ولعله تصحيف.
(4)
ق، ل:"أينيته" ولكنها مغيَّرة فيهما. وفي ش: "أيِّيَّته" نسبة إلى "أيّ". والمثبت من ج. في "تعريفات الجرجاني"(ص 39 - ط فلوغل): "الإنِّيّة: تحقُّق الوجود العيني من حيث مرتبة الذاتية". والوارد في ش، ق ليس غلطًا ولكنه غير مقصود هنا فيما يظهر. قال صاحب "الشفا" في قسم المنطق ــ المدخل (ص 46):"إنَّ الذَّاتيَّ الدالَّ على الماهية يقال له: المقول في جواب ما هو؟ والذاتِيُّ الدالُّ على الإنِّيَّة يقال له: المقول في جواب أيُّ شيء هو في ذاته؟ أو أيُّ ما هو؟ ". الظاهر أن "الإنيَّة" في عبارة "الشفا" هذه تصحيف "الأيِّيَّة". وانظر: "رسائل الكندي الفلسفية"(ص 129) ــ تعليق المحقق. و"المعجم الفلسفي" لجميل صليبا (ص 169 - 171).
ووجوده وإنِّيّته.
فالفاتحة من أوّلها إلى آخرها تبيِّن بطلان قول هؤلاء الملاحدة وضلالهم.
فصل
والمقرُّون بالرَّبِّ تعالى أنّه صانع العالم نوعان:
نوعٌ ينفي مباينتَه لخلقه، ويقولون: لا مباين ولا محايث
(1)
، ولا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا يمينه ولا يساره، ولا خلفه ولا أمامه، ولا فيه ولا بائن عنه. فتضمُّنُ الفاتحةِ للرَّدِّ على هؤلاء من وجهين
(2)
:
أحدهما: إثبات ربوبيّته عز وجل للعالم، فإنَّ الرُّبوبيَّةَ المحضةَ تقتضي مباينةَ الرَّبِّ للعالم بالذّات، كما باينهم بالرُّبوبيّة وبالصِّفات والأفعال. فمَن لم يُثبت ربًّا مباينًا للعالم فما أثبَتَ ربًّا، فإنّه إذا نفى المباينة لزمه أحدُ أمرين لزومًا لا انفكاك له عنه البتّة: إمّا أن يكون هو نفسَ هذا العالم، وحينئذٍ يصحُّ قوله، فإنّ العالم لا يباين ذاته ونفسه. ومن هاهنا دخل أهلُ الوحدة، كانوا معطِّلةً أوّلًا، واتِّحاديّةً ثانيًا. وإمّا أن يقول: ما ثَمَّ ربٌّ يكون مباينًا ولا محايثًا، ولا داخلًا ولا خارجًا، كما قالته
(3)
الدّهريّة المعطِّلة للصّانع.
(1)
ع: "مجانب"، تصحيف.
(2)
لم يذكر المؤلف الوجه الثاني. ومن الغريب أنه لم يتفطَّن لذلك عند قراءة الكتاب عليه، لا هو ولا القراء.
(3)
ع: "قاله".
وأمّا هذا القول الثّالث المشتمل على جمع النّقيضين: إثباتِ الرَّبِّ مغايرًا
(1)
للعالم مع نفي مباينته للعالم، وإثباتِ خالقٍ قائمٍ بنفسه، لا في العالم ولا خارج العالم، ولا فوق العالم ولا تحته، ولا خلفه ولا أمامه، ولا يمينه ولا يساره
(2)
= فقولٌ له خبيءٌ
(3)
، والعقولُ لا تتصوَّره حتّى تصدِّق به. فإذا استحال في العقل تصوُّرُه، فاستحالةُ التّصديق به أظهر
(4)
. وهو منطبقٌ على العدم المحض والنّفي الصِّرف، وصدقُه عليه أظهر عند العقول والفطر من صدقِه على ربِّ العالمين.
فضَعْ هذا النّفيَ وهذه الألفاظَ الدّالّةَ عليه
(5)
على العدم المستحيل، ثمَّ ضَعْها على الذّات القائمة بنفسها، التي لم تحِلَّ في العالم، ولا حَلَّ العالمُ فيها، ثمّ انظر أيُّ المعلومين أولى به؟ واستيقِظْ لنفسك، وقُمْ لله قومةَ مفكِّرٍ في نفسه في الخلوة في هذا الأمر، متجرِّدٍ عن المقالات وأربابها وعن الهوى والحميّة والعصبيّة، صادقٍ في طلب الهدى
(6)
من الله تعالى؛ فاللهُ أكرَمُ من أن يخيِّب عبدًا هذا شأنه.
(1)
ع: "ربٍّ مغايرٍ".
(2)
ع: "يسرته".
(3)
انظر مثله في "الصواعق"(1/ 294). وقد ضبط في م: "خَبْئٌ". والخَبْءُ والخبيء والخبيئة: الشيء المستور. يعني نفي الذات.
(4)
ع: "أظهر وأظهر".
(5)
"عليه" ساقط من ش، م.
(6)
ع: "الهداية".
وهذه المسألة لا تحتاج إلى أكثر
(1)
من إثبات ربٍّ قائمٍ بنفسه مباينٍ لخلقه، بل هذا نفس ترجمتها.
فصل
(2)
ثمّ المثبتون للخالق تعالى نوعان: أهل توحيدٍ، وأهل إشراكٍ.
وأهل الإشراك نوعان:
أحدهما: أهل الإشراك به في ربوبيّته وإلهيّته كالمجوس ومن ضاهاهم من القدريّة، فإنّهم
(3)
يُثبتون مع الله خالقًا آخر، وإن لم يقولوا: إنّه مكافئٌ له. والقدريّةُ المجوسيَّةُ تُثبِت مع الله خالقِين للأفعال، ليست أفعالهم مقدورةً لله ولا مخلوقةً له
(4)
، وهي صادرةٌ بغير مشيئته، ولا قدرة له عليها، ولا هو الذي جعل أربابها فاعلين، بل هم الذين جعلوا أنفسهم شائين مريدين فاعلين! فربوبيَّةُ العالم الكاملة المطلقة الشّاملة تُبطِل أقوال هؤلاء كلِّهم، لأنّها تقتضي ربوبيَّتهَ لجميع ما فيه من الذّوات والصِّفات والحركات والأفعال.
وحقيقة قول القدريّة المجوسيّة: أنّه تعالى ليس ربًّا لأفعال الحيوان، ولا تناولتها ربوبيَّتُه، إذ كيف تتناول ما لا يدخل تحت قدرته ومشيئته وخلقه؟ مع أنّ في عموم حمده ما يقتضي حمدَه على طاعات خلقه، إذ هو المعين عليها والموفِّق لها، والذي شاءها منهم، كما قال في غير موضعٍ من كتابه: {وَمَا
(1)
ج: "لأكثر" وكذا كان في ق، ل ثم أصلح فيهما. وفي ش:"إلا" ثم بياض بقدر كلمة.
(2)
بإزائه في هامش الأصل: "بلغ مقابلة وقراءة على مصنفه".
(3)
يعني: المجوس.
(4)
ع: "لهم"، تحريف.
تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30، التكوير: 29]. فهو محمودٌ على أن شاءها لهم، وجعلهم فاعليها
(1)
بقدرته ومشيئته، فهو المحمود عليها في الحقيقة. وعندهم أنّهم هم المحمودون عليها، فلهم الحمدُ على فعلها، وليس لله حمدٌ على نفس فاعليّتها عندهم، ولا على ثوابه وجزائه عليها. أمّا الأوّل، فلأنّ فاعليّتها بهم، لا به. وأمّا الثّاني، فلأنّ الجزاء مستحَقٌّ عليه استحقاقَ الأجرة على المستأجِر، فهو محضُ حقِّهم الذي عاوضوه عليه.
وفي قوله: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
(2)
ردٌّ ظاهرٌ عليهم، إذ استعانتهم به إنّما تكون على شيءٍ هو بيده وتحت قدرته ومشيئته، فكيف يستعين مَن بيده الفعلُ وهو موجده ــ إن شاء أوجده، وإن شاء لم يوجده ــ بمن ليس ذلك الفعلُ بيده، ولا هو داخلٌ تحت قدرته
(3)
ولا مشيئته!
وفي قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أيضًا ردٌّ عليهم، فإنّ الهدايةَ المطلقةَ التَّامَّة هي المستلزمة لحصول الاهتداء، ولولا أنّها بيده تعالى دونهم ما
(4)
سألوه إيّاها. وهي
(5)
المتضمِّنة للإرشاد والبيان والتّوفيق والاقتدار
(6)
(1)
في الأصل: "شاءها لهم منهم لهم فاعليها" مع الضرب على "لهم" الأولى. وكذا "منهم
…
" في ل، م، ش، فغيِّر في ل إلى "منهم فهم فاعلوها" كما في ج. وغيِّر في ش إلى "منهم فجعلهم فاعليها"، ونحوه في م والمثبت من ع.
(2)
كذا في الأصل وغيره دون الواو قبلها. وفي ش وردت الآية كاملة.
(3)
ش: "تصرُّفه"، وأشير في هامش م إلى هذه النسخة.
(4)
ع: "لما".
(5)
ل: "فهي".
(6)
ع: "الإقدار".
وجَعْلِهم مهتدين. وليس مطلوبُهم مجرَّدَ البيان والدِّلالة كما ظنّته القدريّة، لأنّ هذا القدر وحده لا يُوجِب الهدى، ولا ينجي من الرَّدى، وهو حاصلٌ لغيرهم من الكفّار الذين استحبُّوا العمى على الهدى، واشتروا الضَّلالة بالهدى.
فصل
النّوع الثّاني: أهل الإشراك به في إلهيّته. وهم المقرُّون بأنّه وحده ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه وخالقُه، وأنّه ربُّهم وربُّ آبائهم الأوّلين، وربُّ السَّماوات السَّبع وربُّ العرش العظيم. وهم مع هذا يعبدون غيرَه ويعدِلون به سواه في المحبّة والطّاعة والتّعظيم، وهم الذين اتّخذوا من دونه أندادًا. فهؤلاء لم يوفُّوا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} حقَّه، وإن كان لهم نصيبٌ من "نعبدك"، لكن ليس لهم نصيبٌ من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} المتضمِّن معنى: لا نعبد إلّا إيّاك حبًّا وخوفًا ورجاءً وطاعةً وتعظيمًا.
فـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} تحقيقٌ لهذا التّوحيد وإبطالٌ للشِّرك في الإلهيّة، كما أنّ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} تحقيقٌ لتوحيد الرُّبوبيّة وإبطالٌ للشِّرك به. وكذلك قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فإنّهم أهل التّوحيد، وهم أهل تحقيق {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . وأهلُ الإشراك هم أهلُ الغضب والضّلال.
فصل
في تضمُّنها الرّدّ على الجهميّة معطِّلة الصِّفات
وذلك من وجوهٍ:
أحدها
(1)
: من قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، فإنّ إثبات الحمد الكامل له
(1)
والوجوه الأخرى ما يليه من إثبات صفات الرحمة، والربوبية، والإلهية.
يقتضي ثبوتَ كلِّ ما يُحمَد عليه من صفات كماله ونعوت جلاله؛ إذ مَن عدِمَ صفاتِ الكمال فليس بمحمودٍ على الإطلاق، وغايتُه أنّه محمودٌ من وجهٍ دون وجهٍ. ولا يكون محمودًا بكلِّ وجهٍ وبكلِّ اعتبارٍ لجميع
(1)
أنواع الحمد إلّا مَن استولى على صفات الكمال جميعها، فلو عدِمَ منها صفةً واحدةً لنقَصَ من حمده بحسبها.
وكذلك في إثبات صفة الرّحمة له ما يتضمَّن إثباتَ الصِّفات التي تلزمها
(2)
من الحياة والإرادة والقدرة والسّمع والبصر، وغيرها. وكذلك صفة الرُّبوبيّة تستلزم جميعَ صفات الفعل، وصفةُ الإلهيّة تستلزم جميعَ أوصاف الكمال ذاتًا وأفعالًا، كما تقدَّم بيانه
(3)
.
فكونُه محمودًا إلهًا ربًّا رحمانًا رحيمًا ملكًا معبودًا مستعانًا هاديًا منعمًا يرضى ويغضب، مع نفي قيام الصِّفات به= جمعٌ بين النّقيضين، وهو من أمحل المحال.
وهذه الطّريق تتضمَّن إثباتَ الصِّفات الخبريّة من وجهين:
أحدهما: أنّها
(4)
من لوازم كماله المطلق، فإنَّ استواءه على عرشه من لوازم علوِّه، ونزولَه سبحانه كلَّ ليلةٍ إلى سماء الدُّنيا في نصف اللّيل الثّاني من
(1)
متعلِّق بكلمة "اعتبار". ولم ينقط أوله في الأصل، فيحتمل قراءة "بجميع" كما في ع والنسخ المطبوعة.
(2)
ع: "تستلزمها".
(3)
في (ص 49 وما بعدها).
(4)
ج، ش:"أنه"، وكذا كان في غيرهما ما عدا ع ثم أصلح.
لوازم رحمته وربوبيّته. ورضاه وفرحُه وحبُّه وغضبُه وبغضُه
(1)
وسخطُه من لوازم إرادته ومشيئته وملكه وربوبيَّته. وهكذا سائر الصِّفات الخبريّة.
الوجه الثّاني: أنَّ السَّمع ورد بها ثناءً على الله ومدحًا له، وتعرُّفًا منه إلى عباده بها، فجحدُها وتحريفُها عمَّا دلَّت عليه وأُريدَ بها مناقضٌ لما جاءت له.
فلك أن تستدلَّ بطريق السَّمع على أنّها كمالٌ، وأن تستدلَّ بالعقل كما تقدَّم.
فصل
في تضمُّنها الرَّدَّ على الجبريّة
وذلك من وجوهٍ:
أحدها: من إثبات عموم حمده سبحانه، فإنّه يقتضي أن لا يعاقب عبيده على ما لا قدرة لهم عليه، ولا هو من فعلهم؛ بل هو بمنزلة ألوانهم وطولهم وقصرهم. بل هو يعاقبهم على نفس فعلِه بهم، فهو الفاعلُ لقبائحهم في الحقيقة، وهو المعاقِبُ لهم عليها. فحمدُه
(2)
يأبى ذلك أشدَّ الإباء، وينفيه أعظمَ النَّفي. فتعالى مَن له الحمدُ عن ذلك علوًّا كبيرًا. بل إنّما يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقةً، فهي أفعالهم لا أفعاله، وإنّما أفعاله العدل والإحسان والخيرات.
(1)
"وغضبه" مكتوب في الأصل فوق "وبغضه". وفي هامش ل مع إشارة اللحق: "خ وبغضه". وكتب بعضهم "وغضبه" في هامش م يريد أنه صواب "وبغضه"، ولم يرد "بغضه" في ع. والكلمتان ساقطتان من ش. والمثبت من ج.
(2)
في ع بعده زيادة: "عليها".
الثّاني
(1)
: إثبات رحمته ورحمانيَّته ينفي ذلك، إذ لا يمكن اجتماع هذين الأمرين قطُّ: أن يكون رحمانًا رحيمًا ويعاقبَ العبد على ما لا قدرة له عليه ولا هو من فِعله، بل يكلِّفه ما لا يطيقه ولا له عليه قدرةٌ البتّة، ثمّ يعاقبه عليه. وهل هذا إلّا ضدُّ الرّحمة ونقضٌ لها وإبطالٌ؟ وهل يصحُّ في معقول أحدٍ اجتماعُ ذلك والرَّحمةِ التّامّةِ الكاملةِ في ذاتٍ واحدةٍ؟
الثّالث
(2)
: إثباتُ العبادةِ والاستعانةِ لهم ونسبتُها إليهم بقولهم: "نعبد، ونستعين"، وهي نسبةٌ حقيقيّةٌ لا مجازيّةٌ. واللهُ لا يصحُّ وصفه بالعبادة والاستعانة التي هي من أفعال عبيده، بل العبد حقيقةً هو العابد المستعين، واللهُ المعبودُ المستعانُ.
فصل
في بيانِ تضمُّنها للرّدِّ على القائلين بالمُوجِب بالذّات بدون الاختيار والمشيئة، وبيانِ أنّه فاعلٌ مختارٌ
وذلك من وجوهٍ:
أحدها: من إثبات حمده، إذ كيف يُحمَد على ما ليس مختارًا لوجوده ولا هو بمشيئته وفعله؟ وهل يصحُّ حمدُ الماء على آثاره وموجَباته، أو النّار والحديد وغيرها في عقلٍ أو فطرةٍ؟ وإنّما يُحمَد الفاعلُ المختارُ بقدرته ومشيئته على أفعاله الحميدة. هذا الذي ليس في العقول والفِطَر سواه، فخلافُه خارجٌ عن الفطرة والعقل. وهو لا ينكر خروجَه عن الشّرائع
(1)
ع: "الوجه الثاني".
(2)
ع: "الوجه الثالث".
والنُّبوّات، بل يتبجَّح بذلك ويعُدُّه فخرًا.
الثّاني: إثباتُ ربوبيّته تعالى يقتضي فعلَه بمشيئته واختياره وتدبيره وقدرته. وليس يصحُّ في عقلٍ ولا فطرةٍ ربوبيّةُ الشَّمس لضوئها، والماءِ لتبريده وللنّبات
(1)
الحاصل به، ولا ربوبيّةُ شيءٍ أبدًا لما لا قدرة له عليه البتّة. وهل هذا إلّا تصريحٌ بجحد الرُّبوبيّة؟ فالقوم كنَوا للأغمار، وصرَّحوا لأولي الأفهام!
الثّالث: إثبات ملكه. وحصولُ ملكٍ لمن لا اختيار له ولا فعل ولا مشيئة غيرُ معقولٍ، بل كلُّ مملوكٍ له مشيئةٌ واختيارٌ وفعلٌ أتمُّ من هذا الملك وأكمل. {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17].
الرّابع: من كونه مستعانًا، فإنَّ الاستعانةَ بمن لا اختيار له ولا مشيئة ولا قدرة محالٌ.
الخامس: من كونه مسؤولًا أن يهدي عبادَه، فسؤالُ من لا اختيار له محالٌ
(2)
. وكذلك كونُه منعمًا.
فصل
في بيانِ تضمُّنِها للرّدِّ على منكري تعلُّقِ علمِه تعالى بالجزئيّات
وذلك من وجوهٍ:
أحدها: كمالُ حمده، إذ كيف يستحقُّ الحمدَ من لا يعلم شيئًا من العالم
(1)
ج، ش:"والنبات"، وكذا غيِّر في ل، م.
(2)
العبارة: "الخامس
…
محال" ساقطة من ع لانتقال النظر.
وأحواله وتفاصيله، ولا عدد الأفلاك، ولا عدد النُّجوم، ولا مَن يطيعه ممَّن يعصيه، ولا مَن يدعوه ممَّن لا يدعوه!
الثّاني: أنّ هذا مستحيلٌ أن يكون إلهًا وأن يكون ربًّا، فلا بدَّ للإله المعبود والرَّبِّ المدبِّر من أن يعلم عابدَه ويعلم حالَه.
الثّالث: من إثبات رحمته، فإنّه يستحيل أن يرحم من لا يعلمه.
الرّابع: إثباتُ ملكه، فإنّ ملكًا لا يعرف أحدًا من رعيّته البتّة، ولا شيئًا من أحوال مملكته البتّة، ليس بملكٍ بوجهٍ من الوجوه.
الخامس: كونُه مستعانًا.
السّادس: كونُه مسؤولًا أن يهدي سائلَه ويجيبه.
السّابع: كونُه هاديًا.
الثّامن: كونُه منعِمًا.
التّاسع: كونُه غضبان
(1)
على من خالفه.
العاشر: كونه مُجازيًا يدين النّاسَ بأعمالهم يوم الدِّين.
فنفيُ علمه بالجزئيّات مبطلٌ لذلك كلِّه.
فصل
في بيانِ تضمُّنِها للرّدِّ على منكري النُّبوّات
وذلك من وجوهٍ:
أحدها: إثباتُ حمده التّامِّ، فإنّه يقتضي كمالَ حكمته، وأن لا يخلق
(1)
غيِّر في ل إلى "يغضب". وفي ج: "غضبانًا".
خلقَه عبثًا، ولا يتركهم سدًى لا يؤمرون ولا ينهون. ولذلك نزَّه نفسَه عن هذا في غير موضعٍ من كتابه، وأخبر أنَّ مَن أنكر الرِّسالة والنُّبوّة وأن يكون أنزَلَ
(1)
على بشرٍ من شيءٍ، فإنّه ما عرَفه حقَّ معرفته، ولا عظَّمه حقَّ عظمته، ولا قدَره حقَّ قدره؛ بل نسبَه إلى ما لا يليق به، ويأباه حمدُه ومجدُه.
فمَن أعطى الحمدَ حقَّه علمًا ومعرفةً وبصيرةً استنبطَ منه "أشهد أنّ محمّدًا رسولُ الله"، كما يستنبط منه "أشهد أن لا إله إلّا الله"، وعلِمَ قطعًا أنّ تعطيلَ النُّبوَّات في منافاته للحمد كتعطيل صفات
(2)
الكمال وكإثبات الشُّركاء والأنداد له
(3)
.
الثّاني: إثباتُ الإلهية
(4)
وكونِه إلهًا، فإنّ ذلك مستلزمٌ لكونه معبودًا مطاعًا. ولا سبيل إلى معرفة ما يُعبد به ويطاع إلّا من جهة رسله.
الثّالث
(5)
: كونُه ربًّا، فإنَّ الرُّبوبيَّةَ تقتضي أمرَ العباد ونهيَهم، وجزاءَ محسنهم بإحسانه ومسيئهم بإساءته. هذا حقيقة الرُّبوبيّة، وذلك لا يتمُّ إلّا بالرِّسالة والنُّبوّة.
الرّابع: كونُه رحمانًا رحيمًا، فإنَّ كمالَ رحمته أن يعرِّفَ عبادَه نفسَه وصفاتِه، ويدلَّهم على ما يقرِّبُهم إليه ويباعدُهم منه، ويثيبَهم على طاعته
(1)
ع: "ما أنزل". يعني: واعتقد أن يكون ....
(2)
لفظ "صفات" من ع وحدها.
(3)
"له" ساقط من ع.
(4)
ش: "الألوهية". وفي ع: "إلهيته".
(5)
ع: "والثالث".
ويجزيَهم بالحسنى. وذلك لا يتمُّ إلّا بالرِّسالة والنُّبوّة، فكانت رحمته مقتضيةً لها
(1)
.
الخامس: ملكُه، فإنَّ المُلْكَ يقتضي التّصرُّفَ بالقول، كما أنَّ المِلْكَ يقتضي التّصرُّفَ بالفعل. فالملِكُ: المتصرِّفُ بأمره وقوله، فتُنَفَّذ
(2)
أوامرُه ومراسيمُه حيث شاء. والمالك: المتصرِّفُ في ملكه بفعله. والله له المُلْكُ، وله المِلْكُ، فهو المتصرِّفُ في خلقه بالقول والفعل.
فتصرُّفهُ
(3)
بقوله نوعان: تصرُّفٌ بكلماته الكونيّة، وتصرُّفٌ بكلماته الدِّينيّة، وكمالُ المُلْكِ بهما. فإرسالُ الرُّسل موجَبُ كمالِ مُلكه وسلطانه. وهذا هو المُلك المعقول في فِطَر النّاس وعقولهم، فكلُّ مَلِكٍ لا تكون
(4)
له رسلٌ يبُثُّها في أقطار مملكته فليس بمَلكٍ.
وبهذه الطّريق يُعلَم
(5)
وجودُ ملائكته
(6)
، وأنَّ الإيمانَ بهم من لوازم الإيمان بمُلكه، فإنّهم رسلُ الله في خلقه وأمره.
السّادس: ثبوتُ يوم الدِّين، وهو يوم الجزاء الذي يدين الله فيه العباد بأعمالهم خيرًا وشرًّا. وهذا لا يكون إلّا بعد ثبوت الرِّسالة والنُّبوّة وقيام
(1)
الجملة "فكانت
…
لها" ساقطة من ش.
(2)
كذا ضبط في ش بضم التاء وفتح النون. وفي ج، ل:"فينفذ". وهو مهمل في ق، م.
(3)
ع: "وتصرُّفه".
(4)
أهمل حرف المضارع في ق، م. وفي غيرهما:"يكون". وقول المؤلف: "يبثُّها" يناسب ما أثبت.
(5)
ش: "يعرف".
(6)
ع: "الملائكة".
الحجّة التي بسببها يدان
(1)
المطيع والعاصي.
السّابع: كونُه معبودًا، فإنّه لا يُعبد إلّا بما يحبُّه ويرضاه، ولا سبيل للخلق إلى معرفة ذلك إلّا من جهة رسله. فإنكارُ رسله إنكارٌ لكونه معبودًا.
الثّامن: كونُه
(2)
هاديًا إلى الصِّراط المستقيم، وهو معرفة الحقِّ والعمل به. وهو أقربُ الطُّرق الموصِلة إلى المطلوب، فإنَّ الخطَّ المستقيمَ هو أقرب خطٍّ فاصلٍ
(3)
بين نقطتين. وذلك لا يُعلَم إلّا من جهة الرُّسل قطعًا، فتوقُّفه على الرُّسل ضروريٌّ، أعظم من توقُّف الطّريق الحسِّيِّ على سلامة الحواسّ.
التّاسع: كونُه منعِمًا على أهل الهداية إلى الصِّراط المستقيم، فإنّ إنعامه عليهم إنّما تمَّ بإرسال الرُّسل إليهم، وجعلِهم قابلين لرسالاته
(4)
، مستجيبين لدعوته. وبذلك ذكَّرهم مننَه
(5)
عليهم وإنعامه في كتابه.
العاشر: انقسامُ خلقه إلى منعَمٍ عليهم، ومغضوبٍ عليهم، وضالِّين. فإنّ
(1)
هكذا في ج، ع، وفي غيرهما "مدار"، فعدِّل في ل كما في ج، ع. وغيِّر "بسببها" في ش إلى "عليها"، وأشير إلى هذه النسخة في هامش م. أما الأصل فكان فيه:"سببها مدار"، فغيِّر "مدار" إلى "إنذار"، والمفترض أن يكون هذا الإصلاح صادرًا عن قراءة النسخة على المصنِّف، ولكن لم يتجه معناه.
(2)
ش: "من كونه".
(3)
كذا في الأصل وغيره هنا وفيما سبق (ص 15) والصواب: "واصل". وفي نشرة الفقي: "موصل".
(4)
ع: "لرسالته".
(5)
م، ش:"منته". وفي ج: "منه".
هذا الانقسام ضروريٌّ بحسب انقسامهم في معرفة الحقِّ والعمل به إلى عالمٍ به عاملٍ بموجَبه وهم أهل النِّعمة، وعالمٍ به معاندٍ له وهم أهل الغضب، وجاهلٍ به وهم الضّالُّون. وهذا الانقسام
(1)
إنّما نشأ بعد إرسال الرُّسل، فلولا الرُّسلُ لكانوا أمّةً واحدةً. فانقسامُهم إلى هذه الأقسام مستحيلٌ بدون الرِّسالة، وهذا الانقسام ضروريٌّ بحسب الواقع، فالرِّسالةُ ضروريّةٌ.
وقد تبيَّن لك بهذه الطّريق وبالتي قبلها تضمُّنُها
(2)
للرّدِّ على من أنكر المعاد الجسمانيّ وقيامة الأبدان، وعرفتَ اقتضاءها ضرورةً لثبوت الثّواب والعقاب والأمر والنّهي. وهو الحقُّ الذي خُلِقت به وله السّماوات والأرض والدُّنيا والآخرة، وهو مقتضى الخلق والأمر، ونفيُه نفيٌ لهما.
فصل
وإذا
(3)
ثبتت النُّبوّات والرِّسالة ثبتت صفة التّكلُّم والتّكليم. فإنَّ حقيقة الرِّسالة تبليغ كلام المرسل، فإذا لم يكن ثَمَّ
(4)
كلامٌ فماذا يبلِّغ الرّسول! بل كيف يُعقَل كونُه رسولًا! ولهذا قال غير واحدٍ من السّلف: من أنكر أن يكون الله متكلِّمًا وأن يكون القرآن كلامه، فقد أنكر رسالة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، بل ورسالةَ جميعِ الرُّسل التي حقيقتُها تبليغُ كلام الرَّبِّ تبارك وتعالى
(5)
. ولهذا قال منكرو رسالته صلى الله عليه وسلم عن القرآن: {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ البَشَرِ}
(1)
العبارة: "ضروري
…
الانقسام" ساقطة من ش لانتقال النظر.
(2)
ع: "بيان تضمنها"، وهو خطأ.
(3)
ع: "إذا" دون الواو قبلها.
(4)
ع: "ثمة".
(5)
تقدَّم في (ص 40).
[المدثر: 24]. وإنّما عنَوا القرآنَ المسموعَ الذي بُلِّغوه وأُنذِروا به. فمن قال: إنّ الله لم يتكلَّم به، فقد ضاهى قولُه قولَهم، تعالى الله عمّا يقول الظّالمون علوًّا كبيرًا.
فصل
في بيان تضمُّنها للرّدِّ على من قال بقِدَم العالم
وذلك من وجوهٍ:
أحدها: إثبات حمده. فإنّه يقتضي ثبوت أفعاله لاسيَّما وعامَّةُ موارد الحمد في القرآن أو كلُّها إنّما هي على الأفعال. وكذلك هو هاهنا، فإنّه حمِد نفسَه على ربوبيّته المتضمِّنة لأفعاله الاختياريّة. ومن المستحيل مقارنة الفعل لفاعله. هذا ممتنعٌ في كلِّ عقلٍ سليمٍ وفطرةٍ مستقيمةٍ، فالفعل متأخِّرٌ عن فاعله بالضَّرورة. وأيضًا فإنّه متعلَّق الإرادة والتّأثير والقدرة، ولا يكون متعلَّقها قديمًا البتّة.
الثّاني: إثباتُ ربوبيّته للعالمين. وتقريره ما ذكرنا
(1)
. والعالَمُ كلُّ ما سواه، فثبت أنَّ كلَّ ما سواه مربوبٌ، والمربوبُ مخلوقٌ بالضّرورة، وكلُّ مخلوقٍ حادثٌ بعد أن لم يكن. فإذن ربوبيّتُه تعالى لكلِّ ما سواه تستلزم تقدُّمَه عليه، وحدوثَ المربوب. ولا يتصوَّر أن يكون العالم قديمًا وهو مربوبٌ أبدًا، فإنَّ القديمَ مستغنٍ بأزليّته عن فاعلٍ له. وكلُّ مربوبٍ فهو فقيرٌ بالذّات، فلا شيء من المربوب بغنيٍّ ولا قديم.
الثّالث: إثبات توحيده. فإنّه يقتضي عدم مشاركة شيءٍ من العالم له في
(1)
ع: "ذكرناه".
خصائص الرُّبوبيّة، والقِدَمُ من خصائص الرُّبوبيّة، فالتّوحيد ينفي ثبوته لغيره ضرورةً، كما ينفي ثبوت الرُّبوبيّة
(1)
والإلهيّة لغيره
(2)
.
فصل
في بيان تضمُّنها للرّدِّ على الرّافضة
وذلك من قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها. ووجهُ تضمُّنِه إبطالَ قولهم: أنّه سبحانه قسم النّاسَ إلى ثلاثة أقسامٍ: منعَمٌ عليهم، وهم أهل الصِّراط المستقيم الذين عرفوا الحقَّ واتّبَعوه. ومغضوبٌ عليهم، وهم الذين عرفوا الحقّ ورفضوه. وضالُّون، وهم الذين أخطؤوه وجهلوه.
فكلُّ من كان أعرفَ بالحقِّ وأتبعَ له كان أولى بالصِّراط المستقيم. ولا ريب أنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
أولى بهذه الصِّفة من الرّوافض، فإنّه من المحال أن يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جهلوا الحقَّ وعرفه الرّوافضُ، أو رفضوه وتمسَّك به الرّوافض.
ثمّ إنّا رأينا آثار الفريقين تدلُّ على أهل الحقِّ منهما، فرأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا بلاد الكفر وأقاموها
(4)
بلاد إسلامٍ، وفتحوا القلوب بالقرآن والعلم
(5)
والهدى، فآثارُهم تدلُّ على أنّهم هم أهل الصِّراط
(1)
العبارة "والقدم
…
الربوبية" من ع وحدها، وهي ساقطة من غيرها ــ ومنها ق المقروءة على المؤلف! ــ لانتقال نظر ناسخ أصلها.
(2)
فوقها في ل علامة الاستشكال وذلك لما سقط من النص.
(3)
في ع بعده زيادة: "ورضي عنهم".
(4)
ع: "وقلبوها".
(5)
"والعلم" ساقط من ش.
المستقيم. ورأينا الرّافضةَ بالعكس في كلِّ زمانٍ
(1)
، فإنّه قطُّ ما قام للمسلمين عدوٌّ من غيرهم إلّا كانوا أعوانهم على الإسلام. وكم جرُّوا على الإسلام وأهله من بليّةٍ! وهل عاثت سيوفُ المشركين عُبَّادِ الأصنام من عسكر هُلاكو
(2)
أو ذويه إلّا من تحت رؤوسهم! وهل عُطِّلت المساجد، وحُرِّقت المصاحف، وقُتِلت سَرَواتُ المسلمين وعلماؤهم وعُبّادهم وخليفتهم إلّا بسببهم ومن جَرَّائهم! ومظاهرتهم للمشركين والنّصارى معلومةٌ عند الخاصّة والعامّة. وآثارهم في الدِّين معلومةٌ. فأيُّ الفريقين أحقُّ بالصِّراط المستقيم! وأيُّهم أحقُّ بالغضب والضّلال!
(3)
.
ولهذا فسَّر السَّلفُ الصِّراط المستقيم وأهله بأبي بكرٍ وعمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو كما فسَّروه، فإنّه صراطهم الذي كانوا عليه، وهو عينُ صراط نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، وهم الذين أنعم الله عليهم، وغضب على أعدائهم وحكم لهم بالضّلال.
قال أبو العالية رُفَيعٌ
(4)
الرِّياحيُّ والحسن البصريُّ رضي الله عنهما وهما من أجلِّ التابعين: الصِّراط المستقيم: رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه
(5)
.
(1)
في ع بعده زيادة: "ومكان".
(2)
رسمه في ش: "هولاكو".
(3)
في ع بعده زيادة: "إن كنتم تعلمون".
(4)
ما عدا م، ش، ع:"ربيع"، تصحيف.
(5)
أخرجه الطبري في "تفسيره"(1/ 175) وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 30، 3/ 721، 997، 4/ 1287، 1337). وفيه أنه لما ذُكِر ذلك للحسن قال: "صدق أبو العالية ونصح". وأخرجه الحاكم (2/ 259) عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما من قوله.
وقال أبو العالية أيضًا في قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} : هم آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما
(1)
. وهذا حقٌّ، فإنّ آله وأبا بكرٍ وعمر على طريقٍ واحدةٍ، ولا خلاف بينهم. وموالاةُ بعضهم بعضًا، وثناؤه عليه
(2)
، ومحاربةُ من حاربه، ومسالمةُ من سالمه= معلومةٌ عند الأمّة خاصِّها وعامِّها.
وقال زيد بن أسلم: الذين أنعم عليهم هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما
(3)
. ولا ريب أنّ المنعَم عليهم هم أتباعه، والمغضوب عليهم هم الخارجون عن اتِّباعه. وأتبَعُ الأمّة له وأطوَعُهم أصحابه وأهل بيته، وأتبَعُ الصّحابةِ له السَّمع والبصَر: أبو بكرٍ وعمر. وأشدُّ الأمّة مخالفةً له هم الرّافضة، فخلافُهم له معلومٌ عند جميع فِرَق الأمّة. ولهذا يُبغضون السُّنّة وأهلها، ويعادونها ويعادون أهلها. فهم أعداءُ سنّتِه وأهلِ بيته وأصحابه بالذات. فميراثُهم من أمَّتَي الغضب والضلال أتمُّ ميراث. وميراثُ أصحابه وأهل بيته
(4)
وأتباعهم من نبيِّهم أكملُ ميراث، بل هم ورثته حقًّا.
فقد تبيَّن أنّ الصِّراط المستقيم طريق أصحابه وأتباعه، وطريقُ أهل الغضب والضّلال طريقُ الرّافضة.
وبهذه الطّريق بعينها يُرَدُّ على الخوارج، فإنَّ معاداتَهم للصَّحابة معروفةٌ.
(1)
هو الأثر السابق نفسه.
(2)
ش: "عليهم"، وكذا غيِّر في م، وهو خطأ.
(3)
لم أقف عليه.
(4)
العبارة "وأصحابه بالذات
…
وأهل بيته" ساقطة من ع لانتقال النظر.