المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فصل وأمّا الفسوق، فهو في كتاب الله نوعان: مفردٌ مطلقٌ، ومقرونٌ - مدارج السالكين - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌تحرير عنوان الكتاب

- ‌توثيق نسبة الكتاب للمؤلف

- ‌تاريخ تأليفه

- ‌موضوع الكتاب وترتيب مباحثه

- ‌منهج المؤلف فيه

- ‌«منازل السائرين» وشروحه

- ‌مقارنة الكتاب بأهم شروح «المنازل»

- ‌تعقبات ابن القيم على الهروي

- ‌موارد الكتاب

- ‌أثره في الكتب اللاحقة

- ‌مختصرات ودراسات عن الكتاب

- ‌نسخ الكتاب الخطية

- ‌طبعات الكتاب

- ‌منهج التحقيق

- ‌نماذج من النسخ الخطية

- ‌ مراتب الهداية الخاصّة والعامّة

- ‌المرتبة الثّالثة: إرسال الرّسول الملكيِّ إلى الرّسول البشريِّ

- ‌المرتبة الرّابعة: مرتبة المحدَّث

- ‌المرتبة السابعة: البيان الخاصُّ

- ‌العبادة تجمع أصلين:

- ‌الاستعانة تجمع أصلين:

- ‌ نفاة الحِكَم والتّعليل

- ‌ القدريّة النفاة

- ‌ لزوم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لكلِّ عبد إلى الموت

- ‌ انقسام العبوديّة إلى عامّةٍ وخاصّةٍ

- ‌رحى العبوديّة تدور على خمس عشرة قاعدةً

- ‌ عبوديّات اللِّسان

- ‌فصلفلنرجع إلى ذكر منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} التي لا يكون العبدُ من أهلها حتّى ينزل منازلها

- ‌ منزلة المحاسبة

- ‌منزلة التّوبة

- ‌ الفرحُ بالمعصية

- ‌ المجاهرةُ بالذّنب

- ‌شرائطُ التَّوبة

- ‌حقائق التّوبة

- ‌دفعُ القدر بالقدر نوعان:

- ‌سرائرُ حقيقة التّوبة

- ‌ التَّوبة من التَّوبة

- ‌لطائف أسرار التّوبة

- ‌النّاس في الأسباب والقوى والطّبائع ثلاثة أقسامٍ:

- ‌توبةُ الأوساط من استقلال المعصية

- ‌توبةُ الخواصِّ من تضييع الوقت

- ‌ المبادرةُ إلى التَّوبة من الذَّنب فرضٌ على الفور

- ‌هل تصحُّ التّوبة من ذنبٍ مع الإصرار على غيره

- ‌ حقيقةَ التّوبة:

- ‌ التَّوبة النَّصوح وحقيقتها

- ‌ الفرق بين تكفير السّيِّئات ومغفرة الذُّنوب

- ‌التّوبةُ لها مبدأٌ ومنتهًى

- ‌ الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌الْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ

- ‌فسقُ العمل

- ‌فسقُ الاعتقاد:

- ‌ توبة المنافق

- ‌ توبةَ القاذف

- ‌ توبة السَّارق

- ‌ الإثم والعدوان

- ‌ الفحشاء والمنكر

- ‌ القول على الله بلا علمٍ

الفصل: فصل وأمّا الفسوق، فهو في كتاب الله نوعان: مفردٌ مطلقٌ، ومقرونٌ

فصل

وأمّا الفسوق، فهو في كتاب الله نوعان: مفردٌ مطلقٌ، ومقرونٌ بالعصيان.

والمفرد نوعان أيضًا: فسوقُ كفرٍ يُخرج عن الإسلام، وفسوقٌ لا يُخرج عن الإسلام.

فالمقرونُ كقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ‌

‌الْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ

أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].

والمفردُ الذي هو فسوقُ كفرٍ، كقوله تعالى:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ} [البقرة: 26 - 27]، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99]، وقوله:{فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} [السجدة: 20]، فهذا كلُّه فسوقُ كفرٍ.

وأمَّا الفسوقُ الذي لا يُخرج عن الإسلام، فكقوله تعالى:{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} [البقرة: 282]، وقوله

ص: 553

تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، فإنَّ هذه الآية نزلت في الوليد بن عُقبة بن أبي مُعَيطٍ لمَّا بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلِق بعد الوقعة مصدِّقًا، وكان بينه وبينهم عداوةٌ في الجاهليّة، فلمَّا سمع به القومُ تلقَّوه تعظيمًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدَّثه الشَّيطانُ أنّهم يريدون قتله، فهابهم، فرجع من الطَّريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّ بني المصطلق منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي. فغضب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهمَّ أن يغزوَهم. فبلغ القومَ رجوعُه، فأتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، سمعنا برسولك، فخرجنا نتلقَّاه ونكرمُه، ونؤدِّي إليه ما قِبَلَنا من حقِّ الله، فبدا له في الرُّجوع، فخشينا أنَّه إنَّما ردَّه من الطَّريق كتابٌ جاءه منك لغضبٍ غضبتَه علينا، وإنَّا نعوذُ بالله من غضبه وغضب رسوله. فاتَّهمهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وبعث خالدَ بنَ الوليد خُفْيةً في عسكرٍ، وأمَره أن يخفي عليهم قدومَه، وقال له:"انظر، فإن رأيتَ منهم ما يدلُّ على إيمانهم فخُذْ منهم زكاةَ أموالهم، وإن لم ترَ ذلك فاستعمِلْ فيهم ما تستعمِلُ في الكفَّار". ففعل ذلك خالدٌ، ووافاهم، فسمع منهم أذانَ صلاتَي المغرب والعشاء، فأخذ منهم صدقاتهم، ولم ير منهم إلّا الطَّاعةَ والخيرَ. وانصرف

(1)

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره

(2)

الخبر، فنزلت

(3)

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ

(1)

ع: "فرجع".

(2)

ج، ش:"فأخبره" ..

(3)

ل، ع:"نزل"، وكذا كان في الأصل ثم أصلح.

ص: 554

نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]

(1)

. والنَّبأ هو: الخبر الغائب عن المخبِر إذا كان له شأنٌ. والتَّبيُّن: طلبُ بيان حقيقته والإحاطة بها علمًا.

وهاهنا فائدةٌ لطيفةٌ، وهي أنّه سبحانه لم يأمر بردِّ خبر الفاسق وتكذيبه وشهادته جملةً، وإنّما أمَرَ

(2)

بالتَّبيُّن. فإن قامت قرائنُ وأدلّةٌ من خارجٍ تدلُّ

(3)

على صدقه عُمِل بدليل الصِّدق، ولو أخبر به مَن أخبر. فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته. وكثيرٌ من الفاسقين يصدُقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم، بل كثيرٌ منهم يتحرَّى الصِّدقَ غايةَ التَّحرِّي، وفسقُه من جهاتٍ أُخَر، فمثلُ هذا لا يُرَدُّ خبرُه ولا شهادتُه. ولو رُدَّتْ شهادةُ مثل هذا وروايته لتعطَّلت أكثَرُ الحقوق، وبطلت كثيرٌ من الأخبار الصَّحيحة، ولاسيَّما مَن فسقُه من جهة الاعتقاد والرّأي، وهو متحرٍّ للصِّدق، فهذا لا يُرَدُّ خبرُه ولا شهادتُه.

وأمّا مَن فسقُه من جهة الكذب، فإن كثُر منه وتكرَّر بحيث يغلب كذبُه على صدقه، فهذا لا يُقبَل خبرُه ولا شهادتُه. وإن ندَر منه مرّةً ومرَّتين، ففي ردِّ شهادته وخبره بذلك قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله

(4)

.

(1)

"تفسير البغوي"(7/ 339). وذكره بهذا اللفظ الثعلبي في "الكشف والبيان"(9/ 77) والواحدي في "البسيط"(20/ 348 - 349) وفي "أسباب النزول"(ص 618 - دار الميمان) ومن تبعهما كالبغوي (7/ 339) وغيره. وقد روي نحوه عن أم سلمة وابن عباس ومجاهد وقتادة وعكرمة والحسن وغيرهم. انظر: "تفسير الطبري"(21/ 348 - 353) و"الدر المنثور"(13/ 540 - 547) و"السلسلة الصحيحة"(3088).

(2)

ش: "المراد".

(3)

"تدل" ساقط من ش.

(4)

انظر: "الروايتين"(3/ 926) و"الكفاية" للخطيب (ص 190) و"المحرر" للمجد (2/ 248).

ص: 555