الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقارنة الكتاب بأهم شروح «المنازل»
لقي كتاب منازل السائرين قبولًا كبيرًا في حلقات الصوفية، فأقبلوا على دراسته وشرحه والتعليق عليه ونظمه واختصاره، وقد أربى عدد شروحه على ثمانية وعشرين شرحًا كما سبق، وقد وقفنا على ثمانية شروح منها، ولكن كان رجوعنا إلى شرح التلمساني أكثر من غيره لاعتماد المؤلف عليه في نقل المتن، واستفادته منه في الشرح أيضًا مع نقد انحرافاته.
وقد تقدم أن كتابنا هذا ليس شرحًا كالشروح، فلم يلتفت المؤلف فيه إلى كتاب «المنازل» إلا بعد نحو 170 صفحة من الكتاب حينما عقد فصلًا في «منازل (إياك نعبد) التي ينتقل فيها القلب منزلةً منزلةً في حال سيره إلى الله تعالى» ، وأراد أن يذكر فيه «أمرًا مختصرًا جامعًا نافعًا» ، واستهلَّ الحديث عن أول منازل العبودية: اليقظة، ثم أشار (1/ 173) إلى الفكرة والبصيرة والقصد والعزم على أنها منازل مرتبة، تفضي كل منزلة منها إلى ما بعدها، ثم بعد شيء من الاستطراد انتقل إلى منزلة المحاسبة التي يُشرف منها العبد على منزلة التوبة، فشرَح كلام الهروي على المنزلتين، وأفاض القول في منزلة التوبة إفاضة زادت على 380 صفحة! ثم تكلم على منزلة الإنابة ثم التذكّر، ومن هنا شرح المنازل إلى آخر كتاب الهروي على ترتيبه. ويلاحظ على هذا:
أولًا: أن ابن القيم أغفل مقدمة كتاب الهروي، فلم يشرحها البتة.
وثانيا: خالفه في ترتيب المنازل المذكورة. ولبيان الخلاف بين الترتيبين نضع لك بين قوسين رقم كل منها عند الهروي: اليقظة (1)، الفكرة (5)،
البصيرة (54)، القصد، العزم (41، 42)، المحاسبة (3)، التوبة (2)، الإنابة (4)، التذكر (6)، ومن هنا شرح المنازل إلى آخر كتاب الهروي على ترتيبه.
وثالثًا: حجم الكلام على المنازل، فشرحُ منزلة التوبة وحدها أصبح كما رأيت في حجم كتاب مستقل. ثم منهج المؤلف في الكلام على المنازل استنادًا إلى الكتاب والسنة، والتنبيه على مزالق الصوفية وغيرهم، والغوص على دقائق الأمور والإبانة عنها مع التفصيل والاستطراد إلى مسائل أخرى مهمة. فهل ترى شرحًا من شروح «منازل السائرين» يمكن أن يضارِعَه أو يقاربَه في ذلك حتى يمكن مقارنته به!
الحقيقة أنه لا وجه للمقارنة بين كتابنا والشروح الأخرى، حتى في المنازل التي لم يتوسع المؤلف في الكلام عليها. ونختار هنا منزلة واحدة لنستعرض نماذج منها ونقارن تفسيرها بما ورد في الشروح الأربعة الآتية:
1 -
شرح عبد المعطي اللخمي الإسكندري المتوفى بعد سنة 638.
2 -
شرح عفيف الدين التلمساني (ت 690).
3 -
شرح عبد الرزاق القاساني (أو الكاشاني) المتوفى سنة 730.
4 -
شرح محمود بن حسن الفركاوي القادري (آخر القرن الثامن).
وأردنا أن نضمَّ إليها شرحًا خامسًا، وهو شرح زين الدين المناوي (ت 1031)، ولكنه مختصر من شرح التلمساني، فصرفنا النظر عنه. والقاساني أيضًا اعتمد على شرح التلمساني ولكنه ليس تلخيصًا. أما الفركاوي فقد صرح بأنه لم يستفد في شرحه من كتاب، وإنما كان شرحه فتوحًا، والإيجاز والإطناب حسب الوقت والطاقة! وقلما نجد في الشروح
المذكورة نقدًا لأقوال الهروي إلا في شرح الإسكندري، وهو أقدم الشروح المذكورة وأحسنها مع وجازته.
قد استغرقت منزلة الصدق في طبعتنا نحو 30 صفحة. وافتتحها ابن القيم على منهجه بكلام مستقل على الصدق ومنزلته وأهميته مستشهدًا بآيات القرآن الكريم، وذكر الصدق في الأقوال والأعمال والأحوال، ثم فسر خمسة أمور ذكرت في القرآن الكريم: مدخل الصدق، ومخرج الصدق، ولسان الصدق، وقدم الصدق، ومقعد الصدق. وتطرّق بعد ذلك إلى بعض علامات الصدق. ثم عقد فصلا في «كلمات في حقيقة الصدق» نقل فيها أقوال المشايخ في الصدق من «رسالة القشيري» مع شرح ما أشكل منها كقول الجنيد:«الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة، والمُرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة» ، شرحه في نحو ثلاث صفحات. وهكذا لما استدلَّ بعضهم على قوله:«الصادق: الذي يتهيأ له أن يموت ولا يستحيي من سرّه لو كشف» بقوله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ذكر الأقوال في تفسير الآية وما هو المختار عنده. وبعد هذا الكلام المستقل على منزلة الصدق، الذي استغرق نحو 15 صفحة، توجه إلى كلام الهروي على منزلة الصدق، فشرحه أيضا في 15 صفحة.
فإذا رجعنا إلى الشروح الأخرى وجدنا تفسير هذه المنزلة في شرح الإسكندري في صفحتين ونصف صفحة (89 - 92)، وفي شرح الفركاوي في أقل من صفحتين (57 - 58)، وفي شرح التلمساني في ستّ صفحات (241 - 246)، وفي شرح القاساني نحوها (221 - 227).
ولننظرالآن في فقرات من كلام الهروي على هذه المنزلة كيف فسِّرت في الشروح المذكورة، ثم كيف تكلم عليها ابن القيم.
(1)
استهل الهروي منزلة الصدق بقول الله عز وجل: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا} [محمد: 21] ثم عرَّف الصدق بقوله: (الصدق اسم لحقيقة الشيء بعينه حصولًا ووجودًا).
وقال الفركاوي في شرحه: «الصدق حالة في العبد حاملة على إيقاع الفعل على وجهه مع الجد وعدم الفتور. وفي اللسان إخبار عما في القلب، وهو الإخبار عن الشيء على ما هو عليه. ويكون في النية والأفعال» .
هذا الكلام كما ترى مأخوذ من شرح الإسكندري وتلخيص لكلامه، مع أنه زعم أنه لم يستفد في شرحه من كتب أخرى.
ثم أضاف قائلا: «وقيل: الصدق: شدة وصلابة في الدين. والعزة لله من
أحواله. ولصاحبه المتحقق به الفعل بالهمة، وهو قوة الإيمان. والصادق اسم الله تعالى، ولهذا سألهم عن صدقهم: هل هو النعت الإلهي أم لا. فإن كان صدقًا فعلامته أن لا يغلبهم شيء ولا يقاومهم في حال صدقهم، فيكون الله كما كان سمعهم وبصرهم. وإن لم يكن بهذه المثابة فلا حقيقة لهم».
لم يفسّر الشارحان السابقان الآية التي افتتح بها الهروي منزلة الصدق، ولكن التلمساني قال بعد نقل الآية وتعريف الصدق:«فإذا عزم الأمرُ تحقَّق، فلو صدقوا الله في العزيمة على ما أمرهم به لكان خيرا لهم» .
ثم تكلم على تعريف الصدق بقوله: «الشيخ رضي الله عنه لما رأى أن الصادق في الإخبار عن حاله هو الذي تمَّ له حصولُ الأمر ووجودُه جعل الصدقَ اسمًا لحصول الشيء بعينه ووجوده لما بينهما من القرب، وإلا فالصدقُ على معنيين: صدق في الخبر، وهو الذي ضدُّه الكذب. وصدقٌ هو تمام قوة الشيء كما تقول: رمحٌ صَدقُ الكعوب، أي صلب قوي، أو غير ذلك» .
لاحَظَ التلمساني تسامح الهروي في تعريف الصدق، فوجَّهه أولا، ثم ذكر معنيين للصدق: ضد الكذب، وتمام قوة الشيء.
أما القاساني فنقل أولًا كلام التلمساني على الآية بنصه، ثم قال: «أصل الصدق هو الإخبار المطابق للواقع. ثم لما كان الصدق ينبئ عن حقيقة الشيء على ما أُخبر عنه وجودا نُقِل إلى كل حقيقة تمَّ لها كلُّ ما لها بالقوة، أي حصل لها وتحقَّق كلُّ ما هي به هي من الكمالات التي أمكنت لها، كأن آثارها وأحوالها تخبر أن كل ما ينبغي لها حتى يكون تلك الحقيقة بعينها حصل لها بالفعل، وهي صادقة. يقال: رمح صدوق (كذا) أي صلب قوي،
يعني حصل له كل ما أمكن له حتى يكون رمحا بالحقيقة».
كلام القاساني مبني كما ترى على شرح التلمساني، غير أنه ربط بين المعنيين.
أما ابن القيم فلم ينقل هنا الآية التي افتتح الهروي بها هذه المنزلة لأنه قد سبق أن استشهد بها في كلامه المستقل على الصدق، بل تكلم على تعريفه للصدق فقال:«الصِّدق هو حصول الشيء وتمامه، وكمال قوَّته واجتماع أجزائه، كما يقال: عزيمةٌ صادقةٌ، إذا كانت قويَّةً تامَّةً، وكذلك: محبَّةٌ صادقةٌ، وإرادةٌ صادقةٌ. وكذلك قولهم: حلاوة صادقة، إذا كانت قويَّةً تامَّةً ثابتة الحقيقة، لم ينقص منها شيء. ومن هذا أيضًا: صدقُ الخبر، لأنَّه وجود المخبَر بتمام حقيقته في ذهن السامع. فالتمام والوجود نوعان: خارجيٌّ وذهنيٌّ، فإذا أخبرت المخاطَب بخبرٍ صادقٍ حصلت له حقيقة المخبَر بكماله وتمامه في ذهنه. ومن هذا: وصفهم الرُّمح بأنّه صَدْق الكعوبِ إذا كانت كعوبه صلبةً قويَّةً ممتلئةً» .
هذا الكلام أيضا ناظرٌ إلى شرح التلمساني، ولكن ابن القيم ربط بين المعنيين اللذين ذكرهما التلمساني، واشتقّ المعنى الثاني من المعنى الأول، على العكس مما فعله القاساني. ويلاحظ أن ابن القيم لم يعلّق تعليقًا مباشرًا على كلام الهروي.
(2)
ثم ذكر الهروي ثلاث درجات لمنزلة الصدق، فقال:(الدرجة الأولى: صدق القصد، وبه يصح الدخول في هذا الشأن، ويتلافى به كلُّ تفريطٍ، ويتدارك كلُّ فائتٍ، ويعمر كلُّ خرابٍ. وعلامة هذا الصادق: أن لا يحتمل داعيةً تدعو إلى نقض عهدٍ، ولا يصبر على صحبة ضدٍّ، ولا يقعد عن الجدِّ بحال).
شرح الإسكندري هذه الدرجة كاملة في نحو خمسة أسطر، فقال: «وأول عامل من المريد قلبه، ويتمّ عمله بصحة قصده وقوة عزمه. ومتى قوي عزمه لم يقبل خواطر الكسل والفتور
…
». فلم ير الإسكندري حاجة إلى شرح (صدق القصد) في كلام الهروي.
وشرحها التلمساني فقال: «يعني بصحة القصد أن يكون في القلب داعية إلى السلوك، وميل شديد يقهر السّرَّ على صحة التوجه. وبالجملة فالقصد هو النية والطلب الذي لا يمازجه رياء بوجه من الوجوه» .
أغفل الفركاوي شرح الدرجة الأولى بكاملها.
القاساني وابن القيم كلاهما صادران - كما ترى -عن شرح التلمساني، غير أن لفظ ابن القيم هنا أقرب إلى مصدره.
(3)
الدرجة الثانية من المنزلة: (أن لا يتمنَّى الحياة إلا للحقِّ، ولا يشهد من نفسه إلا أثر النُّقصان، ولا يلتفت إلى ترفيه الرُّخص). ويهمنا هنا شرح الجملة الأخيرة.
التلمساني: «يعني أنه لم يبق فيه داعية لحظٍّ من حظوظ النفس، فهو لا يرى أن يرفّه نفسه عن الخدمة، فلا جرم هو لا يأخذ بالرخص» .
الفركاوي: «لا يقبل من نفسه خواطر الرخص (كذا، لعل الصواب: الترخُّص أو الترفيه) بالرخص» .
ابن القيم: «وأمَّا قوله: (ولا يلتفت إلى ترفيه الرُّخص)، فلأنَّه لكمال صدقه، وقوَّة إرادته، وطلبه للتقدُّم، يحمل نفسه على العزائم، ولا يلتفت إلى الرفاهية التي في الرُّخص. وهذا لا بدَّ فيه من التفصيل، فإنَّ الصادق يعمل على رضا الحقِّ تعالى ومحابِّه، فإذا كانت الرُّخص أحبَّ إليه من العزائم كان التفاته إلى ترفُّهها، هو عين صدقه. فإذا أفطر في السفر، وقصر وجمع بين الصلاتين عند الحاجة إليه، وخفَّف الصلاة عند الشُّغل، ونحو ذلك من الرُّخص التي يحبُّ الله تعالى أن يؤخذ بها= فهذه: الالتفاتُ إلى ترفيهها لا ينافي الصِّدق. بل هاهنا نكتة، وهي أنَّه فرقٌ بين أن يكون التفاته إليها ترفُّهًا وراحةً، وأن يكون متابعةً وموافقةً، ومع هذا فالالتفات إليها ترفُّهًا وراحةً لا ينافي الصِّدق، فإنَّ هذا هو المقصود منها. وفيه شهود نعمة الله على العبد،
وتعبُّدٌ باسمه البَرِّ اللطيفِ المحسنِ الرفيقِ، فإنَّه رفيقٌ يحبُّ الرِّفق، وفي «الصحيح»:«ما خيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا» ؛ لِما فيه من روح التعبُّد باسم الرفيق اللطيف، وإجمام القلب به لعبوديَّةٍ أخرى، فإنَّ القلب لا يزال يتنقَّل في منازل العبوديَّة، فإذا أخذ بترفيه رخصةِ محبوبه استعدَّ بها لعبوديَّةٍ أخرى. وقد تقطعه عزيمتُها عن عبوديَّةٍ هي أحبُّ إلى الله منها، كالصائم في السفر الذي ينقطع عن خدمة أصحابه، والمفطر الذي يضرب الأبنية، ويسقي الرِّكاب، ويضمُّ المتاع؛ ولهذا قال فيهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«ذهب المفطرون اليوم بالأجر» . وأمَّا الرُّخص التأويليَّة المستندةُ إلى اختلاف المذاهب والآراء التي تصيب وتخطئ، فالأخذ بها عندهم عين البطالة ومنافٍ للصِّدق».
قلنا: أما الفركاوي فلم يفعل شيئًا، قابل جملة الهروي بجملة أخذها من كلام الإسكندري. وكان الإسكندري موفقًا إذ فطن لما قد يذهب على السالك في فهم كلام الهروي، فنبَّه على أن لا يمتنع من الرخص التي شرعت لطفًا بالعباد كالفطر والقصر في السفر. وقد خلا كلام التلمساني - وتابعه القاساني- من هذا التنبيه. أما ابن القيم فقد فصَّل ما أوجزه الإسكندري، وذكر أن الرخص المشروعة لا تنافي الصدق أبدًا، وبيَّن ما فيها من الحكم والفوائد للسالك مستدلًّا بكلام النبي صلى الله عليه وسلم. ولم ينس أن يشير إلى أن الرخص الراجعة إلى اختلاف المذاهب الفقهية أمرُها مختلفٌ، والأخذ بها منافٍ للصدق.
(4)
الدرجة الثالثة من مدارج منزلة الصدق عند الهروي: (الصِّدق في معرفة الصِّدق. فإنّ الصِّدق لا يستقيم في علم أهل الخصوص إلَّا على حرفٍ
واحدٍ، وهو أن يتَّفق رضا الحقِّ بعمل العبد أو حاله أو وقته، وإيقانِ العبد وقصدِه؛ فيكون العبد راضيًا مرضيًّا، فأعماله إذًا مرضيَّة، وأحواله صادقة، وقصوده مستقيمة. وإن كان العبد كُسي ثوبًا مُعارًا، فأحسن أعماله ذنبٌ، وأصدق أحواله زورٌ، وأصفى قصوده قعود).
لم يخرج القاساني من شرح التلمساني فلا داعي لحكاية كلامه، والفركاوي لم يشرح هذه الجملة البتة. وقد حرصنا على نقل شرح الإسكندري بتمامه، لأنه مختلف عن شرح التلمساني لقول الهروي: (وإن
كان العبد كُسي ثوبا معارا
…
) إلخ، ولم يقف عليه ابن القيم. وقد أطال التلمساني في شرحه مع افتراض إيرادات على كلامه ثم الرد عليها.
وقد فسَّر ابن القيم كلام الهروي على وجهين:
ولكنه عقّب عليه بأنه معنًى صحيح غير أنه لا يظنه مقصود الشيخ، وإنما قصد معنًى آخر، وهو:«أنَّه متى تيقَّن العبد أنَّ وجوده ثوبٌ معارٌ ليس منه، فإنه ليس به ولا له، وإنَّما إيجاده وصفاته وإرادته وقدرته وأعماله عاريةٌ من الفعَّال وحده، والعبد ليس له من ذاته إلَّا العدم، فوجوده وحياته ثوبٌ أُعيرَه. فمتى نظر بعين الحقيقة إلى كسوته رأى أحسن أعماله ذنوبًا في هذا المقام، وأصدق أحواله زورًا، وأصفى قصوده قعودًا. فلا يرى لنفسه عملًا، ولا حالًا ولا قصدًا، فإنّه ليس له من نفسه إلَّا الجهل والظُّلم، فكلُّ ما من نفسه فهو ذنب وزور وقعود، وما كان مرضيًّا فهو بالله ومن الله ولله، لا بالنفس ولا منها ولا لها، فإنَّ العبد إذا رأى أنَّه قد فعل الطاعة كان رؤيته لذلك ذنبًا، فإنَّه نسب الفعل إليه، والله في الحقيقة هو المتفرِّد بالفعل. فعلى هذا لا يتخلَّص العبد من الذنب قطُّ، فإنَّه إذا خلَّص فعله من الرِّياء ومن كلِّ شيءٍ يفسده اقترن به آخَرُ لا يمكنه الخلاص منه، وهو اعتقاده أنَّه هو الفاعل» .
هذا المعنى الثاني الذي ظنَّ ابنُ القيم أنه هو الذي قصده الهروي أخذه من شرح التلمساني، فهذا تفسيره. ونص كلامه:«قوله: (وإن كان العبد قد كسي ثوبًا معارًا) يعني أن وجود العبد ما هو له، بل هو معار عنده، وإذا كان وجود العبد عارية عنده فكيف تكون أفعاله، أي هي أيضًا ثوب معار. وقوله: (فأحسن أعماله ذنب) يعني أن العمل الخالص هو ذنب، فكيف أدونه! لأن العبد العامل يعتقد أنه هو الفاعل، والفاعل في الحقيقة هو الحق تعالى. فإذن العامل يكون مذنبًا باعتقاده أنه هو الفاعل. فإذن العمل لا يخلص أبدًا من الذنب. فلذلك قال: (فأحسن أعماله ذنب) أي إذا خلص من الرياء ومن كل شيء يفسده اقترن به أمر آخر لا يمكنه الاحتراز منه وهو كونه يعتقد أنه الفاعل» .
وقد نقد ابن القيم هذا التفسير بأن هذا ليس بذنب، ولا هو مقدور للعبد ولا مأمور
…
إلخ. ثم ذكر إيرادًا بقوله: «فإن قيل: الشيخ رحمه الله هاهنا ما نطق بلسان الأبرار، بل بلسان المقربين
…
». وهو يشير إلى قول التلمساني: «ولست أقول: إن هذا المقدار هو ذنب في الشرع، بل هو حسنة للأبرار، وهو عند المقربين سيئة. فالمقرب يؤاخذ بنسبة الفعل إلى نفسه، والمؤمن لا يؤاخذ بذلك لأن قسطه من السنة المحمدية هو ما جاء به العلم، وأما المقرَّب فقسطه من السنة المحمدية ما جاء به التعرف
…
». وردَّ عليه ابن القيم بأن «هذا أيضا باطل قطعًا، بل المعرفة الصحيحة مطابقة للحق في نفسه شرعا وقدرا، وما خالف ذلك فمعرفة فاسدة
…
».
ثم ذكر إيرادًا آخر: «فإن قيل: كلامكم هذا بلسان العلم. ولو تكلَّمتم بلسان الحال لعلمتم صحَّة ما ذكرناه، فإنَّ صاحب الحال صاحبُ شهودٍ،
وصاحبَ العلم صاحبُ غيبةٍ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. ونحن نشير إليكم إشارةً حاليَّةً علميَّةً، تنزُّلًا من الحال إلى العلم، فنقول: الحال تأثُّرٌ عن نور ٍمن أنوار الأحديَّة والفردانيَّة، تستر العبد عن نفسه، وتبدي ظهور مشهوده. ولا ريب أنَّه في هذه الحال قد يعتقد أنَّ الشاهد هو المشهود
…
».
هذا القيل أيضا للتلمساني، وما نقله بعد «فنقول» هو نصُّ كلامه بشيء من التصرف، وقد جاء ذلك تفسيرًا لقول الهروي:(وأصدق أحواله زور، وأصفى قصوده قعود).
ومما قاله التلمساني في تفسير الجملة الثانية: «يعني أن القاصد إلى الحقيقة متى شهد مقصوده قعد عن قصده، وذلك لأن الحق تعالى لا يُقصد ولا يُبتغى لأنه أقرب إلى اللسان من نطقه إذا نطق، وإلى القلب إذا قصد» . ثم ذكر أن هذا المعنى عزيز، والإشارة إليه أولى من العبارة.
ورد َّعليه ابن القيم بأن «مَن أحالك على الحال فما أنصفك! فإنه أحالك على أمر مشترك بين الحق والباطل
…
وسير أولياء الله وعباده الأبرار والمقربين بخلاف هذا، وهو إحالة الحال على العلم وتحكيمه عليه وتقديمه
…
فمن لم يكن هذا أصل بناء سلوكه فسلوكه فاسد، وغايته الانسلاخ من العلم والدين كما جرى ذلك لمن جرى له».
ثم تكلم على ما استدل به التلمساني في شرح كلام الهروي (وأصفى قصوده قعود) من قرب الله سبحانه من عباده، فبيَّن معنى قربه من عباده مع كونه فوق سماواته على عرشه بائنًا من خلقه، وفسّر قوله تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16].
الجدير بالذكر أن ابن القيم في ردِّه الطويل على كلام التلمساني (دون إشارة إليه) لم يذكر شيخ الإسلام الهروي، ولا اعتذر عنه، وكأنه بعد ما ذكر أن هذا التفسير هو مقصود الهروي- وهو تفسير التلمساني كما رأينا- أقبل بكليته على نقض كلام التلمساني. ونظن أن ابن القيم لو وقف على شرح الاسكندري لحمل كلام الهروي على تفسيره أو نحوه، ثم رد على تفسير التلمساني منوهًا بموقف الهروي من إثبات الصفات وأنه كان في ذلك سلفيًّا قحًّا، واستبعد أن يؤول الهروي صفة القرب، ورجَّح أن إجمال كلامه فتح الباب للملحد وحاشا أن يقصد الهروي ما قاله التلمساني.
وبالجملة، لا مقارنة بين شرح ابن القيم لكتاب المنازل وبين الشروح الأخرى لاختلاف كبير في الغرض والمنهج والمصادر وطريقة التناول كما رأينا.
* * *
والكفرَ به إنكارٌ للصّانع وجحدٌ له؛ وإنّما توحيده إثبات صفات كماله، وتنزيهه عن الشَّبَه
(1)
والنّقائص. فجعل المعطِّلةُ جحدَ الصِّفات وتعطيلَ الصّانع عنها توحيدًا، وجعلوا إثباتها لله تعالى تشبيهًا وتجسيمًا وتركيبًا. فسمَّوا الباطل باسم الحقِّ ترغيبًا فيه وزخرفًا ينفِّقونه
(2)
به، وسمّوا الحقَّ باسم الباطل تنفيرًا عنه. والنّاس أكثرهم مع ظاهر السِّكَّة
(3)
، ليس لهم نقد النُّقّاد
(4)
(5)
[الكهف: 17].
والمحمود لا يُحمَد على العدم والسُّلوب
(6)
البتّة، إلّا إذا كانت سلب عيوبٍ ونقائص، تتضمّن إثبات أضدادها من الكمالات الثبوتيّة؛ وإلّا فالسَّلب المحض لا حمد فيه ولا مدح ولا كمال. ولذلك حَمِد نفسَه
(7)
على عدم اتِّخاذ الولد المتضمِّن لكمال صمديّته وغناه وملكه وتعبُّدِ كلِّ شيءٍ له، فاتِّخاذُ الولد ينافي ذلك، كما قال تعالى:{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: 68]. وحمِد نفسَه على عدم الشّريك، المتضمِّن تفرُّدَه بالرُّبوبيّة والإلهيّة، وتوحُّدَه بصفات
(1)
ج، م:"الشبيه".
(2)
م، ش:"ينفقوه"، وكذا كان في ق ثم غُيِّر.
(3)
يعني: الدراهم والدنانير المضروبة. وقد تقدَّم تفسير "السِّكة"(ص 7).
(4)
ج: "الناقد".
(5)
"المهتدي" هكذا في جميع النسخ ما عدا ع على قراءة أبي عمرو ونافع.
(6)
ج، ع:"السكوت"، تصحيف.
(7)
هكذا في ج. وكذا كان في ق فغيِّر إلى "وكذلك حمده لنفسه" كما في م، ش، ع.
الكمال التي لا يوصف بها غيره فيكون شريكًا له؛ فلو عدمها لكان كلُّ موجودٍ أكمل منه، لأنّ الموجود أكمل من المعدوم.
ولهذا لا يحمد نفسَه بعدمٍ إلّا إذا كان متضمِّنًا ثبوتًا، كما حمِد نفسَه بكونه لا يموت لتضمُّنه كمالَ حياته، وحمِد نفسَه بأنه لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ لتضمُّن ذلك كمالَ قيُّوميّته، وحمِد نفسَه بأنّه لا يعزُب عن علمه مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء
(1)
لكمال علمه وإحاطته، وحمِد نفسَه بأنّه لا يظلم أحدًا لكمال عدله وإحسانه، وحمِد نفسَه بأنّه لا تدركه الأبصار لكمال عظمته، يُرى ولا يُدرَك، كما أنّه يُعلَم ولا يُحاط به علمًا؛ وإلا فمجرَّدُ نفي الرُّؤية ليس بكمالٍ لأنّ العدم لا يُرى، فليس في كون الشّيء لا يُرى كمالٌ البتّة. وإنّما الكمال في كونه لا يحاط به رؤيةً ولا إدراكًا، لعظمته في نفسه وتعاليه عن إدراك المخلوق له. وكذلك حمِد نفسَه بعدم الغفلة والنِّسيان لكمال علمه. فكلُّ سلبٍ في القرآن حمِد به نفسَه فلمضادّته لثبوت ضدِّه، ولتضمُّنه كمالَ ثبوت ضدِّه
(2)
.
فعلمتَ أنّ حقيقةَ الحمد تابعةٌ لثبوت أوصاف الكمال، وأنّ نفيها نفيٌ لحمده، ونفي الحمد مستلزمٌ لثبوت ضدِّه.
فصل
فهذا دلالة الحمد على توحيد الأسماء والصِّفات.
(1)
في ع بعده زيادة: "ولا أصغر من ذلك ولا أكبر".
(2)
كذا في النسخ، والأولى:"ولتضمنه ثبوت كمال ضدِّه" كما نُبِّه في حاشية المطبوع. وانظر: "بدائع الفوائد"(1/ 284).
وأمّا دلالة الأسماء الخمسة عليها ــ وهي: الله، والرَّبُّ، والرَّحمن، والرَّحيم، والملك ــ فمبنيٌّ على أصلين:
أحدهما: أنّ أسماء الرّبِّ عز وجل دالّةٌ على صفات كماله، فهي مشتقّةٌ من الصِّفات، فهي أسماءٌ، وهي أوصافٌ. وبذلك كانت حسنى، إذ لو كانت ألفاظًا لا معاني فيها لم تكن حسنى، ولا كانت دالّةً على مدحٍ ولا كمالٍ، ولساغ وقوع أسماء الانتقام والغضب في مقام الرَّحمة والإحسان، وبالعكس؛ فيقال: اللهمّ إنِّي ظلمتُ نفسي، فاغفر لي، إنّك أنت المنتقم! واللهمّ أعطِني، فإنّك أنت الضّارُّ المانع! ونحو ذلك. ونفيُ معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها. قال تعالى:{وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].
ولأنّها لو لم تدلَّ على معانٍ وأوصافٍ لم يسُغْ أن يُخبَر عنه
(1)
بمصادرها ويوصف بها، لكن أخبر عن نفسه بمصادرها، وأثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله، كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]، فعُلِم أنّ "القويّ" من أسمائه معناه: الموصوف بالقوّة. وكذلك قوله: {الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]، فالعزيز
(2)
مَن له العزّة. فلولا ثبوت العزَّة والقوّة لم يسمَّ قويًّا ولا عزيزًا
(3)
. وكذلك قوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166]، {أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: 14]، {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255].
(1)
ج، ع:"عنها"، وكذا كان في ق، فأصلح.
(2)
ع: "والعزيز".
(3)
ج: "عزيزًا ولا قويًّا".
وفي "الصّحيح"
(1)
عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسطَ ويرفعه. يُرفع إليه عملُ اللّيل قبل عمل النّهار، وعملُ النّهار قبل عمل اللّيل. حجابه النُّور، لو كشَفه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه". فأثبت المصدر الذي اشتقَّ منه اسمه "البصير".
وفي "صحيح البخاريِّ"
(2)
عن عائشة رضي الله عنها: "الحمد لله الذي وسِعَ سمعُه الأصواتَ".
وفي "الصّحيح"
(3)
حديث الاستخارة: "اللهمّ إنِّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك". فهو قادرٌ بقدرةٍ.
وقال تعالى لموسى عليه السلام: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144]. فهو متكلِّمٌ بكلامٍ.
وهو العظيم الذي له العظمةُ، كما في "الصَّحيح"
(4)
عنه صلى الله عليه وسلم: "يقول
(1)
أخرجه مسلم (179) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2)
تعليقًا بصيغة الجزم قبل الحديث (7386). ووصله أحمد (24195) والنسائي في "الكبرى"(5625، 11506) وفي "المجتبى"(3460) وابن ماجه (188) والطبري (22/ 454، 455) وغيرهم، وانظر:"الدر المنثور"(14/ 297). والحديث صححه الحافظ في "تغليق التعليق"(5/ 339).
(3)
برقم (6382) وغيره من حديث جابر رضي الله عنه.
(4)
اللفظ المذكور ليس في "الصحيح"، وإنما أخرجه أحمد (8894، 9359، 9508، 9703) وأبو داود (4090) وابن ماجه (4174) من طرق عن عطاء بن السائب، عن أبي مسلم الأغر، عن أبي هريرة. وأصله في "صحيح مسلم"(2620) و"الأدب المفرد" للبخاري (552) من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن أبي مسلم الأغر، عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، ولكن ليس فيه موضع الشاهد إذ لفظه: "العزُّ إزاري
…
" إلخ.
تعالى: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي". وهو الحكيم الذي له الحكم {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ} [غافر: 12]. وأجمع المسلمون أنّه لو حلف بحياة الله وسمعه وبصره وقوّته وعزّته وعظمته انعقدت يمينه، وكانت مكفَّرةً، لأنّ هذه صفات كماله التي اشتقَّت منها أسماؤه.
وأيضًا لو لم تكن أسماؤه مشتملةً على معانٍ وصفاتٍ لم يسُغْ أن يُخبَر عنه بأفعالها. فلا يقال: يسمع، ويرى، ويعلم، ويقدر، ويريد؛ فإنّ ثبوت أحكام الصِّفات فرع ثبوتها، فإذا انتفت
(1)
أصل الصِّفة استحال ثبوت حكمها.
وأيضًا فلو لم تكن أسماؤه ذات معانٍ وأوصافٍ لكانت
(2)
جامدةً كالأعلام المحضة، التي لم توضع لمسمّاها باعتبار معنًى قائم
(3)
به، وكانت كلُّها سواء، ولم يكن فرقٌ بين مدلولاتها. وهذا مكابرةٌ صريحةٌ وبَهْتٌ بيِّنٌ، فإنَّ مَن جعل معنى اسم "القدير" هو معنى اسم "السّميع البصير"، ومعنى اسم "التّوّاب" هو معنى اسم "المنتقم"، ومعنى "المعطي" هو معنى اسم "المانع"= فقد كابر العقل واللُّغة والفطرة.
فنفيُ معاني أسمائه من أعظم الإلحاد فيها
(4)
. والإلحاد فيها أنواعٌ هذا أحدها.
(1)
أنَّث الفعل باعتبار المضاف إليه.
(2)
ش: "كانت".
(3)
ع: "قام".
(4)
وانظر: "شفاء العليل"(ص 271).
الثّاني: تسمية الأوثان بها، كما كانوا يسمُّونها آلهةً. قال ابن عبّاسٍ ومجاهد رضي الله عنهما: عدلوا بأسماء الله تعالى عمّا هي عليه، فسمَّوا بها أوثانهم، فزادوا ونقصوا. فاشتقُّوا اللّات من الله، والعزَّى من العزيز، ومناة من المنّان
(1)
. وروي عن ابن عبّاسٍ: {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180]: يكذبون عليه
(2)
. وهذا تفسير المعنى
(3)
.
وحقيقة الإلحاد فيها: العدولُ بها عن الصّواب فيها. وإدخالُ ما ليس من معانيها فيها وإخراجُ حقائق معانيها عنها= هذا قصدُ
(4)
الإلحاد. ومن فعل ذلك فقد كذب على الله تعالى، ففسَّر ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما الإلحادَ بالكذب، إذ هو غاية الملحد في أسمائه، فإنّه إذا أدخل في معانيها ما ليس منها، وأخرج عنها حقائقَها أو بعضَها، فقد عدل بها عن الصّواب والحقِّ، وهو حقيقة الإلحاد.
فالإلحاد إمّا بجحدها وإنكارها، وإمّا بجحد معانيها وتعطيلها، وإمّا بتحريفها عن الصّواب وإخراجِها عن الحقِّ بالتّأويلات الباطلة، وإمّا بجعلها أسماءً لهذه المخلوقات المصنوعات، كإلحاد أهل الاتِّحاد فإنّهم جعلوها أسماء هذا الكون: محمودِها ومذمومِها، حتّى قال زعيمهم: وهو المسمّى
(1)
"التفسير البسيط"(9/ 482)، و"تفسير البغوي"(3/ 307).
(2)
راجع المصدرين المذكورين. وفيهما: "يكذِّبون". وقد رواه الطبري (10/ 597) عن ابن عباس بلفظ: "الإلحاد: التكذيب".
(3)
ش: "بالمعنى".
(4)
ع: "حقيقة".
بعليٍّ بكلِّ اسمٍ
(1)
ممدوحٍ عقلًا وشرعًا وعرفًا، وبكلِّ اسمٍ مذمومٍ عقلًا وشرعًا وعرفًا. تعالى الله عمّا يقول الملحدون علوًّا كبيرًا
(2)
.
فصل
الأصل الثّاني: أنّ الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدلُّ على الذّات والصِّفة التي اشتقّ منها بالمطابقة، فإنّه يدلُّ دلالتان أخريان
(3)
بالتّضمُّن واللُّزوم. فيدلُّ على الصِّفة بمفردها بالتّضمُّن وكذلك على الذّات المجرَّدة عن الصِّفة، ويدلُّ على الصِّفة الأخرى باللُّزوم. فإنّ اسم "السّميع" يدلُّ على ذات الرّبِّ وسمعه بالمطابقة، وعلى الذّات وحدها والسّمع وحده بالتّضمُّن، ويدلُّ على اسم "الحيِّ" وصفة الحياة بالالتزام. وكذلك سائر أسمائه وصفاته، ولكن تتفاوت النّاس في معرفة اللُّزوم وعدمه. ومن هاهنا يقع اختلافهم في كثيرٍ من الأسماء والصِّفات والأحكام، فإنَّ مَن علم أنّ الفعل الاختياريّ لازمٌ للحياة، وأنّ السّمع والبصر لازمٌ للحياة الكاملة، وأنّ سائر
(1)
م، ش:"المسمَّى بمعنى كل اسم". وفي ج، ع:"المسمى بكل اسم". وقد استدرك "بكل" في الأصل في الهامش. والمصنف يشير إلى قول ابن عربي في "الفصوص"(ص 79): "فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية
…
وسواء كانت محمودة عرفًا وعقلًا وشرعًا أو مذمومة عرفًا وعقلًا وشرعًا". وقد ذكر هذه العبارة شيخ الإسلام في "بغية المرتاد" (ص 406 - 407، 524).
(2)
وانظر في أنواع الإلحاد في أسماء الله سبحانه: "بدائع الفوائد"(1/ 297 - 299).
(3)
كذا بالرفع في الأصل المقروء على المؤلف (ق) وغيره! وقد غيَّره بعض القراء في ش إلى "دلالتين أخريين".
الكمال
(1)
من لوازم الحياة الكاملة= أثبت من أسماء الرّبِّ وصفاته وأفعاله ما ينكره من لم يعرف لزوم ذلك، ولا عرف حقيقة الحياة ولوازمها.
وكذلك سائر صفاته. فإنّ اسم "العظيم" له لوازم ينكرها من لم يعرف عظمة الله تعالى ولوازمها. وكذلك اسم "العليِّ"، واسم "الحكيم" وسائر أسمائه. فإنّ من لوازم اسم "العليِّ" العلوّ المطلق بكلِّ اعتبارٍ، فله العلوُّ المطلق من جميع الوجوه: علوُّ القدر، وعلوُّ القهر، وعلوُّ الذّات. فمن جحد علوَّ الذّات فقد جحد لوازم اسمه "العليِّ".
وكذلك اسمه "الظّاهر"، من لوازمه أن لا يكون فوقه شيءٌ، كما في الصّحيح عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"وأنت الظّاهر فليس فوقك شيءٌ"
(2)
. بل هو سبحانه فوق كلِّ شيءٍ، فمن جحد فوقيّته سبحانه فقد جحد لوازم اسمه "الظّاهر". ولا يصحُّ أن يكون "الظّاهر" هو من له فوقيّة القدر، كما يقال: الذّهب فوق الفضّة، والجوهر فوق الزُّجاج; لأنّ هذه الفوقيّة لا تتعلّق بالظُّهور، بل قد يكون المفُوق أظهر
(3)
من الفائق فيها. ولا يصحُّ أن يكون ظهور القهر والغلبة فقط ــ وإن كان سبحانه ظاهرًا بالقهر والغلبة ــ لمقابلة الاسم بـ"الباطن"، وهو الذي ليس دونه شيءٌ؛ كما قابل "الأوّل" الذي ليس قبله شيءٌ بـ"الآخر" الذي ليس بعده شيءٌ.
(1)
كذا في الأصل وغيره، والمقصود:"سائر صفات الكمال" كما قال في المرتبة الثامنة من مراتب الحياة (4/ 176): "وهي الحياة التي كمالها يستلزم كمال السمع والبصر
…
وسائر صفات الكمال".
(2)
أخرجه مسلم (2713) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
ش: "أفضل".
وكذلك اسمه
(1)
"الحكيم" من لوازمه: ثبوتُ الغايات المحمودة المقصودة له بأفعاله، ووضعُه الأشياء في موضعها، وإيقاعُها على أحسن الوجوه. فإنكارُ ذلك إنكارٌ لهذا الاسم ولوازمه.
وكذلك سائر أسمائه الحسنى.
فصل
إذا تقرَّر هذان الأصلان، فاسم "الله" دالٌّ على جميع الأسماء الحسنى والصِّفات العُلى بالدِّلالات الثّلاث. فإنّه دالٌّ على الإلهيَّة المتضمِّنة لثبوت صفات الإلهيّة له مع نفي أضدادها عنه. وصفات الإلهيّة هي صفات الكمال المنزَّهة عن التّشبيه والمثال وعن العيوب والنّقائص، ولهذا يضيف تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم المعظَّم، كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180]. ويقال: الرّحمن، والرّحيم، والقدُّوس، والسّلام، والعزيز، والحكيم= من أسماء الله. ولا يقال: الله
(2)
من أسماء الرّحمن، ومن أسماء العزيز، ونحو ذلك.
فعُلِمَ أنّ اسمه "الله" مستلزمٌ لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالًّا عليها بالإجمال. والأسماء الحسنى تفصيلٌ وتبيينٌ لصفات الإلهيّة التي اشتقّ منها اسم "الله". واسمُ "الله" دالٌّ على كونه مألوهًا معبودًا، تَألَهُه
(3)
الخلائق محبّةً
(1)
ع: "اسم".
(2)
"ولا يقال: الله" من ع وحدها. وهو ساقط من النسخ الأُخر لانتقال النظر. وقد زيد في هامش ش بعد "أسماء الله": "ولا يقال". وفي م: "
…
والحكيم من أسماء الرحمن"، فصححت العبارة في هامشها كما ورد في ش.
(3)
ش: "أَلِهَه"، وكان نحوه في الأصل مع فتح الهاء، ثم زيد "تأ" فوقه. وكذا كان في م، فكتب بعضهم في هامشها:"لعله يألهه".
وتعظيمًا وخضوعًا، ومفزعًا إليه في الحوائج والنّوائب. وذلك مستلزمٌ لكمال ربوبيّته ورحمته المتضمِّنتين
(1)
لكمال الملك والحمد. وإلهيّتُه
(2)
وربوبيّتُه ورحمانيّتُه وملكُه مستلزمٌ لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحيٍّ ولا سميعٍ ولا بصيرٍ ولا قادرٍ ولا متكلِّمٍ، ولا فعّالٍ لما يريد، ولا حكيمٍ في أفعاله.
فصفات الجلال والجمال أخصُّ
(3)
باسم "الله". وصفات الفعل والقدرة، والتّفرُّد بالضَّرِّ والنّفع والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوّة، وتدبير أمر الخليقة= أخصُّ باسم "الرّبِّ".
وصفات الإحسان والجود والبرِّ والحنان والرّأفة واللُّطف= أخصُّ باسم "الرّحمن". وكُرِّرَ
(4)
إيذانًا بثبوت الوصف، وحصول أثره، وتعلُّقه بمتعلَّقاته.
فـ"الرَّحمن": الذي الرَّحمةُ وصفُه، و"الرَّحيم": الرَّاحم لعباده. ولهذا يقول تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]. ولم يجئ: رحمانُ بعباده، ولا رحمانُ بالمؤمنين، مع ما في اسم "الرَّحمن" الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه للموصوف به. ألا ترى أنّهم يقولون: غضبان، للممتلئ غضبًا،
(1)
ما عدا ش، ع:"المتضمنين".
(2)
رسمه في الأصل: "والهيبة" وهو سبق قلم، ولكن كذا نقل في م، ج أيضًا.
(3)
رسمها في الأصل هنا وفيما يأتي: "اختص"، وأخشى أن يكون مغيَّرًا.
(4)
يعني في قوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
وندمان وحيران وسكران ولهفان، لمن مُلئ بذلك؛ فبناء فَعْلان للسّعة والشُّمول.
ولهذا يقرُن استواءَه على العرش بهذا الاسم كثيرًا
(1)
، كقوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان: 59]. فاستوى على عرشه باسم "الرّحمن"، لأنّ العرش محيطٌ بالمخلوقات قد وَسِعَها، والرّحمةُ محيطةٌ بالخلق واسعةٌ لهم، كما قال تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]. فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصِّفات، فلذلك وسعت رحمته كلَّ شيءٍ.
وفي الصّحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمّا قضى الله الخلقَ كتَب في كتابٍ فهو عنده موضوعٌ على العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي"
(2)
. وفي لفظ: "سبقت رحمتي غضبي"
(3)
. وفي لفظٍ: "فهو عنده، وضعه على العرش"
(4)
.
فتأمَّلْ اختصاصَ هذا الكتاب بذكر الرّحمة ووضعِه عنده على العرش، وطابِقْ بين ذلك وبين قوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وقوله:
(1)
لم يقرن باسم الرحمن في القرآن الكريم إلا في الموضعين المذكورين.
(2)
أخرجه البخاري (7404)، ومسلم (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
البخاري (7553)، ومسلم (2751/ 15). وقد سقط هذا اللفظ من ع، واستدرك في حاشية ش: "وفي رواية:
…
".
(4)
كذا في الأصل وغيره، وفي هامش ع:"خ وضعٌ". يعني اللفظ الوارد في البخاري (7404): "وهو وَضْعٌ عنده على العرش" أي موضوع. وفي رواية أبي ذر: "وَضَعَ". انظر: "فتح الباري"(13/ 385).
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] ينفتِحْ لك بابٌ عظيمٌ من معرفة الرّبِّ تبارك وتعالى إن
(1)
لم يُغلِقْه عنك التّعطيل والتّجهُّم.
وصفاتُ العدل، والقبض والبسط، والخفض والرّفع، والإعطاء
(2)
والمنع، والإعزاز والإذلال، والقهر والحكم، ونحوها= أخصُّ باسم المَلِك. وخَصَّه بيوم الدِّين ــ وهو الجزاء بالعدل ــ لتفرُّده بالحكم فيه وحده، ولأنّه اليوم الحقُّ، وما قبله كساعةٍ، ولأنّه الغاية، وأيّام الدُّنيا مراحل إليه.
فصل
وتأمَّلْ ارتباطَ الخلق والأمر بهذه الأسماء الثّلاثة ــ وهي "الله"، و"الرَّبُّ"، و"الرَّحمن" ــ كيف نشأ عنها الخلق، والأمر، والثّواب، والعقاب! وكيف جَمَعت الخلقَ وفرَقَتهم! فلها الجمع والفرق.
فاسم "الرّبِّ" له الجمعُ الجامعُ لجميع المخلوقات. فهو ربُّ كلِّ شيءٍ وخالقه، والقادر عليه، لا يخرج شيءٌ عن ربوبيّته. وكلُّ من في السّماوات والأرض عبد له، في قبضته
(3)
، وتحت قهره. فاجتمعوا بصفة الرُّبوبيّة. وافترقوا بصفة الإلهيّة، فألِهَه
(4)
وحدَه السُّعداءُ، وأقرُّوا له طوعًا بأنّه الله الذي لا إله إلّا هو، الذي لا ينبغي العبادة والتّوكُّل والرّجاء والخوف والحَسْب
(5)
(1)
"إن" من ع وحدها.
(2)
ما عدا الأصل: "والعطاء".
(3)
ش: "وفي قبضته".
(4)
هكذا مضبوطًا في ق، م، ش، ع.
(5)
ج: "الحب"، وكذا في ش ولعله مغيَّر. وكذا في النسخ المطبوعة، وهو تصحيف.
والإنابة والإخبات والخشية والتّذلُّل والخضوع إلّا له.
وهاهنا افترق النّاس، وصاروا فريقين: فريقًا مشركين في السّعير، وفريقًا موحِّدين في الجنّة. فافترقوا بصفة إلهيته
(1)
، فهي التي فرَّقتهم، كما أنّ الرُّبوبيّة هي التي جمعتهم.
فالدِّين والشّرع والأمر والنّهي: مظهره وقيامه من صفة الإلهيّة. والخلق والإيجاد والتّدبير والفعل من صفة الرُّبوبيّة. والجزاء بالثّواب والعقاب والجنّة والنّار من صفة المُلك. فهو ملك يوم الدِّين، فأمَرهم بإلهيَّته، وأعانهم ووفّقهم وهداهم وأضلّهم بربوبيّته، وأثابهم وعاقبهم بمُلكه وعدله. وكلُّ واحد من هذه الأمور لا ينفكُّ عن الآخَرَين.
وأمّا الرّحمة، فهي التّعلُّق والسَّبب الذي بين الله وبين عباده. فالتّألُّه منهم له، والرُّبوبيّة منه لهم، والرّحمة سببٌ واصلٌ بينه وبين عباده، بها أرسل إليهم رسلَه، وأنزل عليهم كتبَه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم. فبينهم وبينه سببُ العبوديّة، وبينه وبينهم
(2)
سببُ الرّحمة.
واقترانُ ربوبيّته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته. فـ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] مطابقٌ لقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 2 - 3]، فإنّ شمول الرُّبوبيّة وسعتها بحيث لا يخرج شيءٌ
(1)
رسمها في الأصل: "الهيه". وهو أقرب إلى ما أثبته من ج. وفي م، ش، ع:"الإلهية".
(2)
ما عدا الأصل، ع:"وبينهم وبينه"، وكذا كان في الأصل ولكن وضعت على الكلمتين علامة التقديم والتأخير عند القراءة على المؤلف.
عنها اقتضى
(1)
شمول الرّحمة وسعتها، فوسع كلَّ شيءٍ بربوبيته ورحمته، مع أنّ في كونه ربًّا للعالمين ما يدلُّ على علوِّه على خلقه وكونه فوق كلِّ شيءٍ، كما يأتي بيانه عن قربٍ
(2)
إن شاء الله تعالى.
فصل
وفي
(3)
ذكر هذه
(4)
الأسماء بعد الحمد، وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها= ما يدلُّ على أنّه محمودٌ في إلهيّته، محمودٌ في ربوبيّته، محمودٌ في رحمانيّته، محمودٌ في ملكه؛ وأنّه إلهٌ محمودٌ، ربٌّ
(5)
محمودٌ، ورحمنُ محمودٌ، وملِكٌ محمودٌ. فله بذلك جميع أقسام الكمال: كمالٌ من هذا الاسم بمفرده، وكمالٌ من الآخر بمفرده، وكمالٌ من اقتران أحدهما بالآخر.
مثال ذلك: قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن: 6]، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26]، {وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 7]. فالغنى صفة كمالٍ، والحمدُ صفة كمالٍ، واقترانُ غناه بحمده كمالٌ أيضًا. وعلمُه كمالٌ، وحكمتُه كمالٌ، واقترانُ العلم بالحكمة كمالٌ أيضًا. وقدرتُه كمالٌ، واقترانُ القدرة بالمغفرة كمالٌ.
(1)
م، ش:"اختص"، ولعل مثله كان في الأصل ثم أصلح.
(2)
لم يرد "عن قرب" في ع.
(3)
ع: "في" دون الواو قبلها.
(4)
م: "وقد ذكر في هذه"، وفي هامشها أشير إلى أن في نسخة كما أثبت.
(5)
كذا "ربٌّ" دون الواو قبله في الأصل وغيره.