الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحرير عنوان الكتاب
لم يسمِّ المؤلف رحمه الله كتابه في مقدمته، ولا سمَّاه في كتبه الأخرى التي وصلت إلينا إلا في موضع واحد، ولم تتفق النسخ الخطية أيضا على عنوان الكتاب، غير أن السيد رشيد رضا رحمه الله لما طبع الجزء الأول من الكتاب سنة 1331 سماه «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» تبعًا للنسخة الخطية التي اعتمد عليها في الجزء المذكور، وكانت نسخة كويتية متأخرة كتبت سنة 1316، أي قبل طبع الكتاب بخمس عشرة سنة. ومنذ ذلك الحين اشتهر الكتاب بهذا الاسم، ولكن الغريب أنه لم يرد في شيء من النسخ النفيسة القديمة التي بين أيدينا.
وقد ظهرت بعد الطبعة السابقة نشرة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله الذي صرَّح بأنه راجعها على أربع نسخ محفوظة في دار الكتب، ومنها «نسخة قيمة جدًّا كتبت في سنة 823» ، وكانت تحمل عنوان «مدارج السالكين في منازل السائرين» ، وقد وضع الشيخ صورة صفحة العنوان منها في أول الكتاب، ومع ذلك قلَّد في تسميته نشرة السيد رشيد رضا.
وإليكم ما وقفنا عليه من عناوين الكتاب في مخطوطاته وكتب المؤلف وكتب التراجم وما إليها:
1) مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
بهذا العنوان ذكره المؤلف في «مسألة السماع» (ص 100). وهو الذي ذكره ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (5/ 175). ومنه نقله العليمي في «المنهج الأحمد» (5/ 94)، والداودي في «طبقات المفسرين» (2/ 92)، وابن العماد في «شذرات الذهب» (8/ 289).
2) مدارج السالكين في منازل السائرين
اتفقت عليها نسخة قيون المقروءة على المؤلف، ونسخة حلب المقابلة على النسخة السابقة سنة 773، ونسخة جامعة الإمام 8860 ج 1 (القرن الثامن)، ونسخة دار الكتب 103 تصوف قوله (سنة 936) ونسخة التيمورية 155 تصوف ج 2 المنقولة من نسخة مكتوبة سنة 765.
3) مدارج السالكين في شرح منازل السائرين
اتفقت عليها نسخة ولي الدين 1732 (سنة 787) ونسخة شستربيتي (الثامن تقديرا) ونسخة دار الكتب طلعت 1522 (سنة 823).
4) إرشاد السالكين إلى شرح منازل السائرين
انفردت به نسخة قره جلبي زاده (سنة 780). وتبعتها نسخة ولي الدين 1730 (سنة 784) المنقولة منها.
5) شرح منازل السائرين
ذكره بهذا العنوان الحافظ ابن حجر في «الدرر الكامنة» (5/ 139) ومن تابعه كالشوكاني، والسيوطي في «الحاوي للفتاوي» (2/ 136)، وغيره. والظاهر من صنيعه أنه ليس من غرضه النص على اسم الكتاب، وإنما أراد الإشارة إليه.
6) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
وقع هذا العنوان في النسخ المتأخرة النجدية ونحوها مثل نسخة الغاط (سنة 1317) ونسخة حائل (سنة 1318) ونسخة دارالكتب 874 تصوف (سنة 1320).
ومعلوم أن قطعة من الكتاب قد طبعت في الهند سنة 1894 م (1311/ 1312 هـ) ــ وكانت هي أول طبعة للكتاب ــ باسم «مدارج السالكين شرح منازل السائرين من منازل إياك نعبد وإياك نستعين» ولا شك أنه عنوان ملفَّق، زيد فيه «من منازل
…
» إلخ.
أما العنوان المشهور «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» ، فهوعنوان جميل رائق عُرف به الكتاب منذ قرن من الزمن، إذ طبعه السيد رشيد رضا بهذا العنوان وتَبِعه الناشرون الذين جاؤوا من بعده جميعًا، ولكنه كما قلنا لم يرد في شيء من الأصول النفيسة القديمة، وإنما نراه في النسخ المتأخرة التي كتب معظمها في القرن الماضي! ونخشى ــ إن لم يكن هذا العنوان منقولا من النسخ القديمة ــ أن يكون ملفقًا أيضًا، فأُخِذ الجزء الأول «مدارج السالكين» من العنوانين الثالث والرابع، والجزء الثاني «بين منازل
…
» إلخ من العنوان الأول الذي ذكره المؤلف وتلميذه ابن رجب. ويرشحه أن المؤلف استهلَّ كثيرًا من أبواب الكتاب بقوله: «ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين» .
وإذا صرفنا النظر عن العنوان الرابع الذي انفردت به إحدى النسخ (وتابعتها أخرى منقولة منها) بقيت ثلاثة عناوين، وأقواها في الظاهر أولها، وهو «مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» ، فإن المؤلف نفسه أحال عليه بهذا العنوان، ثم ذكره تلميذه ابن رجب في ثبت مؤلفاته. ولكن يُضعفه أنه لم يرد أيضًا فيما وصل إلينا من نسخ الكتاب قديمة كانت أو متأخرة. أما النسخة المحفوظة في جامعة الإمام برقم 8963 المكتوبة سنة 1267 (في بطاقة النسخة: 1278، خطأ) المخرومة من أولها، فإن ناسخها
هو الذي سماها: «مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين الشرح (بشرح؟) منازل السالكين (كذا) للشيخ شمس الدين
…
». وهي الجزء الثاني من الكتاب، أما الجزء الأول منها برقم 8991 فعنوان الكتاب فيه:«مدارج السالكين في شرح منازل السائرين» .
أما العنوان الثاني، وهو «مدارج السالكين في منازل السائرين» ، فسمي به الكتاب في عدة نسخ نفيسة أحسنُها نسخة قيون أوغلو، ولم يصل إلينا منها إلا المجلد الأول. هذه النسخة مقروءة على المؤلف، ولكن العنوان المذكور الوارد في أول النسخة وآخرها كتب بعد وفاة المؤلف. وفي أسفل صفحة العنوان عشرة أبيات في مدح الكتاب لابن أبي العِزّ الحنفي (ت 792) كتبها بخطه، أولها:
صاحِ هذي مدارجُ السالكينا
…
قد بدت في منازل السائرينا
وقد نظم فيه ــ كماترى ــ العنوان الوارد في النسخة. وهذه الأبيات واردة بخطه في أول نسخة حلب أيضًا. وفي آخر جزئيها أنها قوبلت على أصل مقابل بأصل مؤلفه مقروء عليه سنة 773. والظاهر أن ابن أبي العز هو الذي قابلها بنسخة قيون السابقة.
أما العنوان الثالث، فإنه أيضًا ورد في نسخ قديمة، والغالب أنه من وضع المصنف. ولا غرو، فإن الكتاب شرح لمنازل السائرين للهروي، ومن ثم يسميه الحافظ ابن حجر وغيره اختصارًا:«شرح منازل السائرين» .
وبالتأمل في العناوين الثلاثة يبدو لنا أن العنوان الأول أقدمها، وهو يدل على أن الكتاب تأليف مستقلّ يدور حول منازل إياك نعبد وإياك نستعين
ويشرح مراحل السائرين بين هذه المنازل، وليس في العنوان إشارة من قريب أو بعيد إلى أنه شرح لكتاب منازل السائرين للهروي. وإذا نظرنا إلى قول المؤلف في مقدمة الكتاب: «ونحن ننبه على هذا بالكلام على فاتحة الكتاب وأم القرآن وما تضمنته من الرد
…
وما تضمنته من منازل السائرين ومقامات العارفين
…
»، ثم إلى الفصل الذي عقده «في منازل (إياك نعبد) التي ينتقل فيها القلب منزلة منزلة في حال سيره إلى الله» ، وشروعه بعد ذلك في الكلام على المنازل ونَقْل كلام الهروي وشرحه وتعقبه، ثم إلى افتتاحه أكثر المنازل بقوله: «ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين
…
» = إذا نظرنا إلى كل ذلك رأينا العنوان مطابقًا لمنهج الكتاب، ومحتواه، وسياسة المؤلف في تأليفه. فإن الغرض من إنشاء الكتاب: بيان المنهج الصحيح لتزكية النفس، وإصلاح التصوف من خلال الكلام على منازل السائرين للهروي بالإضافة إلى تبرئته مما يزعمه أصحاب وحدة الوجود أنه منهم؛ فلم يَعْقِد المؤلفُ كتابَه ابتداءً على شرحِ كتابِ المنازلِ أو انتقاده.
ولكن يبدو أنه خشي فيما بعد أن هذا العنوان الذي يطابق بناء الكتاب قد يضر بغرض تأليفه، إذ ليس في ألفاظ العنوان ما يجذب طلاب التزكية والراغبين في كتب المتصوفة إلى قراءة هذا الكتاب، فأحبَّ أن يصرّح في العنوان بأنه في شرح «منازل السائرين» ليقبلوا عليه، ويحصل المقصود، فاختار «مدارج السالكين في شرح منازل السائرين» .
ولا شك أن الكتاب شرح «منازل السائرين» ، ولكنه ليس شرحًا كالشروح المعروفة، ولم يتَّبع فيه المنهج المألوف في شرح الكتب كما سيأتي، ثم هذا العنوان لا ينبئ بأن الكتاب في مادته ومنهجه يختلف عن شرح
كتاب معين. فكأن المؤلف رحمه الله رأى قصورًا في العنوانين، فإن أحدهما يزري باستقلال الكتاب، والآخر يضرّ بغرض تأليفه، فكأنه لاح له عنوان ثالث بحذف كلمة «شرح» ، وهو:«مدارج السالكين في منازل السائرين» .
ولما كان هذا العنوان هو الثابت في أصح أصولنا وأقدمها رجَّحناه على العنوان المشهور الذي لم نره إلا في النسخ المتأخرة.
هذا العنوان الجديد يفهم منه أنه كتاب مستقل غرضُه بيان مدارج السالكين ومراتبهم في منازل السلوك، فحرف الجر «في» متعلق هنا بلفظ المدارج، وفي الوقت نفسه فيه تلميح إلى كتاب «منازل السائرين» أيضًا، فجاء هذا العنوان بتصريحه وتلميحه وافيًا بالغرضَين. والله أعلم.
ونشير في آخر هذا المبحث إلى وهم البغدادي في «هدية العارفين» (2/ 158)، إذ عدَّ «مراحل السائرين» و «مدارج السالكين في شرح منازل السائرين» كتابين اثنين!
* * *
المبطلُ سعيَه وكدَّه هباءً منثورًا! ويا عِظَمَ المصيبة عندما يتبيَّن
(1)
بوارقَ أمانيه خُلَّبًا، وآمالَه الكاذبة غرورًا! فما ظنُّ من انطوت سريرته على البدعة والهوى والتّعصُّب للآراء بربِّه يوم تبلى السّرائر؟ وما عذرُ مَن نبَذ الوحيين وراء ظهره في يومٍ لا تنفع
(2)
الظّالمين فيه
(3)
المعاذر؟
أفيظنُّ المُعرض عن كتاب ربِّه وسنَّة رسوله أن ينجو من ربِّه بآراء الرِّجال؟ أو يتخلّص من بأس الله بكثرة البحوث والجدال، وضروب الأقيسة وتنوُّع الأشكال؟ أو بالإشارات والشّطحات وأنواع الخيال؟ هيهات! والله، لقد ظنّ أكذب الظّنِّ، ومنَّته نفسُه أبينَ المُحال! وإنّما ضُمِنت النّجاة لمن حكَّم هدى الله تعالى على غيره، وتزوَّد التّقوى، وائتمَّ بالدّليل، وسلك الصِّراط المستقيم، واستمسَك من الوحي بالعروة الوثقى التي
(4)
لا انفصام لها، والله سميعٌ عليمٌ
(5)
.
وبعد، فلمّا كان كمال الإنسان إنّما هو بالعلم النّافع، والعمل الصَّالح ــ وهما الهدى ودين الحقِّ ــ وبتكميله لغيره في هذين الأمرين، كما قال تعالى:{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر]، فأقسم سبحانه أنَّ كلَّ أحدٍ
(6)
(1)
ش: "تتبين".
(2)
ل، ش:"ينفع". ولم ينقط حرف المضارع في م، ج.
(3)
ج: "فيه الظالمين"، وكذا في ق، ل مع علامة التقديم والتأخير فوق الكلمتين.
(4)
لم يرد "التي" في م.
(5)
معظم كلام المؤلف من قوله: "لكن عصفت على القلوب
…
" (ص 4) إلى هنا قد ورد مع شيء من الاختلاف في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص 79 - 83).
(6)
ل: "واحد".
خاسرٌ إلّا من كمَّل قوّتَه العلميّة بالإيمان، وقوّتَه العمليّة بالعمل الصّالح، وكمَّل غيره بالتّوصية له بالحقِّ والصّبر عليه؛ فالحقُّ هو الإيمان والعمل، ولا يتمُّ إلّا بالصَّبر عليه والتَّواصي به= كان
(1)
حقيقًا بالإنسان أن ينفق ساعاتِ عمره بل أنفاسَه فيما ينال به المطالب العالية، ويخلص
(2)
به من الخسران المبين. وليس ذلك إلّا بالإقبال على القرآن وتفهُّمه وتدبُّره واستخراج كنوزه، وإثارة دفائنه، وصرف العناية إليه، والعكوف بالهمّة عليه؛ فإنّه الكفيل بمصالح العباد في المعاش والمعاد، والمُوصِل لهم إلى سبيل الرّشاد. فالحقيقة، والطّريقة، والأذواق والمواجيد الصّحيحة= كلُّها لا تُقْتبَس إلّا من مشكاته، ولا تُسْتثمَر إلّا من شجراته.
ونحن ــ بعون الله ــ ننبِّه على هذا بالكلام على فاتحة الكتاب وأمِّ القرآن، وعلى بعض ما تضمَّنته هذه السُّورة من هذه المطالب، وما تضمَّنته من الرَّدِّ على جميع أهل البدع والضَّلال، وما تضمَّنته من منازل السَّائرين ومقامات العارفين، والفرقِ بين وسائلها وغاياتها، ومواهبها وكسبيّاتها؛ وبيانِ أنّه لا يقوم غيرُ هذه السُّورة مقامَها، ولا يسُدُّ مسَدَّها، ولذلك لم ينزل
(3)
في التّوراة ولا في الإنجيل ولا في الزَّبور ولا في القرآن مثلُها. والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله
(4)
.
* * * *
(1)
جواب "فلما كان كمال
…
".
(2)
ج: "يتخلص".
(3)
ج: "تنزل".
(4)
ع: "بالله العظيم".
قوله عز وجل
(1)
(2)
.
هذه السُّورة
(3)
اشتملت على أمّهات المطالب العالية أتمَّ اشتمالٍ، وتضمَّنتها أكملَ تضمُّنٍ.
فاشتملت على التّعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماءٍ، مرجعُ
(4)
الأسماء الحسنى والصِّفات العليا إليها، ومدارُها عليها. وهي: الله، والرَّبُّ، والرَّحمن. وبنيت السُّورة على الإلهيّة، والرُّبوبيّة، والرّحمة. فـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} مبنيٌّ على الإلهيّة، و {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على الرُّبوبيّة، وطلبِ الهداية إلى صِراطه المستقيم
(5)
بصفة الرّحمة. والحمد يتضمّن الأمور الثّلاثة، فهو المحمود في إلهيّته، وربوبيّته، ورحمته. والثّناء والمجد كمالان لحمده.
(1)
في ل هنا علامة اللحق، وفي هامشها:"بعد". يعني: قوله عز وجل بعد الاستعاذة.
(2)
النص: "قوله عز وجل
…
" إلى هنا لم يرد في ع. وكأن الثلث الأعلى من الصفحة في ق كان بياضًا، فكُتب فيه فيما بعد "ولا حول ولا قوة إلا بالله" في سطر، ثم "قوله عز وجل
…
" إلى آخر السورة. وبقي بياض بقدر أربعة أسطر. وفي ل بياض بقدر سطرين بعد سورة الفاتحة.
(3)
بعدها في ش زيادة: "الكريمة". وفي ع: "اعلم أن هذه السورة".
(4)
ش: "ترجع".
(5)
ع: "صراط مستقيم".
وتضمَّنت إثباتَ المعاد، وجزاءَ العباد بأعمالهم حسنِها وسيِّئها، وتفرُّدَ الرّبِّ تعالى بالحكم إذ ذاك بين الخلائق، وكونَ حكمه بالعدل. وكلُّ هذا تحت قوله:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .
وتضمّنت إثبات النُّبوّات من جهات عديدة:
أحدها: كونه ربَّ العالمين، فلا يليق به أن يتركهم سُدًى مُهْملًا
(1)
، لا يعرِّفهم ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم وما يضرُّهم فيهما؛ فهذا هضمٌ للرُّبوبيّة، ونسبةٌ إلى الرّبِّ تعالى ما لا يليق به. وما قدَرَه حقَّ قدره مَن نسَبه إليه.
الثّاني
(2)
: أخذُها من اسمه "الله"، وهو المألوه المعبود، ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبوديته إلّا من طريق رسله.
الموضع الثّالث: من اسمه "الرّحمن"، فإنّ
(3)
رحمته تمنع إهمالَ عباده، وعدمَ تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم. فمن أعطى
(4)
اسمَ الرّحمن حقَّه علِمَ
(5)
أنّه متضمِّنٌ لإرسال الرُّسل وإنزال الكتب أعظمَ مِن تضمُّنه إنزالَ الغيث، وإنباتَ الكلأ، وإخراجَ الحَبِّ. فاقتضاءُ الرّحمة لما يحصل به حياة القلوب والأرواح أعظمُ من اقتضائها لما يحصل به حياة الأبدان
(1)
طمس بعضهم الميم في الأصل (ق)، وكذا "هملًا" جاء في بعض النسخ المتأخرة.
(2)
ج، ع:"الموضع الثاني".
(3)
ل: "الذي". وقد أصاب هذا الموضع بلل ذهب بالكلمة، فاستدركها بعضهم تقديرًا.
(4)
هنا ذهبت الرطوبة في ل بالكلمتين: "فمن أعطى"، وبقي البياض في موضعهما.
(5)
ع: "عرف".
والأشباح. لكن المحجوبون إنّما أدركوا من هذا الاسم حظَّ البهائم والدَّوابِّ، وأدرك منه أولو الألباب أمرًا وراء ذلك.
الموضع الرّابع: من ذكر يوم الدِّين، فإنّه اليوم الذي يدين الله العبادَ فيه بأعمالهم، فيثيبهم على الخيرات، ويعاقبهم على المعاصي والسّيِّئات. وما كان الله ليعذِّب أحدًا قبل إقامة الحجّة عليه، والحجّةُ إنّما قامت برسله وكتبه، وبهم استُحِقَّ الثَّواب والعقاب، وبهم قام سوق يوم الدِّين، وسيق الأبرار إلى النَّعيم، والفجَّار إلى الجحيم.
الموضع الخامس: من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، فإنّ ما يُعبَد
(1)
به تعالى لا يكون إلّا ما يحبُّه ويرضاه. وعبادته هي: شكُره، وحسنُه
(2)
فطريٌّ معقولٌ للعقول السّليمة، لكنّ طريق التّعبد وما يُعبد به لا سبيل إلى معرفته إلّا برسله. وفي هذا بيان أنّ إرسال الرُّسل أمرٌ مستقرٌّ في العقول، يستحيل تعطيلُ العالم عنه كما يستحيل تعطيلُه عن الصّانع؛ فمن أنكر الرَّسولَ فقد أنكر المُرْسِلَ ولم يؤمن به. ولهذا يجعل سبحانه الكفرَ برسوله كفرًا به.
الموضع
(3)
السادس: من
(4)
قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، فالهداية هي البيان والدَّلالة، ثمّ التَّوفيق والإلهام، وهو بعد البيان والدَّلالة، ولا سبيل إلى البيان والدَّلالة إلّا من جهة الرُّسل. فإذا حصل البيان والدَّلالة والتَّعريف ترتَّب عليه هدايةُ التَّوفيق، وجعلُ الإيمان في القلب، وتحبيبُه إلى
(1)
ضبطه بعضهم في الأصل: "تعبّد" بالتاء وتشديد الباء.
(2)
ش: "خشيته"، وفي هامشها:"وحُسْنُه" مع علامة "ظ" فوقه.
(3)
ع: "والموضع".
(4)
"من" ساقطة من ش، ج.
العبد، وتزيينُه في قلبه، وجعلُه مؤثرًا
(1)
له، راضيًا به، راغبًا فيه.
وهما هدايتان مسؤولتان
(2)
، ولا يحصل الفلاح إلّا بهما. وهما متضمِّنتان
(3)
تعريفَ ما لم نعلمه من الحقِّ تفصيلًا وإجمالًا، وإلهامَنا له
(4)
، وجعلَنا مريدين لاتِّباعه ظاهرًا وباطنًا؛ ثمّ خلقَ القدرة لنا على القيام بموجَب الهدى بالقول والعمل والعزم، ثمّ إدامةَ
(5)
ذلك لنا وتثبيتَنا
(6)
عليه إلى الموافاة.
ومن هاهنا يُعلَم اضطرار العبد إلى هذه الدّعوة فوق كلِّ ضرورةٍ، وبطلانُ سؤال مَن
(7)
يقول: إذا كنّا مهتدين، فكيف نسأل الهداية؟ فإنَّ المجهولَ لنا من الحقِّ أضعافُ المعلوم، وما لا نريد فعلَه تهاونًا وكسلًا مثلُ ما نريده أو أكثرُ منه أو دونه. وما لا نقدر عليه ممّا نريده كذلك. وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمرٌ يفوت الحصر. ونحن محتاجون إلى الهداية التّامّة، فمن كملت له هذه الأمور كان سؤالُ الهداية له
(8)
سؤالَ التَّثبيت والدَّوام.
(1)
غيَّره بعضهم في م إلى "مريدًا".
(2)
ذهبت الرطوبة في ل بالكلمتين، فأثبت بعضهم مكانهما:"هذان اللذان"!
(3)
ق، م:"متضمنان".
(4)
"له" ساقط من ش.
(5)
ع: "وإدامة".
(6)
ق: "تثبيتًا".
(7)
ع: "قول من".
(8)
"له" ساقط من ش.