الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضوع الكتاب وترتيب مباحثه
الكتاب معقود على بيان أصول تزكية النفس التي هي أهم مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والكلام على أعمال القلوب ومنازل السلوك التي يتنقل بينها القلب في السير إلى الله، والتنبيه على ما طرأ من الزيغ والانحراف في وصفها وتحديدها عند المتصوفة.
وهو في ذلك صنو كتابه الآخر «طريق الهجرتين وباب السعادتين» . وكما اختار فيه ابن القيم للوصول إلى غرضه كتاب «محاسن المجالس» لابن العريف ــ وهو مبني على كتاب «علل المقامات» لأبي إسماعيل الهروي ــ اختار لكتابنا هذا كتاب «منازل السائرين» لأبي إسماعيل نفسه، لكونه كتابا مشهورًا بين السالكين من أهل السنة وغيرهم.
واختار إلى ذلك شرحًا واحدًا من شروحه، وهو شرح العفيف التلمساني لأنه صيَّر أبا أسماعيل بشرح كلامه من القائلين بوحدة الوجود. وقد ذكر الذهبي في «تاريخ الإسلام» (10/ 489) أنه رأى الاتحاديةَ تعظِّم «كتاب المنازل» وتنتحله وتزعم أنه على تصوفهم الفلسفي. واشتهر شرح التلمساني، وأقبل عليه طلاب السلوك، فاشتد البلاء، وتفاقم الخطر، فانبرى ابن القيم لشرح «كتاب المنازل» وبيان ما له وما عليه، مع الرد على عقيدة وحدة الوجود والانحرافات الأخرى من خلال نقده لكلام التلمساني، وتبرئة شيخ الإسلام الهروي من هذه العقيدة الباطلة.
ولكن قارئ الكتاب يستغرب أن ابن القيم لم يشر في أوله من قريب أو بعيد إلى أنه قصد به إلى شرح «كتاب منازل السائرين» لأبي إسماعيل
الهروي، بل الاسم الذي اختاره لكتابه في أول الأمر ــ وهو:«مراحل السائرين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين» ــ لم يكن يدل أيضًا على أن الكتاب في شرح «منازل السائرين» . فهل غيَّر ابن القيم خطة الكتاب في أثناء تأليفه؟ لننظر أولا في البناء العام للكتاب.
يمكن أن نقسم الكتاب لفهم تأليفه إلى الأقسام الآتية:
1) خطبة الكتاب (1/ 1 - 9)
الخطبة كلها تدور حول فضل القرآن ومنزلته في حياة المسلمين، فهو الصراط المستقيم الذي لا تزيغ به الآراء والأهواء، وهو الهدى والنور، وحياة القلوب وشفاء الصُّدور، والعروة الوثقى التي لا انفصام لها. وهو الكفيل بمصالح العباد في المعاش والمعاد. ولكن طوائف كثيرة من عامة المسلمين وخاصتهم هجروه، وعزلوه عن منصبه بطرق مختلفة من التأويل وغيره، واستفزَّتهم آراء الرجال و أنواع الجدل وضروب الأقيسة والإشارات والشطحات. وختم المصنف هذه الخطبة بأنه سينبه على ذلك بالكلام على سورة الفاتحة وعلى بعض ما تضمنته من الرد على جميع طوائف أهل البدع والضلال، وكذلك ما تضمنته من منازل السائرين ومقامات العارفين، والفرق بين وسائلها وغاياتها، ومواهبها وكسبياتها.
2) تفسير سورة الفاتحة (1/ 10 - 171)
ومن المباحث التي يشتمل عليها:
- إثبات السورة للنبوة من ثماني جهات.
- فصول في تفسير الصراط المستقيم وسؤال الهداية.
- فصول في اشتمال السورة على أنواع التوحيد الثلاثة.
- مراتب الهداية العامة والخاصة، وهي عشر مراتب، منها مرتبة الإلهام. وهي من منازل كتاب الهروي أيضًا، فنقل ابن القيم كلامه وشرحه وعلق عليه حسب طريقته. وهذا أول موضع ذكر فيه «صاحب المنازل». وقال ابن القيم في آخر شرحه للدرجة الثالثة من منزلة الإلهام:«وأما الاتحادية القائلون بوحدة الوجود فإنهم يجعلون ذلك اضمحلالًا وعدمًا في الوجود، ويجعلون صاحب المنازل منهم، وهو بريء منهم عقلًا ودينًا وحالًا ومعرفة» .
- فصل في بيان اشتمال الفاتحة على الشفاءين: شفاء القلوب وشفاء الأبدان. ومن ذلك اشتمالها على الرد على جميع المبطلين من أهل الملل والنحل، وعلى أهل البدع والضلال من هذه الأمة كالملاحدة القائلين بوحدة الوجود والفلاسفة والجهمية والقدرية والجبرية وغيرهم (84 - 105).
- فصول في الكلام على {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وبيان أن سر الكتب والأمر والنهي والشرائع والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد.
- الناس في الأصلين العبادة والاستعانة أربعة أقسام.- لا يكون العبدُ متحققًا بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إلا بالإخلاص والمتابعة، والناس في ذلك أربعة أقسام.
- أهل مقام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لهم في أفضل العبادة وأنفعها أربعة طرق، فهم في ذلك أربعة أقسام.
- الناس في منفعة العبادة وحكمتها ومقصودها أربعة أصناف، ومنهم الفلاسفة والصوفية المتفلسفة.
- بناء {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على أربع قواعد، ولزوم العبودية لكل عبد إلى الموت، وانقسامها إلى عامة وخاصة (141 - 151).
- مراتب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} علمًا وعملًا، ودوران رحى العبودية على خمس عشرة قاعدة من كمّلها كمّل مراتب العبودية (151 - 171).
هذه الفصول المهمة النفيسة التي اشتمل عليها تفسير المؤلف لسورة الفاتحة هي في الحقيقة بمنزلة القواعد والأسس التي يقوم عليها نظام تزكية النفس والسلوك في الإسلام. ثم هي تسدُّ جميع المنافذ التي يسعى الطوائف المنحرفة للدخول منها. وقد مهد المصنف بهذه الفصول لكلامه على منازل السالكين في الفصل الآتي.
3) فصل في منازل إياك نعبد (1/ 172 - 378)
- أشار المصنف في أوله إلى تأليف الناس في المنازل واختلافهم في عددها ووصفها بحسب سلوكهم، ثم قال:«وسأذكر فيها أمرًا مختصرًا جامعًا نافعًا إن شاء الله» . ثم تكلم على تسعة منازل هي مع ترتيبها عند الهروي: اليقظة (1)، البصيرة (54)، القصد (41)، العزم (42)، الفكرة (5)، الفناء (92)، المحاسبة (3)، التوبة (2)، الإنابة (4). ولننظر كيف جاء كلامه عليها.
- ذكر أن أول المنازل: «اليقظة» وعرَّفها، وأن اليقظة توجب «الفكرة» وعرَّفها أيضًا، فلم يشرح مراتب المَنْزِلَين. فإذا صحّت الفكرة أوجبت «البصيرة» . وتوقف عند «البصيرة» ، فعرّف بها وذكر لها ثلاث مراتب
وشرحها. ثم قال: «ولصاحب المنازل طريقة أخرى في البصيرة» ، ونقل كلامه في تعريفها ودرجاتها وفسَّرها. وهذا أول منزل يشرح ابن القيم كلام الهروي عليه. نعم، قد نقل من قبل في فصل مراتب الهداية كلام الهروي على الإلهام، وعلّق عليه، ولكنه لم يتكلم عليه بصفته منزلًا من منازل العارفين.
- ثم تكلم على منزل القصد على أنه يلي منزل البصيرة. فإذا استحكم القصد صار عزمًا، وعرَّج قليلًا على منزل العزم فذكر نوعين منه، ولكن لم يشرح هنا درجاته. وأشار إلى أن السالك في هذا المنزل يحتاج إلى المحاسبة، وهي قبل التوبة. وذكر تقديم صاحب «المنازل» التوبة على المحاسبة مع توجيه ذلك.
- ثم تكلم على ترتيب المنازل وسبب اختلافهم في ذلك، وما في ترتيبهم من التحكُّم والدعوى منبِّهًا على أنه لا ترتيب كليًّا لازم للسلوك. ثم قال: «فالأولى: الكلام في هذه المقامات على طريق المتقدمين من أئمة القوم كلامًا مطلقًا في كل مقامٍ مقامٍ ببيان حقيقته، وموجبه، وآفته المانعة من حصوله، والقاطع عنه، وذكر عامّه وخاصّه
…
». ثم استدرك بقوله: «ولكن لا بد من مخاطبة أهل الزمان باصطلاحهم، إذ لا قوّة لهم للتشمير إلى تلقي السلوك عن السلف الأول وكلماتهم وهديهم
…
».
وكلام المصنف هذا يدل على أمرين: الأول أنه سيذكر المنازل المذكورة في الكتاب والسنة فقط. والثاني أنه يرتبها بحسب الترتيب الحسي. ومن ثم رجع إلى منزل اليقظة مرة أخرى، وقد عرّفها سابقًا، وهنا نقل كلام صاحب «المنازل» في تعريفها ودرجاتها ليفسرها ويعلق عليها.
- ثم انتقل إلى منزل الفكرة، وفعل مثل ما فعل في اليقظة. ورأى أن الهروي خبط في قوله في أنواع الفكرة:«إن الفكرة في عين التوحيد اقتحام بحر الجحود» ، وقاده ذلك إلى الكلام على منزلة الفناء عند الهروي، فشرح أولًا كلامه وردّ على ما زعم التلمساني من أن مذهب الهروي وحدة الوجود بأنه كذبٌ عليه وإن كانت عبارته موهمة بل مفهمة. ثم أفاض القول في أقسام الفناء ومراتبه وممدوحه ومذمومه ومتوسطه وما يعرض للسالك على دربه من المعاطب والمهالك. واستغرق الكلام على الفناء وحده أكثر من ثلاثين صفحة. (الجدير بالذكر أن المصنف تكلم على منزل الفناء في موضعه من كتاب المنازل مرة أخرى دون إشارة إلى كلامه هنا).
- بعد هذا الاستطراد في الكلام على الفناء (1/ 239) رجع إلى «منازل إياك نعبد وإياك نستعين» ، وأشار إلى أنه قد سبق أن ذكر أربعة منها: اليقظة، والبصيرة، والفكرة، والعزم (البصيرة هنا مقدمة على الفكرة خلافا لما سبق، والعزم يشتمل على القصد)، وهي عنده كالبنيان لسائر المنازل، وعليها مدار منازل السفر إلى الله تعالى. وهي على الترتيب الحسي.
- ومن منزل العزم انتقل إلى منزل المحاسبة، وشرح كلام الهروي عليها (1/ 239 - 252).
- ومن منزل المحاسبة يشرف العبد عنده على منزل التوبة التي هي أول المنازل وأوسطها وآخرها، فلا يفارقها العبد إلى موته. فشرَح كلام الهروي علىها، وأفاض القول فيها إفاضة زادت على 380 صفحة، وتضمنت مطالب شريفة نافعة يطول ذكرها.
- ثم تكلم على منزل الإنابة، فإن من استقرَّت قدمه في منزل التوبة نزل بعده منزل الإنابة. ومكانها في ترتيب الهروي (4) بعد المحاسبة وقبل التفكر.
4) شرح المنازل من منزل التذكر إلى آخرها من كتاب منازل السائرين على ترتيبه (1/ 379 إلى آخر المجلد الرابع من الكتاب).
- ذكر ابن القيم عن منزل التذكر أن القلب ينزله بعد منزل الإنابة، فهو قرين الإنابة. ثم تكلم على منزل الاعتصام، ويدل كلامه على أن القلب ينزله بعد التذكر. وعُلم من هذا أن المنازل العشرة التي تكلم عليها المؤلف إلى هنا مرتبة على ترتيب السير الحسي.
- أما المنازل التالية، فليست مرتبة على السابقة، ولذلك يفتتح المؤلف الكلام عليها بقوله: «ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين
…
». وأولها منزل الحزن. ومنازل كثيرة ــ لاسيما في آخر الكتاب ــ لا ذكر لها في الكتاب والسنة، ولكن تكلم عليها المصنف وشرح كلام الهروي عليها.
* * * *
قد التزم ابن القيم كما رأينا من أول هذا القسم (1/ 379) إلى آخر الكتاب أن يتكلم على المنازل جميعًا على ترتيب الهروي، فبدا الكتاب في هذا القسم كأنه شرح لكتاب «منازل السائرين» للهروي، وإن كان المؤلف لم يصرح قط بأنه سيشرح الكتاب المذكور إلى آخره.
وهنا يبرز أمامنا سؤالان أولهما: هل كان ينوي ابن القيم مثل هذا التوسع في الكلام على المنازل؟ والآخر: هل كان ينوي شرح «منازل السائرين» للهروي من بداية الأمر؟
أما السؤال الأول، فإنه قال في مطلع فصل المنازل بعد ما ذكر تأليف الناس في المنازل واختلافهم في عددها وترتيبها (1/ 172):«وسأذكر فيها أمرًا مختصرًا جامعًا نافعًا إن شاء الله» . وكلامه بعد ذلك في المنازل الثمانية بالإضافة إلى كلامه على الفناء جاء في نحو 460 صفحة، والكلام على منزل التوبة وحده استأثر منها بنحو 380 صفحة. ولا شك في كون كلامه كله نافعًا، ولكن هل كان مختصرًا جامعًا أيضًا كما أراد؟ وهذا إذا استثنينا شرحه لسائر المنازل وهي 92 منزلًا في نحو 1800 صفحة.
وأما أنه هل كان ينوي شرح «كتاب المنازل» بتمامه من بداية أمره؟ ففي الجواب عن هذا السؤال نذكر قوله: «فالأولى بنا: أن نذكر منازل العبودية الواردة في القرآن والسنة ونشير إلى معرفة حدودها ومراتبها، ونذكر لها ترتيبًا غير مستحق بل مستحسن بحسب ترتيب السير الحسي ليكون ذلك أقرب إلى تنزيل المعقول منزلة المشهود بالحس فيكون التصديق أتم ومعرفته أكمل وضبطه أسهل» . وقد رأينا أن المنازل التي رتبها المؤلف بحسب الترتيب الحسي هي عشرة منازل فقط، أولها منزل اليقظة وآخرها منزل
الاعتصام. هذا أمر. والأمر الآخر أن كثيرًا من المنازل التي تضمنها كتاب الهروي وشرَحَها ابنُ القيم ليست من «منازل العبودية الواردة في القرآن والسنة» . زد على ذلك قوله السابق إنه سيذكر فيها «أمرًا مختصرًا جامعًا نافعًا» . ويمكن أن يضاف إليها أمر رابع، وهو أن المصنف فصّل القول في مسألة الفناء ضمن شرحه لمنزل القصد، وكان من المناسب ــ لو صح عزمه على شرح كتاب الهروي ــ أن يختصر الكلام هنا، ويحيل للتفصيل على شرح منزل الفناء في آخر الكتاب. ولعله من أجل هذا كله سمى كتابه أولا:«مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» كما تقدم شرحه.
فالظاهر أن ابن القيم عدل في أثناء التأليف عن قصده الأول، وعزم على شرح «منازل السائرين» بأكمله. وأما أنه لم يشِرْ البتة إلى أنه مقبل على شرح الكتاب المذكور، فلعل ذلك لعدم اتباعه المنهج المعروف في شرح المتون. والله أعلم.
* * *
على البرِّ والفاجر والمؤمن والكافر. وأمّا الإحسان المطلق فللّذين اتّقوا والّذين هم محسنون
(1)
.
الوجه الثاني: أنّ الله سبحانه هو المتفرِّد
(2)
بالنِّعم {بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ}
(3)
[النحل: 53]، فأضيف إليه ما هو متفردٌ به. وإن أضيف إلى غيره فلكونه طريقًا ومجرًى للنِّعمة. وأمّا الغضب على أعدائه فلا يختصُّ به، بل ملائكته وأنبياؤه ورسله وأولياؤه يغضبون لغضبه، فكان في لفظة {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} من الإشعار بموافقة أوليائه له في غضبه ما لم يكن في "غضبت
(4)
عليهم". وكان في لفظة {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} من الدِّلالة على تفرُّده بالإنعام، وأنّ النِّعمة المطلقة منه وحده، هو المتفرد بها= ما ليس في لفظة "المنعَم عليهم"
(5)
.
الوجه
(6)
الثّالث: أنّ في حذف فاعل الغضب من الإشعار بإهانة المغضوب عليه وتحقيره وتصغير شأنه ما ليس في ذكره. وفي ذكر فاعل النِّعمة من إكرامِ المنعَم عليه والإشادةِ بذكره ورفعِ قدره ما ليس في حذفه. فإذا رأيت من قد أكرمه ملِكٌ وشرَّفه ورفَع قدره، فقلتَ: هذا الذي أكرمه
(1)
انظر: "بدائع الفوائد"(2/ 425 - 427).
(2)
ع: "المنفرد" هنا وفيما يأتي.
(3)
وقع في جميع النسخ: "فما بكم"، وقد أصلح بعضهم في م.
(4)
ج: "غضبنا"، تحريف.
(5)
ذكر السهيلي هذا الوجه في "نتائج الفكر"(ص 238). وانظر: "بدائع الفوائد"(2/ 422).
(6)
ع: "والوجه".
السُّلطان، وخلَع عليه، وأعطاه، ومنَّاه= كان أبلغ في الثّناء والتّعظيم من قولك: هذا الذي أُكرِمَ وخُلِعَ عليه وشُرِّف وأُعطِي.
وتأمّل سرًّا بديعًا في ذكر السّبب والجزاء للطّوائف الثّلاثة بأوجز لفظٍ وأخصره، فإنّ الإنعام عليهم يتضمّن إنعامَه بالهداية التي هي العلم النّافع والعمل الصّالح، وهي الهدى ودين الحقِّ، ويتضمّن كمالَ الإنعام بحسن الثّواب والجزاء، فهذا تمام النِّعمة، ولفظة {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} تتضمّن الأمرين.
وذكرُ غضبه على المغضوب عليهم يتضمّن أيضًا أمرين: الجزاء بالغضب الذي موجَبُه غاية العذاب والهوان، والسَّبب الذي استحقُّوا به غضبه سبحانه؛ فإنّه أرحم وأرأف من أن يغضب عليهم بلا جنايةٍ منهم ولا ضلالٍ، وكان الغضب عليهم مستلزمًا لضلالهم. وذكرُ الضّالِّين مستلزمٌ لغضبه عليهم وعقابه لهم، فإنَّ من ضلَّ استحقَّ العقوبة التي هي موجَبُ ضلاله وغضب الله عليه.
فاستلزم وصفُ كلِّ واحدٍ من الطّوائف الثّلاثة للسَّبب والجزاء أبينَ استلزامٍ، واقتضاه
(1)
أكمل اقتضاءٍ، في غاية الإيجاز والبيان والفصاحة، مع ذكرِ الفاعل في أهل السّعادة، وحذفِه في أهل الغضب، وإسنادِ
(2)
الفعل إلى السَّبب في أهل الضّلال.
وتأمَّل المقابلة بين الهداية والنِّعمة، والغضب والضّلال؛ فذكَرَ المغضوب عليهم والضّالِّين في مقابلة المهتدين المنعَم عليهم. وهذا كثيرٌ في
(1)
ش: "واقتضاءَه".
(2)
ج: "وإسناده".
القرآن، يقرُن بين الضَّلال والشَّقاء
(1)
، وبين الهدى والفلاح. فالثّاني كقوله:{أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]، وقوله:{أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]. والأوّل كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [القمر: 47]، وقوله:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7].
وقد جمع سبحانه بين الأمور الأربعة في قوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123] فهذا الهدى والسّعادة، ثمّ قال
(2)
: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124 - 126] فذكر الضّلال والشَّقاء. فالهدى والسّعادة متلازمان، والضّلال والشّقاء متلازمان.
فصل
وذكر الصِّراط المستقيم مفردًا معرَّفًا تعريفين: تعريفًا باللّام، وتعريفًا بالإضافة؛ وذلك يفيد تعيينه واختصاصه وأنّه صراطٌ واحدٌ. وأمّا طرق أهل الغضب والضّلال فإنّه سبحانه يجمعها ولا يفردها، كقوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]. فوحَّد لفظ
(3)
صراطه وسبيله، وجمَعَ السُّبل المخالفة له.
(1)
ش: "والشقاوة".
(2)
"فهذا
…
قال" ساقط من ش.
(3)
ش: "لفظة".
وقال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: خطَّ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خطًّا، وقال:"هذا سبيل الله". ثمّ خطَّ خطوطًا عن يمينه وعن يساره، وقال:"هذه سُبلٌ، على كلِّ سبيلٍ شيطانٌ يدعو إليه". ثمّ قرأ قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]
(1)
.
وهذا لأنَّ الطَّريق المُوصِل إلى الله واحد
(2)
، وهو ما بعث به رسلَه وأنزل به كتبَه، لا يُوصَل إليه إلّا من هذا
(3)
الطّريق. ولو أتى النّاسُ من كلِّ طريقٍ، أو استفتحوا من كلِّ بابٍ، فالطُّرق عليهم مسدودةٌ، والأبواب في وجوههم مغلقةٌ إلّا هذا الطّريقَ الواحدَ، فإنّه متّصلٌ بالله تعالى، موصِلٌ إلى الله تعالى.
قال تعالى: {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41]. قال الحسن رضي الله عنه: معناه: صراطٌ إليّ مستقيمٌ
(4)
. وهذا يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون أراد به أنّه من باب إقامة الأدوات بعضِها مقامَ بعضٍ، فقامت أداة "على" مقام "إلى". والثّاني: أنّه أراد التّفسير على المعنى، وهو الأشبه بطريق
(1)
أخرجه أحمد (4142، 4437) والدارمي (208) والنسائي في "الكبرى"(11109) وابن حبان (6، 7) والحاكم (2/ 239، 318) وغيرهم بإسناد حسن. وانظر: "طريق الهجرتين"(1/ 383).
(2)
ع: "واحدة".
(3)
ع: "هذه".
(4)
أخرجه الطبري في "تفسيره"(14/ 70).
السّلف، أي صراطٌ يُوصِل
(1)
إليّ. وقال مجاهد رضي الله عنه: الحقُّ يرجع إلى الله، وعليه طريقه، لا يعرِّج على شيءٍ
(2)
. وهذا مثل قول الحسن وأبين منه، وهو من أصحِّ ما قيل في الآية. وقيل:"على" فيه للوجوب، أي عليَّ بيانه وتعريفه والدِّلالة عليه. والقولان نظير القولين في آية النّحل {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [الآية: 9]، والصّحيح فيها كالصّحيح في آية الحِجْر: أنّ السّبيل القاصد ــ وهو: المستقيم المعتدل ــ يرجع إلى الله، ويُوصِل إليه. قال طفيلٌ الغَنَويُّ
(3)
:
مضوا سلفًا قصدُ السَّبيل عليهِمُ
…
وصرفُ المنايا بالرِّجال تقَلَّبُ
أي ممرُّنا
(4)
عليهم، وإليهم وصولنا. وقال الآخر:
فهنَّ المنايا أيُّ وادٍ سلكتُه
(5)
…
عليها طريقي أو عليَّ طريقُها
(6)
(1)
هذا في ل. ومثله كان في ق ــ فيما يظهر ــ ثم أصلحه بعضهم: "مُوصِل" كما في النسخ الأخرى.
(2)
أخرجه الطبري (14/ 70).
(3)
يرثي فرسان قومه، من قصيدة في "ديوانه"(ص 40) و"الوحشيات"(ص 126). والبيت في "المعاني الكبير"(3/ 1213) و"تهذيب اللغة"(12/ 431) و"البسيط" للواحدي (6/ 408).
(4)
هكذا في ل، ع. ويبدو أن في ق مثله، ولكنه غيِّر إلى "مررنا" كما في النسخ الأخرى. وفي ش غيِّر "مررنا" إلى "مرورنا"، فإن معنى البيت عليه.
(5)
ع: "سلكنَه".
(6)
أنشده شيخ الإسلام. "مجموع الفتاوى"(15/ 214). وقد أنشده المؤلف في "بدائع الفوائد"(1/ 209) أيضًا، وذكر أنه قرَّر هذا المعنى وبيَّن شواهده من القرآن في كتابه "التحفة المكِّيَّة".
فإن قيل: لو أريد هذا المعنى لكان الأليق به أداة "إلى" التي هي للانتهاء، لا أداة "على" التي هي للوجوب. ألا ترى أنّه لمّا أراد الوصول قال:{(24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا}
(1)
[الغاشية: 25 - 26]، وقال:{إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} [يونس: 70]، {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ} [الأنعام: 108]؛ وقال لمّا أراد الوجوب: {(25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا} [الغاشية: 26]، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17]، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] ونظائر ذلك؟
قيل: في ذكر أداة "على" سرٌّ لطيفٌ، وهو الإشعار بكون السّالك على هذا الصِّراط على هدًى وحقٍّ مع وصوله إلى الله تعالى؛ فغايتُه الوصول إلى الله، وهو في حال استقامته على هدًى
(2)
وعلى حقٍّ؛ كما قال في حقِّ المؤمنين: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 5]. وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: 79]. والله عز وجل هو الحقُّ، وسراطه
(3)
حقٌّ، ودينه حقٌّ، فمن استقام على صراطه فهو على الحقِّ والهدى. وكان
(4)
في دلالة أداة "على" على هذا المعنى ما ليس في أداة "إلى"
(5)
فتأمّله، فإنّه سرٌّ بديعٌ.
(1)
لم ترد الآية الثانية هنا في ع، وذلك أنسب. وفيها بعد الآية الأولى:"ثم قال".
(2)
العبارة: "وحقٍّ مع وصوله
…
على هدًى" ساقطة من ع لانتقال النظر.
(3)
كذا في ق، ل بالسين هنا وبالصاد فيما يأتي. وفي غيرهما بالصاد في الموضعين.
(4)
كذا في جميع النسخ غير أن ل كان فيها "فكان" ــ فيما يظهر ــ ثم أصلح إلى "وكان"، والأول أشبه.
(5)
ش: "في دلالة إلى". وقد كتب بعضهم في هامش م: "دلالة" مع إشارة اللحق بعد "في". يعني: "في دلالة أداة (إلى) ".
فإن قلت: فما الفائدة في ذكر "على" في ذلك أيضًا؟ وكيف يكون المؤمن مستعليًا على الحقِّ وعلى الهدى؟
قلت: لما فيه من استعلائه وعلوِّه بالحقِّ والهدى، مع ثباته عليه، واستقامته عليه. فكان في الإتيان
(1)
بأداة "على" ما يدلُّ على علوِّه وثباته واستقامته؛ فإنَّ طريقَ الحقِّ تأخذ عُلْوًا صاعدةً
(2)
إلى العليِّ الكبير، وطريقَ الضلال تأخذ سُفْلًا هاويةً في أسفل سافلين
(3)
. وهذا بخلاف الضَّلال والرّيب، فإنّه يؤتى فيه بأداة "في" الدَّالَّة على انغماس صاحبه فيه، وانقماعه وتدسُّسه فيه، كقوله تعالى:{فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45]، وقوله:{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام: 39]، وقوله:{فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54]، {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود: 110]. وتأمّل قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24]
(4)
.
وفي قوله تعالى: {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41] قولٌ ثالثٌ ــ وهو قول الكسائيِّ
(5)
ــ إنّه على التّهديد والوعيد، نظير قوله تعالى: {إِنَّ
(1)
ش: "بالإتيان".
(2)
في ع بعدها زيادة: "بصاحبها".
(3)
ع: "هاوية بسالكها
…
السافلين".
(4)
العبارة السابقة "فإن طريق الحق تأخذ
…
سافلين" جاءت في ع في هذا الموضع.
(5)
"البسيط" للواحدي (12/ 607)، "تفسير البغوي" (4/ 382). وانظر:"معاني الفراء"(2/ 89).
رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] كما يقال: طريقك عليّ، وممرُّك عليّ، لمن تريد إعلامه بأنّه غير فائتٍ لك
(1)
، ولا معجزٍ. والسِّياق يأبى هذا، ولا يناسبه لمن تأمّله، فإنّه قال تعالى مجيبًا لإبليس لعنه الله [الذي قال]
(2)
: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ} [ص: 82 - 83] فإنّه لا سبيل لي إلى إغوائهم، ولا طريق لي عليهم. فقرَّر الله تعالى ذلك أتمَّ التّقرير، وأخبر أنّ الإخلاص صراطٌ عليه مستقيمٌ، فلا سلطان لك على عبادي الذين هم على هذا الصِّراط، لأنّه صراطٌ عليَّ. ولا سبيل لإبليس إلى أهل هذا الصِّراط، فإنّه محروسٌ محفوظٌ بالله، فلا يصل عدوُّ الله إلى أهله.
فليتأمّل العارف هذا الموضع حقّ التّأمُّل، ولينظر إلى هذا المعنى، ويوازن بينه وبين القولين الآخرين: أيُّهما أليق بالآيتين، وأقرب إلى مقصود القرآن وأقوال السّلف؟
وأمّا تشبيه الكسائيِّ له بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] فلا يخفى الفرق بينهما سياقًا ودلالةً، فتأمّله. ولا يقال في التّهديد: هذا طريقٌ
(3)
مستقيمٌ عليّ، لمن لا يسلكه، وليست سبيل المهدَّد مستقيمةً، فهو غير مهدَّدٍ بصراط الله المستقيم، وسبيلُه التي هو عليها ليست مستقيمةً على الله تعالى. فلا يستقيم هذا القول البتّة.
وأمّا قول من فسَّره بالوجوب، أي عليّ بيانُ استقامته والدِّلالة عليه؛
(1)
"لك" ساقط من ش.
(2)
من طبعة الفقي.
(3)
م، ش:"صراط".
فالمعنى صحيحٌ، لكن في كونه هو المراد بالآية نظرٌ، لأنّه حذفٌ في غير موضع الدِّلالة، ولم يؤلَف الحذف المذكور ليكون مدلولًا عليه إذا حُذِف، بخلاف حذف عامل الظّرف إذا وقع صفةً فإنّه حذفٌ مألوفٌ معروفٌ، حتّى إنّه لا يذكر البتّة. فإذا قلت: له درهمٌ عليّ، كان الحذف معروفًا مألوفًا. فلو أردت: عليَّ نقدُه، أو عليَّ وزنه وحفظه ونحو ذلك، وحذفتَ= لم يسُغْ. وهو نظير: عليَّ بيانُه المقدَّر في الآية، مع أنّ الذي قاله السّلف أليق بالسِّياق وأجلُّ المعنيين وأكبرهما.
وسمعت شيخ الإسلام تقيّ الدِّين ابن تيميّة رضي الله عنه يقول: وهما نظير قوله تبارك وتعالى: {(11) إِنَّ عَلَيْنَا} [الليل: 12] قال: فهذه ثلاثة مواضع في القرآن في هذا المعنى.
قلت: وأكثر المفسِّرين لم يذكروا في سورة (واللّيل إذا يغشى) إلّا معنى الوجوب، أي علينا بيان الهدى من الضّلال. ومنهم من لم يذكر في سورة النّحل إلّا هذا المعنى كالبغويِّ، وذكَر في الحِجْر الأقوال الثّلاثة
(1)
. وذكر الواحديُّ في "بسيطه"
(2)
المعنيين في سورة النّحل. واختيار
(3)
شيخنا قول مجاهدٍ والحسن في السُّور الثّلاث
(4)
.
(1)
"تفسير البغوي"(5/ 11، 4/ 382).
(2)
(13/ 24).
(3)
ش: "واختار".
(4)
انظر: "مجموع الفتاوى"(15/ 212) والمؤلف في هذا الفصل صادر عن كلام شيخه. وانظر: "شفاء العليل"(ص 87)، و"التبيان"(ص 104 - 106)، و"بدائع الفوائد"(1/ 208 - 209).