الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في العقيقة]
(شاتان مكافئتان) قال في النّهاية: يعني متساويتين في السنّ، أي لا يعق عنه إلَّا بمسنّة، وأقلّه أن يكون جذعًا كما يجزئ في الضحايا. وقيل: مكافئتان أي مستويتان أي: متقاربتان، واختار الخطّابي الأوّل. واللّفظ مكافِئتان بكسر الفاء، يقال: كافأه يكافئه فهو مكافئه أي: مساويه، قال: والمحدّثون يقولون مكافأتان بالفَتح، وأرى الفتح أولى لأنّه يريد شاتين قد سوّي بينهما أي مساوى بينهما، وأمّا بالكسر فمعناه أنّهما مساويتان فيحتاج أن يذكر أيّ شيء ساويا، وأمّا لو قال متكافئتان كان الكسر أولى. قال الزمخشري: لا فرق بين المكافئتين والمكافأتين، لأن كل واحدة إذا كافأت أختها فقد كوفئت فهي مكافئة ومكافأة. أو يكون معناه معادلتان لما يجب في الزكاة والأضحية من الأسنان، ويحتمل مع الفتح أن يراد مذبوحتان، من كافأ الرجل بين بعيرين إذا نحرهما من غير تفريق، كأنّه يريد شاتين يذبحهما في وقت واحد.
(أقرّوا الطير على مكناتها) قال الخطابي: قال أبو عبيد: قال أبو زياد (1) الكلّابي: لا يعرف للطير مكنات وإنّما هي الوكنات، وهي موضع عشّ الطائر. قال أبو عبيد: وتفسير المكنات على (غير)(2) هذا التفسير، يقول لا تزجروا الطير ولا تلتفتوا إليها، أقرّوها على مواضعها التي جعلها الله لها من أنّها لا تضرّ ولا تنفع. وكلاهما له وجه، وفيه وجه ثالث يحكى عن الشافعي أنّه قال: كانت العرب تولع بالعيافة وزجر الطير، فكان العربي إذا خرج من بيته غاديًا في بعض الحاجة نظر هل يرى طائرًا يطير فينزجر بسنوحه أو بروحه، فإذا لم ير ذلك عمد إلى الطير الواقع على الشجر فحرّكه ليطير ثمّ ينظر أيّ جهة يأخذ فيزجره، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أقرّوا الطير على أمكنتها لا تطيروها ولا تزجروها. وقال بعضهم: قوله أقرّوا الطير على مكناتها فيه كالدلالة على كراهة صيد الطير باللّيل. انتهى.
وقال في النهاية: المكنات في الأصل بيض الضّباب، واحدها مكنة بكسر الكاف وقد تفتح، يقال: مكنت الضبّة وأمكنت، قال أبو عبيد: جائز في الكلام أن يستعار مكن الضّباب فيجعل للطير، كما قيل مشافر الجيش (3)، وإنّما المشافر للإبل. وقيل: المكنات بمعنى الأمكنة، يقال: الناس على مكناتهم وسكناتهم أي على أمكنتهم ومساكنهم، ومعناه أن الرجل في الجاهلية كان إذا أراد حاجة أتى طيرًا ساقطًا أو في وكره فنفّره، فإن طار ذات اليمين مضى لحاجته، وإن طار ذات الشمال رجع، فنهوا عن ذلك، أي لا تزجروها وأقرّوها على مواضعها التي جعل الله لها، فإنّها لا تضرّ ولا تنفع. وقيل: المَكِنَة التّمكّن كالطّلِبَة والتّبعَة من التطلّب والتّتبّع، يقال: إنّ فلانًا لذو مكنة من السلطان أي ذو تمكّن، يعني أقرّوها على كل مكنة ترونها عليها ودعوا التطيّر بها. وقال الزمخشري: يروى مُكُناتها بضمّتين جمع مُكُن، ومُكُن جمع مكان، كصُعُدات في صُعُد وحُمُرات في حُمُر.
(1) في معالم السنن: "أبو زناد".
(2)
غير موجود في ب.
(3)
في النهاية: "الحبش".
وقال البيهقي في سننه: مكناتها بخفض الكاف، وهي بنصب الكاف أيضًا، جمع مكان كما بَلَغني، أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الوليد الفقيه ثنا إبراهيم بن محمود قال: سأل إنسان يونس بن عبد الأعلى عن معنى قوله: "أقرّوا الطير على مكناتها"، فقال: إن الله يحبّ الحقّ، إنّ الشافعي كان صاحب ذا، سمعته يقول في تفسيره: كان الرجل في الجاهلية إذا أتى الحاجة أتى الطير في وكره فنفّره، فإن أخذ ذات اليمين مضى لحاجته وإن أخذ ذات الشمال رجع، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قال: وكان الشافعي نسيج وحده في هذه المعاني.
(عن الحسن عن سمرة بن جندب) قال بعضهم: لم يسمع الحسن من سمرة إلّا هذا الحديث. وقال الحافظ جمال الدين المزي في الأطراف: يقال إن حديثه عنه كلّه كتاب إلَّا حديث العقيقة.
(كلّ غلام رهينة بعقيقته) قال في النهاية: الرّهينة الرّهن، والهاء للمبالغة، كالشتيمة والشتم، ثمّ استعملا في معنى المرهون، فقيل: هو رهن بكذا ورهينة بكذا، ومعنى قوله رهينة بعقيقته (أنّ)(1) العقيقة لازمة له لا بدّ
(1) في أ: "أي".
منها، فشبّهه في لزومها له وعدم انفكاكه منها بالرّهن في يد المرتهن. قال الخطّابي: تكلّم الناس في هذا، وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال: هذا في الشّفاعة، يريد أنّه إذا لم يعق عنه فمات طفلًا لم يشفع في والديه. وقيل: معناه: أنّه مرهون بأذى شعره واستدلّوا بقوله "فأميطوا عنه الأذى"، وهو ما علق به من دم الرّحم.
(ويدمّى) قال الخطّابي: اختلف الناس في تدميته بدم العقيقة، فكان قتادة يقول به ويفسّره بما رواه عنه أبو داود، وروي عن الحسن أنّه قال يُطْلى بدم العقيقة رأسه، وكره أكثر أهل العلم لطخ رأسه بدم العقيقة وقالوا: كان ذلك من عمل الجاهلية، وتكلّموا في رواية هذا الحديث وقالوا: قوله يدمّى غلط وإنّما هو يسمّى. قال الخطّابي: وإذا كان قد أمرهم بإماطة ما خفّ من الأذى وهو الشعر عن رأس الصبيّ، فكيف يأمرهم بتدمية رأسه والدّم نجس، فدل على أن رواية من قال يسمّى أولى وأصحّ.
(وأميطوا) أي: نحّوا (عنه الأذى) قال الخطّابي: معناه حلق الرأس وإزالة ما عليه من الشّعر.
وقال الكرماني: يحتمل أن يراد به أثار دم الرّحم، وقيل كانوا يلطّخون رأس المولود بدم العقيقة فنهوا عنه، وقيل المراد به الختان، وعن محمد بن سيرين: لمّا سمعنا هذا الحديث طلبنا من يعرف معنى الأذى فلم نجد. انتهى، وهذا أخرجه البيهقي في سننه عن محمد بن سيرين قال: حرصت على أن أعلم ما أميطوا عنه الأذى فلم أجد من يخبرني.
(لا يحبّ الله العقوق) قال الخطّابي: ليس فيه توهين لأمر العقيقة ولا إسقاط لوجوبها، وإنّما استبشع الاسم وأحبّ أن يسمّيه بأحسن منه، كالنّسيكة أو الذبيحة.
(الفرع حق) قال البيهقي في سننه: قال الشافعي: معناه ليس بباطل، ولكنّه كلام عربيّ خرج على جواب السائل. قال: وقد روي عنه "لا فرع" وليس هذا باختلاف من الرّواية إنّما هذا لا فرع واجب.
(حتى يكون بكرًا) بالفتح، هو الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من الناس.
(شغزبًّا) قال الخطّابي: هكذا رواه أبو داود وهو غلط والصواب "حتّى يكون بكرًا زخربًا (1) " وهو الغليظ، هكذا رواه أبو عبيد وغيره، ويشبه أن يكون حرف الزّاي قد أبدل بالسّين لقرب مخرجهما (2) وأبدل الخاء غينًا لقرب مخرجهما فصار سغربًا فصحّفه بعض الروّاة فقال شغزبّا.
(وتكفئ إناءك) قال الخطّابي: يريد بالإناء المحلب الذي يحلب فيه النّاقة، يقول إذا ذبحت حُوارها انقطعت مادّة اللّبن فتترك الإناء مكفأ لا يحلب فيه.
(وتولّه ناقتك) أي: تفجعها بولدها، وأصله من الوله وهو ذهاب العقل من فقدان إِلْف.
(1) في ب: "زخزيا"! .
(2)
في معالم السنن: "مخارجهما".