الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخمر من هاتين الشجرتين النّخلة والعنبة) قال الخطّابي: هذا غير مخالف لما قبله من حديث النعمان (1) أن الخمر يكون من العسل ومن البرّ ومن الشعير، لأنّ معناه أنّ معظم ما يتّخذ من الخمر إنّما هو من هاتين وإن كانت قد تتّخذ من غيرهما، وإنّما هو من باب التأكيد لتحريم ما يتّخذ منها لضراوته وشدّة سورته، وهذا كما يقال: الشبع في اللّحم والدّفء في الوبر ونحو ذلك، وليس فيه نفي الشّبع عن غير اللّحم ولا نفي الدّفء عن غير الوبر، ولكن فيه التأكيد لأمرهما والتقديم لهما على غيرهما في نفس ذلك المعنى.
* * *
[باب النهي عن المسكر]
(كلّ مسكر خمر) قال الخطّابي: يتأوّل على وجهين؛ أحدهما: أن الخمر اسم لكلّ ما يوجد فيه السّكر من الأشربة كلّها، ومن ذهب إلى هذا قال إنّ للشريعة أن تحدث الأسماء بعد أن لم تكن، كما أنّ لها أن تضع
(1) سنن أبي داود ح 3676 ولفظه: "إنّ من العنب خمرًا، وإنّ من التمر خمرًا، وإن من العسل خمرًا، وإنّ من البرّ خمرًا، وإنّ من الشعير خمرًا".
الأحكام بعد أن لم تكن، والآخر: أن يكون معناه أنّه كالخمر في الحرمة ووجوب الحدّ على شاربه وإن لم يكن عين الخمر وإنّما ألحق بالخمر حكمًا إذ كان في معناها، وهذا كما جعلوا النبّاش في حكم السارق، والمتلوّط في حكم الزاني، وإن كان كلّ واحد منهما يختصّ في اللغة باسم غير السرقة وغير الزّنا.
(ومن مات وهو يشرب الخمر يدمنها) قال الخطّابي: مدمن الخمر هو الذي يتّخذها ويعاصرها (1)، وقال النضر بن شميل: من شرب الخمر إذا وجدها فهو مدمن للخمر وإن لم يكن يتّخذها.
وفي النهاية: مدمن الخمر هو الذي يعاود شربها ويلازمه ولا ينفكّ عنه.
(لم يشربها في الآخرة) قال الخطّابي: معناه لم يدخل الجنة لأنّ شراب أهل الجنة خمر. انتهى.
ثمّ أكثرهم يؤوّل مثل هذا الحديث على معنى أنّه لا يدخل الجنة مع السابقين الأوّلين، وعندي فيه تأويل آخر، وهو قد يكون إشارة إلى ما ذكره العلماء من أسباب سوء الخاتمة والعياذ بالله إدمان الخمر، فلعلّه أشار بذلك إلى أنّه يقبض على غير التوحيد عقوبة له فلا يدخل الجنة ولا يشربها.
(1) في معالم السنن: "يعاقرها".
(ومن شرب مسكرًا بخست صلاته أربعين صباحًا) يستدلّ به لما قاله الشيخ تقي الدين السبكي: إنّ قول الشافعي رضي الله عنه ليس على الأجواف نجاسة، وقول ابن سريج: الشربة تقتضي أنّه ليس في باطن الإنسان نجاسة، مرادهم به ما خلقه الله فيه منه لا ممّا دخل من خارج، أمّا نجِس أدخله الإنسان عدوانًا إلى باطنه فإنّه ينجّسه لأنّه أدخل نجسًا محكومًا عليه بالنجاسة فلاقى الباطن فنجّسه، ثمّ تطهيره متعذّر لأنّ كلّ قدر ينتهي إليه يتنجّس لملاقاته النّجس فيحكم عليه بالنّجاسة.
(فإن عاد الرّابعة كان حقًّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال) في هذا تأييد (للأخبار الواردة)(1) بقتل شارب الخمر في الرّابعة، وأنّا أميل إلى اختيار ذلك، فإنّ الأحاديث فيه كثيرة صحيحة، ولم يثبت له ناسخ صريح.
(والميسر) هو القمار.
(والكوبة) قال في النهاية: هي النّرد، وقيل الطبل، وقيل البَرْبط (2). وصحّحه الخطّابي.
(والغبيراء) هي ضرب من الشّراب يتّخذه الحبش من الذرّة ويسمّى السُكْركة، وقال ثعلب: هي خمر تعمل من الغبيراء هذا التمر المعروف.
(1) في ب: "للوارد".
(2)
البَرْبَط: من آلات الطرب يشبه العود، فارسي معرب بربت.
(عن كلّ مسكر ومفتّر) قال الخطّابي: المفتّر كلّ شراب يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهو مقدّمة السكر، نهى عن شربه لئلّا يكون ذريعة إلى السكر.
وأورد (1) في النهاية في مادة فتر بالفاء والمثناة الفوقية وقال: المفتّر الذي إذا شرب أحمى الجسد وصار فيه فُتور، وهو ضَعْف وانكسار، يقال أَفْتَر الرّجل فهو مُفْتر إذا ضعفت جفونه وانكسر طرفه، فإمّا أن يكون أفتره بمعنى فَتَره أي جعله فاترًا، وإمّا أن يكون أفتر الشّراب إذا فتر شاربه، كأقطف الرجل إذا قطَفَت دابَّته. انتهى. ويوجد في بعض النّسخ ومقيّر بقاف ومثناة تحتية وهو تصحيف.
ويحكى أنّ رجلًا من العجم قدم القاهرة وطلب دليلًا على تحريم الحشيشة، وعقد لذلك مجلسًا حضره علماء العصر، فاستدلّ الحافظ زين الدّين العراقي بهذا الحديث، فأعجب الحاضرين.
(الفرق) بفتح الرّاء، مكيلة تَسَع ستة عشر رطلًا.
(1) كذا في النسخ الثلاث.