الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسكران ولهفان لمن ملئ بذلك؟ فبناء فعلان للسعة والشمول. ولهذا يقرن استواؤه على العرش بهذا الإسم كثيرا كقوله تعالى: 20: 5 الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 25: 59 ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فاستوى على عرشه باسم الرحمن، لأن العرش محيط بالمخلوقات، قد وسعها.
والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم، كما قال تعالى: 7: 156 وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات. فلذلك وسعت رحمته كل شيء.
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده موضوع على العرش: إن رحمتي تغلب غضبي»
وفي لفظ «فهو وضع عنده على العرش» .
فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة، ووضعه عنده على العرش، وطابق بين ذلك وبين قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى وقوله: 26: 156 ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم.
وصفات العدل، والقبض والبسط. والخفض والرفع. والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والقهر والحكم، ونحوها: أخص باسم «الملك» وخصه بيوم الدين، وهو الجزاء بالعدل، لتفرده بالحكم فيه وحده، ولأنه اليوم الحق، وما قبله كساعة. ولأنه الغاية، وأيام الدنيا مراحل إليه.
فصل
وتأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة. وهي: «الله، والرب، والرحمن» كيف نشأ عنها الخلق، والأمر، والثواب، والعقاب؟
وكيف جمعت الخلق وفرقتهم؟ فلها الجمع والفرق.
فاسم «الرب» له الجمع الجامع لجميع المخلوقات. فهو رب كل شيء وخلقه، والقادر عليه لا يخرج شيء عن ربوبيته. وكل من في السموات والأرض عبد له في قبضته، وتحت قهره. فاجتمعوا بصفة الربوبية، وافترقوا بصفة الإلهية، فألّهه وحده السعداء، وأقروا له طوعا بأنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا تنبغي الغبادة والتوكل، والرجاء والخوف، والحب والإنابة والإخبات والخشية، والتذلل والخضوع إلا له.
وهاهنا افترق الناس وصاروا فريقين: فريقا مشركين في السعير، وفريقا موحدين في الجنة.
فالإلهية هي التي فرقتهم، كما أن الربوبية هي التي جمعتهم فالدين والشرع، والأمر والنهي، مظهره وقيامه: من صفة الإلهية، والخلق والإيجاد والتدبير والفعل: من صفة الربوبية. والجزاء بالثواب والعقاب والجنة والنار: من صفة الملك. وهو ملك يوم الدين. فأمرهم بإلهيته، وأعانهم ووفقهم وهداهم وأضلهم بربوبيته. وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله. وكل واحدة من هذه الأمور لا تنفك عن الأخرى.
وأما الرحمة فهي التعلق والسبب الذي بين الله وبين عباده. فالتأليه منهم له، والربوبية منه لهم. والرحمة سبب واصل بينه وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم. فبينهم وبينه سبب العبودية، وبينه وبينهم سبب الرحمة.
واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته، ف الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى مطابق لقوله: رَبِّ الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها، فوسع كل شيء برحمته وربوبيته، مع أن في كونه ربا