الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مغفرة للسائل إذا وجد منه بعض الجفوة والأذى لك بسبب رده فيكون عفوه عنه خيرا من أن يتصدق عليه ويؤذيه. هذا على المشهور من القولين في الآية، والقول الثاني: أن المغفرة من الله أي مغفرة لكم من الله بسبب القول المعروف والرد الجميل خير من صدقة يتبعها أذى، وفيها قول ثالث أي مغفرة وعفو من السائل إذ ردّ وتعذر المسؤول خير من أن ينال بنفسه صدقة يتبعها أذى. وأوضح الأقوال هو الأول ويليه الثاني والثالث ضعيف جدا لأن الخطاب إنما هو للمنفق المسؤول لا للسائل الآخذ. والمعنى: أن قول المعروف له والتجاوز والعفو خير لك من أن تصدق عليه وتؤذيه، ثم ختم الآية بصفتين مناسبتين لما تضمنته فقال: وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ وفيه معنيان.
أحدهما: إن الله غني عنكم لن يناله شيء من صدقاتكم وإنما الحظ الأوفر لكم في الصدقة فنفعها عائد عليكم لا إليه سبحانه وتعالى فكيف يمن بنفقته ويؤذي مع غني الله التام عنها وعن كل ما سواه ومع هذا فهو حليم إذ لم يعاجل المان بالعقوبة. وفي ضمن هذا: الوعيد والتحذير.
والمعنى الثاني: أنه سبحانه وتعالى مع غناه التام من كل وجه فهو الموصوف بالحلم والتجاوز، والصفح مع عطائه وصدقاته العميمة، فكيف يؤذي أحدكم بمنه، وأذاه مع قلة ما يعطي ونزارته وفقره، ثم
[سورة البقرة (2) : آية 264]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264)
فتضمنت هذه الآية الإخبار بأن المن والأذى يحبط الصدقة، وهذا دليل على أن الحسنة قد تحبط بالسيئة مع قوله تعالى: 49: 2 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ.
وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في أول هذه الرسالة فلا حاجة إلى
إعادته وقد يقال: إن المن والأذى المقارن للصدقة هو الذي يبطلها دون أن يلحقها بعدها إلا أنه ليس في اللفظ ما يدل على هذا التقييد والسياق يدل على إبطالها به مطلقا، وقد يقال: تمثيله بالمرائي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر يدل على أن المن والأذى المبطل هو المقارن كالرياء وعدم الإيمان فإن الرياء لو تأخر عن العمل لم يبطله، ويجاب عن هذا بجوابين:
أحدهما: أن التشبيه وقع في الحال التي يحبط بها العمل وهي حال المرائي والمان المؤذي في أن كل واحد منهما يحبط العمل.
الثاني: أن الرياء لا يكون إلا مقارنا للعمل لأنه فعال من الرؤيا التي صاحبها يعمل ليرى الناس عمله فلا يكون متراخيا وهذا بخلاف المن والأذى فإنه يكون مقارنا ومتراخيا وتراخيه أكثر من مقارنته.
وقوله: «كالذي ينفق» إما أن يكون المعنى كإبطال الذي ينفق فيكون قد شبه الأبطال بالأبطال أو المعنى لا تكونوا كالذي ينفق ماله رئاء الناس فيكون تشبيها للمنفق بالمنفق.
وقوله: «فمثله» أي مثل هذا المنفق الذي قد بطل ثواب نفقته كمثل صفوان وهو الحجر الأملس وفيه قولان: أحدهما: أنه واحد. والثاني: جمع صفوة عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ وهو المطر الشديد فتركه صلدا وهو الأملس الذي لا شيء عليه من نبات ولا غيره. وهذا من أبلغ الأمثال وأحسنها فإنه يتضمن تشبيه قلب هذا المنفق المرائي الذي لم يصدر إنفاقه عن إيمان بالله واليوم الآخر بالحجر، لشدته وصلابته وعدم الانتفاع به وتضمن تشبيه ما علق به من أثر الصدقة بالغبار الذي علق بذلك الحجر والوابل الذي أزال ذلك التراب عن الحجر فأذهبه بالمانع الذي أبطل صدقته وأزالها كما يذهب الوابل التراب الذي على الحجر فيتركه صلدا فلا يقدر المنفق على شيء من ثوابه لبطلانه وزواله. وفيه معنى آخر: وهو أن المنفق لغير الله هو في الظاهر عامل عملا يرتب عليه الأجر ويزكو له كما تزكو الحبة التي إذا بذرت في التراب