الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الكافرون
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الكافرون (109) : الآيات 3 الى 6]
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
«ما» على بابها لأنها واقعة على معبوده صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، لأن امتناعهم من عبادة الله ليس لذاته، بل كانوا يظنون أنهم يعبدون الله، ولكنهم كانوا جاهلين به. فقوله: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ أي لا أنتم تعبدون معبودي. ومعبوده هو كان صلى الله عليه وسلم عارفا به دونهم، وهم جاهلون به. هذا جواب بعضهم.
وقال آخرون: إن «ما» هنا مصدرية. لا موصولة، أي لا تعبدون عبادتي. ويلزم من تبرئتهم من عبادته تبرئتهم من المعبود، لأن العبادة متعلقة به، وليس هذا بشيء. إذ المقصود: براءته من معبوديهم، وإعلامه أنهم بريئون من معبوده تعالى. فالمقصود المعبود لا العبادة.
وقيل: إنهم كانوا يقصدون مخالفته صلى الله عليه وسلم حسدا له، وأنفة من أتباعه.
فهم لا يعبدون معبوده لا كراهية لذات المعبود، ولكن كراهية لاتباعه صلى الله عليه وسلم،
وحرصا على مخالفته في العبادة. وعلى هذا لا يصح في النظم البديع والمعنى الرفيع إلا لفظ «ما» لإبهامها ومطابقتها الغرض الذي تضمنته الآية.
وقيل في ذلك وجه رابع، وهو: قصد ازدواج الكلام في البلاغة والفصاحة مثل قوله: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ وفَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ فكذلك لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ومعبودهم لا يعقل. ثم ازدوج مع هذا الكلام قوله وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ فاستوى اللفظان، وإن اختلف المعنيان، ولهذا لا يجيء في الأفراد مثل هذا، بل لا يجيء إلا «من» كقوله قل أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ؟ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ؟
أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ؟ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ؟ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ؟ أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ؟ إلى أمثال ذلك.
وعندي فيه وجه خامس، أقرب من هذا وهو: أن المقصود هنا ذكر المعبود الموصوف بكونه أهلا للعبادة مستحقا لها، فأتى ب «ما» الدالة على هذا المعنى. كأنه قيل: ولا أنتم عابدون معبودي الموصوف بأنه المعبود الحق. ولو أتى بلفظة «من» لكانت إنما تدل على الذات فقط، ويكون ذكر الصلة تعريفا، لا أنه هو جهة العبادة.
ففرق بين أن يكون كونه تعالى أهلا لأن يعبد، وبين أن يكون تعريفا محضا أو وصفا مقتضيا لعبادته. فتأمله فإنه بديع جدا. وهذا معنى قوله النحاة:
إن «ما» تأتي لصفات من يعلم.
ونظيره فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ لما كان المراد الوصف، وأن السبب الداعي إلى الأمر بالنكاح، وقصده- وهو الطيب- فتنكح المرأة الموصوفة به: أتى ب «ما» دون «من» ، وهذا باب لا ينخرم، وهو من ألطف مسالك العربية.
وإذا قد أفضى الكلام بنا إلى هنا، فلنذكر فائدة ثانية على ذلك، وهي