الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصواب أن يكون مما شرعه الله على لسان رسوله.
والثلاثة المردودة ما خالف ذلك.
وفي تشبيهها بالرماد سرّ بديع. وذلك للتشابه بين أعمالهم وبين الرماد، في إحراق النار وإذهابها لأصل هذا وهذا. فكانت الأعمال التي لغير الله، وعلى غير مراده: طعمة للنار، وبها تسعّر النار على أصحابها.
وينشئ الله سبحانه لهم من أعمالهم الباطلة نارا وعذابا، كما ينشئ لأهل الأعمال الموافقة لأمره ونهيه التي هي خالصة لوجهه من أعمالهم نعيما وروحا، فأثرت النار في أعمال أولئك حتى جعلتها رمادا. فهم وأعمالهم وما يعبدون من دون الله وقود النار.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 25]
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)
شبه سبحانه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة. لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح، والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع. وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون: الكلمة الطيبة: هي شهادة أن لا إله إلا الله. فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة، الظاهرة والباطنة. فكل عمل صالح مرض لله فهو ثمرة هذه الكلمة.
وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كلمة طيبة: شهادة أن لا إله إلا الله. كشجرة طيبة: وهو المؤمن. أصلها ثابت قول: لا إله إلا الله في قلب المؤمن وَفَرْعُها فِي السَّماءِ يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء.
وقال الربيع بن أنس: كلمة طيبة: هذا مثل الإيمان. فإن الإيمان الشجرة الطيبة، وأصلها الثابت الذي لا يزول: الإخلاص فيه. وفرعها في
السماء: خشية الله. والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن. فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل، الباسقة الفرع في السماء علوا، التي لا تزال تؤتي ثمرتها كل حين.
وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء. ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة كل وقت، بحسب ثباتها في القلب، ومحبة القلب لها، وإخلاصه فيها، ومعرفته بحقيقتها، وقيامه بحقوقها، ومراعاتها حق رعايتها. فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها، واتصف قلبه بها، وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها. فعرف حقيقة إلهيته التي يثبتها قلبه لله، ويشهد بها لسانه، وتصدقها جوارحه، ونفي تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات، وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سبل ربه ذللا غير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلا. كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا. فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت. فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل الصالح إلى الرب تعالى.
وهذه الكلمة الطيبة تثمر كلما كثيرا طيبا، يقارنه عمل صالح، فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب، كما قال تعالى: 35: 10 إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ فأخبر سبحانه، أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب. وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملا صالحا كل وقت.
والمقصود: أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا، ومتصفا بموجبها، قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته.
فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد أصلها ثابت راسخ في قلبه. وفروعها متصلة بالسماء. وهي مخرجة ثمرتها كل وقت.
ومن السلف من قال: إن الشجرة الطيبة هي النخلة. ويدل عليه حديث ابن عمر في الصحيح.
ومنهم من قال: هي المؤمن نفسه. كما قال محمد بن سعد: حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن ابن عباس في قوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ يعني بالشجرة الطيبة: المؤمن، ويعني بالأصل الثابت في الأرض، والفرع في السماء: بكون المؤمن يعمل في الأرض ويتكلم، فيبلغ عمله وقوله السماء. وهو في الأرض.
وقال عطية العوفي في قوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ قال: ذلك مثل المؤمن، لا يزال يخرج منه كلام طيب وعمل صالح يصعد إلى الله.
وقال الربيع بن أنس: أصلها ثابت وفرعها في السماء، قال: ذلك المؤمن ضرب مثله في الإخلاص لله وعبادته وحده لا شريك له، أصلها ثابت قال: أصل عمله ثابت في الأرض، وفرعها في السماء قال: ذكره في السماء.
ولا اختلاف بين القولين.
والمقصود بالمثل: المؤمن، والنخلة مشبهة به، وهو مشبه بها. وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك.
ومن قال من السلف: إنها شجرة في الجنة. فالنخلة من أشرف أشجار الجنة.
وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به، ويقتضيه علم الرب الذي تكلم به، وحكمته سبحانه.
فمن ذلك: أن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر.
فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ليطابق المشبه المشبه له. فعروقها: العلم
والمعرفة، واليقين وساقها: الإخلاص، وفروعها: الأعمال وثمرتها: ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة، والصفات الممدوحة، والأخلاق الزكية، والسّمت الصالح والهدى والدّلّ المرضي. فيستدل على غرس هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور.
فإذا كان العلم صحيحا مطابقا لمعلومه الذي أنزل الله كتابه به، والاعتقاد مطابقا لما أخبر به عن نفسه، وأخبرت به عنه رسله، والإخلاص قائم في القلب، والأعمال موافقة للأمر، والهدى والدّل والسّمت مشابه لهذه الأصول مناسب لها: علم أن شجرة الإيمان في القلب أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وإذا كان الأمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إنما هو الشجرة الخبيثة، التي اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار.
ومنها: أن الشجرة لا تبقى حية إلا بمادة تسقيها وتنميها. فإذا قطع عنها السقي أوشك أن تيبس. فهكذا شجرة الإسلام في القلب، إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح، والعود بالتذكر على التفكر، وبالتفكر على التذكر، وإلا أوشك أن تيبس.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الإيمان يخلق في القلب كما يخلق الثوب، فجددوا إيمانكم» .
وبالجملة: فالغرس إن لم يتعاهده صاحبه أوشك أن يهلك.
ومن هاهنا تعلم شدة حاجة العباد إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات، ومن عظيم رحمته، وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده: أن وظفها عليها وجعلها مادة لسقي غراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم.
ومنها: أن الغرس والزرع النافع قد أجرى الله سبحانه العادة أنه لا بد أن يخالطه دغل ونبت غريب، ليس من جنسه. فإن تعاهده ربه ونقاه وقلعه