الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك قولهم: عج العجل: إذا صوت. فإن تابع صوته، قالوا:
عجعج. وكذلك. ثجّ الماء إذا صبّ. فإن تكرر ذلك قيل: ثجثج.
والمقصود: أن الموسوس لما كان يكرر وسوسته ويتابعها، قيل:
وسوس.
فصل
إذا عرف هذا. فاختلف الن
حاة في لفظ الوسواس: هل هو وصف، أو مصدر؟ على قولين. ونحن نذكر حجة كل قول. ثم نبين الصحيح من القولين بعون الله وفضله.
فأما من ذهب إلى أنه مصدر فاحتج بأن الفعل منه فعلل، والوصف من فعلل إنما مفعلل، كمدحرج، ومسرهف، ومبيطر، ومسيطر. وكذلك هو من فعل بوزن مفعل، كمقطع، ومخرج، وبابه. فلو كان بالوسواس صفة لقيل:
موسوس، ألا ترى أن اسم الفاعل من زلزل: مزلزل، لا زلزال. وكذلك من دكدك: مدكدك. وهو مطرد. فدل على أن الوسواس مصدر وصف به على وجه المبالغة. أو يكون على حذف مضاف، تقديره: ذو الوسواس.
قالوا: والدليل عليه أيضا قول الشاعر:
تسمع للحلى بها وسواسا
فهذا مصدر بمعنى الوسوسة سواء.
قال أصحاب القول الآخر: الدليل على أنه وصف: أن فعلل ضربان.
أحدهما: صحيح لا تكرار فيه، كدحرج، وسرهف، وبيطر. وقياس مصدر هذا الفعللة، كالدحرجة والسّرهفة، والبيطرة، والفعلان- بكسر الفاء- كالسّرهاف والدحراج. والوصف منه: مفعلل كمدحرج ومبيطر.
والثاني: فعّل الثنائي المكرر كزلزل، ودكدك ووسوس. وهذا فرع على فعلل المجرد عن التكرار. لأن الأصل السلامة من التكرار. ومصدر
هذا النوع والوصف منه: مساو لمصدر الأول ووصفه. فمصدره يأتي على الفعللة، كالوسوسة، والزلزلة، والفعلان كالزلزال.
وأقيس المصدرين وأولاهما بنوعي فعلل: الفعلان. لأمرين.
أحدهما: أن فعلل مشاكل لأفعل في عدد الحروف وفتح الأول والثالث والرابع وسكون الثاني. فجعل إفعال مصدر أفعل، وفعلال مصدر فعلل ليتشاكل المصدران، كما يتشاكل الفعلان. فكان الفعلال أولى بهذا الوزن من الفعللة.
الثاني: أن أصل المصدر أن يخالف وزنه وزن فعله، ومخالفة فعلال لفعلل أشد من مخالفة فعللة له. فكان فعلال أحق بالمصدرية من فعللة، أو تساويا في الاطراد، مع أن فعللة أرجح في الاستعمال وأكثر. هذا هو الأصل.
وقد جاءوا بمصدر هذا الوزن المكرر مفتوح الفاء.
فقالوا: وسوس الشيطان وسواسا، ووعوع الكلب وعواعا. إذا عوى، وعظعظ السهم «1» عظعاظا. والجاري على القياس فعلال بكسر الفاء أو فعللة. وهذا المفتوح نادر. لأن الرباعي الصحيح أصل للمتكرر ولم يأت مصدر الصحيح، مع كونه أصلا، إلا على فعللة وفعلال بالكسر. فلم يحسن بالرباعي المكرر، لفرعيته، أن يكون مصدره إلا كذلك. لأن الفرع لا يخالف أصله، بل يحتذي فيه حذوه. وهذا يقتضي أن لا يكون مصدره على فعلال بالفتح. فإن شذ حفظ ولم يزد عليه.
قالوا: وأيضا فإن فعلالا المفتوح الفاء قد كثر وقوعه صفة مصوغة من فعلل المكرر، ليكون فيه نظير فعال من الثلاثي. لأنهما متشاركان وزنا.
فاقتضى ذلك أن لا يكون لفعلال من المصدرية نصيب، كما لم يكن لفعال
(1) في القاموس عظعظ السهم عظعظة وعظ بالكسر ارتعش في مضيه والتوى.
فيها نصيب. فلذلك استندروا وقوع وسواس، ووعواع، وعظعاظ مصادر.
وإنما حقها أن تكون صفات دالة على المبالغة في مصادر هذه الأفعال.
قالوا: وإذا ثبت هذا: فحق ما وقع منها محتملا للمصدرية والوصفية أن يحمل على الوصفية حملا على الأكثر الغالب، وتجنبا للشاذ.
فمن زعم أن الوسواس مصدر مضاف إليه «ذو» تقديرا. فقوله خارج عن القياس والاستعمال الغالب.
ويدل على فساد ما ذهب إليه أمران.
أحدهما: أن كل مصدر أضيف إليه «ذو» تقديرا، فتجرده للمصدرية أكثر من الوصف به. كرضى وصوم وفطّر، وفعلال المفتوح لم يثبت تجرده للمصدرية إلا في ثلاثة ألفاظ فقط: وسواس، ووعواع، وعظعاظ، على أن منع المصدرية في هذا ممكن. لأن غاية ما يمكن أن يستدل به على المصدرية قولهم: وسوس إليه الشيطان وسواسا. وهذا لا يتعين للمصدرية، لاحتمال أن يراد به الوصفية: وينتصب وسواسا على الحال، ويكون حالا مؤكدة. فإن الحال قد يؤكد بها عاملها الموافق لها لفظا ومعنى، كقوله تعالى: 4: 79 وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا و 16: 12 سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ.
نعم، إنما تتعين مصدرية الوسواس إذا سمع: أعوذ بالله من وسواس الشيطان ونحو ذلك مما يكون الوسواس فيه مضافا إلى فاعله، كما سمع ذلك في الوسوسة. ولكن أين لكم ذلك؟ فهاتوا شاهده. فبذلك يتعين أن يكون الوسواس مصدرا لا بانتصابه بعد الفعل.
الوجه الثاني من دليل فساد من زعم أن «وسواسا» مصدر مضاف إليه «ذو» تقديرا: أن المصدر المضاف إليه «ذو» تقديرا لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع. بل يلزم طريقة واحدة، ليعلم أصالته في المصدرية، وأنه عارض
الوصفية فيقال: امرأة صوم، وامرأتان صوم، ونساء صوم لأن المعنى ذات صوم وذاتا صوم، وذوات صوم وفعلال الموصوف به ليس كذلك بل يثنى ويجمع ويؤنث فنقول: رجل ثرثار، وامرأة ثرثارة، ورجال ثرثارون، وفي الحديث «أبغضكم إليّ الثرثارون المتفيهقون» وقالوا: ريح رقراقة، أي تحرك الأشجار، وريح سفسافة أي تنخل التراب، ودرع فضفاضة أي متسعة، والفعل من ذلك كله فعلل، والمصدر فعللة وفعلال بالكسر، ولم ينقل في شيء من ذلك فعلال بالفتح وكذلك قالوا: تمتام وفأفاء، ولضلاض، أي ماهر في الدلالة، وفجفاج كثير الكلام وهرهار أي ضحاك، وكهكاه، ووطواط أي ضعيف، وحشحاش، وعسعاس أي خفيف. وهو كثير. ومصدره كله الفعللة، والوصف فعلال بالفتح، ومثله هفهاف أي خميص، ومثله دحداح، أي قصير، ومثله: بجباج أي جسيم، وتختاج:
أي ألكن، وشمشام: أي سريع، وشيء خشخاش أي مصوت، وقعقاع مثله، وأسد قضقاض: أي كاسر، وحيّة نضناض: تحرك لسانها.
فقد رأيت فعلال في هذا كله وصفا لا مصدرا. فما بال الوسواس أخرج عن نظائره وقياس بابه؟.
فثبت أن وسواسا وصف لا مصدر، كثرثار، وتمتام، ودحداح وبابه.
ويدل عليه وجه آخر: وهو أنه وصفه بما يستحيل أن يكون مصدرا، بل هو متعين في الوصفية، وهو «الخناس» فالوسواس، والخناس: وصفان لموصوف محذوف. وهو الشيطان.
وحسّن حذف الموصوف هاهنا غلبة الوصف، حتى صار كالعلم عليه.
والموصوف إنما يقبح حذفه إذا كان الوصف مشتركا. فيقع اللبس كالطويل والقبيح، والحسن ونحوه، فيتعين ذكر الموصوف ليعلم أن الصفة له لا لغيره.
فأما إذا غلب الوصف واختص، ولم يعرض فيه اشتراك. فإنه يجرى