الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
المسلك الحادي عشر: ان قريبا مصدر لا وصف وهو بمنزلة النقيض فجرد من التاء، لأنك إذا أخبرت عن المؤنث بالمصدر لم تلحقه التاء.
ولهذا تقول: امرأة عدل، ولا تقول: عدلة، وامرأة صوم وصلاة وصدق وبر ونظائره.
وهذا المسلك من أفسد ما قيل في: «قريب» فإنه لا يعرف استعماله مصدرا أبدا، وإنما هو وصف والمصدر هو «قرب» لا «قريب» .
فصل
المسلك الثاني عشر: أن فعيلا وفعولا مطلقا يستوي فيهما المذكر والمؤنث حقيقيا كان أو غير حقيقي، كما قال امرؤ القيس:
برهرهة رودة رخصة
…
كخرعوبة البانة المنفطر
قطيع القيام، فتور الكلام
…
تفتر عن ذي عزوب خصر
وقال أيضا:
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم
…
قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
وقال جرير:
أتنفعك الحياة وأمّ عمرو
…
قريب لا تزور ولا تزار؟
وقال جرير أيضا:
كأن لم نحارب يابثين لو أنها
…
تكشف غماها وأنت صديق
وقال أيضا:
دعون الهوى ثم ارتهن قلوبنا
…
بأسهم أعداء، وهن صديق
قالوا: وشواهد ذلك كثيرة.
وفي هذا المسلك غنية عن تلك التعسفات والتأويلات.
وهذا المسلك ضعيف أيضا. وممن رده أب عبد الله بن مالك، فقال:
هذا القول ضعيف، لأن قائله إما أن يريد أن فعيلا في هذا الموضع وغيره يستحق ما يستحقه فعول من الجري على المذكر والمؤنث بلفظ واحد، وإما أن يريد أن فعيلا في هذا الموضع خاصة محمول على فعول. فالأول مردود لإجماع أهل العربية على التزام التاء في ظريفة وشريفة وأشباههما وزنا ودلالة ولذلك احتاج علماؤهم أن يقولوا في قوله تعالى: وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا وقوله: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا أن الأصل هو بغوي على فعول، فلذلك لم تلحقه التاء، ثم أعلّ بإبدال الواو ياء والضمة كسرة، فصار لفظه كلفظ فعيل، ولو كان فعيلا أصلا للحقته التاء، فقيل: لم أك بغية. والثاني أيضا مردود لأن لفعيل على فعول من المزايا ما لا يليق به أن يكون تبعا له، بل العكس أولى أن يكون فعولا تبعا لفعيل، ولأنه يتضمن حمل فعيل على فعول، وهما مختلفان لفظا ومعنى أما اللفظ فظاهر، وأما المعنى فلأنّ قريبا لا مبالغة فيه لأنه يوصف به كل ذي قرب وإن قل، وفعول لا بد فيه من المبالغة.
وأيضا فإن الدال على المبالغة لا بد أن يكون له بنية لا مبالغة فيها، ثم يقصد به المبالغة، فتغير بنيته كضارب وضروب، وعالم وعليم. وقريب ليس كذلك فلا مبالغة فيه.
وأما بيت امرؤ القيس فلا حجة فيه لوجوه.
أحدها: أنه نادر فلا حكم له فلا كثرت صوره ولا جاء على الأصل كاستحوذ واستوثق البعير، وأغيمت السماء وأغور وأحول، وما كان كذلك فلا حكم له.
الثاني: أن يكون أراد قطيعة القيام، ثم حذف التاء للإضافة، فإنها يجوز حذفها عند الفراء وغيره، وعليه حمل قوله تعالى: وَأَقامَ الصَّلاةَ
أي إقامتها، لأن المعروف في ذلك إنما هو لفظ الإقامة، ولا يقال «إقام» دون إضافة كما لا يقال «إراد» في إرادة ولا «إقال» في إقالة، لأنهم جعلوا هذه التاء عوضا عن ألف إفعال أو عينه، لأن أصل إقامة إقوام فنقلت حركة العين إلى الفاء فانقلبت ألفا فالتقت ألفان فحذفت إحداهما فجاؤوا بالتاء عوضا، فلزمت إلا مع الإضافة، فإن حذفها جائز عند قوم قياسا، وعند آخرين سماعا.
ومثلها في اللزوم: تاء عدة وزنة. وأصلهما وعد ووزن، فحذفت الواو، وجعلت التاء عوضا منها فلزمت. وقد تحذف للإضافة كقول الشاعر:
إن الخليط أجدوا البين وانجردوا
…
وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
أي أخلفوك عدة الأمر، فحذف التاء.
وعلى هذه اللغة قرأ بعض القراء وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً بالهاء أي عدته. فحذف التاء.
الثالث: أن يكون فعيل في قوله «قطيع القيام» بمعنى مفعول، لأن صاحب المحكم حكى أنه يقال قطعه وأقطعه إذا بكتّه، وقطع هو فهو قطيع القول. فقطيع على هذا بمعنى مقطوع أي مبكت، فحذف التاء على هذا التوجيه ليس مخالفا للقياس.
وإن جعل قطيعا مبنيا على قطع كسريع من سرع: فحقه على ذلك أن يلحقه التاء عند جريه على المؤنث أنه شبه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول، فأجرى مجراه.
فهذا تمام اثني عشر مسلكا في هذه الآية، أصحها المسلك المركب من السادس والسابع. وباقيها ضعيف واه ومحتمل والمبتدي والمقلد لا يدرك هذه الدقائق والفاضل المنصف لا يخفى عليه قويها من ضعيفها. وليكن هذا آخر الكلام على الآية والله أعلم.