الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأشياء. فإن كل شيء معلوم له سبحانه: من حق وباطل- وإنما المعنى:
إنزاله مشتملا على علمه. فنزوله مشتملا على علمه هو آية كونه من عنده، وأنه حق وصدق.
ونظير هذا قوله 25: 6 قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ذكر سبحانه ذلك تكذيبا وردا على من قاله: افتراه.
فصل
ومن شهادته أيضا: ما أودعه في قلوب عباده: من التصديق الجازم، واليقين الثابت، والطمأنينة بكلامه ووحيه.
فإن العادة تحيل حصول ذلك بما هو من أعظم الكذب والافتراء على رب العالمين، والإخبار عنه بخلاف ما هو عليه من أسمائه وصفاته، بل يوقع أعظم الريب والشك، وتدفعه الفطر والعقول السليمة، كما تدفع الفطر التي فطر عليها الحيوان الأغذية الخبيثة الضارة، التي لا تغذى، كالأبوال والأنتان. فإن الله سبحانه فطر القلوب على قبول الحق، والانقياد له، والطمأنينة والسكون إليه، ومحبته. وفطرها على بغض الكذب والباطل، والنفور عنه، والريبة به. وعدم السكون إليه. ولا اطمأنت إلا به، ولا أحبت غيره. ولهذا ندب الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن. فإن كل من تدبره أوجب له تدبّره علما ضروريا ويقينا جازما أنه حق وصدق، بل أحق كل حق، وأصدق كل صدق. وأن الذي جاء به أصدق خلق الله، وأبرهم، وأكملهم علما وعملا ومعرفة، كما قال تعالى: 4: 82 أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ؟ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً وقال تعالى:
47: 24 أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها فلو رفعت الأقفال عن القلوب لباشرتها حقائق القرآن، واستنارت فيها مصابيح الإيمان، وعلمت علما ضروريا يكون عندها كسائر الأمور الوجدانية: من الفرح والألم،
والحب والخوف- أنه من عند الله تكلم به حقا، وبلغه رسوله جبريل عنه إلى رسوله محمد.
فهذا الشاهد في القلب من أعظم الشواهد. وبه احتج هرقل على أبي سفيان حيث قال له «فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟
فقال: لا. فقال له: وكذلك الايمان، إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد» .
وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى في قوله 29: 49 بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وقوله 34: 6 وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وقوله 22: 54 وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ وقوله 13: 19 أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى؟ وقوله 13: 27 وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ، وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ.
يعني أن الآية التي يقترحونها لا توجب هداية، بل الله هو الذي يهدي ويضل ثم نبههم على أعظم آية وأجابها: وهي طمأنينة قلوب المؤمنين بذكر الله الذي أنزله. فقال 13: 28 الَّذِينَ آمَنُوا، وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ فطمأنينة القلوب الصحيحة، والفطر السليمة به. وسكونها إليها: من أعظم الآيات، إذ يستحيل في العادة: أن تطمئن القلوب وتسكن إلى الكذب والافتراء والباطل.
فإن قيل: فلم لم يذكر سبحانه شهادة رسله مع الملائكة. فقال: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة والرسل، وهم أعظم شهادة من أولي العلم؟.
قيل: في ذلك عدة فوائد:
أحدها: أن أولي العلم أعم من الرسل والأنبياء. فيدخلون هم وأتباعهم.