الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيطان، لكن خدمة الشيطان له ليست خدمة عبادة. فإن الشيطان لا يخضع له ولا يعبده، كما يفعل هو به.
والمقصود: أن هذا عبادة منه للشيطان. وإنما سماه استخداما. قال تعالى: 36: 60 أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ؟ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وقال تعالى: 34: 40، 41 وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ؟ قالُوا: سُبْحانَكَ، أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ، بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ، أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ.
فهؤلاء وأشباههم عباد الجن والشياطين. وهم أولياؤهم في الدنيا والآخرة. ولبئس المولى، ولبئس العشير. فهذا أحد النوعين.
والنوع الثاني: من يعينه الشيطان، وإن لم يستعن هو به. وهو الحاسد. لأنه نائبة وخليفته. لأن كليهما عدو نعم الله، ومنغصها على عباده.
فصل
وتأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله «إذا حسد» لأن الرجل قد يكون عنده حسد، ولكن يخفيه، ولا يرتب عليه أذى بوجه ما، لا بقلبه، ولا بلسانه، ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئا من ذلك ولا يعامل أخاه إلا بما يحب الله. فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عصمه الله.
وقيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك لإخوة يوسف.
لكن الفرق بين القوة التي في قلبه من ذلك وهو لا يطيعها ولا يأتمر بها، بل يعصيها طاعة الله وخوفا وحياء منه، وإجلالا له. أن يكره نعمه على عباده، فيرى ذلك مخالفة لله وبغضا لما يحب الله، ومحبة لما يبغضه. فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك، ويلزمها بالدعاء للمحسود، وتمنى زيادة الخير له، بخلاف ما إذا حقق ذلك وحسده، ورتب على حسده مقتضاة: من الأذى بالقلب، واللسان والجوارح فهذا الحسد المذموم. هذا كله حسد
تمنى الزوال.
وللحسد ثلاث مراتب: إحداها هذه.
والثانية: تمنى استصحاب عدم النعمة. فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة، بل يحب أن يبقى على حاله من جهله، أو فقره، أو ضعفه، أو شتات قلبه عن الله، أو قلة دينه. فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب. فهذا حسد على شيء مقدر. والأول حسد على شيء محقق.
وكلاهما حاسد، عدو نعمة الله، وعدو عباده، وممقوت عند الله تعالى، وعند الناس. ولا يسود أبدا، ولا يواسى فإن الناس لا يسوّدون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم. فأما عدو نعمة الله عليهم فلا يسوّدونه باختيارهم أبدا إلا قهرا يعدونه من البلاء والمصائب التي ابتلاهم الله بها. فهم يبغضونه وهو يبغضهم.
والحسد الثالث: حسد الغبطة، وهو تمنى أن يكون له مثل حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه. فهذا لا بأس به، ولا يعاب صاحبه، بل هذا قريب من المنافسة، وقد قال تعالى: 83: 26 وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، وسلطه على هلكته في الحق. ورجل آتاه الله الحكمة. فهو يقضى بها ويعلمها الناس»
فهذا حسد غبطة، الحامل لصاحبه عليه كبر نفسه، وحب خصال الخير، والتشبه بأهلها، والدخول في جملتهم، وأن يكون من سبّاقهم وعليتهم ومصلّيهم لا من فساكلهم «1» فتحدث له من هذه الهمة المنافسة والمسابقة والمسارعة، مع محبته لمن يغبطه، وتمنى دوام نعمة الله عليه. فهذا لا يدخل في الآية بوجه ما.
فهذه السورة من أكبر أدوية الحسد. فإنها تتضمن التوكل على الله،
(1) الفسكل بوزن قنفذ وذبرج الفرس الذي يجيء في حلبة السباق آخر الخيل.