الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولعنه، وعاداه من أجل إبائه عن السجود لأبينا، ثم أنتم توالونه من دوني.
وقد لعنته وطردته، إذ لم يسجد لأبيكم، وجعلته عدوا لكم ولأبيكم، فواليتموه وتركتموني. أفليس هذا من أعظم الغبن، وأشد الحسرة عليكم؟
ويوم القيامة يقول تعالى «أليس عدلا مني أن أولّي كل رجل منكم ما كان يتولى في دار الدنيا؟» .
فليعلمن أولياء الشيطان: كيف حالهم يوم القيامة: إذا ذهبوا مع أوليائهم، وبقي أولياء الرحمن لم يذهبوا مع أحد فيتجلى لهم ويقول «ألا تذهبون حيث ذهب الناس؟ فيقولون: فارقنا الناس أحوج ما كنا إليهم، وإنما ننتظر ربنا الذي كنا نتولاه ونعبده. فيقول: هل بينكم وبينه علامة تعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، إنه لا مثل له. فيتجلى لهم ويكشف عن ساق، فيخرون له سجدا» .
فيا قرة عيون أوليائه بتلك الموالاة، ويا فرحهم إذا ذهب الناس مع أوليائهم، وبقوا مع مولاهم الحق. فسيعلم المشركون به الصادون عن سبيله أنهم ما كانوا أولياءه 8: 34 إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
ولا تستطل هذا البسط فما أحوج القلوب إلى معرفته وتعقله، ونزولها منه منازلها في الدنيا لتنزل في جوار ربها في الآخرة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
فصل
إذا عرفت هذا عرفت معنى
قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك»
وأن معناه أجل وأعظم من قول من قال: والشر لا يتقرب به إليك، وقول من قال: والشر لا يصعد إليك، وأن هذا الذي قالوه- وإن تضمن تنزيهه عن صعود الشر إليه والتقرب
به إليه- فلا يتضمن تنزيهه في ذاته وصفاته وأفعاله عن الشر. بخلاف لفظ المعصوم الصادق المصدق. فإنه يتضمن تنزيهه في ذاته تبارك وتعالى عن نسبة الشر إليه بوجه ما، لا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في أسمائه.
وإن دخل في مخلوقاته كقوله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ.
وتأمل طريقة القرآن في إضافة الشر تارة إلى سببه ومن قام به. كقوله:
2: 254 وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ وقوله: 5: 111 وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ وقوله: 4: 160 فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا وقوله:
6: 146 ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وقوله: 43: 76 وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وهو في القرآن أكثر من أن يذكر هاهنا عشر معشاره. وإنما المقصود التمثيل.
وتارة بحذف فاعله. كقوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن 72: 10 وَأَنَّا لا نَدْرِي: أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ. أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً؟ فحذفوا فاعل الشر ومريده، وصرحوا بمريد الرشد.
ونظيره في الفاتحة: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فذكر النعمة مضافة إليه سبحانه، والضلال منسوبا إلى من قام به، والغضب محذوفا فاعله.
ومثله قول الخضر في السفينة 18: 79 فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وفي الغلامين 18: 82 فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما، وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ومثله قوله: 49: 7 وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ فنسب هذا التزيين المحبوب إليه. وقال: 3: 14 زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ فحذف الفاعل المزين. ومثله قول الخليل صلى الله عليه وسلم: 26: 78- 82 الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ