الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ والقرآن كله شاهد بذلك.
ووجه استلزام شهادته سبحانه لذلك: أنه إذا شهد: «أنه لا إله إلا هو» فقد أخبر، وبين، وأعلم وحكم وقضى: أن ما سواه ليس بإله، وأن إلهية ما سواه أبطل الباطل، وإثباتها أظلم الظلم. فلا يستحق العبادة سواه، كما لا تصلح الإلهية لغيره. وذلك يستلزم الأمر باتخاذه وحده إلها، والنهي عن اتخاذ غيره معه إلها. وهذا يفهمه المخاطب من هذا النفي والإثبات، كما إذا رأيت رجلا يستفتي، أو يستشهد، أو يستطب من ليس أهلا لذلك، ويدع من هو أهل، فتقول له: هذا ليس بمفت، ولا شاهد، ولا طبيب، المفتي فلان، والشاهد فلان، والطبيب فلان. فإن هذا أمر منك ونهي.
وأيضا فإن الآية دلت أنه وحده هو المستحق للعبادة. فإذا أخبر أنه وحده المستحق للعبادة تضمن هذا الإخبار أمر العباد وإلزامهم بأداء ما يستحقه الرب تعالى عليهم، وأن القيام بذلك هو خالص حقه عليهم. فإذا شهد سبحانه أنه لا إله إلا هو تضمنت شهادته الأمر والإلزام بتوحيده.
وأيضا: فلفظ الحكم والقضاء يستعمل في الجمل الخبرية، ويقال للجمل الخبرية: قضية وحكم وقد حكم فيها بكيت وكيت. قال تعالى:
37: 151- 154 أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ: وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ؟ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ لكن هذا حكم لا إلزام معه، والحكم والقضاء بأنه لا إله إلا هو: متضمن للإلزام. والله سبحانه أعلم.
فصل
وقوله تعالى: قائِماً بِالْقِسْطِ.
«القسط» هو العدل. فشهد سبحانه أنه قائم بالعدل في توحيده، وبالوحدانية في عدله. والتوحيد والعدل: هما جماع صفات الكمال. فإن التوحيد يتضمن تفرده سبحانه بالكمال والجلال، والمجد والتعظيم الذي لا
ينبغي لأحد سواه. والعدل يتضمن وقوع أفعاله كلها على السداد والصواب، وموافقة الحكمة.
فهذا توحيد الرسل وعدلهم: إثبات حقائق الأسماء والصفات على ما يليق بالرب سبحانه، والأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وإثبات القدر، والحكم والغايات المحمودة بفعله وأمره، لا توحيد الجهمية والمعتزلة والقدرية. الذي هو إنكار الصفات، وحقائق الأسماء الحسنى، وعدلهم، الذي هو التكذيب بالقدر، أو نفي الحكم والغايات والعواقب الحميدة التي يفعل الرب لأجلها ويأمر.
وقيامه سبحانه بالقسط في شهادته: يتضمن أمورا.
أحدها: أنه قائم بالقسط في هذه الشهادة التي هي أعدل شهادة على الإطلاق، وإنكارها وجحودها أظلم الظلم على الإطلاق. فلا أعدل من توحيد الرسل، ولا أظلم من الشرك. فهو سبحانه قائم بالعدل في هذه الشهادة قولا وفعلا، حيث شهد بها وأخبر، وأعلم عباده وبيّن لهم تحقيقها وصحتها، وألزمهم بمقتضاها، وحكم به، وجعل الثواب والعقاب عليها، وجعل الأمر والنهي من حقوقها وواجباتها.
فالدين كله من حقوقها. والثواب كله عليها. والعقاب كله على تركها. وهذا هو العدل الذي قام به الرب تعالى في هذه الشهادة.
فأوامره كلها تكميل لها. وأمر بأداء حقوقها. ونواهيه كلها صيانة لها عما يهدمها ويضادها.
وثوابه كلها عليها. وعقابه على تركها، وترك حقوقها.
وخلقه السموات والأرض وما بينهما كان بها ولأجلها.
وهي الحق الذي خلقت به المخلوقات. وضدها: هو الباطل والعبث الذي نزه الله نفسه عنه، وأخبر أنه لم يخلق به السموات والأرض.
قال تعالى ردا على المشركين المنكرين لهذه الشهادة 38: 27 وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا. ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ وقال تعالى: 46: 1- 3 حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى. وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ وقال تعالى: 10: 5 هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً. وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ. ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وقال تعالى:
30: 8 أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ؟ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ وقال تعالى: 15: 85 وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وهذا كثير في القرآن.
والحق الذي خلقت به السموات والأرض، ولأجله: هو التوحيد وحقوقه: من الأمر والنهي. والثواب والعقاب، والشرع والقدر، والخلق، والثواب والعقاب: قائم بالعدل. والتوحيد صادر عنهما. وهذا هو الصراط المستقيم الذي عليه الرب سبحانه وتعالى. قال تعالى حكاية عن نبيه هود أنه قال: 11: 56 إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها. إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
فهو سبحانه على صراط مستقيم في قوله وفعله. فهو يقول الحق ويفعل العدل: 6: 115 وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا، لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 33: 4 وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ، وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.
فالصراط المستقيم الذي عليه ربنا تبارك وتعالى: هو مقتضي التوحيد والعدل. قال تعالى: 16: 76 وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا: رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ، وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ، أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ، هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
والصنم مثل العبد الذي هو كلّ على مولاه، أينما يوجهه لا يأت بخير.
والمقصود: أن قوله تعالى قائِماً بِالْقِسْطِ:: هو كقوله: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وقوله: قائِماً بِالْقِسْطِ: نصب على الحال. وفيه وجهان.
أحدهما: أنه حال من الفاعل في «شهد الله» والعامل فيه معنى الفعل. والمعنى على هذا على هذا: شهد الله حال قيامه بالقسط: أنه لا إله إلا هو.
والثاني: أنه حال من قوله: «هو» والعامل فيها معنى النفي، أي لا إله إلا هو حال كونه قائما بالقسط.
وبين التقديرين فرق ظاهر. فإن التقدير الأول يتضمن أن المعنى: شهد الله متكلما بالعدل به، آمرا به، فاعلا له، مجازيا عليه: أنه لا إله إلا هو.
فإن العدل يكون في القول والفعل، و «المقسط» هو العادل في قوله وفعله.
فشهد الله قائما بالعدل قولا وفعلا: أنه لا إله إلا هو. وفي ذلك تحقيق لكون هذه الشهادة شهادة عدل وقسط. وهي أعدل شهادة، كما أن المشهود به أعدل الشيء، وأصحه وأحقه.
وذكر ابن السائب وغيره في سبب نزول الآية: ما يشهد بذلك. وهو «أن حبرين من أحبار الشام قدما على النبي صلى الله عليه وسلم. فلما أبصرا المدينة، قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بمدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان. فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم قالا له: أنت محمد؟ قال: نعم قالا:
وأحمد؟ قال: نعم. قالا: نسألك عن شهادة. فإن أخبرتنا بها آمنا بك.
قال سلاني. قالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فنزلت: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية» .