الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
المرتبة العاشرة: من مراتب الهداية. الرؤيا الصادقة: وهي من أجزاء النبوة كما
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» .
وقد قيل في سبب هذا سبب التخصيص المذكور: إن أول أول مبتدأ الوحي كان هو الرؤيا الصادقة، وذلك نصف سنة. ثم انتقل إلى وحي اليقظة مدة ثلاث وعشرين سنة، من حين بعث إلى أن توفي صلوات الله وسلامه عليه، فنسبة مدة الوحي في المنام من ذلك جزء من ستة وأربعين جزءا.
وهذا حسن لولا ما جاء
في الرواية الأخرى الصحيحة «أنها جزء من سبعين جزءا» .
[ثم ذكر كلاما في الرؤيا، ثم قال] .
فصل
في بيان اشتمال الفاتحة على الشفاءين:
شفاء القلوب، وشفاء الأبدان فأما اشتمالها على شفاء القلوب: فإنها اشتملت عليه أتم اشتمال. فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم. وفساد القصد.
ويترتب عليها داءان قاتلان، وهما الضلال والغضب، فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب ينتجه فساد القصد، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها، فهداية الصراط المستقيم: تتضمن الشفاء من مرض الضلال، ولذلك كان سؤال هذه الهداية: أفرض دعاء على كل عبد،
وأوجبه عليه كل يوم وليلة. في كل صلاة، لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة، ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه.
والتحقق ب إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ علما ومعرفة وعملا وحالا:
يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد، فإن فساد القصد يتعلق بالغايات والوسائل. فمن طلب غاية منقطعة مضمحلة فانية، وتوسل إليها بأنواع الوسائل الموصلة إليها كان كلا نوعي قصده فاسدا، وهذا شأن كل من كان غاية مطلوبة غير الله وعبوديته، من المشركين ومتبعي الشهوات، الذين لا غاية لهم وراءها، وأصحاب الرياسات المتبعين لإقامة رئاستهم بأي طريق كان من حق أو باطل. فإذا جاء الحق معارضا في طريق رئاستهم طحنوه وداسوه بأرجلهم. فإن عجزوا عن ذلك دفعوه دفع الصائل. فإن عجزوا عن ذلك حبسوه في الطريق، وحادوا عنه إلى طريق أخرى، وهم مستعدون لدفعه بحسب الإمكان، فإذا لم يجدوا منه بدا أعطوه السكة والخطبة وعزلوه عن التصرف والحكم والتنفيذ، وإن جاء الحق ناصرا لهم وكان لهم صالوا وجالوا، وأتوا إليه مذعنين، لا لأنه حق، بل لموافقته غرضهم وأهواءهم وانتصارهم به: 24: 48: 49: 50 وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ. وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ. أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أَمِ ارْتابُوا؟ أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ؟ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
والمقصود: أن قصد هؤلاء فاسد في غاياتهم ووسائلهم، وهؤلاء إذا بطلت الغايات التي طلبوها، واضمحلت وفنيت حصلوا على أعظم الخسران والحسرات. وهم أعظم الناس ندامة وتحسرا، إذا حق الحق وبطل الباطل، وتقطعت بهم أسباب الوصل التي كانت بينهم، وتيقنوا انقطاعهم عن ركب الفلاح والسعادة. وهذا يظهر كثيرا في الدنيا، ويظهر أقوى من ذلك عند الرحيل منها والقدوم على الله، ويشتد ظهوره وتحققه في البرزخ، وينكشف كل الانكشاف يوم اللقاء، إذا حققت الحقائق. وفاز المحقون وخسر المبطلون، وعلموا
أنهم كانوا كاذبين، وكانوا مخدوعين مغروين، فيا له هناك من علم لا ينفع عالمه، ويقين لا ينجى مستيقنه.
وكذلك من طلب الغاية العليا والمطلب الأسمى، ولمن لم يتوسل إليه بالوسيلة الموصلة له وإليه، بل توسل إليه بوسيلة ظنها موصلة إليه، وهي من أعظم القواطع عنه. فحاله أيضا كحال هذا، وكلاهما فاسد القصد، ولا شفاء من هذا المرض إلا بدواء «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» .
فإن هذا الدواء مركب من ستة أجزاء:
[1]
عبودية الله لا غيره.
[2]
بأمره وشرعه.
[3]
لا بالهوى.
[4]
ولا بآراء الرجال وأوضاعهم، ورسومهم، وأفكارهم.
[5]
بالاستعانة على عبوديته به.
[6]
لا بنفس العبد وقوته وحوله ولا بغيره.
فهذه هي أجزاء إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فإذا ركبها الطبيب اللطيف، العالم بالمرض، واستعملها المريض، حصل بها الشفاء التام، وما نقص من الشفاء فهو لفوات جزء من أجزائها أو إثنين أو أكثر.
ثم إن القلب يعرض له مرضان عظيمان، إن لم يتداركهما تراميا به إلى التلف ولا بد: وهما الرياء، والكبر، فدواء الرياء ب إِيَّاكَ نَعْبُدُ ودواء الكبر ب إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية- قدس الله روحه- يقول إِيَّاكَ نَعْبُدُ تدفع الرياء وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ تدفع الكبرياء.
فإذا عوفي من مرض الرياء ب إِيَّاكَ نَعْبُدُ ومن مرض الكبر والعجب