الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأنعام
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الأنعام (6) : الآيات 8 الى 9]
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (9)
إن المشركين قالوا تعنتا في كفرهم 6: 8 لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يعنون ملكا نشاهده ونراه، يشهد له ويصدقه وإلا فالملك كان ينزل عليه بالوحي من الله. فأجاب الله تعالى عن هذا، وبين الحكمة في عدم إنزال الملك على الوجه الذي اقترحوه: بأنه لو أنزل ملكا كما اقترحوا ولم يؤمنوا به ويصدقوه، لعوجلوا بالعذاب كما استمرت به سنته تعالى مع الكفار في آيات الاقتراح، وإذا جاءتهم ولم يؤمنوا بها. فقال 6: 8 وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ ثم بين سبحانه أنه لو أنزل ملكا كما اقترحوا لما حصل به مقصودهم، لأنه إن أنزله في صورته لم يقدروا على التلقي عنه، إذ البشر لا يقدر على مخاطبة الملك ومباشرته. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أقوى الخلق- إذا نزل عليه الملك كرب لذلك وأخذه البرحاء «1» ، وتحدّر منه العرق في اليوم الشاتي. وإن جعله في صورة رجل حصل لهم لبس: هل هو رجل أم ملك فقال تعالى: 6: 9 وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ
(1) برحاء الحمر وغيرها بالضم والمد شدة الأذى.
في هذه الحال ما يَلْبِسُونَ على أنفسهم حينئذ فإنهم يقولون:
إذا رأوا الملك في صورة الإنسان لقالوا: هذا إنسان وليس بملك. هذا معنى الآية.
6: 27- 28 وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.
وقد حام أكثر المفسرين حول معنى هذه الآية، وما أوردوا ما يشفي.
فراجع أقوالهم تجدها لا تشفي عليلا، ولا تروي غليلا.
الآية معناها أجل وأعظم مما فسر وهابه. ولم يتفطنوا لوجه الإضراب ب «بل» ولا للأمر الذي بدا لهم، وكانوا يخفونه وظنوا أن الذي بدا لهم هو العذاب. فلما لم يروا ذلك ملتئما مع قوله ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ قدروا مضافا محذوفا، وهو خبر ما كانوا يحقون من قبل، فدخل عليهم أمر آخر، لا جواب لهم عنه. وهو: أن القوم لم يكونوا يخفون شركهم وكفرهم، بل كانوا يظهرونه، ويدعون إليه، ويحاربون عليه. ولما علموا أن هذا ورد عليهم، قالوا: إن القوم في بعض موارد القيامة ومواطنها أخفوا شركهم وجحدوه، وقالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فلما وقفوا على النار بدا لهم جزاء ذلك الذي أخفوه.
قال الواحدي: وعلى هذا أهل التفسير.
ولم يصنع أرباب هذا القول شيئا. فإن السياق والإضراب ب «بل» والإخبار عنهم بأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وقولهم «والله ربنا ما كنا مشركين» لا يلتئم بهذا الذي ذكروه. فتأمله.
وقالت طائفة، منهم الزجاج: بل لاتباع ما أخفاه عنهم الرؤساء، من أمر البعث. وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير، وفيه من التكليف ما ليس بخاف.
وأجود من هذا: ما فهمه المبرد من الآية، قال: كأن كفرهم لم يكن باديا لهم، إذا خفيت عليهم مضرته.
ومعنى كلامه: أنهم لما خفيت عليهم مضرة عاقبته ووباله، فكأنه كان خفيا عنهم، لم تظهر لهم حقيقته. فلما عاينوا العذاب ظهرت لهم حقيقته وشره.
قال: وهذا كما تقول لمن كنت حدثته في أمر قبل: قد ظهر لك الآن ما كنت قلت لك. وقد كان ظاهرا له قبل هذا. ولا يسهل أن يعبر عن كفرهم وشركهم الذي كانوا ينادون به على رؤوس الأشهاد ويدعون إليه كل حاضر وباد بأنهم كانوا يخفونه، لخفاء عاقبته عنهم. ولا يقال لمن أظهر الظلم والفساد، وقتل النفوس وسعى في الأرض بالفساد: إنه أخفى ذلك، لجهله بسوء عاقبته، وخفائها عليه.
فمعنى الآية- والله أعلم بما أراد من كلامه-: أن هؤلاء المشركين لما وقفوا على النار، وعاينوها وعلموا أنهم داخلوها، تمنوا أنهم يردون إلى الدنيا فيؤمنون بالله وآياته، ولا يعودون إلى تكذيب رسله. فأخبر سبحانه أن الأمر ليس كذلك، وأنهم ليس في طبائعهم ولا سجاياهم الإيمان بل سجيتهم الكفر والشرك والتكذيب وأنهم لو ردوا لكانوا بعد الرد كما كانوا قبله. وأخبر أنهم كاذبون في زعمهم: أنهم لو ردوا لآمنوا وصدقوا.
فإذا تقرر مقصود الآية ومرادها تبين معنى الإضراب ب «بل» وتبين معنى الذي بدا لهم، والذي كانوا يخفونه، والحامل لهم على قولهم:«يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا» فالقوم كانوا يعلمون أنهم في الدنيا على باطل، وأن الرسل صدقوهم فيما بلغوهم عن الله، وتيقنوا ذلك وتحققوه، ولكنهم أخفوه ولم يظهروه بينهم، بل تواصوا بكتمانه. فلم يكن الحامل لهم على تمني الرجوع والإيمان معرفة ما لم يكونوا يعرفونه من صدق الرسل، فإنهم كانوا يعلمون ذلك ويخفونه. وظهر لهم يوم القيامة ما كانوا ينطوون عليه