الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهم زكاة أموالهم. وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما تستعمل في الكفار» ففعل ذلك خالد، ووافاهم، فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء، فأخذ منهم صدقاتهم، ولم ير منهم إلا الطاعة والخير. فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر. فنزلت 49: 6 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا.
والنبأ هو الخبر الغائب عن المخبر، إذا كان له شأن. «والتبيّن» طلب بيان حقيقته، والإحاطة بها علما.
وهاهنا فائدة لطيفة. وهي أنه سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق وتكذيبه وشهادته جملة. وإنما أمر بالتبين. فإن قامت قرائن وأدلة من خارج تدل على صدقه عمل بدليل الصدق، ولو أخبر به من أخبر.
فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته. وكثير من الفاسقين يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم، بل كثير منهم يتحرى الصدق غاية التحري، وفسقه من جهات أخر. فمثل هذا لا يرد خبره ولا شهادته، ولو ردت شهادة مثل هذا وروايته لتعطلت أكثر الحقوق، وبطل كثير من الأخبار الصحيحة، ولا سيما من فسقه من جهة الكذب: فإن كثر منه وتكرر، بحيث يغلب كذبه على صدقه. فهذا لا يقبل خبره ولا شهادته.
وإن ندر منه مرة أو مرتين ففي رد شهادته وخبره بذلك قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد رحمهم الله.
[سورة الحجرات (49) : آية 12]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
وهذا من أحسن القياس التمثيلي. فإنه شبه تمزيق عرض الأخ بتمزيق لحمه.
ولما كان المغتاب يمزق عرض أخيه في غيبته كان بمنزلة من يقطع لحمه في حال غيبة روحه عنه بالموت.
ولما كان المغتاب عاجزا عن دفعه عن نفسه بكونه غائبا عن مجلس ذمه كان بمنزلة الميت الذي يقطع لحمه ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه.
ولما كان مقتضى الأخوة التراحم والتواصل والتناصر، فعلق عليها المغتاب ضد مقتضاها من الذم والعيب والطعن: كان ذلك نظير تقطيع لحم أخيه، والأخوة تقتضي حفظه وصيانته والذب عنه.
ولما كان المغتاب متمتعا بعرض أخيه، متفكها بغيبته وذمه، متحليا بذلك شبّه بآكل لحم أخيه بعد تقطيعه.
ولما كان المغتاب محبا لذلك معجبا به: شبه بمن يحب أكل لحم أخيه ميتا ومحبته لذلك قدر زائد على مجرد أكله، كما أن أكله قدر زائد على تمزيقه.
فتأمل هذا التشبيه والتمثيل، وحسن موقعه، ومطابقة المعقول فيه للمحسوس وتأمل إخباره عنهم بكراهة أكل لحم الأخ ميتا، ووصفهم بذلك في آخر الآية، والإنكار عليهم في أولها: أن يحب أحدهم ذلك، فكما أن هذا مكروه في طباعهم، فكيف يحبون ما هو مثله ونظيره؟.
فأحتج عليهم بما كرهوه على ما أحبوه. وشبه لهم ما يحبونه بما هو أكره شيء إليهم، وهم أشد شيء نفرة عنه.
فلهذا يوجب العقل والفطرة والحكمة: أن يكونوا أشد شيء نفرة عما هو نظيره ومشبهه. وبالله التوفيق.