الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المضاف بالمضاف إليه، وكونه جزؤه حقيقة، فكأنه قال: ذهبت إصبع وإصبعان من أصابعه. وحمل القرآن على المكثور الذي خلافه أفصح منه:
ليس بسهل.
فصل
المسلك السادس: أن هذا من باب الاستغناء بأحد المذكورين عن الآخر، لكونه تبعا له ومعنى من معانيه. فإذا ذكر أغنى عن ذكره لأنه يفهم منه.
ومنه في أحد الوجوه قوله تعالى: 26: 4 إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ فاستغني عن خبر الأعناق بالخبر عن أصحابها.
ومنه في أحد الوجوه قوله تعالى: 9: 62 وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ المعنى: والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك، فاستغنى بإعادة الضمير إلى الله إذ إرضاؤه هو إرضاء رسوله فلم يحتج أن يقول: يرضوهما.
فعلى هذا يكون الأصل في الآية: إن الله قريب من المحسنين. وأن رحمة الله قريبة من المحسنين فاستغنى بخبر المحذوف عن خبر الموجود وسوغ ذلك ظهور المعنى.
وهذا المسلك مسلك حسن إذا كسى تعبيرا أحسن من هذا. وهو مسلك لطيف المنزع دقيق على الافهام. وهو من أسرار القرآن.
والذي ينبغي أن يعبر عنه به: أن الرحمة صفة من صفات الرب تبارك وتعالى والصفة قائمة بالموصوف لا تفارقه لأن الصفة لا تفارق موصوفها. فإذا كانت قريبة من المحسنين فالموصوف تبارك وتعالى أولى بالقرب منه، بل قرب رحمته تبع لقربه هو تبارك وتعالى من المحسنين.
وقد تقدم في أول الآية أن الله تعالى قريب من أهل الإحسان بإثابته ومن أهل سؤاله بإجابته، وذكرنا شواهد ذلك، وأن الإحسان يقتضي قرب الرب من عبده كما أن العبد قرب من ربه الإحسان، وأن من تقرب منه شبرا تقرب الله منه ذراعا ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا. فالرب تبارك وتعالى قريب من المحسنين ورحمته قريبة منهم، قربه يستلزم قرب رحمته. ففي حذف التاء هاهنا تنبيه على هذه الفائدة العظيمة الجليلة، وأن الله تعالى قريب من المحسنين وذلك يستلزم القربين قربه وقرب رحمته. ولو قال إن رحمة الله قريبة من المحسنين لم يدل على قربه تعالى منهم، لأن قربه تعالى أخص من قرب رحمته والأعم لا يستلزم الأخص بخلاف قربه، فإنه لما كان أخص استلزم الأعم وهو قرب رحمته فلا تستهن بهذا المسلك. فإن له شأنا. وهو متضمن لسر بديع من أسرار الكتاب. وما أظن صاحب هذا المسلك قصد هذا المعنى ولا ألم به. وإنما أراد أن الإخبار عن قرب الله تعالى من المحسنين كاف عن الاخبار عن قرب رحمته منهم.
فهو مسلك سابع: في الآية وهو المختار، وهو من أليق ما قيل فيها.
وإن شئت قلت قربه تبارك وتعالى من المحسنين وقرب رحمته منهم متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر فإذا كانت رحمته قريبة منهم فهو أيضا قريب منهم، وإذا كان المعنيان متلازمين صح إرادة كل واحد منهما، فكان في بيان قربه سبحانه من المحسنين من التحريض على الإحسان واستدعائه من النفوس وترغيبها فيه غاية حظ لها وأشرفه وأجله على الإطلاق، وهو أفضل إعطاء أعطيه العبد وهو قربه تبارك وتعالى من عبده الذي هو غاية الأماني ونهاية الآمال وقرة العيون وحياة القلوب وسعادة العبد كلها فكان في العدول عن قريبة إلى قريب من استدعاء الإحسان وترغيب النفوس فيه ما لا يتخلف بعده إلا غلبت عليه من شقاوته ولا قوة إلا بالله.