الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شياطين الإنس والجن وشر السباع والهوام، وشر النار والهواء، وغير ذلك.
وفي الصحيح: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم يضره شيء، حتى يرتحل منه» رواه مسلم.
وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل الليل، قال: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك، وشر ما فيك وشر ما خلق فيك، وشر ما يدبّ عليك، أعوذ بالله من أسد وأسود، ومن الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد» .
فصل
الشر الثاني: شر الغاسق إذا وقب. فهذا خاص بعد عام. وقد قال أكثر المفسرين: إنه الليل.
قال ابن عباس: الليل إذا أقبل بظلمته من المشرق، ودخل في كل شيء وأظلم والغسق: الظلمة. يقال: غسق الليل، وأغسق: إذا أظلم.
ومنه قوله تعالى: 17: 78 أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وكذلك قال الحسن ومجاهد: الغاسق إذا وقب: الليل إذا أقبل ودخل.
والوقوب: الدخول، وهو دخول الليل بغروب الشمس. وقال مقاتل: يعني ظلمة الليل إذا دخل سواده في ضوء النهار.
وفي تسمية الليل غاسقا قول آخر: أنه من البرد، والليل أبرد من النهار، والغسق: البرد. وعليه حمل ابن عباس قوله تعالى: 38: 57 فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وقوله: 78: 24، 25 لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا
شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً
قال: هو الزمهرير يحرقهم ببرده. كما تحرقهم النار بحرها. وكذلك قال مجاهد ومقاتل: هو الذي انتهى برده.
ولا تنافي بين القولين. فإن الليل بارد مظلم. فمن ذكر برده فقط، أو ظلمته فقط: اقتصر على أحد وصفيه.
والظلمة في الآية أنسب لمكان الاستعاذة. فإن الشر الذي يناسب الظلمة أولى بالاستعاذة من البرد الذي في الليل. ولهذا استعاذ برب الفلق الذي هو الصبح والنور: من شر الغاسق، الذي هو الظلمة. فناسب الوصف المستعاذ به المعنى المطلوب بالاستعاذة. كما سنزيده تقريرا عن قريب إن شاء الله.
فإن قيل: فما تقولون فيما
رواه الترمذي من حديث ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن عائشة قالت: «أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، فنظر إلى القمر، فقال: يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا. فإن هذا هو الغاسق إذا وقب»
قال الترمذي: هذا حسن صحيح. وهذا أولى من كل تفسير. فيتعين المصير إليه؟.
قيل: هذا التفسير حق، ولا يناقض التفسير الأول، بل يوافقه، ويشهد لصحته. فإن الله تعالى قال: 17: 12 وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ، فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ، وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً
فالقمر هو آية الليل، وسلطانه فيه. فهو أيضا غاسق إذا وقب، كما أن الليل غاسق إذا وقب، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن القمر بأنه غاسق إذا وقب. وهذا خبر صدق. وهو أصدق الخبر، ولم ينف عن الليل اسم الغاسق إذا وقب. وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم له بالذكر لا ينفي شمول الاسم لغيره.
ونظير هذا: قوله في المسجد الذي أسس على التقوى- وقد سئل عنه-
فقال: «هو مسجدي هذا»
ومعلوم أن هذا لا ينفي كون مسجد قباء مؤسسا على التقوى مثل ذاك.
ونظيره أيضا:
قوله في على وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين «اللهم هؤلاء أهل بيتي»
فإن هذا لا ينفي دخول غيرهم من أهل بيته في لفظ أهل البيت، ولكن هؤلاء أحق من دخول في لفظ أهل بيته.
ونظير هذا:
وهذا لا ينفي اسم المسكنة عن الطواف، بل ينفي اختصاص الاسم به، وتناول المسكين لغير السائل أولى من تناوله له.
ونظير هذا:
قوله: «ليس الشديد بالصّرعة، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب»
فإنه لا يقتضي نفي الاسم عن الذي يصرع الرجال، ولكن يقتضي أن ثبوته للذي يملك نفسه عند الغضب أولى.
ونظيره: الغسق، والوقوب، وأمثال ذلك.
فكذلك
قوله في القمر «هذا هو الغاسق إذا وقب»
لا ينفي أن يكون الليل غاسقا، بل كلاهما غاسق.
فإن قيل: فما تقولون في القول الذي ذهب إليه بعضهم: أن المراد به القمر إذا خسف واسودّ. وقوله: «وقب» أي دخل في الخسوف، أو غاب خاسفا؟.
قيل: هذا القول ضعيف. ولا نعلم به سلفا. والنبي صلى الله عليه وسلم لما أشار إلى القمر،
وقال: «هذا الغاسق إذا وقب»
لم يكن خاسفا إذ ذاك. وإنما كان مستنيرا، ولو كان خاسفا لذكرته عائشة. وإنما
قالت «نظر إلى القمر، وقال: «هذا هو الغاسق»
ولو كان خاسفا لم يصح أن يحذف ذلك الوصف منه. فإن ما أطلق عليه اسم الغاسق باعتبار صفة لا يجوز أن يطلق عليه بدونها، لما فيه من التلبيس.
وأيضا: فإن اللغة لا تساعد على هذا. فلا نعلم أحدا قال: الغاسق: