الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب تحقيق مسند الدارمي
لا يجهل أهل العلم وطلابه أن نبع روايات السنة النبوية هو الكتب التسعة، على نسق ما بين العلماء رحمهم الله من تفاوتها فيما حوت من الصحيح، لكن كل ما سواها من المسانيد، والجوامع، والمستدركات، والمصنفات، والأجزاء، راجع إليها فيما صح في الغالب، إلا ما كان من الغرائب الواردة فيها وفي كتب التراجم، ففيها ما هو من غرائب الصحيح، ومنها سوى ذلك، ولما كان كتاب الدارمي هذا أحد الكتب التسعة، وكان جمع مخطوطات الكتب التسعة وإعادة تحقيقها كتابا تلو الآخر، مشروعا طرح في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية، ولم يُقدر للمركز المذكور النهوض بأعباء ما وضع للعمل فيه من خطط علمية نادرة الوجود، لأسباب مالية ووظيفية، اختلف عليها أصحاب القرار، توقف العمل في المركز إلى يومنا هذا، ولما كان مسند الدارمي تاسع كتب الحديث المقدمة عند العلماء رحمهم الله، وهي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، ومسند أحمد، ومسند الدارمي، وموطأ مالك، وقد أوقف العمل في مشروع مركز خدمة السنة، فقررت جمع مخطوطات مسند الدارمي، على أوسع ما أمكن، لضبط النص، وتخريجه بعيدا عن الاسهاب في التخريج مستهدفا عامة المثقفين، وذلك على النحو التالي:
ما كان في الصحيحين أو في أحدهما أقف عنده ولا أزيد عليه، ولم أذكر أطراف الحديث عند البخاري، لأنه عمل تخصصي يسهل للباحث الوصول إليه، وما كان في السنن الأربعة أقف عنده مع التعقيب بحكم الإمام الألباني رحمه الله، وكذلك ما كان في واحد منها، وقد أضيف مسند الإمام أحمد لتعدد رواية النص في أكثر أحاديثه، ولم ألتزم استيعاب الروايات المكررة، وما سوى ذلك أخرجه من مصادره، وكل ذلك مصدَّر بالحكم على سند المصنف في الحاشية، وما لم أذكر له تخريجا فهو مما انفرد به المصنف، رمزت له بالحرف (ت: ) وهو مخرج في كتابي (القطوف الدانية فيما انفرد به الدارمي عن الثمانية) ذاكرا رقم الحديث ليسهل الرجوع إليه، وما لم أقف عليه في موضع آخر، فأذكر الحكم على رواية الدارمي، ولا أعقب بذكر رقمه في القطوف إذ لا زيادة في المعلومات.
وقد اعتمدت أرقام الأحاديث لتوثيق معلومات التخريج، ولإفادة من يرغب في البحث، جعلت أرقام الأحاديث في المطبوعات وفي التحفة والإتحاف في نهاية كل حديث، ليتمكن الراغب في المراجعة من الوقوف على الحديث في المطبوعات، وهي خمس مطبوعات: مطبوعة البغا،
ورمزها (ب) ومطبوعة الداراني (د) ومطبوعة دار الكتب العلمية (ع) ومطبوعة فتح المنان (ف) ومطبوعة محمود عبد المحسن (م) وقد دققت المقابلة بين المخطوطات، وعددها (11) إحدى عشرة مخطوطة، واعتمدت عناوين الأبواب التي في (ت، ك) وأهملت ما خالفها بزيادة أو نقص في اللفظ، وأهملت كل ما كان مخالفا في المطبوعات المذكورة لما في الأصول، بعد التحقق من كونه خطأً أو تحريفا أو تصحيفا، أو إقحاما، أو زيادة.
وقد تجاوزت في المقابلة بين الأصول الخطية ذاتها وبينها وبين المطبوعات نحو (حدثنا، ثنا، نا، أخبرنا، أنا، أنبأنا، أنبأ، أبنا، قال: فقال: وقال، كان، فكان، وكان، كنا، وكنا، معها، ومعها، السماطين، سماطين، ماء، الماء، فوالذي، والذي، الرسول، النبي، و، أو، ما، من، وهو مما لا يختلف فيه المعنى، وكذلك ما تختلف فيه النسخ من الدعاء نحو: رضي الله عنه، أوعنهما، أوعنها، صلى الله عليه وسلم، عليه السلام عز وجل، رضي الله عنهم، وهذه الأدعية استحسنت إثباتها لما فيها من الخير، ولو لم تكن في الأصلين التكامليين (ت، ك) وتجاوزت كذلك: باب في كذا، أو باب كذا، وذكر البسملة في أول كل كتاب كما في بعض النسخ، وكل ما ورد في المطبوعات وليس في أحد الأصول الخطية فهو مهمل عندي لتأكدي من أن الصواب ما أثبته من الأصول، وما ألحق من النص صوابا في هوامش الأصول أو أحدها أعتبره من صلب النص، وقد أذكر أنه لحق في الهامش، وما كان تعليقا أبينه.
كتبت النص وفق قواعد الإملاء المعروفة في هذا العصر، صححت كتابة (ابن) بألف أو
…
(قالو) بدون ألف، (سيل) بالياء بدل الهمزة (سال) بألف بدل الهمزة، ونقط الألف المقصورة ونحوهذا.
وقد تضمن هذا المسند (3738) حديثا وأثرا بالمكرر، موزعة على (1371) بابا من العلم، أغلب الأبواب معنون على حديث واحد، أو بضعة أحاديث، وقلّ أن يكون من العشرة فما فوق، وهي أحاديث منها ما اتفق على صحته الشيخان: البخاري ومسلم، وعددها (569) حديثا وأثرا، أو وافق المتفق عليه في طرف منه (38) حديثا، ومنها ما انفرد به البخاري وعددها (113) حديثا، وأثرا، وما انفرد به مسلم وعددها (34) أو وافق طرفا منه ما في الصحيحين أو أحدهماوعددها (38) حديثا، وأحاديث فيما بقي من الكتب، أو في بعضها لا تقل عن الحسن، أو الحسن لغيره، إما أن يكون في السند راوٍ سكت عنه النقاد وذكره ابن حبان في الثقات؛ فهذا عندي على السلامة، ومنها يقوي بعضها بعضا، ومنها ما هو طرف من حديث في الصحيحين أو أحدهما، أو في غيرهما، ومنها ما أصله في الصحيحين أو أحدهما أو في غيرهما، ومنها ماله
شواهد في الصحيحين أو في أحدهما، أو في غيرهما، ومنها ما تفرد به الدارمي، وقد أفردتها في مؤلف سميته "القطوف الدانية فيما انفرد به الدارمي عن الثمانية" وفيه من الضعيف قليل، ومن الرواة من قيل فيه: متروك، ومنكر، أو واه، أو يضع الحيث، وهؤلاء لا يتجاوز عددهم العشرة، ومنهم من صح ما رووا من طريق أخرى، وبيان ذلك كله في التخريج.
ومن هنا تبرز مكانة هذا الكتاب العلمية، بين التسعة المعروفة، والعجب من عدم اعتباره من الستة الصحاح، فإنه في نظري أحق من سنن ابن ماجه بذلك، والسبر والاعتبار يوضحان ذلك، والله أعلم.
وقد رقمت أحاديث الدارمي ترقيما عاما، وجعلت ترقيما خاصا لأحاديث الأبواب بين هلالين، هكذا: 1 - (1) كما رقمت الأبواب ترقيما عاما لكل الأبواب، وعددها (1389) بابا من العلم، ورمزت في التخريج لِمَا انفرد به الدارمي بحرف التاء هكذا، ت:
فالحمد لله أولا وآخرا على توفيقه، وأن أعان ويسر على إنجاز هذا العمل المبارك، وأسأله تعالى أن ينفع به من وقف عليه وطالعه، وأن يجعله ثقلا في ميزان الحسنات، يمحو به السيئات، وبه يرفع الدرجات في أعالي الجنات.