الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منه إلى يوم القيامة، ودليلُ ذلك: أن نبينا -صلوات الله عليه وسلامه عليه- رأى آدم ليلة الإسراء في السماء الدنيا، وعن يمينه أَسْوِدَة، وعن يساره أسودة.
(فقال: أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة): روى الترمذي عن بريدة مرفوعاً، وحَسَّنه:"أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ ضِعْفٍ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْهَا مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ"(1)، ولا تعارضَ بين الحديثين، وإذا (2) تأملت، فإن هذا ليس فيه الجزم بأنهم نصفُ أهل الجنة فقط، وإنما هو رجاءٌ رجاهُ لأمته، ثم أعلمَه الله تعالى بعدَ ذلك أن أمته ثُلثُا أهلِ الجنة (3).
(ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض): هذا في المحشر، وأما في الجنة، فهم نصف الناس هناك، أو ثلثاهم على ما سبق.
* * *
باب: قوله الله عز وجل: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]
1818 -
(3349) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ ابْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً -ثُمَّ قَرَأَ-: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ أُناَساً مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى
(1) رواه الترمذي (2546).
(2)
في "ع": "إذا".
(3)
انظر: "التنقيح"(2/ 730).
أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ:{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قَوْلهِ: {الْحَكِيمُ} [المائدة: 117] ".
(غُرْلاً): -بضم الغين المعجمة وإسكان الراء-؛ أي: غيرَ مختونين، جمعُ أَغْرَلَ (1)، والغُرْلَةُ: هو ما يقطعُه الخاتِن، وهي القُلْفَةُ (2).
(أصحابي): ويروى: "أُصَيْحابي" -بالتصغير-؛ للتنبيه (3) على قلة عددهم (4).
(مرتدِّين على أعقابهم): قيل: في قوله: على أعقابهم، ولم يقتصر على مرتدين؛ إشارة إلى أنهم مرتكبو الكبائر، وقيل: ارتدادُ من ارتدَّ من العرب بعد موته صلى الله عليه وسلم (5).
* * *
1819 -
(3350) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ! إِنَّكَ
(1)"جمع أغرل" ليست في "ع".
(2)
انظر: "التنقيح"(2/ 730).
(3)
في "ع": "للتثنية".
(4)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(5)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَني يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ! مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ".
(فإذا هو بذبْخ (1)): -بذال معجمة مكسورة فباء موحدة ساكنة فخاء معجمة-: هو ذكر الضِّباع.
(مُلْتَطِخ): أي: بعَذِرَةٍ ونجاسةٍ. ولما حملت الرأفةُ إبراهيمَ عليه السلام على الشفاعة لأبيه، أُبرز له في هذه الهيئة المستبشعة (2) ليتبرأَ منه.
وتوقف الإسماعيلي في "المستخرج على الصحيح"، فقال: هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم عليه السلام عالمٌ أن الله تعالى لا يخلف الميعاد، ووعدُه بأنه لا يخزيه يومَ البعث، ولو تلا الإسماعيلي قولَه تعالى:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114]، لتلاشى عنده هذا النظر الذي أبداه (3)(4).
* * *
1820 -
(3353) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
(1) نص البخاري: "بِذِيخٍ".
(2)
في "ع": "المستشبعة".
(3)
"الذي أبداه" ليست في "ع".
(4)
انظر: "التنقيح"(2/ 731).
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثنَي سَعِيدُ بْنُ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أكرَمُ الناسِ؟ قَالَ: "أتقَاهُمْ"، فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نسأَلُكَ، قَالَ:"فَيُوسُفُ نبَيُّ اللهِ ابْنُ نبِيِّ اللهِ ابْنِ نبَيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نسألكَ، قَالَ:"فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألونَ؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا".
(إذا فَقُهوا): قال أبو البقاء: الجيدُ هنا ضمُ القاف؛ من فَقُهَ يَفْقُهُ: إذا صارَ فقيهًا؛ كَظَرُفَ، وأما فَقِه -بالكسر- يفقَه -بالفتح-، فهو بمعنى: فَهِمَ الشيءَ، فهو متعدِّ، والمضمومُ القافِ لازمٌ (1)(2).
* * *
1821 -
(3355) - حَدثَنِي بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَناَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَذَكَرُوا لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ، أَوْ ك ف ر، قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ:"أَمَّا إِبْرَاهِيمُ، فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى، فَجَعْدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي".
(مخطوم بخُلْبة): أي: جُعل خطامُه من خُلْبَةٍ، وهي (3) بضم الخاء: الخُصْلَةُ من اللِّيف.
(1)"لازم" ليست في "ع".
(2)
انظر: "إعراب الحديث"(ص: 339). وانظر: "التنقيح"(2/ 731).
(3)
في "ع": "وهو".
1822 -
(3356) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَهْوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ". حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أبو الزِّناَدِ:"بِالْقَدُومِ" -مُخَفَّفَةً-. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبي الزِّناَدِ. تَابَعَهُ عَجْلَانُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
(بالقَدوم): -بفتح القاف وتخفيف الدال-: قريةٌ بالشام، وقيل: هي آلةُ النجَّار، وحكى الباجيُّ التشديد، قال: وهو موضع (1)(2).
(وتابعه عجلان عن أبي هريرة): قال الزركشي: من قال: تابعه ابن عجلان، فقد وهم؛ فإن محمدًا لم يلق أبا هريرة، وإنما أبوه هو الذي أدركه، فروى عنه.
قال المنذري فيما استدركه عليُّ بنُ طاهر المقدسي في كتابه عند ذكر عجلان: فإنه ذكره في "أفراد مسلم"، قال: قد استشهد البخاري بعجلان في بدء الخلق في ذكر إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم (3).
* * *
1823 -
(3358) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ،
(1) في "ع": "وهو تشديد موضع".
(2)
انظر: "التوضيح"(19/ 377).
(3)
انظر: "التنقيح"(2/ 731).
عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام إِلَّا ثَلَاثَ كذَبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عز وجل: قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]، وَقَوْلُهُ:{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] وَقَالَ بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ، إِذْ أتى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأة مِنْ أَحْسَنِ الناسِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: مَنْ هَذِه؟ قَالَ: أُخْتِي، فَأتى سَارَةَ، قَالَ: يَا سَارَةُ! لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِن غَيْرِي وَغَيْرُكِ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي، فَأَخْبَرتُهُ أَنكِ أُختِي، فَلَا تُكَذبِينِي. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِه، فَأُخِذَ، فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي، وَلَا أَضُرُّكِ. فَدَعَتِ اللَّهَ، فَأُطْلِقَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ، فَأخذَ مِثْلَهَا، أَوْ أَشَدَّ، فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي، وَلَا أَضُرُّكِ. فَدَعَتْ، فَأُطْلِقَ. فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ، فَقَالَ: إِنَكمْ لَمْ تَأْتُوني بِإِنْسَانٍ، إِنَّمَا أتيْتُمُوني بِشَيْطَانٍ. فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ، فَأَتتهُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: مَهْيَم؟ قَالَتْ: رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ -أَوِ الْفَاجِرِ- فِي نَحْرِهِ، وَأَخْدَمَ هَاجَرَ. قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءَ.
(إلا ثلاث كذَبات): -بفتح الذال-؛ لأن واحده كَذْبَة -بسكون الذال-، وهو اسمٌ لا صفة، فهو كجَفْنَة، وقَصْعَة، والمرادُ ظاهر بالكذبات: المعاريض.
قال ابن الأنباري: تأويلُ (1) كذب: قال قولًا يشبه الكذبَ في ظاهر الأمر، وهو صدق عند البحث والتفتيش (2).
(1)"تأويل" ليست في "ع".
(2)
انظر: "التنقيح"(2/ 732).
(إذ أتى على جبار من الجبابرة): حكى السهيلي في اسمه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ملكُ الأُرْدُن، وهو صادوق.
وقيل: إن الملك سنانُ بنُ علوان، وكان -في أحد الأقوال- أخا الضحاك الذي ملك الأقاليم.
وقيل: هو عمرُو بن امرئ القيس بن سبأ بن يشجب (1) بن يَعْرُب، وكان على مصر إذ ذاك (2).
(فأومأ بيده: مهيم): كذا لأكثرهم، وعند ابن السكن، وابن القابسي:"مهين" -بالنون بدلًا من الميم-، قيل: وأولُ من تكلَّمَ بها إبراهيم (3).
(يا بني ماء السماء): يعني: العرب؛ لأنهم يعيشون بماء المطر، ويتتبعون مساقِطَ الغيث.
قال الخطابي: وقيل: إنما أراد زمزمَ أنبعَها الله تعالى لهاجرَ، فعاشوا بها، فصاروا كلُّهم أولادَها (4).
وذكر ابن حبان في "صحيحه": أن كل مَنْ كان من ولد هاجر يقال له: وَلَدُ ماءِ السماء؛ لأن إسماعيلَ مِنْ هاجر، وقد رُبِّي من ماء زمزمَ، وهي ماءُ السماء الذي أكرم به إسماعيل حين ولدته أمه هاجر، فأولادها أولادُ ماء السماء (5).
(1)"ابن يشجب" ليست في "ع".
(2)
انظر: "الروض الأنف"(1/ 41).
(3)
انظر: "التنقيح"(2/ 732).
(4)
انظر: "أعلام الحديث"(3/ 1538).
(5)
ذكره ابن حبان في "صحيحه"(13/ 45).
وقيل: ماءُ السماء هو عامرٌ أبو عمرو بن مزيقياء، وهو من الأزد، والأزدُ من اليمن، والأنصارُ من اليمن، سمي بذلك؛ لأنه إذا قحط الناس، أقام لهم مالَه مُقامَ المطر (1).
* * *
1824 -
(3362) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أيوب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أبيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْلَا أَنَّهَا عَجِلَتْ، لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا"
(عينًا معينًا): المَعِينُ: الظاهر على وجه الأرض، وهل وزنُه مَفْعَلٌ من عانه: إذا رآه بعينه، وأصله مَعْيُونٌ، فبقي كمَبيع، أو فَعِيلٌ من أَمْعَنْتُ في الشيء: إذا بالغتُ فيه؟ وجهان (2).
* * *
1825 -
(3363) - قَالَ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَمَّا كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ، فَحَدَّثَنِي، قَالَ: إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبي سُلَيْمَانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ عليهم السلام وَهْيَ تُرْضِعُهُ، مَعَهَا شَنَّةٌ -لَمْ يَرْفَعْهُ-، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ.
(1) انظر: "التنقيح"(2/ 732).
(2)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(معها (1) شَنَّة): -بشين معجمة مفتوحة-: قِرْبَةٌ (2) خَلَقَةٌ، وهو (3) أشد تبريدًا للماء من الجليد (4).
* * *
1826 -
(3364) - وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ أيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَكثِيرِ بْنِ كثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبي وَداعَةَ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاس: أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لتُعَفِّيَ أثرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَد، وَلَيْسَ بِهَا مَاء، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاء، ثمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ! أَيْنَ تَذْهَبُ وَتترُكنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْس وَلَا شَيْء؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نعمْ، قَالَتْ إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا. ثمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءَ الْكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ
(1) في "ع": "معنا".
(2)
في "ع": "قوية".
(3)
في "ج": "وهي".
(4)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} حتى بلغ: {يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]. وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضعُ إِسمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ، عَطِشَتْ، وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى -أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ-، فَانْطَلَقَتْ كرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ ترَى أَحَدًا؟ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ، رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أتتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا، وَنظرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَمْ ترَ أَحَدا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبعَ مَرَّاتٍ -قَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا". -فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ، سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ. تُرِيدُ نَفْسَهَا، ثُمَ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غَوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ- حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ، وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا، وَهْوَ يَفُورُ بَعْدَما تَغْرِفُ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكتْ زَمْزَمَ، أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ، لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا". -قَالَ: فَشَرِبَتْ، وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لها الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ؛ فَإِنَّ هَاهُنَا بَيْتَ اللَّهِ، يَبْنِي هَذَا الْغُلَام، وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ. وَكَانَ الْبَيتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتيه السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ منْ جُرْهُمَ -أَوْ: أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ- مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا في
أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا. فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاء، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاء، فَأَقْبَلُوا، قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاء، فَقَالُوا: أتأذَنِينَ لَنَا أَنْ ننزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نعمْ، وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاء، قَالُوا: نعمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، وَهْيَ تُحِبُّ الإنْسَ"، فَنَزَلُوا، وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ، فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلَامُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّة مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ، زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكتهُ، فَلَمْ يَجدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأتهُ عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. ثُمَّ سَألَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ. فَشَكَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ، فَاقْرَئِي عليه السلام، وَقُولي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، كَأَنَّهُ آنس شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءكمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نعمْ، جَاءَنَا شيخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَألنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي: كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ. قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءَ؟ قَالَتْ: نعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أفُارِقَكِ، الْحَقِي بأَهْلِكِ. فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أتاهُمْ بَعْدُ، فَلَمْ يجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهَا عَنْهُ. فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. قَالَ: كيْفَ أَنتمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ، وَهَيْئتَهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْن بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأثنَتْ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟
قَالَتِ: اللَّحْمُ، قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْم وَالْمَاءِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ، دَعَا لَهُمْ فِيهِ". قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ، فَاقْرَئِي عليه السلام، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: هَلْ أتاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نعَمْ، أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي: كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ. قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نعمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبي، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمسِكَكِ. ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نبلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ، قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنعُ الْوَالِدُ بِالوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ! إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنع مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ. قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبني هَاهُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أكمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ، فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ ينَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. قَالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ، وَهُمَا يَقُولَانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
(المِنْطَق): -بميم مكسورة وطاء مفتوحة-: النِّطاقُ تشدُّه المرأةُ على الوسط عند الشُّغل؛ لئلا تَعْثُرَ في ذَيْلِها.
(لتعفِّيَ أثرَها): لتُخفيه وتمحُوَه؛ لأجل غَيْرَةِ سارةَ.
(عندَ دَوْحَةٍ): هي شجرة عظيمة.
(ثم قفَّى): وَلَّاها قَفاهُ، وهي بتشديد الفاء.
(واستقبلَ بوجهه البيتَ): أي: موضعَ البيت؛ لأنه لم يكن حينئذٍ قد بُني.
(عطِشت): بكسر الطاء.
(يتلوَّى): يتقلبُ (1) ظَهْرًا لبطنٍ.
(أو قال: يتلبط): أي: يُصرع، وقيل: معناهما واحد، وقيل: اللَّبط والخَبْطُ بمعنى.
وقال ابن دريد: اللَّبط باليد، والخَبْطُ بالرِّجْل (2).
(قالت: صَهٍ): قال الزركشي: بالتنوين.
قلت: والذي رأيتُه في بعض النسخ: بسكون الهاء من غير تنوين، فينبغي تحريرُ الرواية فيه.
أمرتْ نفسَها بالسكوت؛ لتسمعَ ما فيه فَرَجٌ (3).
(غَواث): -بفتح الغين المعجمة- قيده ابنُ الخشاب وغيرُه من أئمة اللغة، قيل: وليس في الأصوات ما يقال بفتح الفاء غيره.
قال السفاقسي: ويجوز ضم الغين (4).
(1) في "ع": "تقلب".
(2)
انظر: "جمهرة اللغة"(1/ 360).
(3)
انظر: "التنقيح"(2/ 734).
(4)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(فإذا هي بالملَكِ): هو جبريل عليه السلام.
(فبحث (1) بعَقِبِه): أي: حفرَ بمؤخر رِجْلِه.
قال السهيلي: وفي تفجيره إياها بالعَقِبِ دون أن يفجرها باليد أو غيرها إشارةٌ إلى أنها لعقبه وراثة، وهو محمدٌ وأمته؛ كما قال سبحانه:{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28]؛ أي: في أمة محمد صلى الله عليه وسلم (2).
(فجعلت تُحَوِّضُه): -بالحاء المهملة والضاد المعجمة-؛ أي: تُصَيِّرُه كالحوض؛ لئلا يذهب الماء، وفي رواية:"تُحَوِّطُه"(3).
(وهو يفور): أي: ينبعُ؛ كقوله: {وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: 40].
(من طريق كَدَاء): -بالفتح والمد-: أعلى (4) مكة، كذا نقله القاضي عن رواية الجمهور (5).
(فرأوا طائرًا عائِفًا): العائف -بالفاء-: هو الذي يتردَّدُ حول الماء ويحوم.
(فأرسلوا جَرِيًّا): -بالياء المشددة-: الرسولُ المسرعُ؛ لأنه يجري؛ أو لأنك تُجريه في حوائجك.
(وهي تحبُّ الإنس): بضم الهمزة وكسرها.
(وأنفَسَهم): -بفتح الفاء-؛ أي: صار نفَيسًا (6) فيهم رفيعًا يتنافس
(1) في جميع النسخ: "يحت"، والتصويب من نص البخاري.
(2)
انظر: "الروض الأنف"(1/ 257).
(3)
انظر: "التنقيح"(2/ 734).
(4)
في "ع": "على".
(5)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 350).
(6)
في "ع": "نفسها"، وفي "م":"نفيسها".
في (1) الوصول إليه.
(ويقول غيِّرْ عَتَبَةَ بابك): كنى بالعتبة عن المرأة، وأشار عليه (2) بفراقها.
قال ابن سعد في "الطبقات": عن الكلبي، قال: كانت لإسماعيل امرأة من العماليق (3) ابنةُ صُدَيِّ قَبْلَ الجُرْهُمية، وهي التي جاءها إبراهيم، فجَفَتْه في القول، ففارقها إسماعيل، ولم تلدْ له شيئًا، وقال ابنُ سعد -بعد ذكر أولاد إسماعيل-: وأُمهم في رواية محمد بن إسحاق: رِعْلَةُ بنتُ مُضاضِ ابنِ عمرٍو الجرهمي.
وفي رواية الكلبي: رِعْلَةُ بنتُ (4) يَشْجُبَ بق يَعْرُبَ بنِ لوذانَ (5) بنِ جُرْهُمٍ (6).
وذكر السهيلي في "الروض الأنف" في أولاد إسماعيل: أن ابن هشام قال: وأمهم بنتُ مُضاض، قال: ولم يذكر اسمها، واسمها السيِّدة، ذكره الدارقطني، وقد كان له امرأة سواها من جُرهم، وهي التي أمره أبوه بتطليقها، قيل: اسمُها جَداء بنتُ سعد، ثم تزوج أخرى، وهي التي قال لها إبراهيم في الزورة الثانية:"قولي لزوجِك فليثبتْ عتبةَ بيته"، وقال: اسمُ هذه الأخيرة سامَةُ بنتُ مُهَلْهِلٍ، ذكر ذلك الواقدي، وذكرهما المسعودي
(1)"في" ليست في "ع".
(2)
في "ع": "إليه".
(3)
في"ع": "مرأة من العمالقة".
(4)
"بنت" ليست في "ع".
(5)
في "ع": "دلوان".
(6)
انظر: "الطبقات الكبرى"(1/ 51).
أيضًا، وقد قيل: الثانية عاتكة (1).
(قال: فهما لا يخلو عليهما أحدٌ شيئًا (2)): أي: لا يخلط عليهما أحد (3) شيئًا.
(يَبْري): بفتح أوله.
* * *
1827 -
(3365) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ كثِيرِ بْنِ كثِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كانَ، خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ، وَمَعَهُمْ شَنَّة فِيهَا مَاء، فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ، فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاتَّبَعَتْهُ أُم إِسْمَاعِيلَ، حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاء، نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ! إِلَى مَن تترُكنَا؟ قَالَ: إِلَى اللَّهِ، قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللَّهِ. قَالَ: فَرَجَعَتْ، فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ، قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلي أُحسُّ أَحَدًا. قَالَ: فَذَهَبَتْ، فَصَعِدَتِ الصَّفَا، فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ: هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا؟ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، فَلَمَّا بَلَغَتِ الْوَادِيَ، سَعَتْ، وَأتتِ الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا، ثُمَ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ
(1) انظر: "الروض الأنف"(1/ 42).
(2)
"شيئا" ليست في نص البخاري.
(3)
في "ع": "أشد".
-تَعْنِي: الصَّبِيَّ-، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ؛ كأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ، فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا، فَقَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ؛ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا، فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا، فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ، فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، حَتَّى أتمَّتْ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ، فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ، فَقَالَتْ: أَغِثْ إِنْ كَانَ عنْدَكَ خَيْر، فَإِذَا جِبْرِيلُ. قَالَ: فَقَالَ بِعَقِبِهِ هَكَذَا، وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأَرْضِ، قَالَ: فَانْبَثَقَ الْمَاءُ، فَدَهشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَعَلَتْ تَحْفِزُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم: "لَوْ تَرَكَتْهُ، كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا". قَالَ: فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الْمَاءَ، وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا. قَالَ: فَمَرَّ نَاس مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي، فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ، كأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ، وَقالُوا: مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إِلَّا عَلَى مَاءٍ، فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ، فَنَظَرَ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَتَوْا إِلَيْهَا، فَقَالُوا: يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، أتأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ، أَوْ نسكُنَ مَعَكِ؟ فَبَلَغَ ابْنُهَا، فَنَكَحَ فِيهِمُ امْرَأَةً. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ ترِكَتِي. قَالَ: فَجَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأتهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ. قَالَ: قُولي لَهُ إِذَا جَاءَ غَيِّرْ عَتَبةَ بَابِكَ. فَلَمَّا جَاءَ، أَخْبَرَتهُ، قَالَ: أَنْتِ ذَاكِ، فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ. قالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِع تَرِكَتي. قَالَ: فَجَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأتهُ. ذَهَبَ يَصِيدُ، فَقَالَتْ: أَلَا تَنْزِلُ فتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ وَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ، وَشَرابُنَا الْمَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرابِهِمْ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم: "بَرَكَة بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ". قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، يُصْلِحُ نَبلًا لَهُ، فَقَالَ:
يَا إِسْمَاعِيلُ! إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا. قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ. قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ. قَالَ: إِذًا أَفعَلَ. أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقَامَا، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولَانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. قَالَ: حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَلَى نقلِ الْحِجَارة، فَقَامَ عَلَى حَجَرِ الْمَقَامِ، فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارة، وَيَقُولَانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
(يُنْشَغُ للموت): -بشين معجمة مفتوحة وغين معجمة-: يَشْهَقُ ويَضيق نفسُه.
(فلم تُقِرَّها (1)): بضم أوله وكسر ثانيه.
* * *
1828 -
(3366) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَيْمِيُّ عَنْ أَبيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ مَسْجدٍ وُضعَ بالأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى"، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْركَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ، فَصَلِّهْ؛ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ".
(أَيُّ مسجدٍ وُضع بالأرض أَوَّلُ): قال أبو البقاء: الوجهُ أن يُضَمَّ "أَوَّلُ" ضمةَ بناء، كما يقال (2): ابدأ بهذا أولُ، وإنما بني؛ لقطعِه عن
(1) في "ع": "يقرها".
(2)
في "ع": "قال".