الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنبتة لها واحدة، وتسقى من ماء واحد، وتتفاوت طعومها، وتتفاضل مآكلها.
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي إن في هذا التّفاوت مع وجود مصادر التّشابه لأدلّة باهرة على وجود الله ووحدانيته، لقوم يتدبّرون ويفكّرون فيها، فهذا الاختلاف في أجناس الثّمرات والزّروع في أشكالها وألوانها وطعومها وروائحها، حلاوة وحموضة ومرارة وعذوبة وتلوّنا، وهذا الاختلاف في الأزهار في ألوانها وروائحها وإبداع ورقاتها وزهرها، مع أنها كلّها تستمد من طبيعة واحدة، وهو الماء والأرض، في كلّ ما ذكر آيات لمن كان واعيا، ومن أعظم الأدلّة على وجود الخالق الفاعل المختار القادر على كلّ شيء، ومن قدر على الإيجاد والخلق أول مرّة فهو قادر على الإعادة والتّكوين مرّة ثانية، بل هو أهون عليه.
وختم الآيات الثلاث بما ذكر: {لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} ، {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} دليل على وجوب استخدام النّظر والعقل والفكر، للتّوصل إلى الاقتناع الذّاتي الحرّ بوجود الخالق ووحدانيته، وهذا الإعمال للعقل من مقاصد الإسلام، وفرائض القرآن، وأصول الدّين.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1 -
من لطف الله بعباده ورحمته بهم وإرشاده لهم أنه أوضح لهم الأدلّة، ولفت نظرهم إلى ما يدلّ على وجوده وكمال قدرته، وعلمه، وإرادته، فتخصيص كلّ واحد منها بوضعه وموضعه وصفته وطبيعته وحليته ليس إلا من الله تعالى.
2 -
الأدلّة متنوعة: سماوية وأرضية، فالسّماوية ثلاثة: رفع السّموات بغير أعمدة، والاستواء على العرش، وتسخير الشّمس والقمر وتذليلهما وتطويعهما
لغايات معينة في مدّة معينة لمنافع الخلق ومصالح العباد ما داموا في الدّنيا وحتى تقوم السّاعة، يدبّر الله فيها الأمر، أي يصرفه على ما يريد بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة والإغناء والإفقار، وإنزال الوحي وبعثة الرّسل وتكليف العباد، ويبيّن الآيات، فمن قدر على هذه الأشياء يقدر على الإعادة، لذا قال:
{لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} وهذا إثبات للألوهيّة والرّبوبية والمعاد يوم القيامة، فمن كان يمكنه تدبير من فوق العرش إلى ما تحت الثّرى بحيث لا يشغله شأن عن شأن، فكذلك يحاسب الخلق بحيث لا يشغله شأن عن شأن.
وأمّا الأدلة الأرضية فهي ستّة: بسط الأرض بالنّسبة للنّاظر ليمكن العيش عليها، وتثبيتها بالجبال الرّاسيات الشّامخات، وإجراء الأنهار وتفجير الينابيع، وجعل الثّمار ذات وجهين اثنين، أي من صنفين متعارضين كالذّكر والأنثى، والحلو والحامض، والحار والبارد، والأبيض والأسود، وتغطية الليل النّهار، وتبديد ظلمة الليل بضوء النّهار، وتفاوت ما تنتجه الأرض من حبوب وزروع وثمار وأشجار، مجتمعة ذات جذوع متعددة من منبت واحد، ومتفرّقة ذات جذع مستقلّ بكلّ واحدة منها.
فكلّ ما ذكر يدلّ دلالة قطعيّة على أنّ الكلّ بتدبير الله الفاعل المؤثر المختار، لا بالطّبيعة ولا بالصّدفة.
3 -
لا يفهم من آية: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} ، وآية:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} [النّازعات 30/ 79] أنّ الأرض غير كروية، فقد ثبتت كرويتها بالأدلّة العلمية العقلية والحسيّة، ودلّت أقمار الفضاء الدّائرة حول الأرض بما لا يقبل أي شكّ أو جدل على أن الأرض كروية، وقد صرح بكرويتها علماؤنا كالرّازي
(1)
، فإن المقصود أن كل قطعة من الأرض تشاهد كالسّطح، وأما مجموعها
(1)
تفسير الرّازي: 2/ 19 - 3