الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخيرة والشريرة. قال الحسن: إن أمه كانت مؤمنة، وأما استغفاره لأبيه فكان عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين أنه عدو لله، تبرأ منه، كما قال عز وجل:
ودعاء إبراهيم لنفسه لا يلزم منه صدور ذنب منه، وإنما المقصود منه الالتجاء إلى الله تعالى، والاعتماد على فضله وكرمه ورحمته.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
تعليمنا طلب نعمة الأمان من الله، فابتداء إبراهيم عليه السلام بطلب نعمة الأمن في هذا الدعاء يدل على أنه أعظم أنواع النعم والخيرات، وأنه لا يتم شيء من مصالح الدين والدنيا إلا به.
2 -
مشروعية الدعاء للنفس والذرية والبلاد، بل ينبغي لكل داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته.
3 -
كان دعاء إبراهيم مركّزا حول إخلاص التوحيد لله عز وجل، وتجنب عبادة الأصنام والأوثان، التي كانت سببا في إضلال كثير من الناس، فدعاؤه جمع بين طلب أن يرزق التوحيد، وبين طلب صونه عن الشرك، وتضمن أيضا طلب توفيقه لصالح الأعمال، وتخصيصه بالرحمة والمغفرة يوم القيامة.
4 -
الالتفاف حول النبي أو المصلح واجب؛ لقول إبراهيم: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} .
5 -
طلب المغفرة للعصاة غير الكفار؛ لأن الشرك أو الكفر لا يجوز
بالإجماع طلب إسقاطه ومغفرته؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} [النساء 48/ 4].
6 -
إسكان إبراهيم زوجه وابنه إسماعيل عند البيت الحرام كان لإقامة الصلاة.
وقد روى البخاري عن ابن عباس ما مفاده أن إبراهيم ترك هاجر وابنها إسماعيل وهي ترضعه، عند البيت، عند دوحة فوق زمزم، في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، ووضع عندهما جرابا، وسقاء فيه ماء، ثم قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل؛ فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيّعنا؛ ثم رجعت، فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثّنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهذه الدعوات، ورفع يديه فقال:{رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} حتى بلغ {يَشْكُرُونَ} .
وبعد أن نفد ما في السقاء، عطشت وعطش ابنها، فجعلت تسعى سعي المجهود بين الصفا والمروة، سبع مرات،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فذلك سعي الناس بينهما» ثم سمعت وهي على المروة صوتا، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه أو بجناحه، حتى ظهر الماء.
روى الدارقطني عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تشتفي به شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله به، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه، وهي هزمة
(1)
جبريل، وسقيا الله إسماعيل».
(1)
هزمة جبريل: أي ضربها برجله فنبع الماء.
7 -
لا يجوز لأحد أن يفعل فعل إبراهيم في طرح ولده وعياله بأرض مضيعة، اتكالا على العزيز الرحيم، واقتداء بفعل إبراهيم الخليل، فإن إبراهيم فعل ذلك بأمر الله تعالى،
لقوله في الحديث: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. وكان ذلك كله بوحي من الله تعالى.
8 -
تضمنت هذه الآية أن الصلاة بمكة أفضل من الصلاة بغيرها؛ لأن معنى {رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} أي أسكنتهم عند بيتك المحرم ليقيموا الصلاة فيه.
9 -
كان من بركة دعاء إبراهيم عليه السلام واستجابة الله له أن التعلق بالبيت الحرام وحبه والشوق إليه والحنين إلى زيارته متمكن في قلب كل مؤمن.
وقال ابن عباس في الآية: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً} : سأل أن يجعل الله الناس يهوون السّكنى بمكة، فيصير بيتا محرما، وكل ذلك كان، والحمد لله، وأول من سكنه جرهم.
وأن مكة أصبحت ملتقى الأثمار والفواكه الآتية من كل الأنحاء والأمصار، وأنبت الله لهم بالطائف سائر الأشجار.
10 -
احتج أهل السنة بآية {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ} على أن أفعال العبد مخلوقة الله تعالى، وهذا يشمل ترك المنهيات المنصوص عليه في هذه الآية:{وَاجْنُبْنِي} وفعل المأمورات المنصوص عليه في آية: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} وذلك تصريح بأن إبراهيم عليه السلام كان مصرا على أن الكل من خلق الله تعالى.
11 -
دلّ القرآن على أنه تعالى أعطى إبراهيم عليه السلام ولدين هما إسماعيل وإسحاق على الكبر والشيخوخة، ولم يتعرض القرآن لسن إبراهيم في ذلك الوقت، وإنما يؤخذ من روايات التاريخ.