الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عندهم، وأبان هذا بصورة محاورة بين السادة والأتباع، ومناظرة بين الشيطان وأتباعه الإنس، ثم ذكر جزاء المؤمنين السعداء وظفرهم بجنان الخلد.
التفسير والبيان:
وبرزت الخلائق كلها برّها وفاجرها لله الواحد القهار في موقف الحساب، واجتمعوا له في مكان متسع لا ساتر فيه، خلافا لحال الدنيا حيث يظن الكفار والعصاة أن الله لا يراهم.
فقال الضعفاء، أي الأتباع للقادة والسادة والكبراء في العقل والتفكير، أولئك القادة الذين استكبروا عن عبادة الله وحده وعن اتباع الرسل: إنا كنا تابعين لكم، مقلدين في الأعمال، نأتمر بأمركم ونفعل فعلكم، فكفرنا بالله، وكذبنا الرسل متابعة لكم، فهل أنتم تدفعون عنا اليوم بعض عذاب الله، كما كنتم تعدوننا وتمنوننا.
فأجابهم القادة المتبوعون متنصلين من الدفاع عنهم: لو هدانا الله لدينه الحق، ووفقنا لاتّباعه، وأرشدنا إلى الخير، لهديناكم وأرشدناكم إلى سلوك الطريق الأقوم، ولكنه لم يهدنا، فحقت كلمة العذاب على الكافرين.
ثم أعلنوا يأسهم من النجاة فقالوا: {سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا.} . أي ليس لنا خلاص ولا منجى مما نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه، أي أن الجزع والصبر سيّان، فلا نجاة لنا من عذاب الله تعالى.
قال ابن كثير: والظاهر أن هذه المراجعة (أي الحوار) في النار، بعد دخولهم فيها
(1)
(1)
تفسير ابن كثير: 528/ 2
{قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنّا كُلٌّ فِيها، إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ} [غافر 47/ 40 - 48] وقال تعالى: {قالَ: اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النّارِ، كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها، حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً، قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ: رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا، فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النّارِ؛ قالَ: لِكُلٍّ ضِعْفٌ، وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ. وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ: فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف 38/ 7 - 39] وقال تعالى: {رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا، رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ، وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب 67/ 33 - 68].
ثم ذكر الله تعالى محاورة أخرى بين الشيطان وأتباعه من الإنس، فقال:
{وَقالَ الشَّيْطانُ.} . أي وقال إبليس لأتباعه الإنس، بعد ما قضى الله بين عباده، فأدخل المؤمنين الجنات، وأسكن الكافرين الدركات: إن الله وعدكم بالبعث والجزاء وعد الحق على ألسنة رسله، وكان وعدا حقا وخبرا صدقا، وأما أنا فوعدتكم ألا بعث ولا جزاء، ولا جنة ولا نار، فأخلفتكم موعدي، إذ لم أقل إلا باطلا من القول وزورا، كما قال تعالى:{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ، وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً} [النساء 120/ 4] وقد اتبعتموني وتركتم وعد ربكم.
{وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ} أي وما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه دليل ولا حجة، ولا قوة ولا تسلط فيما وعدتكم به.
{إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ.} . أي ولكن حينما دعوتكم استجبتم لي، بمجرد ذلك.
{فَلا تَلُومُونِي.} . أي فلا توجهوا اللوم إلي اليوم، ولوموا أنفسكم؛ لأنكم أسرعتم إلى إجابتي باختياركم، فإن الذنب ذنبكم؛ لكونكم لم تستمعوا إلى دعاء ربكم، وقد دعاكم دعوة الحق بالحجج والبينات، فخالفتم البراهين الداعية لكم إلى الصواب.
{ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ.} . ما أنا بمغيثكم ولا نافعكم ولا منقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه من العذاب، وما أنتم بمغيثي ولا نافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال، كما قال تعالى:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، وَرَأَوُا الْعَذابَ} [البقرة 166/ 2].
{إِنِّي كَفَرْتُ.} . إني أنكرت أو جحدت اليوم بإشراككم إياي من قبل أي في الدنيا مع الله تعالى في الطاعة، كما قال سبحانه:{وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر 14/ 35] والمراد بذلك تبرؤه من الشرك وإنكاره له، كما قال تعالى:{إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، كَفَرْنا بِكُمْ} [الممتحنة 4/ 60] وقال سبحانه. {كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم 82/ 19].
{إِنَّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} هذا في الأظهر من قول الله عز وجل، ويحتمل أن يكون من جملة قول إبليس المحكي في القرآن قطعا لأطماع أولئك الكفار عن الإعانة والإغاثة، والمعنى: إن الكافرين في إعراضهم عن الحق، واتباعهم الباطل، لهم عذاب مؤلم.
والمقصود تنبيه الناس إلى تبرؤ الشيطان من وساوسه في الدنيا، وحضهم على الاستعداد ليوم الحساب، وتذكر أهوال الموقف.
وبعد أن أبان الله تعالى أحوال الأشقياء، أوضح أحوال السعداء، وكلا الفريقين كانوا قد برزوا للحساب والجزاء بين يدي الله، فقال:{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا.} ..
أي ويدخل الملائكة الذين صدقوا بالله ورسوله، وأقروا بوحدانيته، واتبعوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، جنات (بساتين) فيها الأنهار الجارية في كل