الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إننا إذا ذهبنا مع أخينا في المرّة الثّانية وأرسلته معنا، نأتي بالميرة إلى أهلنا من مصر.
ونحفظ أخانا بنيامين بعنايتنا ورعايتنا، فلا تخف عليه.
ونزيد مكيال بعير لأجله، لأن عزيز مصر كان يعطي لكلّ رجل حمل بعير، دون زيادة ولا نقص، اقتصادا وحسن تدبير.
وذلك الحمل الزّائد أمر يسير قليل، أو سهل لا عسر فيه على هذا الرّجل السّخي الرّحيم في مقابلة أخذ أخينا.
قال يعقوب، وقد تذكّر ماضي يوسف: لن أرسل بنيامين معكم حتى تعاهدوني عهدا موثقا باليمين، لتعودنّ به على أي حال كنتم، إلا في حال يمتنع ذلك عنكم بأن تهلكوا وتموتوا أو تغلبوا على أمركم وتقهروا كلكم، ولا تقدرون على تخليصه. ويلاحظ أن العهد المؤكّد باليمين يسمّى يمينا، وإن أكّد ووثّق بما يقتضي زيادة العناية بحفظه والوفاء به بغير اليمين يسمّى ميثاقا.
فلما آتوه أي أعطوه موثقهم، أي عهدهم المؤكّد باليمين، قال يعقوب: الله على ما نقول جميعا وكيل، أي شهيد رقيب حفيظ مطّلع، وأفوض أمري إليه، وقد وافق على إرساله اضطرارا من أجل الميرة التي لا غنى لهم عنها.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات على ما يأتي:
1 -
كان أولاد يعقوب فيما أخبروا به أباهم من منع الكيل صادقين، حتى يرسل معهم أخاهم، كما وعدوا عزيز مصر.
2 -
تعهد أولاد يعقوب عليه السلام بالمحافظة على أخيهم بنيامين، وكأنهم لم
يريدوا تكرار مأساة يوسف عليه السلام، لأنهم كانوا يحملون في صدورهم الحقد والحسد عليه، خلافا لحال بنيامين.
3 -
تعلّق إخوة يوسف بزيادة الكسب والرّبح، وطمحوا أن يأتوا مرة أخرى بطعام لهم من مصر من غير ثمن.
4 -
كان إكرام يوسف لإخوته وردّه ثمن الطعام إليهم عاملا مرغّبا قويّا في عودتهم إليه مرة أخرى، مصطحبين معهم أخاهم بنيامين.
5 -
إن يعقوب النّبي عليه السلام كان في حديثه مع أولاده مطمئنا إلى حفظ الله ورحمته، فهو نعم الوكيل الحافظ، وهو أرحم الرّاحمين بعباده، لا سيّما حال الضّعفاء وكبار السّن أمثاله، فحفظ الله له خير من حفظكم إيّاه.
6 -
تشدّد يعقوب عليه السلام هذه المرة مع أولاده أكثر مما حدث عند إذنه بإرسال يوسف عليه السلام، بعد تلك التّجربة القاسيّة وما أعقبها من حزن شديد وألم، فطلب منهم الميثاق وهو العهد المؤكّد باليمين على إحضاره إليه إلا في حال العذر القاهر والإحاطة بهم، قال مجاهد معناها: إلا أن تهلكوا أو تموتوا.
وقد دلّ قوله تعالى: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ.} . على أنه أجابهم إلى إرساله معهم.
7 -
أراد أولاد يعقوب عليه السلام تطييب نفس أبيهم بقولهم: {ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا.. ؟} فهم حشدوا لإقناعه وتطييب نفسه كلّ الأسباب والبواعث المادية واستغلّوا حاجتهم الشديدة: أخذ الطعام دون ثمن، إعالة الأهل، إضافة حمل بعير، وضمّوا إلى ذلك كلّه التّعهد بالحفظ والرّعاية، فلم يجد بدّا من الموافقة على إرسال بنيامين معهم.
8 -
قوله تعالى: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ}