الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلّى الله عليه وسلّم، فلم يعرفوا قدر هذه النعمة، وأبان أسباب وقوعهم في سوء المصير في جهنم، ثم أمرهم على سبيل الوعيد والتهديد بالتمتع في نعيم الدنيا، ثم أمر المؤمنين بمجاهدة النفس والهوى بالصلاة والإنفاق.
التفسير والبيان:
يدعو الله تعالى إلى التعجب من أمر كفار مكة وأمثالهم الذين وصفهم الله بصفتين هما السبب الأول في دخولهم نار جهنم وهي:
1 -
{بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً} أي بدلوا شكر نعمة الله كفرا، فإن شكر النعمة واجب عقلا وشرعا، لكنهم خرجوا عن هذا الواجب، وجعلوا بدل الشكر كفرا وجحودا. وهم كفار أهل مكة، وهو المشهور الصحيح عن ابن عباس في هذه الآية، قال ابن كثير: وإن كان المعنى يعم جميع الكفار، فإن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ونعمة للناس، فمن قبلها وقام بشكرها، دخل الجنة، ومن ردّها وكفرها دخل النار.
2 -
{وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ} أي وأنزلوا قومهم الذين شايعوهم في الكفر، واتبعوهم في الضلال، دار الهلاك الذي لا هلاك بعده.
ودار البوار هي جهنم مقر العذاب التي يدخلونها ويقاسون حرها، وبئس المقر جهنم.
والسبب الثاني: {وَجَعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً} أي واتخذوا لله شركاء عبدوهم معه، ودعوا الناس إلى ذلك، فقالوا في الحج مثلا: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.
والسبب الثالث: {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} أي اتخذوا الأنداد أو الشركاء لتكون عاقبة أمرهم إضلال من شايعهم واتبعهم، وصرفهم عن دين الله، وإبقاءهم
في مرتع الكفر. فاللام في {لِيُضِلُّوا} لام العاقبة؛ لأن عبادة الأوثان سبب يؤدي إلى الضلال؛ ولأنهم لم يريدوا ضلال أنفسهم، أي أن المقصود لا يحصل إلا في آخر المراتب.
ثم قال تعالى مهددا ومتوعدا لهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ: تَمَتَّعُوا.} .
أي تمتعوا بما قدرتم عليه من نعيم الدنيا، فإن جزاءكم ومرجعكم وموئلكم إلى النار، كما قال تعالى:{نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ} [لقمان 24/ 31] وقال سبحانه: {مَتاعٌ فِي الدُّنْيا، ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ، ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس 70/ 10]. وسمي ذلك تمتعا؛ لأنهم تلذذوا به، ولأنه بالنسبة إلى عقاب الآخرة تمتع ونعيم.
ونظير الآية في أمر التهديد: {اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ} [فصلت 40/ 41] وقوله:
{قُلْ: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً، إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ} [الزمر 8/ 39].
وبعد تهديد الكفار على تمتعهم في الدنيا، أمر الله نبيه بأن يبلّغ الناس ويأمرهم بإقامة الصلاة التي هي عبادة بدنية، والإنفاق في سبيله وهو عبادة مالية، فقال:{قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا.} . أي يأمر الله تعالى عباده بطاعته والقيام بحقه والإحسان إلى خلقه، بأن يقيموا الصلاة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وأن ينفقوا مما رزقهم الله، بأداء الزكوات، والنفقة على القرابات، والإحسان إلى الأباعد.
وإقامة الصلاة: أداؤها مستكملة أركانها وشروطها، مع المحافظة على وقتها، والخشوع لله في جميع أجزائها.
ويكون الإنفاق مما رزق في السرّ (أي في الخفية) والعلانية وهي الجهر، قال البيضاوي: والأحب إعلان الواجب (أي في النفقة) وإخفاء المتطوع به (أي المتبرع أو المتصدق به).