المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{وَيُسْقى} فيها {مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ} هو ما يسيل من جلود - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٣

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌2 -النّفس الأمّارة بالسّوء

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل التّاسع من قصّة يوسفيوسف في رئاسة الحكم ووزارة الماليّة

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌والخلاصة:

- ‌الفصل العاشر من قصة يوسفأولاد يعقوب يشترون القمح من أخيهم يوسفومطالبته إياهم بإحضار أخيهم

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌أضواء من التّاريخ:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الحادي عشر من قصّة يوسفمفاوضة إخوة يوسف أباهم لإرسال أخيهم بنيامين معهم فيالمرة القادمة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الثاني عشر من قصة يوسفوصية يعقوب لأولاده بالدخول إلى مصر من أبواب متفرقة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الثالث عشر من قصة يوسفمعرفة يوسف أخاه بنيامين واتخاذه التدابير لإبقائه لديه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الرابع عشر من قصة يوسفنقاش حادّ بين أولاد يعقوب وبين يوسف وبين أبيهم حولالسرقة المزعومة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الخامس عشر من قصة يوسفتعرّف أولاد يعقوب على يوسف في المرة الثالثة واعترافهمبخطئهم وعفوه عنهم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل السادس عشر من قصة يوسفإخبار يعقوب بريح يوسف وتأييده ببشارة البشير

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل السابع عشر من قصة يوسفلقاء أسرة يعقوب عليه السلام في مصر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الثامن عشر من قصّة يوسفدعاء جامعيتضمّن تحدّث يوسف بنعم الله عليه وطلبه من ربّه حسن الخاتمة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل التّاسع عشر من قصّة يوسفإثبات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلمالإخبار عن المغيبات والإعراض عن التّأمل في الآيات ودعوة النّبي إلى التّوحيد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل العشرون من قصّة يوسفالعبرة من القصص القرآني

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الرعد

- ‌تسميتها:

- ‌ناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السّورة:

- ‌القرآن حق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مظاهر قدرة الله في السّموات والأرض

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار المشركين البعث واستعجالهم العذاب ومطالبتهم بإنزال آيةمادية على النّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مظاهر علم الله المحيط بكل شيء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مظاهر ألوهية الله وربوبيته وقدرته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وحدانية اللهومثل المؤمن والمشرك تجاه الوحدانية

- ‌لبلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مثل الحق والباطل ومآل السعداء والأشقياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أوصاف أولي الألباب السعداء وجزاؤهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌1 - الوفاء بالعهد:

- ‌2 - عدم نقض الميثاق:

- ‌3 - صلة الرحم ورعاية جميع الحقوق الواجبة لله وللعباد:

- ‌4 - الخوف من الله:

- ‌5 - الخوف من العذاب:

- ‌6 - الصبر:

- ‌7 - إقامة الصلاة:

- ‌8 - الإنفاق في وجوه الخير:

- ‌9 - مقابلة السيئة بالإحسان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات الأشقياء وجزاؤهم

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرزق على الله والآيات بيد الله والهداية من الله لمن آمن بالله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محمد صاحب الرسالة والرسول وبيان عظمة القرآنوقدرة الله الشاملة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفة الجنّة وموقف أهل الكتاب من نبوّة النّبي صلى الله عليه وسلموشبهات المشركين حولها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مهمة الرّسول تبليغ الشّريعة والله شاهد له ومحاسب وحاكم بينالعباد ومحبط مكر الكفار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة إبراهيم عليه السلام

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه هذه السّورة:

- ‌الغاية من إنزال القرآن وذم الكافرينوكون الرسول بلسان قومه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مهمة الرسول موسى عليه السلام ونصائحه لقومه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أخبار الرسل السابقين مع أممهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد الكفار لرسلهم بالطرد أو الردة والوحي بأن العاقبة للأنبياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دليل وحدانية الله ووجوده وقدرته على معاد الأبدان

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحوار بين الأشقياء يوم العذاب والمناظرة بين الشيطان وأتباعهوظفر السعداء بالجنة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مثال الكلمة الطيبة من السعداء ومثال الكلمة الخبيثة من الأشقياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كفران النعمة واتخاذ الأنداد وتهديد الكافرين بالتمتع بنعيم الدنياوأمر المؤمنين بإقامة الصلاة والإنفاق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أدلة وجود الله والتوحيد في الكون والأنفس

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء إبراهيم عليه السلام مستقبل البيت الحرام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ما يدل على وجود القيامة وأوصافهاأو تأخير عذاب القيامة وأحوال المعذبين وتبدل السموات والأرض

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: {وَيُسْقى} فيها {مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ} هو ما يسيل من جلود

{وَيُسْقى} فيها {مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ} هو ما يسيل من جلود أو جوف أهل النار، مختلطا بالقيح والدم {يَتَجَرَّعُهُ} سقيته جرعة بعد جرعة، بالشدة والقهر {يُسِيغُهُ} يستطيبه أو يزدرده، لقبحه وكراهته {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ} أي تأتيه أسبابه وتحيط به من كل جانب، وتغشاه أنواع الكروب والعذاب {وَمِنْ وَرائِهِ} بعد ذلك العذاب {عَذابٌ غَلِيظٌ} قوي متصل، وشديد غير منقطع.

{مَثَلُ} صفة {أَعْمالُهُمْ} الصالحات كصلة الرحم والصدقة على الفقراء في عدم الانتفاع بها {كَرَمادٍ} أثر النار بعد احتراقها {عاصِفٍ} شديد الريح، أي أعمالهم كالرماد الذي عصفت به الرياح العاتية، فجعلته هباء منثورا، لا يقدر عليه {لا يَقْدِرُونَ} أي الكفار {مِمّا كَسَبُوا} عملوا في الدنيا {عَلى شَيْءٍ} لا يجدون له ثوابا، لعدم توافر شرطه: وهو الإيمان. {ذلِكَ} إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون {هُوَ الضَّلالُ} الهلاك {الْبَعِيدُ} الغاية في البعد عن الحق.

‌المناسبة:

بعد أن أرشد الله تعالى الأنبياء إلى التوكل عليه والاعتماد على حفظه وصيانته، في دفع شرور أعدائهم، ذكر موقف الكفار العصبي المبالغ في السفاهة، وهو التهديد بأحد أمرين: الإخراج والطرد من البلاد، أو العودة إلى الملة الوثنية القديمة المتوارثة، وهذا هو الشأن في كل زمان، يعتمد فيه أهل الباطل والفسق والظلم على القوة والبطش لقوتهم، ويستغلون ضعف أهل الحق لقلتهم.

ولكن قدرة الله فوق كل شيء، والله غالب على أمره، فجعل العاقبة والنصر في النهاية للمتقين وأن الهزيمة للكافرين، وأعلمهم بالعذاب في الآخرة، وتلك سنة الله في خلقه مع كل الأمم والرسل.

ثم ضرب الله مثلا لأعمال الكافرين، بالرماد الذي عصفت به الرياح الهوج، فجعلته هباء منثورا، لعدم توافر شرطه وهو الإيمان.

‌التفسير والبيان:

هذا تطور طبيعي للحوار والصراع بين الرسل والأمم الكافرة، فبعد أن

ص: 225

أفلست الأمم في مناقشتها، وهزمت حجتها أمام حجة الرسل وبيانهم، لم يجدوا سبيلا إلا تأزم الوضع والدخول في صدام وعمل عدواني، فتوعدوا رسلهم بأحد أمرين:

إما الطرد والإخراج والنفي من البلاد، وإما العودة إلى ملتهم وشرعهم الموروث عن الآباء والأجداد، كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به:{لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا} [الأعراف 88/ 7] وقال تعالى إخبارا عن مشركي قريش: {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ، لِيُخْرِجُوكَ مِنْها، وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً} [الإسراء 76/ 16] وقال سبحانه في إلجاء النبي إلى الهجرة: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ.} . [الأنفال 30/ 8].

والسبب في هذا التهديد والوعيد: اغترار الكفار بقوتهم وكثرتهم، وقلة عدد المؤمنين وضعف عددهم. وأما قولهم {لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا} فلا يعني أن الرسل كانوا وثنيين، وإنما كانوا في ظاهر الأمر معهم، من غير إظهار مخالفة، فظن القوم أنهم كانوا على دينهم.

{فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ.} . أي فأوحى الله إلى رسله قائلا لهم: لنهلكن الظالمين المشركين، ولنسكننكم أرضهم وديارهم من بعد هلاكهم، عقوبة لهم على تهديدهم وإنذارهم بالطرد والإبعاد.

وهذا تهديد ووعد من الله للمشركين في مقابل تهديدهم الرسل، وشتان بين التهديدين، كما قال سبحانه:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ} [الصافات 170/ 37 - 173] وقال تعالى:

{كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة 21/ 58] وقال عز وجل: {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ} [الأنبياء 105/ 21] وآيات كثيرة أخرى في المعنى.

ص: 226

{ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي.} . أي ذلك الموحى به من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ديارهم، أي ذلك الأمر حق، لمن خاف موقفي للحساب أو مقامه بين يدي، وخاف وعيدي بالعذاب والعقاب، فخشي لقائي، واتقاني بطاعتي، وتجنب سخطي وغضبي. وهذا هو سبب النصر والوحي المذكور.

{وَاسْتَفْتَحُوا.} . أي واستنصرت الرسل بالله على أممهم أو أقوامهم، أي على أعدائهم، كما قال تعالى:{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال 19/ 8] والمراد أنهم سألوا من الله الفتح على أعدائهم، أو القضاء بينهم وبين أعدائهم، كما قال تعالى:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ} [الأعراف 89/ 7] والضمير يعود للرسل أو الأنبياء عليهم السلام.

وقيل: يعود الضمير على الكفار، أي واستفتح الكفار على الرسل، ظنا منهم بأنهم على الحق، والرسل على الباطل. وقيل: للفريقين، فإنهم كلهم سألوه أن ينصر المحق، ويهلك المبطل، كما قال تعالى في شأن استفتاح الأمم على أنفسها:{اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال 32/ 8].

ولكن كانت النتيجة أن النصر للمتقين والخيبة والخسارة والهلاك للمشركين، فقال سبحانه:{وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ} أي وخسر وهلك كل متكبر متعاظم عن طاعة الله، معاند للحق، منحرف عنه، كقوله تعالى:{أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ، مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ، مُعْتَدٍ مُرِيبٍ، الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ، فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ} [ق 24/ 50 - 26].

{مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ} أي أمام هذا الجبار العنيد جهنم له بالمرصاد تنتظره، كما قال تعالى:{وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف 79/ 18] أي أمامهم.

ص: 227

{وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ} أي ليس له في النار شراب إلا ما يسيل من جلود أهل النار ولحومهم من ماء مختلط بالقيح والدم، كما قال تعالى:{هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسّاقٌ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ} [ص 57/ 38 - 58] وهذا أي الحميم حار في غاية الحرارة، وهذا أي الغساق بارد في غاية البرد والنتن.

{يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ} أي يتحساه جرعة بعد جرعة، ولا يكاد يزدرده، لكراهته، وسوء طعمه ولونه وريحه، مما يدل على التألم حين ابتلاعه، كما قال تعالى:{وَسُقُوا ماءً حَمِيماً، فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ} [محمد 15/ 47] وقال:

{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ، يَشْوِي الْوُجُوهَ، بِئْسَ الشَّرابُ، وَساءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف 29/ 18].

{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ.} . أي وتأتيه أسباب الموت من الشدائد وألوان العذاب من كل جهة، ولكنه لا يموت، كما قال تعالى:{لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها} [فاطر 36/ 35].

{وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ} أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ، أي مؤلم صعب شديد، أغلظ من الذي قبله وأدهى وأمر، وهو دائم غير منقطع، كما قال تعالى عن شجرة الزقوم:{إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ، فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ، ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ، ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات 64/ 38 - 68] وقال عز وجل: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ، خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ، ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} [الدخان 43/ 44 - 50] وقال: {وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ، لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة 41/ 56 - 44]. وقال تعالى: {هذا وَإِنَّ

ص: 228