الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر السّدّي ومحمد بن إسحاق وغيرهما من المفسرين: أن السّبب الذي من أجله أقدم إخوة يوسف بلاد مصر: أن يوسف عليه السلام، لما باشر الوزارة بمصر، ومضت السّبع السّنين المخصبة، ثم تلتها السّبع السّنين المجدبة، وعمّ القحط بلاد مصر بكمالها، ووصل إلى بلاد كنعان: وهي التي فيها يعقوب عليه السلام وأولاده، وحينئذ احتاط يوسف عليه السلام للنّاس في غلاّتهم، وجمعها أحسن جمع، فحصل من ذلك مبلغ عظيم، وهدايا متعددة، وورد عليه الناس من سائر الأقاليم والمعاملات، يمتارون لأنفسهم وعيالهم، فكان لا يعطي الرّجل أكثر من حمل بعير في السّنة، وكان عليه السلام لا يشبع نفسه، ولا يأكل هو والملك وجنودهما إلا أكلة واحدة في وسط النّهار، حتى يتكفأ الناس بما في أيديهم مدّة السّبع السنين، وكان رحمة من الله تعالى على أهل مصر
(1)
.
وغير هذه الرّوايات هي من الإسرائيليات.
التفسير والبيان:
وجاء إخوة يوسف عليه السلام من أرض كنعان (فلسطين) إلى مصر، يطلبون شراء القمح، لأن القحط عمّ بلاد الشّام ومصر، لما بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه.
فلما دخلوا على يوسف، وهو في منصبه الرّفيع، عرفهم حين نظر إليهم، لأن ملامح الكبار لا تتغيّر كثيرا، وهم له منكرون، أي لا يعرفونه، لأنهم فارقوه، وهو صغير حدث، وباعوه للسّيّارة، والملامح في حال الصّغر تتغيّر كثيرا في حال الكبر، ولأنهم قدروا هلاكه، وما دار في خلدهم أنه سيصير إلى ما صار إليه، ولنسيانهم له بطول العهد.
وزاد في الأمر أنه-كما ذكر السّدّي-شرع يخاطبهم، فقال لهم كالمنكر
(1)
تفسير ابن كثير: 483/ 2
عليهم: ما أقدمكم بلادي؟ فقالوا: أيّها العزيز، إنّا قدمنا للميرة، قال: فلعلكم عيون؟ قالوا: معاذ الله، قال: فمن أين أنتم؟ قالوا: من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبيّ الله، قال: وله أولاد غيركم؟ قالوا: نعم، كنّا اثني عشر، فذهب أصغرنا هلك في البريّة، وكان أحبّنا إلى أبيه وبقي شقيقه، فاحتبسه أبوه ليتسلّى به عنه، فأمر بإنزالهم وإكرامهم.
لكن يبعد من يوسف عليه السلام أن يتّهم إخوته وينسبهم إلى أنهم جواسيس وعيون، لأنه يعرف براءتهم عن هذه التّهمة. وعلى كل حال إنه سؤال لا يقتضي صحته.
ولما جهّزهم بجهازهم، أي لما أوفى لهم كيلهم، وحمل أحمالهم من القمح، وهي عشرة أحمال وزادهم حملين آخرين لأبيهم وأخيهم، قال: ائتوني في المرة القادمة بأخ لكم من أبيكم؟ وهو بنيامين، ألا ترون أني أتمّ لكم الكيل الذي تريدون دون بخس، وأزيدكم حمل بعير آخر لأجل أخيكم، وأنا خير المنزلين، المضيفين للضيوف، وكان أحسن ضيافتهم؟ وقصده من ذلك ترغيبهم في الرّجوع إليه، وكان السّبب في سؤال يوسف عن حال أخيهم أنهم ذكروا أن لهم أبا شيخا كبيرا وأخا بقي في خدمة أبيه، ولا بدّ لهما أيضا من شيء من الطعام، فجهّز لهما أيضا بعيرين آخرين من الطعام، فقال يوسف: فهذا يدلّ على أن حبّ أبيكم له أزيد من حبّه لكم، فجيئوني به حتى أراه.
ثم أنذرهم بقوله: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ، فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} أي إن لم تقدموا به في المرة الثّانية فليس لكم عندي ميرة، {وَلا تَقْرَبُونِ} أي ولا تدخلون بلادي.
{قالُوا: سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ} سنجتهد في طلبه من أبيه، ونحاول إقناعه بذلك برفق، وإنّا لفاعلون ذلك لا محالة، أي سنحرص على مجيئه إليك بكلّ إمكاناتنا ولا نبقي مجهودا نبذله، لتعلم صدقنا فيما قلناه.