الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مادية حسية تدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لإنكار هم أن القرآن آية دالة على النبوة، فرد الله عليهم أن اقتراح الآيات على الرسل جهل.
ثم ذكر سبحانه حال المؤمنين المتقين وثوابهم عند الله تعالى. والتحدث عن المشركين والمؤمنين هنا مناسب لما ذكر سابقا من بيان عاقبة المؤمن وعاقبة المشرك.
التفسير والبيان:
لما ذكر الله تعالى أن للمشركين سوء الدار، ناسب ذكر حكم الرزق في الدنيا، وأنه لا تعلق له بالإيمان والكفر، فقال تعالى:{اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ.} .
أي أن الله تعالى هو الذي يوسع الرزق على من يشاء، ويقتر على من يشاء، لما له في ذلك من الحكمة والعدل، بصرف النظر عن كون الإنسان مؤمنا أو كافرا، فقد يضيق الله الرزق على المؤمن ابتلاء واختبارا، وزيادة في أجره، وقد يوسع الله الرزق على الكافر استدراجا له وحرمانا منه في الآخرة، عدالة، فليست سعة الرزق للكافر دليلا على الكرامة والرضا، وليس التقتير على المؤمن دليلا على الإهانة والسخط. كما قال تعالى في شأن رزق الكافر:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون 56/ 23] وقال: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف 182/ 7].
ثم ذكر الله تعالى حال المشركين في حال الغنى فقال: {وَفَرِحُوا.} . أي وفرح مشركو مكة بالدنيا فرح بطر، ولم يعرفوا غيرها، وجهلوا ما عند الله. لكن ما نعيم الدنيا بالنسبة للآخرة إلا متاع زائل، وشيء قليل ذاهب، يزول بسرعة.
أخرج أحمد ومسلم والترمذي عن المستورد أخي بني فهر قال: قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم، فلينظر بم ترجع» وأشار بالسبابة.
وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال: «نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثّر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك، فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها» .
ولما أوضح تعالى أن المشركين اغتروا بمتاع الحياة الدنيا، وطمست المادة على مشاعرهم وقلوبهم، ذكر ما ترتب على الغرور والتأثر بالمادة، فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم آية واحدة مادية تدل على صدق نبوته، لعدم إيمانهم بكون القرآن معجزة مصدقة، وبرهانا قاطعا على ذلك؛ لأنهم قوم ماديون، لا مجال لمخاطبة العقل لديهم، والقائل: عبد الله بن أبي أمية وأصحابه، فقال تعالى حاكيا اقتراحهم:
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا.} ..
أي ويطلب أهل مكة المشركون قائلين: هلا أنزل على محمد آية أو معجزة قاهرة ظاهرة مادية مثل معجزات موسى وعيسى عليهما السلام، كقولهم:
{فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} [الأنبياء 5/ 21].
والله قادر على إجابة ما سألوا، لكن
ورد الله عليهم بأن إنزال الآيات لا يؤثر في هداية ولا ضلال، بل الأمر كله بيد الله:{قُلْ: إِنَّ اللهَ يُضِلُّ.} . أي ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم، فلا فائدة لكم في نزول الآيات، إن لم يرد الله هدايتكم، فمن كان على
صفتكم من التصميم والعناد في الكفر، فلا سبيل إلى اهتدائكم، وإن أنزلت كل آية، فإن الضلال والهداية بيد الله، والله يضل من يشاء، أي كما أضلكم بعد ما أنزل من الآيات، وحرمكم الاستدلال بها، يضلكم عند نزول غيرها، ويهدي إليه من أناب، أي رجع عن العناد وأقبل على الحق أو الإسلام أو الله عز وجل، فهاء {إِلَيْهِ} عائد إلى واحد من المذكورات؛ على تقدير: ويهدي إلى دينه وطاعته من رجع إليه بقلبه.
وللآية نظائر كثيرة منها: {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام 111/ 6]{وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس 101/ 10]{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ، حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ} [يونس 96/ 10 - 97].
ثم ذكر الله تعالى من يستحقون الهداية: {الَّذِينَ آمَنُوا.} . أي يهدي الله الذين صدقوا بالله ورسله، وسكنت قلوبهم إلى توحيد الله ووعده، أنسا به، واعتمادا عليه، ورجاء منه، ألا بتذكر الله، وتأمل آياته، ومعرفة كمال قدرته عن بصيرة، تطمئن قلوب المؤمنين، ويذهب القلق والاضطراب عنهم، بما وقر في تلك القلوب من نور الإيمان، كما قال تعالى:{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر 23/ 39] والمؤمن إذا تذكر عقاب الله، خاف، كما قال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال 2/ 8] وإذا تذكر المؤمن وعده تعالى بالثواب والرحمة، اطمأن قلبه وهدأت نفسه:{وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ، زادَتْهُمْ إِيماناً، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال 2/ 8].
ثم أبان الله تعالى جزاء المؤمنين فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا.} . أي للذين آمنوا وعملوا الصالحات العيش الطيب والنعمة والخير وحسن الثواب، وحسن المرجع.