الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلَنَصْبِرَنَّ.} . أي ولنصبرن على إيذائكم لنا بالكلام السيء والأفعال السخيفة.
ثم مدحوا التوكل فقالوا: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} أي فليستمر وليثبت المتوكلون من المؤمنين على توكلهم على الله، وليثقوا به، وليتحملوا كل أذى في سبيله، ولا يبالوا بشيء صعب مهما كان.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
على الناس الاعتبار بأحوال المتقدمين الذين كذبوا رسلهم، وسخروا منهم، واستهزءوا بهم، فكان عاقبتهم الدمار والهلاك.
2 -
كانت مواقف الكفار من أنبيائهم على مراتب ثلاث:
المرتبة الأولى-أنهم سكتوا عن قبول قول الأنبياء عليهم السلام، وحاولوا إسكات الأنبياء عن تلك الدعوى.
والمرتبة الثانية-أنهم صرحوا بكونهم كافرين بتلك البعثة.
والمرتبة الثالثة-أنهم أخيرا وعلى الأقل صاروا شاكين مرتابين في صحة النبوة.
وكل ذلك دليل منهم على عدم الاعتراف بالنبوة.
3 -
أقام الأنبياء الأدلة على وجود الله ووحدانيته بأن الفطرة السليمة شاهدة على ذلك، وبأن خلق السموات والأرض على غير مثال سبق الدال على معنى الحدوث والإبداع والتسخير للمخلوقات دليل قاطع على وجود الخالق وألوهيته وتفرده بوجوب العبادة له، فلا يبقى شك لدى عاقل بوحدانية الله تعالى، بعد
أن تبين وأقرت الأمم بأنه الخالق لجميع الموجودات، وبأنه يستحيل وجود شيء كدار مثلا يتميز بالإبداع والترتيب والنظام والنقش الجميل من دون موجد عالم حكيم، وإذا كان الله هو الخالق، فلا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له.
4 -
الله تعالى فاطر السموات والأرض متصف أيضا بكمال الرحمة والكرم والجود، بدليل أن الغرض من دعوة الناس إلى الإيمان به وبتوحيده أمران:
الأول-مغفرة الذنوب والخطايا والآثام، وفيها تطهير للنفس يبوئها لدخول الجنان التي لا يستحقها إلا الأطهار. والثاني-تأخير الناس إلى نهاية أعمارهم وهو الموت، فلا يعذبهم في الدنيا.
5 -
كانت أجوبة الكفار واهية مشتملة على شبهات ثلاث:
الأولى-التساوي في الإنسانية يمنع وجود التفاضل بينهم، بأن يكون الواحد منهم رسولا من عند الله، مطلعا على الغيب، مخالطا لزمرة الملائكة، والباقون غافلون عن كل هذه الأحوال، وهذا معنى قولهم:{إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا} .
والثانية-التمسك بطريق التقليد: وهي أنهم وجدوا آباءهم وعلماءهم وكبراءهم متفقين على عبادة الأوثان، ويعبد أنهم لم يعرفوا بطلان هذا الدين، وهذا معنى قولهم:{تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا} .
والثالثة-المعجز لا يدل على الصدق أصلا، وإن سلّم أنه يدل على الصدق، فإن ما جاء به الرسل أمور معتادة، وليست من باب المعجزات الخارجة عن قدرة البشر، وهذا معنى قولهم:{فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} .
6 -
كان ردّ الأنبياء على تلك الشبهات الثلاث ما يأتي:
أما الشبهة الأولى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا} فجوابها أن التماثل في البشرية
والإنسانية لا يمنع من اختصاص بعض البشر بمنصب النبوة؛ لأنه منصب يمنّ الله به على من يشاء من عباده.
وأما الشبهة الثانية: وهي توافق السلف على ذلك الدين، مما يدل على كونه حقا، فجوابها: أن التمييز بين الحق والباطل، والصدق والكذب عطية من الله تعالى وفضل منه، ولا يبعد أن يخص بعض عبيده بهذه العطية، وأن يحرم الجمع العظيم منها.
وأما الشبهة الثالثة: وهي أنا لا نرضى بهذه المعجزات التي أتيتم بها، وإنما نريد معجزات قاهرة قوية، فالجواب عنها أن الأشياء التي طلبتموها أمور زائدة، والحكم فيها لله تعالى، فإن أظهرها فله الفضل، وإن لم يخلقها فله العدل، ولا يطلب منه شيء بعد توافر قدر الكفاية.
7 -
لا سبيل أمام الأنبياء إلا الصبر على الأذى والاعتصام بالله وتفويض الأمر إليه والتوكل التام عليه، فإن الصبر مفتاح الفرج، ومطلع الخيرات، والتوكل على الله والاعتماد على فضله محقق للنصر والفتوح.
وفائدة تكرار الأمر بالتوكل: أمر أنفسهم به أولا ثم أمر أتباعهم به، فبعد أن أمروا أنفسهم بالتوكل على الله في قوله:{وَما لَنا أَلاّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ} أمروا أتباعهم بذلك وقالوا: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} وهو يدل على أن الآمر بالخير لا يؤثر قوله إلا إذا أتى بذلك الخير أولا.