المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المتناثرة ومواضعها في البر والبحر وأجواف الحيوان، فيعيدها مرة أخرى. - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٣

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌2 -النّفس الأمّارة بالسّوء

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل التّاسع من قصّة يوسفيوسف في رئاسة الحكم ووزارة الماليّة

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌والخلاصة:

- ‌الفصل العاشر من قصة يوسفأولاد يعقوب يشترون القمح من أخيهم يوسفومطالبته إياهم بإحضار أخيهم

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌أضواء من التّاريخ:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الحادي عشر من قصّة يوسفمفاوضة إخوة يوسف أباهم لإرسال أخيهم بنيامين معهم فيالمرة القادمة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الثاني عشر من قصة يوسفوصية يعقوب لأولاده بالدخول إلى مصر من أبواب متفرقة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الثالث عشر من قصة يوسفمعرفة يوسف أخاه بنيامين واتخاذه التدابير لإبقائه لديه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الرابع عشر من قصة يوسفنقاش حادّ بين أولاد يعقوب وبين يوسف وبين أبيهم حولالسرقة المزعومة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الخامس عشر من قصة يوسفتعرّف أولاد يعقوب على يوسف في المرة الثالثة واعترافهمبخطئهم وعفوه عنهم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل السادس عشر من قصة يوسفإخبار يعقوب بريح يوسف وتأييده ببشارة البشير

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل السابع عشر من قصة يوسفلقاء أسرة يعقوب عليه السلام في مصر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الثامن عشر من قصّة يوسفدعاء جامعيتضمّن تحدّث يوسف بنعم الله عليه وطلبه من ربّه حسن الخاتمة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل التّاسع عشر من قصّة يوسفإثبات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلمالإخبار عن المغيبات والإعراض عن التّأمل في الآيات ودعوة النّبي إلى التّوحيد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل العشرون من قصّة يوسفالعبرة من القصص القرآني

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الرعد

- ‌تسميتها:

- ‌ناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السّورة:

- ‌القرآن حق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مظاهر قدرة الله في السّموات والأرض

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار المشركين البعث واستعجالهم العذاب ومطالبتهم بإنزال آيةمادية على النّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض مظاهر علم الله المحيط بكل شيء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مظاهر ألوهية الله وربوبيته وقدرته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وحدانية اللهومثل المؤمن والمشرك تجاه الوحدانية

- ‌لبلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مثل الحق والباطل ومآل السعداء والأشقياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أوصاف أولي الألباب السعداء وجزاؤهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌1 - الوفاء بالعهد:

- ‌2 - عدم نقض الميثاق:

- ‌3 - صلة الرحم ورعاية جميع الحقوق الواجبة لله وللعباد:

- ‌4 - الخوف من الله:

- ‌5 - الخوف من العذاب:

- ‌6 - الصبر:

- ‌7 - إقامة الصلاة:

- ‌8 - الإنفاق في وجوه الخير:

- ‌9 - مقابلة السيئة بالإحسان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات الأشقياء وجزاؤهم

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرزق على الله والآيات بيد الله والهداية من الله لمن آمن بالله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محمد صاحب الرسالة والرسول وبيان عظمة القرآنوقدرة الله الشاملة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفة الجنّة وموقف أهل الكتاب من نبوّة النّبي صلى الله عليه وسلموشبهات المشركين حولها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النّزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مهمة الرّسول تبليغ الشّريعة والله شاهد له ومحاسب وحاكم بينالعباد ومحبط مكر الكفار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة إبراهيم عليه السلام

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه هذه السّورة:

- ‌الغاية من إنزال القرآن وذم الكافرينوكون الرسول بلسان قومه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مهمة الرسول موسى عليه السلام ونصائحه لقومه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أخبار الرسل السابقين مع أممهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد الكفار لرسلهم بالطرد أو الردة والوحي بأن العاقبة للأنبياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دليل وحدانية الله ووجوده وقدرته على معاد الأبدان

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحوار بين الأشقياء يوم العذاب والمناظرة بين الشيطان وأتباعهوظفر السعداء بالجنة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مثال الكلمة الطيبة من السعداء ومثال الكلمة الخبيثة من الأشقياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كفران النعمة واتخاذ الأنداد وتهديد الكافرين بالتمتع بنعيم الدنياوأمر المؤمنين بإقامة الصلاة والإنفاق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أدلة وجود الله والتوحيد في الكون والأنفس

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء إبراهيم عليه السلام مستقبل البيت الحرام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ما يدل على وجود القيامة وأوصافهاأو تأخير عذاب القيامة وأحوال المعذبين وتبدل السموات والأرض

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: المتناثرة ومواضعها في البر والبحر وأجواف الحيوان، فيعيدها مرة أخرى.

المتناثرة ومواضعها في البر والبحر وأجواف الحيوان، فيعيدها مرة أخرى.

وبعد أن حكى عن المشركين أنهم طلبوا آيات أخرى غير ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم، بيّن أنه تعالى عالم بجميع المعلومات، فيعلم من حالهم أنهم: هل طلبوا الآية الأخرى للاسترشاد، أو لأجل التعنت والعناد؟ وهل ينتفعون بظهور تلك الآيات، أو يزداد إصرارهم على الكفر واستكبارهم؟.

‌التفسير والبيان:

يخبر الله تعالى عن تمام علمه الذي لا يخفى عليه شيء، فهو يعلم بما تحمله الحوامل من كل إناث الحيوانات، أهو ذكر أو أنثى، واحد أو متعدد، حسن أو قبيح، ذو خصائص وأوصاف، طويل العمر أو قصيره، كما قال تعالى:{وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ} [لقمان 34/ 31] وقال: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ} [النجم 32/ 53] وقال: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ، فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ} [الزمر 6/ 39].

وإذا أمكن معرفة نوع الجنين علميا بالتحليل مثلا من كونه ذكرا أو أنثى، فلا يكون ذلك معارضا الآية، لأن علم الله لا ينحصر به، وإنما علمه واسع محيط بكل شيء من الخواص والصفات الأخرى.

{وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ} أي والله يعلم ما تنقصه الأرحام وما تزداده من الجثة (سقطا أو تماما) والمدة (أقل من تسعة أشهر أو تسعة أو أكثر إلى عشرة) والعدد (واحدا أو متعددا) والدم (إراقة حتى يخسّ الولد، وعدم إراقة حتى يتم الولد ويعظم).

والإحصاء العلمي دل على أن الجنين لا يزيد بقاؤه في بطن أمه عن 305 أو 308 أيام، وهناك رأي في المذهب المالكي أن عدة المطلقة سنة قمرية (354 يوما).

ص: 120

وأما ما يذكر في المذاهب لأقصى مدة الحمل (أربع سنين عند الشافعية والحنابلة، وخمس سنين عند المالكية، وسنتان عند أبي حنيفة) فمستنده الاستقراء وأخبار الناس، والناس قد يخطئون أو يتوهمون وجود الحمل في فترة زمنية ما، وليس في ذلك أي نص شرعي ثابت.

{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ} أي وكل شيء عنده تعالى بأجل معين، أو بقدر واحد، لا يزيد عنه ولا ينقص، كقوله:{إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} [القمر 49/ 54]. و

جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الجماعة عن أسامة بن زيد:

أن إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم بعثت إليه أن ابنا لها في الموت، وأنها تحب أن يحضره، فبعث إليها يقول:«إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمروها فلتصبر ولتحتسب» .

{عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ} أي يعلم كل شيء غائب عن العباد لا تدركه أبصارهم، ومشاهد لهم مرئي، ولا يخفى عليه منه شيء، الكبير الذي هو أكبر من كل شيء، المتعال على كل شيء، قد أحاط بكل شيء علما، أي شمل علمه كل شيء، وقهر كل شيء، فخضعت له الرقاب، ودان له العباد طوعا وكرها.

ويلاحظ أن هذه الآية استوفت بيان كمال علم الله تعالى، ففي مطلع الآية الذي هو كلام مستأنف أوضح تعالى أنه عالم بالجزئيات والمفردات، ثم ذكر أنه عالم بمقادير الأشياء وحدودها لا تتجاوزها ولا تقتصر عليها، وخصص كل حادث بوقته بعينه وبحالة معينة بمشيئته الأزلية وإرادته السرمدية، ثم أضاف أنه عالم بأشياء خفية لا يعلمها إلا هو، وهي أشياء جزئية من خفايا علمه، فهو يعلم الباطن والظاهر، والغائب: وهو ما غاب عن الحس، والشاهد: وهو ما حضر للحس، ثم ذكر أن علمه محيط بجميع الأشياء، لا فرق فيه بين الخفي السرّ أو الظاهر المعلن فقال:{سَواءٌ مِنْكُمْ.} . أي أنه تعالى محيط علمه بجميع خلقه، وأنه سواء منهم من أسرّ قوله وأخفاه أو جهر به وأعلنه، فإنه يسمعه لا يخفى عليه

ص: 121

شيء، كما قال:{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى} [طه 7/ 20] وقال: {وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ} [النمل 25/ 27].

وقالت عائشة رضي الله عنها: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، والله لقد جاءت المجادلة، تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في جنب البيت، وإنه ليخفى عليّ بعض كلامها، فأنزل الله:{قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها، وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ، وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما، إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة 1/ 58].

{وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} أي يعلم أيضا ما هو مختف في قعر بيته في ظلام الليل، والتنصيص على هذه الحالة تنبيه على رقابة الله في كل مكان قد يظن صاحبه أنه بتواريه عن أنظار الناس، لا يطلع عليه أحد.

{وَسارِبٌ بِالنَّهارِ} أي ظاهر ماش في ضوء النهار، فإن كلاهما في علم الله على السواء، كقوله تعالى:{وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ، وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ، وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ، وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ، وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ، وَلا أَكْبَرَ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ} [يونس 61/ 10].

ثم ذكر الله تعالى وسيلة إثبات المعلومات وخزائن المعارف والوقائع لمواجهة أصحابها بها مع علمه تعالى بكل شيء، وهي:{لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أي للإنسان ملائكة حفظة، ملائكة في الليل تعقب ملائكة النهار، وبالعكس فهم يتعاقبون يتعاقبون على حراسته وحفظه من المضار ومراقبة أحواله، ويتعقبون أعمال العباد ويتبعونها بالحفظ والتدوين أو الكتابة، سواء خيرا أو شرا. فالضمير عائد إلى {مِنْ} في قوله:{سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} وقيل: الضمير يعود على اسم الله في عالم الغيب والشهادة.

ص: 122

فلهؤلاء الملائكة الحفظة وظائف، منها: حفظ الإنسان في الليل والنهار من المضارّ والحوادث بإذن الله وأمره ورعايته، ويقوم به ملائكة معينون وعددهم اثنان يحرسه أحدهما من ورائه والآخر من قدامه، ومنها حفظ الأعمال من خير أو شر، ويقوم به ملائكة آخرون، وهما اثنان عن اليمين والشمال، يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، كما قال تعالى:{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ. ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق 17/ 50 - 18] فصار مجموع ملائكة كل إنسان أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل، وهم حافظان وكاتبان، كما

جاء في الحديث الصحيح عند البخاري: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بكم:

كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون»

وفي الحديث الآخر: «إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء، وعند الجماع، فاستحيوهم وأكرموهم» .

قال ابن عباس: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه.

ومن علم أن الملائكة الحفظة ترصد عليه أعماله وتحصي أقواله وأفعاله، تهيّب من مخالفة أوامر ربه، وكان حذرا من المعاصي، حتى لا تسجل عليه، ويفاجأ بها يوم القيامة، كأنه شريط مسجل من وقت التكليف (البلوغ والعقل) إلى الوفاة.

وقوله {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} أي يحفظونه بأمر الله وبإذنه، فحفظهم إياه متسبب عن أمر الله لهم بذلك. أو يحفظونه من بأس الله ونقمته إذا أذنب بدعائهم له، وسؤالهم ربه أن يمهله، رجاء أن يتوب وينيب، كقوله:{قُلْ:}

{مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ} [الأنبياء 42/ 21].

ثم بيّن الله تعالى مزيد فضله وعدله بأنه لا عقاب بدون جريمة، فقال:

ص: 123

{إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ.} . أي إن الله لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية فيزيلها عنهم وينتقم منهم إلا بتغيير ما بأنفسهم بأن يكون منهم الظلم والمعاصي والفساد وارتكاب الشرور والآثام التي تهدم بنية المجتمع وتدمر كيان الأمم.

أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، يوشك أن يعمهم الله بعقاب» .

وهذا مؤكد للآية: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال 25/ 8].

وواقع التاريخ الإسلامي في القرون الماضية يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى لم يغيّر ما كان عليه حال الأمة الإسلامية من عزة ومنعة، ورفاه واستقلال، وعلم وتفوق في السياسة والاقتصاد والاجتماع، إلا بعد أن غيروا ما بأنفسهم، فحكموا بغير القرآن، وأهملوا دينهم، وتركوا سنة نبيهم، وقلدوا غيرهم، وضعفت روابط التعاون بينهم، وساءت أخلاقهم، وانتشرت الموبقات بينهم، وقد وعد الله الأرض من يصلحها بقوله:{أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ} [الأنبياء 105/ 21] أي الصالحون لعمارتها، وقوله:{إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ، يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف 128/ 7].

ثم وصف تعالى قدرته المطلقة على العذاب فقال: {وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً.} . أي وإذا أراد الله بقوم سوءا من فقر أو مرض أو احتلال ونحوها من أنواع البلاء، فلا يستطيع أحد أن يدفع ذلك عنهم، وما لهم من غير الله تعالى ناصر يلي أمورهم، ويدفع عنهم، أي يجلب لهم النفع ويدفع عنهم الضر، فتلك الآلهة المزعومة لا تستحق الألوهية لعجزها عن فعل شيء نافع أو دفع أذى ضار.

ص: 124