الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السّجن، ورزقني الملك، وجاء بكم من البادية، وكانوا أهل بادية وماشية وشظف عيش، فنقلكم إلى الحضر وترف المدينة.
ولم يذكر إخراجه من البئر، ترفّعا عن لوم إخوته، وتكريما لهم، وحفاظا على حيائهم، ولأن السّجن كان آخر المحن، وأخطر من السّقوط في الجبّ؛ لما فيه من اتّهام بالنّساء، ولأنه بعد خروجه من البئر صار عبدا لا ملكا، وصار بعد السّجن ملكا، فكان الإخراج منه أقرب إلى الإنعام الكامل.
حدث هذا كلّه من بعد أن نزغ الشّيطان، أي أفسد وأغوى بيني وبين إخوتي، وقد أضاف النّزغ إلى الشّيطان؛ لأنه سبب الإفساد، وتكريما لإخوته.
{إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ} أي إذا أراد أمرا قيّض له أسبابا وقدّره ويسّره، إنه هو العليم بمصالح عباده، الحكيم في أقواله وأفعاله، وقضائه وقدره، وما يختاره ويريده.
فقه الحياة أو الأحكام:
يفهم من الآيات ما يأتي:
1 -
إن العاطفة بين الولد وأبويه طبيعية فطرية، لذا كان إكرام يوسف عليه السلام لأبويه أشدّ من إكرام إخوته، فعانقهما وضمّهما إليه، وأجلسهما على سرير الملك معه، واكتفى بأن قال لجميع الأسرة:{اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ} .
2 -
دلّ قوله تعالى: {اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ} على تأمين الحاكم الدّاخلين إلى بلاده من قطر آخر، وهو أمان يشمل الأنفس والأهل والأموال.
والمراد بقوله تعالى: {اُدْخُلُوا مِصْرَ} كما ذكر ابن عباس: أقيموا بها آمنين، سمّى الإقامة دخولا لاقتران أحدهما بالآخر.
والأمان الحقيقي لا يكون إلا بمشيئة الله، لذا علقه بقوله:{إِنْ شاءَ اللهُ} مثل قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ} [الفتح 27/ 48].
3 -
أجمع المفسّرون على أنّ سجود أسرة يوسف عليه السلام له كان سجود تحيّة وانحناء على عادتهم المألوفة في التّحية، لا سجود عبادة ولا على الأرض. وقد نسخ الله تعالى ذلك كله في شرعنا.
وبالرّغم من نسخ الانحناء في التّحية، فإن بعض المسلمين مع الأسف، لا يتنبهون لذلك، وينحنون في التّحية والسّلام، كما يفعل الغربيون الآن.
روى ابن عبد البرّ في التّمهيد عن أنس بن مالك قال: قلنا: يا رسول الله، أينحني بعضنا إلى بعض إذا التقينا؟ قال:«لا» ، قلنا: أفيعتنق بعضنا بعضا؟ قال: «لا» ، قلنا: أفيصافح بعضنا بعضا؟ قال: «نعم» .
وأمّا القيام للقادم، كما أمر النّبي صلى الله عليه وسلم جماعة الأوس
بقوله في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود عن أبي سعيد: «قوموا إلى سيّدكم وخيركم» يعني سعد بن معاذ، فهو جائز إذا لم يؤثّر ذلك في نفسه، فإن أثّر فيه، وأعجب به، ورأى لنفسه حظّا، لم يجز إعانته على ذلك،
لقوله صلى الله عليه وسلم: «من سرّه أن يتمثّل له النّاس قياما، فليتبوأ مقعده من النّار» .
وتجوز الإشارة بالإصبع للبعيد عنك، دون الدّاني القريب، وإذا سلّم لا ينحني، ولا أن يقبّل مع السّلام يده، ولأن الانحناء على معنى التّواضع لا ينبغي إلا لله. وأما تقبيل اليد فإنه من فعل الأعاجم.
ولا بأس بالمصافحة، فقد صافح النّبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب حين قدم من الحبشة، وأمر بها، وندب إليها،
وقال فيما أخرجه ابن عدي عن ابن عمر، وهو ضعيف:«تصافحوا يذهب الغلّ» .
وروى غالب التّمار عن الشّعبي أن أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا التقوا تصافحوا،