الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن جمحان: فلما قال لهم: تفضلوا الله يحييكم، قال رجل منهم مسنٍّ يخاطب قومه: أنتم يا الإخوان وكانوا قد دينوا أي أصبحوا أصحاب دين متشدد، تأكلون طعام ابن فوزان، وأنتم ما تدرون هو حلال وإلَّا حرام، فقال الدويش لصالح الفوزان: ويش تقول يا صالح طعامكم هذا أنت كسبته من حلال وحرام؟
وكان ابن فوزان محرجًا لأنه قد ذبح الذبائح وطبخ لحمًا مع الطعام فقال: حنا نجتهد في أمور ديننا إننا ما نأكل إلا الحلال، وعندنا مشايخ نسترشدهم ونسألهم عما يشكل علينا منه.
فقال الدويش: صدق ابن فوزان، كلوا أيها الإخوان فأكلوا حتى شبعوا! !
الريش وصالح الفوزان:
حدث حمد الريش من أهل الشماسية قال: كنت جمالًا، أحطب على بعيري وأبيع الحطب في بريدة، ومرة جلبت الحطب فصادف وجود حطب كثير في السوق ولم يسم حطبي أحد، وكان من العادة أن أبيع الحمل بريال ونصف أو ريال وثلث فرانسي، ولما عزل السوق رآني صاحب دكان من آخر من أغلق دكانه فقال لي: تبيع حمل الحطب بريال وبيشليتين؟ والبيشلية للريال في ذلك الوقت كالقرش في الوقت الحاضر، فقلت: نعم، لأنه لا يمكنني غير ذلك.
وكنت على حالة فظيعة من الجوع، وكان يكفيني التمر غير أن الرجل مرّ بي عندما فرغت من إدخال الحطب في بيته خارجًا فقلت له: ما هنا هجور؟
فقال: أنا الآن مشغول، وإذا شرينا منك مرة ثانية هجرناك، والهجور هو التمر الذي يؤكل بعد الظهر أو في آخر الليل.
قال: فركبت بعيري وأنا لا أكاد أبصر الأرض من الجوع قاصدًا الشماسية، ولم أستطع أن أستمر فمررت على محل صالح الفوزان بخضيرا، وكان الوقت مع المغرب، وكان عقب مطر خفيف والهوا بارد، فحالما وصلت صادفني صالح
الفوزان وهو يعرف مثل ما يعرف غيره أنني إذا جئت إليه فإنما أريد الطعام والذرى أي الاتقاء عن الهواء البارد لبعيري، وقد عرف مني شدة حاجتي للأكل فقال لي: يا ولدي: نوخ بعيرك في ذرى الجدار وتعال، ثم أدخلني في قهوته وأحضر لي تمرا ما رأيت مثل طعمه بعد أن شب النار ووضع عليها الدلة.
قال: وكان خاطري مشغولًا عند بعيري فخرجت أنظر إليه وإذا عنده علف فاطمأننت وقد قهواني وبعد قليل جاء عشاه والذين معه وإذا به جريش فأكلت أيضًا حتى شبعت.
فاستأذنته فقال: وين تروح ليل وبرد؟ قلت: لابد أن أذهب إلى الشماسية، قال: فأعطاني قطعة كبيرة من التمر خبأتها لأهلي وسرت طول الليل، وعندما خرج الناس من صلاة الفجر كنت وصلت الشماسية، فقلت لزوجتي: هالحين بسرعة إن كان عندك لأحد شيء عطيه إياه، وكان الناس في القديم يستعيرون بعض ما يحتاجونه من الأواني والأدوات كالقدر الكبير والقدوم ونحو ذلك.
قال: ولم يمض قليل وقت حتى كان كل شيء جاهزًا فأخذت محامل الجمالين، ووضعتها على بعيري وكان لي طفلان أحدهما ابن له أربع سنين وضعتهما في المحمل وزوجتي في المحمل الآخر على بعيري، وركبت بعيري من يومي قاصدًا الكويت، قائلًا لزوجتي: ما يمكن نقعد بها الديرة اللي نجوع فيها مع الشقاء.
قال: وعندما صعدت إلى جال الشماسية وهو الجزء الصخري كالجبل كما يبدو من جهة الغرب وإن لم يكن يبدو كذلك من جهة الشرق، وإذا بي أرى رجلين من جماعة بلدنا يسيران على الأقدام فسألتهما: إلى أين تذهبان؟
فقالا: إلى الكويت، قال: وليس معي إلَّا تمر وجريش قدرت أنه يكفيني وأولادي إلى الكويت، فماذا أصنع بهذين الرجلين؟
قال: فرجعت وذهبت للبازعي في الربيعية وأخبرته بالقصة، لأن الذين
معي يستحيون يشحذون فأعطاني لهم شيئًا من التمر حملته على البعير وكفانا ذلك زادًا إلى الكويت.
قال راوي القصة: كان (حمد الريش) رجلًا قوي الإرادة فاشتغل بالأعمال الحرة في الكويت، وبدأ يصنع الجص وجَنَّد معه عمالًا، وقد ربح عمله حتى إنه كان يوظف عنده عمالًا من كبار الأسر في بريدة لا أريد ذكر أسمائهم.
إلا أنه لم ينس ضيافة (صالح الفوزان) فأرسل مع أحدهم لصالح مكتوبًا معه مشلح طيب كان خبنه أي قصره على مقدار ما يعرفه من قامة صالح الفوزان، ورطل عود من عود البخور الطيب ومقدارًا من القهوة والهيل، وقال في مكتوبه: هذه هدية لكم! !
قال راوي القصة: فأخذ صالح الفوزان القهوة والهيل إلى بيته واستعملهما حتى نفدا، وأما المشلح ورطل العود فقال بعض الرواة: إنه باعهما وبعث قيمتهما إليه لأنه لم يعرف أنه قد أثرى وأنه أرسل إليه هذه الهدية من باب الامتنان له والله أعلم.
وقد أخبرنا فوزان بن صالح الفوزان أمير خب القبر بأن والده تسلم من حمد الريش الهدية المذكورة.
وهو المحسن الشهير صالح بن فوزان الفوزان الذي عرف باسمه المختصر صالح الفوزان، وعرف عنه الإحسان للمحتاجين ومساعدة المعوزين وإكرام القاصدين من الضيوف والقاصدين إليه، حتّى غدت أفعاله الخيرة في هذا المجال أحدوثة السمَّار وزينة الأخبار، لأنها حدثت في وقت مجاعات ومساغب وحاجة للطعام، وقلة في فرص العمل.
وكل ذلك يبذله مما يحصل عليه من غلة ملك له في خضيرا ووهطان، والمراد بالملك هنا: حائط النخل الذي يثمر التمر الذي كان الناس يعيشون
عليه، إلى جانب ما قد يزرعه في ملكه وفي خارجه من قمح ولقيمي.
وقد بارك الله له في ذلك بسبب صدقاته وإحسانه للآخرين، وإلَّا فإن الفلاحين أصحاب حوائط النخل ونحوها يكونون في الغالب مدينين للتجار لا يكادون يحصلون على شيء فاضل عن أقواتهم وأقوات من يعولونهم.
ولاشتهار صالح الفوزان بأعمال البر والخير رؤيت له منامات عديدة تدل على صلاحه، وعلى مكانته في الآخرة، منها ما رواه (حماد الشريما) من الشرمان الذين هم أبناء عم للمشيقح قال بحضور علي العيدان حدثني فايز الدغيري، قال: رأيت فيما يرى النائم كأنني دخلت إلى بريدة من ملكنا في العكيرشة وهو الذي شقه الآن طريق الرياض الذي يأتي من بين المقبرتين الشرقيتين ولما وصلت إلى ما بين المقبرتين كما هي عادتي في اليقظة وإذا بي أرى أهل المقبرة الجنوبية قد خرج كثير منهم من مقابرهم معهم أكفانهم قال: حتى إنني رأيت - في هذه الرؤيا - أن بعضهم ينفض التراب عن رأسه وعلى المقبرة نور عجيب، قال: فسألتهم عن سبب ذلك فقالوا: جاي صالح الفوزان، أو قال: إنهم قالوا: يبي يجينا صالح الفوزان قال: فانتبهت وعرفت أن صالح الفوزان قد مات، ولم أكن عرفت أنه مات قبل ذلك.
وينبغي أن نتذكر هنا أن صالح الفوزان مات في عام 1348 هـ وأن هذه المنامات حدثت عند موته، ومن ذلك ما روي عن محمد بن عبد الله الخضيري رحمه الله، قال: كانت امرأة من الحماد الذين هم الحماد الرديني فيما يظهر امرأة صالحة كثيرة التلاوة القرآن، حتى قال بعضهم إنها تحفظه أو تحفظ بعضه عن ظهر قلب، قالت: رأيت فيما يرى النائم كأن شخصًا أو قالت امرأة من سكان المقبرة الجنوبية وهي إحدى المقبرتين الشرقيتين في الصقعاء، قالت لي: إنه سيقدم علينا رجل طيب لذلك تتزين المقبرة له.
وقد حدثت هذا والدتها وهي امرأة صالحة من الحماد أيضًا.
قالت: ولم تذكر لي اسمه وبعد ليلتين أو ثلاث عادت إليها المرأة فقالت مثل ذلك ولم تذكر لها اسم الرجل أو الشخص الذي ذكرت أنه سوف يأتي للمقبرة فقالت لها أمها، إذا جاءت مرة أخرى اسأليها من هو، فجاءت إليها في المنام ثالثة فسألتها فقالت: هو صالح الفوزان! ! !
ثم تحققوا من موته بعد ذلك في اليقظة.
ومن الفوزان هؤلاء أبو حلوة: صالح بن عبد العزيز بن صالح بن فوزان بن صالح بن فوزان الأول.
ولم يبق له عقب لأنه خلف أولادًا لم ينجبوا.
وهو شاعر معروف.
كان رجل يقال له (البذرة) من الأسرة التي تقدم ذكرها في حرف الباء قد زوج ابنته من رجل كرهته ابنته لأنه فيما يقال ولم تقله هي لم يصل إليها فاعتقدوا أنه قد أصابته عين، وجعلوا ماء ينفث فيه أهل المسجد مع طفل يمسك بيده كالفنجال فيه الماء كالعادة فنفث فيه أبو حلوة وقال:
الله يعافيك يا البذره
…
كان انت لبنيتك قاري
الله يجبرك عن العثرة
…
آمين، ويربح الشاري
كان الغضى ضايقٍ صدره
…
دواه تنكيس يا بكاري
وقال صالح بن عبد العزيز الفوزان الملقب (أبو حلوه):
يا حمود قم قل للدواوير يمشون
…
شدَّ الركاب وجهزه للرفاقه
امس الضحى لاقان ترفٍ على الهون
…
يمشي وينشد ويتقصقص عناقه
يوم قلت: وش مضيع؟ قال: مضنون
…
جفره مغذينه وذبحي فراقه
يلومني من لا بالأحوال يدرون
…
أغلي حلال صويحبي من نفاقه
عسى من أكلها لتسعين طاعون
…
ومن بين ربعه شايلينه وساقه
وقصتها: أنه رأى فتاة تسأل عن عناق لها ضاعت.
وقال أبو حلوة:
يا راشد يا مسندي صرت نهاب
…
لا تزعم أن الليل مع من عذابه
إدِّ الحذا من قبل هرجات وعتاب
…
من قبل سُوّ الحرب تدني ركابه
بالحق ما نصغي لشايب ولا شاب
…
ايضًا وعسار الفوجا طلابه
إن كان ساس حصني احط سرداب
…
أحبرش بك اللي ما يداوي صوابه
كان عبد الله الصالح الفوزان أبو حلوة فلاحًا فجاء إليه الذين يداينونه ومعهم المخارف لأخذ الرطب فقال:
أولاد علي لي جوك دبَّابِ
…
فازعين بالتنك سلَّه (1)
ناحرين صوب مرطابِ
…
دن ذا المخرف، وذاخلِّه
فرد عليه المحرول وهو الستاد ابن رشيد:
زاهف بالهرج كذابِ
…
ما تعرف الصدق ولا تدلِّه
وناكل الميته والهضابِ
…
بالخلق نجوِّد مصرٍّ له (2)
زرعنا بالقيظ ماشابِ
…
ما نفع دقه ولا جِلِّهْ
القرع كوخ وعيابِ
…
والمليسا نطل كله (3)
(1) دباب: راجلين، والسلة في الأصل: السيوف المسلولة.
(2)
الهضاب: جمع هضيبه بمعنى هزيلة جدا، مصر له: ما نصّره فيه.
(3)
كوخ: جمع كوخا، وعياب: عايبه، المليسا: سرقت المليسا كلها.
قال أبو حلوة (بن فوزان) ملغزًا من قصيدة:
قحبةٍ تذكر لنا توه عروس
…
ما عرفت اسمه وسميته هجوس
ترى صْفِتَه ما لَهْ سنون ولا ضروس
…
جل من ذي صنعته خلقة ذنب
ومن شعره أيضًا:
يا راكب من عندنا سمح الأطراق
…
يشبه كما وصف المذايير ساقه
شده ورده الضحى وقت الأشراق
…
وقت الصباح رباح ما فيه عاقه
وهي طويلة:
ومنهم الشيخ عبد العزيز بن صالح بن إبراهيم بن صالح بن فوزان الأول، وأبوه صالح وحيد والديه فليس للشيخ عبد العزيز أعمام، وكان والده يلقَّب (العويده) على لفظ تصغير العَوَدة، لذلك كان يُعرَّف الشيخ عبد العزيز عند من لا يعرفه بأنه (العويدة) تمييزًا له عن الفوزان الآخرين، ولكنه لا يحب هذا اللقب ويغضب ممن يسمعه إياه.
كانت ولادة الشيخ عبد العزيز بن صالح الفوزان في عام 1984 م في خضيرا.
وعين في عام 1354 هـ إمامًا في مسجد الشيخ عمر بن سليم في جنوب بريدة، وكان أول إمام له.
ثم تنقل في الوظائف القضائية حتى عين قاضي تمييز أي عضوًا في محكمة التمييز في مكة المكرمة، وذلك في عام 1380 هـ.
ثم توفي الشيخ عبد العزيز الفوزان في عام 1397 هـ وكان لا يزال في وظيفته التي هي عضوية محكمة التمييز في مكة المكرمة.
كان الشيخ عبد العزيز الفوزان قد عين قاضيًا في جازان عدة سنوات، فسألته مرة عن الجو هناك، فقال: حنا نعرف دخول (جويريد) الذي هو آخر