الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَدَّا:
أسرة صغيرة نابهة.
جاء أوائلهم من (أشيقر) في الوشم إلى القصيم، أول من جاء منهم إلى بريدة عبد العزيز بن محمد الفدا، وهو جدّ العلامة الزاهد الشهير عبد الله بن محمد الفدا، وقد يقال فيهم ابن فدَّا.
اشتهر منهم الشيخ عبد الله المذكور بالعلم والورع، بل الصلاح والتمسك بكل ما يمت إلى الدين بصلة إلى جانب حكمته وسعة أفقه.
وهو من المشايخ المتمسكين بالعقيدة السلفية بتفاصيلها التي يمثلها العلماء من آل الشيخ أهل الرياض، وآل سليم في بريدة، ولذلك ذكره الشيخ عبد الله بن عمرو الذي هو أبرز أصحاب الشيخ ابن جاسر الذين أخذوا على المشايخ من آل سليم ومن شايعهم ما أسموه تشددهم وتشديدهم في الدين وبخاصة الإنكار على من سافر إلى بلاد الأمصار واعتبارها كلها من بلاد الكفار، وذلك في الرسالة التي بعثها الشيخ ابن عمرو إلى أمير نجد في وقته محمد بن عبد الله بن رشيد، وأوردت نصها الذي وصل إلي في ترجمة الشيخ عبد الله بن عمرو.
وكنا ونحن من صغار الطلبة نسمع بالسيرة العطرة للشيخ عبد الله بن فدا من طلبة العلم، ومن العوام الذين كانوا يشيدون به وبحسن معاملته لمن يحتاجون إلى تعليم منهم.
والشيخ عبد الله بن فدا هو أول من أم بالمسجد الذي صار لا يعرف حتى الآن إلا باسم (مسجد ابن فدا) ذلك المسجد الذي قام على بنائه راشد الحميد والد الراشد الحميد الذين اشتهروا بالوجاهة في الأعمال التجارية.
كان راشد الحميد قد قام علي بناء ذلك المسجد مما دفعه من ماله وهو لا يستطيع أن يدفع كل ذلك، ومما حصل عليه من تبرعات المحسنين من أهل بريدة حتى اكتمل.
فكان الشيخ عبد الله بن محمد بن فدا هو أول من أم فيه.
واستمر يؤم الناس فيه إلى أن كبر سنه فأمَّ فيه ابنه عبد العزيز في حياة والده الشيخ عبد الله ثم توفي عبد العزيز وأبوه الشيخ عبد الله حيٌّ فعاد الشيخ إلى الصلاة فيه - أي إلى إمامة الناس فيه.
ثم قال للجماعة: يا جماعة تراي ما أصلي بكم الآن وهذا ابني عبد الرحمن إن كان تبونه فخلوه يصلي بكم وإلَّا دوروا لكم إمام، فقالوا ما نبي إلَّا عبد الرحمن، ثم صار عبد الرحمن يصلي فيه إلى أن توفي عام 1346 هـ وخلفه ابنه محمد فصلى فيه إمامًا إلى عام 1360 هـ، ثم صلى فيه ابنه عبد الكريم وبقي فيه حتى الآن 1424 هـ أي 64 سنة.
والشيخ الزاهد هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن فدا، توفي عام 1337 هـ.
أول من جاء من أسرة الفدا إلى بريدة هو عبد العزيز الفدا جد الشيخ الزاهد عبد الله بن محمد الفدا، كما قدمت فالشيخ هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز الفدا.
وهو عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن فدا.
هل له مؤلفات؟
إن الشيخ عبد الله الفدا لم يشذ عن القاعدة التي عليها مشايخه وزملاؤه من طلبة العلم في بريدة من احتقار النفس، وإنزالها أقل من منزلتها في العلم
بحيث كانوا يرون أنهم ليسوا أهلًا للتأليف أو يرون أن العلماء الأوائل قد ألفوا في أصول الدين وفروعه ما لا مزيد عليه أما التاريخ والأدب والشعر فإنه لا محل له من الإعراب عندهم.
ولذلك حتى إذا كان المرء منهم ذا ملكة أدبية لم يستطع تنميتها أو لم يرد ذلك.
ولهذا السبب لم نجد عند علمائنا مؤلفات أو رسائل أو تاريخ على مقدار علمهم أو على مقدار التحديات التي واجهتهم.
وقد سألت أحفاد الشيخ عبد الله بن فدا عما إذا كان يوجد لديهم له شيء من التأليف أو الرسائل؟ فذكروا أنه لا يوجد إلَّا ورقة واحدة في بيان الربا والتحذير منه، ولكنها فقدت في السنين الأخيرة.
أما زهد الشيخ عبد الله بن محمد الفدا في الدنيا وترفعه عن مقابلة الحكام فضلًا عن الخضوع لهم فهو مما لا يكاد يوجد له نظير إلَّا في علماء السلف الصالح من الزهاد والعباد.
وقد سألت زميلنا الشيخ عبد الكريم بن عبد الرحمن الفدا وهو حفيد الشيخ عبد الله فحدثني عن أبيه الشيخ عبد الرحمن الفدا الذي كان شاهد عيان عليها.
قال: سأل عبد العزيز بن رشيد بعد أن تولى الحكم عن علماء القصيم فذكر له الشيخ عبد الله الفدا، وكان يسمع به قبل ذلك فأخذ معه عددًا من المقربين منه، وتوجهوا إلى بيت الشيخ بجانب المسجد الذي يؤم فيه وهو المعروف بمسجد ابن فدا الذي أم فيه زميلنا وصديقنا حفيده عبد الكريم الفدا خمسًا وستين سنة.
قال ابنه عبد الرحمن: طرق ابن رشيد الباب على الوالد، وكان من عادته في بيته أن يلبس ثوب خام، والخام قماش خشن سميك نوعًا ما، ويضع ما
يشبه الغترة من الخام أيضًا على رأسه.
وكان ابن رشيد قد أرسل أحد رجاله قبل ذلك إلى الشيخ عبد الله بن فدا بأنه سيأتي إليه في البيت فلم يهتم بذلك.
فلما طرق ابن رشيد الباب فتحه ابن فدا ووقف فيه.
فقال عبد العزيز بن رشيد: السلام عليكم.
فقال ابن فدا: عليكم السلام.
فقال ابن رشيد: كيف حالك.
فقال ابن قدا ولا يزال واقفًا بالباب مواجهًا ابن رشيد وهو أمير نجد الذي يخافه أكثر الناس شجاعة.
فقال ابن رشيد: عساك طيب؟
فقال ابن قدا: الحمد لله.
ثم سكت قليلًا ولم يقل له ابن فدا: تفضل أو ادخل ولو من باب المجاملة، كما يفعل بعض الناس.
فانصرف ابن رشيد.
وقال لأحد كبار أعوانه الذين كانوا معه: حنا اللي نبي نبين هو زهده صحيح وإلّا لا.
يا فلان: خذ هذه النقود واذهب بها إليه وقل له: يسلم عليك الأمير عبد العزيز بن رشيد ويقول: هذي يتعاون بها على الذي يبي.
وقد فعل الرجل، فردها ابن فدا، وقال: أنا لدي ما يكفي حاجتي ولا احتاج إلى دراهم.
وكان الأمير ابن رشيد قد قال لصاحبه: إن رفضها قل له: يأخذها يعطيها طلبة العلم المحتاجين الذين يحضرون عليه في الدروس.
وقد فعل الرجل فرفض الشيخ ابن فدا الدراهم لنفسه ورفض أن يأخذها للطلبة! !
فعرف ابن رشيد صدقه، وسلامة قصده.
وينبغي أن نتذكر هنا أن الشيخ ابن فدا من المشايخ الذين يتزعمهم علماء آل سليم وهم يؤيدون آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولذلك يعتبرون الملك عبد العزيز آل سعود إمامًا للمسلمين منذ أول ظهوره.
فإذا ما استقبل الشيخ ابن فدا ابن رشيد بلقاء ليس وديًا فإن ذلك قد يكون مفهوم السبب عند بعض الناس وإن كان رفض النقود لا علاقة له بذلك.
ومقابلة الملك عبد العزيز آل سعود:
حدثني حفيده الشيخ عبد الكريم أن أباه عبد الرحمن بن الشيخ عبد الله الفدا، قال:
جاء الملك عبد العزيز آل سعود ليزور والدي الشيخ عبد الله وهو يعرف انه لا يستقبل أحدًا، فأراد أن يصلي معه الظهر في مسجده الذي يصلي فيه إمامًا، فقال: وعندما حان وقت الإقامة وكان الشيخ يتنفل في العادة في مكان آخر من المسجد فرأى الملك عبد العزيز وسط الصف الأول وحوله العبيد والخويا المسلحون بانواع متعددة من السلاح مما لم يره في المسجد من قبل.
وأقيمت الصلاة فصلى الشيخ بنا إماما وفي الصف الملك عبد العزيز ومن معه.
وبعد الصلاة مباشرة انصرف الشيخ إلى غرفة صغيرة له تحت منارة المسجد اعتاد أن يتنقل فيها الشيخ فجعل يصلي.
أما أنا - والكلام لابنه عبد الرحمن - فقد رحبت بالملك الذي قال: نبي نشوف الشيخ في بيته لأنه لم يسلم عليه في المسجد.
قال: فاضطررت إلى أن أدخله في قهوتنا وهي قريبة السقف، وقد بدأ أحد أبنائنا يسوي فيها القهوة بحطب رطب حتى صار الإنسان لا يكاد يرى في داخلها شيئًا من شدة الدخان.
قال: فدخل الملك عبد العزيز ومن معه للقهوة أي الغرفة التي تصنع فيها القهوة والدخان يعصف فيها، ونحن ننتظر والدي الشيخ أن يأتي حتى يسلم عليه الملك وينصرف، فذهبت إليه وبكيت عنده وقلت له: هذا الإمام جاء لنا وهو الآن في الغرفة السوداء.
قال: فذهب معنا ودخل وسلم على الملك ولم يتبادلا كثير كلام وانصرف الملك عبد العزيز عنه.
كتابة اسم الأسرة:
وقد كتبت اسم هذه الأسرة (الفدا) هكذا بدون مد، لأن هذا هو ما رأيت الشيخ الزاهد عبد الله بن فدا يفعله، وهو أعلم وأعرف بذلك من غيره.
وقد اجتمع لديَّ من كتاباته على الوثائق والمبايعات ونحوها العشرات، بل إنها قد تتجاوز ذلك إلى ما فوق المائة، وكل ذلك كان يكتب فيها اسمه عبد الله بن محمد بن (فدا).
ولكنني سمعت وأنا فتى من حفيده محمد بن عبد الرحمن الفدا وهو طالب علم أم في مسجد جدة فترة أن اسمهم (المفدى) على لفظ اسم المفعول بمعنى الذي يفديه غيره، وليس (الفدا) الذي هو على صيغة اسم الفاعل بمعنى الذي يفدي غيره.
وكان يحتج لذلك ويجادل به.
ثم عرفت عددًا من أسرتهم أهل أشيقر، فكان بعضهم يكتبون اسمهم (الفدا) مثل الدكتور عبد العزيز الفدا مدير جامعة الملك سعود في الرياض، ورأيت بعضهم مثل أحد العلماء المدرسين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يكتبه
(المفدى) ويدافع عن ذلك فظننت أن ذلك كراهية منهم لاسم الفاعل (الفدا).
وما زلت كذلك حتى عثرت على وثيقة بخط والد العلامة الزاهد عبد الله بن فدا وهو محمد بن عبد العزيز، فوجدته ذكر في اسمه (ابن مفدى) بصيغة المفعول، والوثيقة كتبها في عام 1273 هـ وهي مدينة بين سليمان بن محمد السمحان (المدين) وبين غصن بن ناصر الذي هو من السالم كما سبق ذكر ذلك قريبًا، والذي هو ستمائة وزنة تمر تزيد ثمانين يحل أجلهن في صفر من سنة 1274 هـ، واثني عشر ريال يحلن ( ..... ) 1274 هـ.
والشاهد في الوثيقة هو محمد الصالح آل جاسر والكاتب - كما ذكرنا - هو محمد بن عبد العزيز بن (مفدى).
ومحمد بن عبد العزيز هذا هو أول من عثرنا على خطوطهم من هذه الأسرة الكريمة المتعلمة.
وهذه صورة الوثيقة:
كما عثرت على وثيقة أخرى بخط والد الشيخ عبد الله بن فدا وهو محمد بن عبد العزيز بن فدا، كتبها في عام 1270 هـ مما يظهر من صنيعه في الدين المذكور فيها وأنه يحل في عام 1272 هـ وأن يبتدأ حلول الوفاء به في عام 1271 هـ.
وقد كتب فيها اسم الأسرة (ابن مفد) كما كتب في التي قبلها (مقدا)، وهو من أهل بريدة، لم أر ولم أسمع أحدًا من أهل بريدة يلقب هذه الأسرة إلا بلقب
(الفدا) وهكذا يكتب الشيخ الزاهد عبد الله بن فدا اسمها (الفدا).
والأسرة أصل بلدها الذي جاءت منه هو من الوشم ورأيت أهل الوشم منهم مختلفين في ذلك كما سبق، فالدكتور عبد العزيز الفدا مدير جامعة الملك سعود في وقته يكتب اسم الأسرة (الفدا) كما يكتبها الشيخ عبد الله بن محمد، والدكتور عبد العزيز الفدا من أهل الوشم.
ورأيت شيخًا آخر منهم من أهل الوشم يسمي أسرته (المفدى) وقال لي مشافهة: هذا الذي ينبغي أن يكون عليه اسم الأسرة.
فأهل الوشم يختلفون في كتابة اسم الأسرة، أما أهل بريدة فلا خلاف بينهم إلا ما نقلته في الوثيقتين السابقتين عن والد الشيخ عبد الله بن فدا، وأنه يكتبها (ابن مفدا)، ووثيقة أخرى ستأتي.
ولكن الذين من الأسرة في عنيزة يكتبون اسمهم أو يكتبه كتبة التعاقدات والوثائق (المفدى) وسوف انقل تلك الوثائق في كتاب (معجم أسر عنيزة) بإذن الله.
واعتقد أن الشيخ الزاهد العابد عبد الله بن محمد بن فدا هو أولى بالتقليد، والإتباع من غيره، أي أولى بمن يكتب اسم الأسرة أن يكتبه كما كتبه الشيخ (الفدا).
أما الوثيقة التي كتبها محمد بن عبد العزيز الفدا والد الشيخ عبد الله فهي مداينة بين مدالله آل حجيلان آل عمير وبين عمر بن سليم والدين ستة أريل.
والشاهد عبد الرحمن الحجيلان أخو مد الله ولا شاهد آخر معه عدا الكاتب.
ويظهر أن محمد بن عبد العزيز والد الشيخ عبد الله بن فدا كان يعرف باسم (المفدى) كما كتب ذلك بنفسه، وقد وقفت على وثيقة قيل إنها بخط العلامة الشيخ محمد بن عمر بن سليم فيها اسمه كما يكتبه بنفسه (محمد بن عبد الله بن مفدي) وليس عليها تاريخ، وخطها ليس كخط الشيخ محمد بن عمر بن سليم) المألوف لنا، والله أعلم.
وهذه الوثيقة المؤرخة في النصف من رجب سنة 1274 هـ بخط محمد بن مفدا والد الشيخ عبد الله الفدا، كتبها محمد بنفسه (ابن مقدا).
وهي واضحة الخط.
وإلى ذلك وجدت الذين ترجموا له من أهل عنيزة كابن بسام والقاضي يكتبونه (المفدى) بميم مضمومة في أوله بعدها فاء مفتوحة فدال مفتوحة أيضًا.
فهم بهذا يكتبون اسم العالم الزاهد عبد الله بن فدا بما لا يكتبه هو.
وربما كانت حجتهم في ذلك أن أبناء عم لهم سكنوا عنيزة صار اسمهم فيها هكذا (المفدى).
غير أن هذا الأمر لا يقتضي تغيير اسم أهل بريدة منهم إلى المفدى مع كونهم يكتبونه الفدا.