الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما أهل بريدة من الأسرة وغيرهم فلم أر من كتب اسمهم (المفدى) إلا محمد بن عبد العزيز والد الشيخ الزاهد عبد الله بن فدا، فإنه كتبها في موضعين أو أكثر (المفدى) كما سبق.
ولا يستغرب أن يكون اسم أسرة في مرحلة من المراحل على صفة يستقر بعد ذلك على غيرها.
فالذي استقرت عليه تسمية أهل بريدة منهم هو (الفَدَّا).
تاريخ ولادة الشيخ ابن فدا:
إن تاريخ وفاة الشيخ عبد الله بن فدا معروف باليقين التاريخي أي الجزم به تاريخيًا وهو عام 1337 هـ.
أما تاريخ ولادته فهو على عكس ذلك فقد رأيت بعض من ترجم له ذكر أن ولادته كانت في عام 1270 هـ.
ومع أن هذا يخالف المعروف عنه، إذ معناه أنه لم يعش إلَّا 67 سنة، ونحن نعرف أنه توفي وهو شيخ مسن وإن لم يكن هرمًا.
ولكن هذا دليل عقلي يحتاج إلى دليل مادي وهو موجود في كتاباته التي لدينا فبعضها مؤرخ في عام 1282 هـ وبعضها في عام 1283 هـ ومعنى ذلك أنه كتب ما كتب وهو في سن الثانية عشرة مع أن تلك الكتابات هي وثائق عقود ومداينات وشهادات يثبت بها حقوق، ولا يمكن لمن يكون عمره 12 سنة أن يكتب مثل هذه الكتابات، ولو فرض أنه استطاع فإن الناس لا يركنون إليه.
لذا يجب أن يبحث عن تاريخ آخر لولادته.
أخبار للشيخ عبد الله الفدا:
وللشيخ عبد الله بن محمد الفدا أخبار وحكايات كان يتناقلها أهل زمنه،
وهي تدل على زهده في الدنيا وورعه، وعدم خضوعه للحكام، وتطلعه إلى مناصب أو نحوها، ومن ذلك أخبار فيها غرابة.
منها أنه كان وهو إمام المسجد رأى رجلًا عند باب المسجد لم يدخله وكان المؤذن يعد المأمومين في صلاة الفجر كما هي عادة أهل بريدة التي أدركناهم عليها فيقول علنا: فلان بن فلان وكأنه يناديه فيجيبه، إن كان حضر الصلاة بقولة: نعم، أو خير، أو حاضر، وإذا لم يجبه كان معنى ذلك أنه لم يشهد صلاة الفجر مع الجماعة، ومعنى ذلك أن تقل قيمته الاجتماعية في نفوس الناس، ثم أن يعرض نفسه إلى أن يأخذ مؤذن المسجد شماغه وهو غطاء الرأس أمام الناس وبخاصة في السوق.
قالوا: وبينما كان المؤذن يعد الناس في صلاة الفجر إذا برجل يقول (حاضر) وهو عند باب المسجد فاستنكر الشيخ ابن فدا ذلك وقال له: هذا يعني إنك ما صليت، فقال الرجل: وأزيدك يا شيخ: أني علي جنابة، وجيت للمسجد فالله غفور رحيم، ولكنكم لا تعذرون.
قالوا: فأمر الشيخ ابن فدا عند ذاك بإلغاء العد.
هكذا سمعته ولا أدري أألغى العد لفترة معينة وهذا هو الذي أظنه أم بصفة مستمرة.
ومما يحكى عنه أن ابن رشيد أرسل إليه نقودًا مع رجلين من رجاله فرفض ابن فدا أن يتسلم النقود وهي من الريالات الفضية التي يسيل لها لعاب العالم غير الجاد، وقال لرجال ابن رشيد قولوا للأمير ابن رشيد إني ما أحتاج إليها، فقال أحد الحاضرين من محبي الشيخ: الشيخ يقول: سلموا لي على ابن رشيد وقولوا: الله يكثر خيره، ما لي حاجة لها الدراهم، والتفت إلى الشيخ قائلًا: ماهوب صحيح يا شيخ، فقال الشيخ ابن فدا، إن كان الأمير ابن رشيد من الصالحين فأنا أسلم عليه في كل يوم لأنني أقول في صلاتي: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين! ! !
وقال الأستاذ عبد الرحمن بن محمد الراشد الحميد في كتيب كتبه عن حياة والده:
جد والدي لأمه هو الشيخ عبد الله الفدا من علماء عصره في علومه، يروي الوالد أن الملك عبد العزيز وصل إلى بريدة ذات مرة وأراد أن يزور الشيخ ابن فدا وكان الشيخ تلك الساعة يصلي نافلة الضحى فأراد أبناء الشيخ أن يستحثوا والدهم لإنهاء صلاته ومقابلة الملك فقالوا (ابن سعود) فرد قائلًا: السعود فوق.
وقد روى لي مباشرة سليمان الصالح المطوع متحدثًا عن الشيخ عبد الله الفدا قائلًا: عندما كنت شابًا وفي سن عبد الرحمن بن الشيخ عبد الله وكنا جيران وأصدقاء بأنه ذات مرة آتى أحد أقدم رجال الملك عبد العزيز وأقربهم إليه واسمه شلهوب الزيارة الشيخ مرسلًا من الملك عبد العزيز تبعته أنا وعبد الرحمن لنرى ماذا يريد من الشيخ فتقدم إليه وقال له يسلم عليك (الشيوخ) الملك ومد للشيخ صرة بها قطع ذهبية فرفض الشيخ استلامها قائلًا: الذي يمد يده لا يمد رجله، فعاد شلهوب بالصرة وتبعته أنا وعبد الرحمن، وفينا حسرة على هذه الصرة، ولما أقبل شلهوب على الملك عبد العزيز حيث كان جالسًا أمام قصر بريدة بالساحة العامة أخذ يلوح الصرة بين يده والهواء إشارة إلى رفض الشيخ لهذه الصرة.
قلنا: إن الشيخ عبد الله الفدا زاهد عابد، ولذلك ليس له اهتمام معروف بالدنيا أو تنمية المال، ومع ذلك وجدنا له مالا داين به عبد العزيز بن فلاج وهو ثمانية وخمسون ريالًا أجل وفائها في ربيع الثاني من سنة 1308 هـ وهن عوض مرود أي الدراهم لم يتسلمها ابن فلاج نقدًا لئلا يدخلها الربا، وإنما تسلم بضاعة هي المرود الذي سيأتي التعريف به قريبًا، وعبد العزيز شري بهن بكرتين مجاهيم، أما البكرة فإنها معروفة وهي الفتية أي الشابة من النوق، والمجاهيم: السود.
ولكن اللافت للنظر قول الوثيقة: وهن داخلات بالرهن السابق لمحمد الرشيد الحميضي.
وهذا لا يكون إلا لشخص مثل الشيخ ابن فدا موضع تقدير واحترام، وإلَّا فإن التاجر لا يدخل في رهنه نقودًا لغيره كما هو معروف، مما يجعلني أقول: إن القضية كلها ربما كانت من الحميضي وإليه لم يدخل فيها الشيخ الفدا إلَّا بالاسم لكونه يملك تلك الدراهم، أو ربما كانت عنده لغيره.
والشاهد عليها علي بن علي العلندا، والكاتب إبراهيم بن الشيخ محمد العمر بن سليم، والتاريخ 5 من ذي الحجة سنة 1307 هـ.