الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصية أحمد بن فيروز:
انظر إلى هذه الأمانة النادرة التي حق لنا نحن المسلمين أن نفتخر بها، فهذا الرجل الموصي أحمد بن فيروز قد أقر في وصيته وسجل ذلك فيها وهو في بريدة بعيدا عن العراق أن اليهودي في بغداد في ذمته ثلاثين ريالًا، مع أنه لو سكت لما استطاع اليهودي العراقي أن يستخلصها بأن يأتي إلى بريدة ويخاصم حتى يحصل
عليها إن وجد من يصغي إليه، وإذا كانت لديه إثباتات كافية.
وقد يسأل سائل عن كيفية الاهتداء إلى ذلك اليهودي؟ والجواب أنه لابد من أن أحمد بن فيروز رحمه الله كان قد وصف مكانه في كلام له معتاد حتى يتصل به أهله ويستطيعوا أن يوصلوا حقه إليه، بعد أن ذكر أصله نصًّا في وصيته، إذ ليس من المعقول أن يذكر عنوان ذلك اليهودي في وصيته.
ويلاحظ أن أحمد بن فيروز قد أوصى بثلث ماله في وجوه أعمال البر، وهذا بمثابة المبدأ العام فلم يحصر ذلك في الأضحية والعشاء في رمضان، وإنما فصل ذلك بأن ينزع منه أي يؤخذ منه ابتداء وهذا هو معنى النزع عندهم حجتين وهما أن يبعث من يحج عن شخص إلى مكة المكرمة بأجرة، بمعنى أن يذهب ذلك الشخص الذي لابد أن يكون ثقة إلى مكة المكرمة ناويًا الحجة عن الذي دفع النقود إليه، وأن يقول عند إحرامه بالحج من الميقات: لبيك اللهم لبيك عن فلان بن فلان.
قال ابن فيروز في وصيته: حجتان لابنه علي وقد مات ابنه قبله، وحجة واحدة لنفسه أي للموصي ولوالديه، أمه وأبيه كل واحد حجة واحدة.
قال: والدار ولم يعرفها لكونها معروفة عندهم وهي التي يسكنها جعلها من الثلث أي تثمن ويحتسب ثمنها من الثلث فتكون وقفًا ومن غلتها ضحية وعشاء جمعة، أي في يوم الجمعة والمراد مساء الجمعة، ولم يذكر ما إذا كانت الجمعة في رمضان أو غيره، وإنما المعهود عندهم أن تكون في جمع رمضان، وأن المراد أن يكون في كل جمعة من جمع شهر رمضان.
قال: لمسجد الجردة وهو المعروف بمسجد ناصر السيف، هكذا كان يعرف عندما عقلنا الأمور، ولكن كان اسمه قبل ذلك (مسجد الجردة) ويقع إلى الجنوب من سوق قبة رشيد، وقد هدم ليوضع في مكانه ومنطقته السوق المركزي لبريدة قال:
لمسجد الجردة من الثلث وليس من غلة الدار أربعين وزنة للإمام عشرين وللمؤذن عشرين، ولم يذكر الموزون، ولكنه التمر كما هو معروف قديمًا.
وهذه العبارة اللطيفة الدقيقة التي تدل على بعد نظره وهي قوله: والوزان ثابتة ما دام النخل ثابتًا، وهذا يوحي أنه يتصور أن النخل ربما لا يثبت على الزمن أو لا تثبت غلته وهو صحيح الآن، إذ ماذا تفعل عشرون وزنة التمر وتساوي 30 كيلو قرامًا سنويًا من التمر الإمام المسجد، ومؤذنه الذي لم يدر في خلد ابن فيروز وأمثاله أن المسجد سوف يزول حتى وإن كان النخل ثابتًا وغلته متوفرة.
قال: وقربة ماء بالقيظ من الثلث وقد كتبها الكاتب بالضاد (القيض)، وذلك لعدم معرفته بالضاد والظاء في هذه الكلمة، و (القربة) كما هو معروف هي ظرف للماء لا يعرفه كثير من أهل الجيل الطالع الآن، لأنه لم يعد مستعملا يملأ بالماء في الليل ويترك يبرد وفي الصباح يشرب منه الناس، إذ يكون في شارع أو ميدان يشرب منه من شاء بالمجان.
وقد ختم وصيته بالقول: إن الوكيل على ذلك والولية عليه ابنته لولوة.
ومن الملاحظ أنه قال: والولية عليه، لأن الولاية على الوقف هي الصحيح، وأما الوكالة عليه فإنها اصطلاح لعوام الكتبة ليس صحيحًا لهذا المعنى، وقد أعطى ابنته (لولوه) الحرية في التصرف في وجوه البر مما لم يذكره، تصرفه عليه من أعمال الطاعة أي طاعة الله تعالى، وذلك مرادف لقولهم في أعمال البر.
والشاهد على هذه الوصية المهمة سليمان الحريِّص وسبق ذكر الحريص في حرف الحاء، وتاريخ الوصية في 17 صفر عام 1233 هـ أي سنة حرب الدرعية وهي بخط الشيخ عبد الله بن صقيه الذي صار بعد ذلك قاضيًا في بريدة.
وبعد ذلك ذكر إقرارًا بأشياء من النقود عليه منها ذلك الدين لليهودي في بغداد، وسبعة قروش أحمد بن عثيم في سوق الشيوخ مما يدل على أن آل عثيم كانوا أو بعضهم لا يزالون هناك.
وبعد 77 سنة وبعد ما ماتت (لؤلوه) الوصية على الوقف، التي لم يذكر الواقف أحمد بن فيروز - على نباهته - من يتولى الوقف بعدها، عهد قاضي بريدة الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم إلى اثنين من أسرة الفيروز هما محمد بن عبد العزيز بن فيروز وأخوه عبد الله بالولاية على ذلك الوقف وتاريخ ذلك في عام 1310 هـ.
ونجد ذكرًا للولوة بنت أحمد بن فيروز التي هي ولية وقف أبيها أو على الأدق ثلث أبيها من ماله لأن فيه وقفًا وغير وقف في وثيقة أخرى مؤرخة في عام 1237 هـ. بخط الشيخ عبد الله بن صقيه الذي كتب وصية أحمد بن فيروز ولكنه لم يذكر اسم (لولوه) باللفظ وإنما نعتها بأنها (بنت ابن فيروز) وأنها وكلت عبد الله بن رواف على البيع، إذ الوثيقة تتعلق بمبايعة بين عبد الله بن رواف (البائع بالوكالة) وعمر بن سليم (المشتري) والمبيع خمس نخلات شقر من ملك ابن فيروز (الذي هو أحمد بن فيروز) ولم يذكر هنا اسمه ولا اسم أبيه، كما لم يذكر في الوصية اسم أبيه.
والثمن خمسون ريالًا وصفت بأنها التي نطح بهن عبد الله (بن رواف) عمر (ابن سليم) من قبل رمية حسين بيك ولم تذكر تفاصيل الرمية المذكورة، ولكنني عرفت من أنه التزم بها (الرواف) فاقترضوا المبلغ من عمر بن سليم لصداقتهم له، ثم أوفوه ذلك فيما بعد.
والشهود هم صالح الحسين (أبا الخيل) وفهد بن مرشد (آل أبو عليان) وروق (ابن دوخي) وضبيب (آل ضبيب).
أما رمية حسين بيك فالمراد بها الضريبة، والمال الذي فرضه حسين بيك وهو قائد من قواد الترك أو المصريين الذين جاءوا إلى نجد بعد أن كان إبراهيم باشا قد احتل الدرعية وخربها في عام 1334 هـ.
وقد أعقب ذلك مجيء طائفة من كبار جيشه أو أمثاله إلى نجد ومصادرة أموال
الناس وقتل كثير منهم حتى إن الذي يمتنع عما يطلبونه منه من المال يقتلونه.
ومنهم (حسين بيك) هذا الذي خرج إلى نجد في عام 1236 هـ ذكره بذلك عدد من المؤرخين منهم الشيخ إبراهيم بن عيسى، ولذلك عندما فرض حسين بيك على نخل الفيروز في الصباخ خمسين ريالًا فرانسه وهي مبلغ كبير في ذلك الوقت لم يكن لديهم المال، وكان عبد الله بن رواف بحكم قرابته للفيروز أو حتى بحكم ولايته إذا كانت له ولاية شرعية عليهم ملزمًا أدبيًا بدفع هذا المبلغ عنهم، فاقترضه وهو خمسون ريالًا من صديقه عمر بن عبد العزيز بن سليم.
ودفعه لرجال حسين بيك، وبعد ذلك باع على عمر بن سليم النخلات الخمس من ملك ابن فيروز بخمسين ريالًا هي التي كان استلفها من عمر بن سليم.
ولذلك أعطاهم عمر بن سليم الخيار - كما هو مذكور بالورقة إلى عيد الأضحى من عام 1237 هـ الذي لم يكن حان من قبل، إن أحضروا الريالات الخمسين أخذها وبطل البيع، وإلا فالبيع لازم.
وهذه الواقعة شاهد من شواهد كثيرة على ما كان ابتلي به أهل نجد بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، فقد ظلمهم جنود إبراهيم باشا وضباطه فصاروا يقتلون من يعارضهم أو لا يستجيب لمطالبهم، ويفرضون الغرامات على الناس ظلمًا، والغريب أننا لم نسمع أن أحدًا قاومهم أو امتنع عن بعض ما كانوا طلبوه منه، كما ذكره المؤرخون.
ثم وجدت بعد كتابة ما سبق وثيقة بخط الشيخ عبد الله بن صقيه مؤرخة في جمادى الآخرة من عام 1236 هـ توضح المقصود من رمية حسين بيك أي الغرامة أو المال الذي جعل على نخل ابن فيروز مما فرضه حسين بيك عليه.
وتذكر صراحة أن عبد الله بن رواف استدان مبلغ الخمسين ريالًا يحل أجلها طلوع شوال 1236 هـ أي انسلاخ ذلك الشهر عام 1236 هـ.